رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التاريخ الجنسى للدستور!

كادت النُقطة أن تصيب الدكتور بسام الزرقا..والنُقطة لمن لا يعرف من اهل المدينة هى السكتة الدماغية بلغة الطب. ارتفع ضغط دمه بسبب المناقشات الدائرة فى لجنة الدستور، فآثر السلامة واستقال.

كانت المادة الثالثة هى القشة التى قصمت ظهر البعير..لم يتحمل الرجل ولا زميله الاحتياطى اقتراح البعض بأن يتم استبدال (المسيحيين واليهود) فى الاحتكام لشرائعهم فى مجال الاحوال الشخصية بكلمة (غير المسلمين).
اتضح لحزب النور- والعياذ بالله – أن الصياغة المقترحة تفتح الباب لزواج الاخوة والأخوات، ولزواج المثليين الجنسيين. لم أستطع تصور الدكتور بسام –عافاه الله- وهو يكظم غيظه فى لجنة تعج بالمتآمرين على عِفة الوطن وعفاف مواطنيه، فقررت البحث فى الموضوع. وبعد ساعات طويلة وجدت أن ديانات أهل الأرض جميعا لا تقر بزواج الأخوة، ولا باللواط! اتضح لى أن زواج الأخ بأخته ما هو الا مرحلة تاريخية فى بداية الخليقة وفى أيام الفراعنة! وللعجب، جاء فى العهد القديم(اليهودية) أن نبينا ابراهيم تزوج من أخته سارة، وأن بنات لوط قد ضاجعاه بعد أن أسكراه.
المسألة إذاً تاريخية، لكنها تعشش فى أذهان (النور)! ولعل تلك المفارقة تكشف كنه الوضع الذى تعيشه مصر الآن. يتعامل المصريون مع تيار يعيش فى أوهام تخطاها الزمن بآلاف السنين.  إنها ماضوية سحيقة. كلمة سحيقة تعنى "القِدم" ولا تعنى "السُحاق"، حتى لا يسئ الفهم أصحابنا فى حزب "النور"!
يحق لنا بعد الاكتشافات التى اخترعها بعض المصريين عقب ثورة يناير أن نفتخر بمناقشاتنا الدستورية والتشريعية، فلقد اتضح أخيرا لنا التاريخ الجنسى للدستور المصرى! ذلك التاريخ قد بدأ منذ استفتاء مارس 2011، عندما انقسم المجتمع بين الابقاء على دستور 71 مع بعض التعديلات،  وبين المطالبة بدستور جديد يليق بثورة يناير. كانت الحجة الفارقة التى قالها أنصار "نعم" هى أن وضع دستور جديد يعنى التخلص من مادة الشريعة وما يستتبعه من انتشار اللواط والعياذ بالله..لم يدرك البعض أن اللواط والشذوذ ينتشر فى بلدان التشدد الدينى والتغنى بالشريعة أكثر من بلدان لا تتمسح بالشريعة!
لم ينتبه دستور 1923 لتلك القضية التى تشغل أذهان الاسلامويين، فاكتفى فى مادته 149 بسبع كلمات "الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية". وكانت وقتها مصر تحت غطاء الخلافة العثمانية رغم الاحتلال البريطانى. وللعلم لم تسقط (الخلافة) التى يحلم بها الاسلامويون الا عام 1927.
ولعل التاريخ الجنسى للدستور المصرى سيذكر المناقشات التى دارت حول سن الزواج للفتاة فى لجنة دستور 2012، هل هو فى السابعة أم فى التاسعة أم أكثر؟! والحق أننى لم أر فى الدساتير شرقا أو غربا الاصرار على الاتيان بأصول وقواعد النكاح الا فى عصر مرسى وحلفائه!
هناك قاعدة فى صناعة الدساتير، وهى لا تحيل مادة الى مادة أخرى لتفسيرها. ولعلها فرصة كى نتجنب الصداع وضغط الدم اللذان قد يصيبا البعض كما أصابا الدكتور الزرقا..لذا اقترح أن نسمى الأشياء بمسمياتها، وألا نختبئ وراء صياغات مبهمة. يجب الاعتراف بدرجة التطور الحضارى والثقافى التى انحدرنا اليها. ما المانع أن نضيف بابا أخر للدستور يكون عنوانه " أصول وقواعد النكاح".. باب يضع تلك القواعد بتفصيل لتكون عامة لكل المواطنين من كافة الديانات والملل. ولعلها سابقة حضارية نختال بها بين الأمم!
وما المانع أن نضع مادة دستورية تتحدث عن إتيان المرأة وخياراته! وما المانع أيضا أن نختص مادة أخرى بمفاخذة الرضيعة، وشرعية نكاح الزوجة الميتة.. أتحدث بصدق ، فليس عيبا أن يعبر دستورنا المستقبلى عن "ماضوية" نعيش فيها، وعن "ثقافة" تم الترويج لها فى مخزون هائل من التخلف والجهل. ليس عيباً أن نعترف بأن النشاط الجنسى قد أصبح الشاغل الرئيسى وقد يكون الأوحد لقطاع كبير من المصريين والمسلمين.
ولكن يبقى سؤال هام عن المادة الثالثة، هل يجب على البهائيين والاسماعيلية والسيخ والهندوس فى بر مصر أن يتزوجوا على شريعة الله ورسوله، او شريعة عيسى وموسى عليهما السلام؟! ما الجكمة فى ذلك، وخاصة وان كل معلوماتنا عن تلك الديانات لا تسمح بزواج الاخوة أو اللواط؟!
يبدو الشاغل الجنسى كبيراً لدى الإسلامويين، فهو المحرك الأساسى فى صراعات السياسة، ووضع الدساتير والقوانين. ألم تروا "جهاد النكاح" فى سوريا، والذى لم يتذكره أحد -الحمد لله - ليضعه فى مادة "إعلان الحرب"؟!
يا ضيعة دستور ينظر له البعض بهذه النظرة. تنطلق كل شعوب الأرض لتعيش حاضر الألفية الثالثة، بينما يظل العديدون منا يحلمون بغابر الأزمان عندما كان الانسان يتزوج من أخته!