رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

د.إيمان يحيى يكتب: صِفر الديمقراطية الكبير

"الصراحة راحة" كما يقول أهل بلدنا..والصراحة تفرض علينا الاعتراف بأننا قد حصلنا على "صِّفر" كبير فى الديمقراطية. وهكذا يبدو أن الحصول على أصفار كبيرة لم يقتصر فقط على عصر مبارك إبان الترشح للمونديال الكروى. إنما أيضاً امتد مسلسل الأصفار الى العهود التى تلت "المباركية".

لم يكن صِفر الديمقراطية إلا نتيجة عوامل كامنة متجذرة فى الواقع المصرى. ليس أقلها الفقر والعوز وما يتصل بهما من تأثير رأس المال السياسى. عندنا تتحول الانتخابات البرلمانية –المفترض فيها اختيارالقادر على  التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها – الى انتخابات للمحليات، تنتج القادر على الوساطة وبذل الوعود الزائفة بالخدمات الصغيرة. لقد حصلنا على صِفر الديمقراطية، عندما تم شراء أصوات الفقراء بالزيت والسكر برلمانياً، وببعض السلع المعمرة رئاسياً!!
جهل وديمقراطية!
الجهل والأُمية؟! أى ديمقراطية تلك التى تنتج "شرعية" بأصوات أكثر من40% لا يعرفون القراءة والكتابة، بل ولعل المفارقة أن خريجى المدارس المتوسطة والتعليم الفنى بالريف لا يقدرون على الكتابة الصحيحة لأسمائهم، مما يقفز بنسبة الأمية الأبجدية الى أكثر من 60%. أما الأُمية الثقافية فحدث ولا حرج. كنا فى ستينيات القرن الماضى معتادون على رؤية الموظف المصرى يتأبط الجريدة فى ذهابه ومرواحه الى مقر عمله، وها نحن فى الألفية الثالثة نرى أغلبية أساتذة الجامعة لم يشتروا صحيفة واحدة فى حياتهم ليقرأوها. فما بالك بالكتاب والثقافة؟!
انتشرت ثقافة البداوة بتأثير فتح المجال واسعا فى وسائل الاعلام التليفزيونية والاذاعية أمام فتاوى شرب بول الرسول والقتل! أجد نفسى مدفوعا للمقارنة بين "ثقافة" الستينيات من القرن الماضى و"سخافة" الألفية الثالثة. شتان بين علماء مثل مالك بن نبى وسيد سابق وعبد العزيز كامل ورشدى فكار، وبين "دعاة" تخرجوا كصبيان على أيدى سمكرية وعجلاتية. فى مثل هكذا مناخ، تبدو تطبيقات "الديمقراطية" فى مجتمعنا كمن وضع "القلة" فى الثلاجة الكهربائية وجلس مطمئناً بولوجه عالم الحداثة!
روح واحدة واشكال متعددة
ليست " الديمقراطية" اجراءات وآليات فحسب. "الديمقراطية" روح وثقافة مجتمعية. "الديمقراطية" نتاج لتطور مجتمعى واقتصادى اجتماعى. تلك هى المسألة!
فى الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضى، انتشرت مقولات علماء السياسة والاجتماع  فى أوروبا حول مراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية فى التحول الديمقراطى فى العالم الثالث. أيامها هاجمنا تلك المقولات، ووصمناها بالعنصرية والاستعلاء. اليوم أعود لأعترف بأنهم كانوا على قدر كبير من الصَّواب. وهنا يجب أن نشير الى أن حقوق الإنسان الأساسية هى المعيار الرئيسى لتقييم الأوضاع فى أى بلد ولأى شعب، وأنها لا تتغير. أما أشكال الديمقراطية المختلفة وآلياتها فهى التى تختلف من مجتمع الى آخر.
كيف رسبنا فى الاختبار؟
عندما تمر أمام عينى تجربة الثلاث سنوات السابقة، التى تلت ثورة 25 يناير، أجدها مليئة بأصفار الديمقراطية الكبيرة. حصلنا على صفر كبير فى الديمقراطية، عندما تآمر المجلس العسكرى السابق ومهد للاخوان وحلفائهم حكم مصر! ورسبنا فى امتحان الديمقراطية، عندما تم استفتاء الشعب فى مارس 2011 على تعديل دستور 71، وتحول الاستفتاء الى امتحان للإيمان والكُفر!! وحتى عندما وافقت "الاغلبية" على التعديلات، تم القفز على

ارادتها لصنع دستور طائفى للبلاد. وجاء الصفر الكبير عندما جاء انتخاب أعضاء لجنة الدستور من اعضاء مجلسين تشريعين، وكان المفترض انتخابهم مباشرة من القاعدة الشعبية ولمهمة واحدة هى وضع الدستور.
حصلنا على صِفر آخر فى الديمقراطية، عندما انتخبنا رئيس للبلاد لا ترتقى مؤهلاته لشغل وظيفة مؤدٍ للشعائر فى زاوية صغيرة! وتكرس الصِفر، عندما ظن ذلك الرئيس أنه حاكم لصالح عشيرته وقبيلته، وأنه جاء ليُربى شعبه ويعلمه الأدب والدين! أساء الاختيار شعب، أنهكه الجهل والفقر والمرض. ونلنا صفر آخر، عندما بدأ الرئيس عهده بخيانة اتفاقاته مع من أيدوه، وعندما تنصل من اتفاق "فيرمونت". واتضح الرسوب الديمقراطى بشكل كامل، عندما انفض مستشارو الرئيس من حوله لاكتشافهم ان مكتب الارشاد يحكم بدلا منه!  ثم جاء الصِفر الديمقراطى الأخير، عندما ظن البعض ان آلية صندوق الانتخاب تستخدم لمرة واحدة فقط، وأن الشعب لا يملك الحق فى المطالبة باجراء انتخابات مبكرة! كانت الأمور فى مصر تسير فى طريق معلوم، هو أن الانتخابات التى تجئ بالاسلامويين الى الحكم ستكون بالضرورة الانتخابات الأخيرة. الديمقراطية فى عُرف الاخوان هى التى تعطيهم الرخصة فى حكم شعوبهم الى أبد الآبدين..واسألوا حماس وغيرها!
الصِفر الذى نعيشه
أصفار الديمقراطية المصرية كثيرة وكبيرة. ولعلنا الآن نعيشها بكل المرارة. حتى الاعتصامات والتظاهر السلمى، هى بلا قواعد وبلا أصول فى بلادنا. عندما يتحول التظاهر (على الطريقة المصرية) الى قطع للطرق وحرق للمنشئات العامة والخاصة ومغازلة لحرب أهلية، يصبح الحديث عن ديمقراطية عالمية واحدة مجرد هراء.
مصر تبحث عن طريقها الى الديمقراطية. وهو طريق خاص يحتاج الى مراعاة درجة تطورها الاجتماعى الاقتصادى والسياسى والثقافى. الديمقراطية تبدأ من رغيف الخبز، وتمر عبر اشباع حاجات الانسان الأساسية. الديمقراطية ثقافة قبل أن تكون اجراءات وانتخابات. الديمقراطية لا تنفصل عن التطور التاريخى لأى شعب. تلك الحقيقة طالما أنكرناها كمثقفين بدافع الكرامة الوطنية والطموح.
لكنها لحظة المصارحة والحقيقة!
اذا لم ندركها، وقعنا مرة أخرى فى صفر جديد!!       

-------         
   د.إيمان يحيى
كاتب واستاذ جامعى