رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إصلاح الجهاز الإداري .. قضية أمن قومي

يعتبر الجهاز الإداري لأي دولة أو ما يطلق عليه أيضا جهاز الخدمة المدنية على قدر كبير من الأهمية وينعكس أداء هذا الجهاز سواء كان ايجابيا أو سلبيا على جميع المواطنين، فالجهاز الإداري هو الجهاز الذي يتعامل معه جميع المواطنين يوميا وخصوصا في الجوانب الحيوية بالنسبة لهم مثل التعليم والصحة والإسكان والمرافق والضمان الاجتماعي وغيرها من المجالات التي تحظى باهتمام المواطن، وبحيث يسهم الجهاز الإداري وقدرته على الأداء والإنجاز (أو عدم قدرته) على تكوين الصورة الذهنية لدى المواطنين عن الدولة ومؤسساتها وبرامجها ومدى ما تتمتع به من تقبل لدى المواطنين مما ينعكس بالضرورة على شرعية النظام السياسي ككل سلبا وايجابا وهو ما يجعل من قضية اصلاح الجهاز الإداري وزيادة قدرته وكفاءته بمثابة قضية أمن قومي، ويحتاج جهاز الإدارة المصري إلى اصلاح وزيادة قدرته على الأداء والإنجاز ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية:

أولا: عراقة الجهاز الإداري المصري، فإذا كانت مصر تعتبر من أكثر دول العالم عراقة وعرفت فكرة الدولة الموحدة والجهاز الإداري المنظم قبل غيرها من الدول بآلاف السنين، فإن ذلك يفسر بطبيعة السلطة المركزية الشديدة التي عرفتها مصر منذ القدم وكان من الضروري أن يصاحبها الجهاز الإداري القوي والمؤثر باعتباره ضرورة حياة واستمرارية للمجتمع المصري، فمصر التي تعتمد منذ فجر التاريخ على نهر النيل وكانت في حاجة إلى عملية ضبط النهر وإقامة الخزانات والسدود للحماية من مخاطر النهر وتخزين الحاصلات الزراعية وتنظيم الحصول على الضرائب مما استلزم وجود سلطة سياسية مركزية قوية ويصاحبها بالضرورة الجهاز الإداري القوي والمؤثر والذي تستطيع من خلاله السلطة المركزية أن تتغلغل في مختلف أنحاء الأقاليم، واستمر الجهاز الإداري مؤثرا في العصر الحديث حيث كان من الأدوات المهمة التي اعتمدت عليها مصر الحديثة في عملية بناء الدولة في عهد محمد علي، كما استمر الجهاز الإداري مؤثرا وقويا في الفترة التي أعقبت ثورة يوليو 1952 وطوال أكثر من ستة عقود، ورغم ما أدت إليه الثورة من انهيار المؤسسات والتشريعات والأجهزة المتواجدة قبلها فإن الجهاز الإداري ظل محافظا على كيانه وتأثيره، بل كان في حالات متعددة من الأدوات المهمة التي اعتمدت عليها الثورة للوصول إلى المواطنين.
ثانيا: عقبات تواجه الجهاز الإداري المصري، فرغم الأهمية الكبرى للجهاز الإداري في مصر فإن هناك عقبات متعدده تواجه هذا الجهاز وتجعل من الضرورات الملحة البحث عن حلول لعلاجها، وتتمثل أهم هذه العيوب والعقبات فيما يلي:
أ- الفساد الإداري، ويرتبط الفساد الإداري في أغلب الحالات بعدم تطبيق القوانين واللوائح أو التحايل على تطبيقها، أو منح منافع لغير المستحقين أو عدم وصول المنافع أو المصالح لمستحقيها ومخالفة صحيح القانون ويرتبط ذلك بالحصول على منفعة شخصية للموظفين الإداريين سواء

كانت منفعة مادية أو غيرها بما يمثله ذلك من مخالفات قانونية أو عدم حصول الدولة على بعض حقوقها (الجمارك - مخالفات البناء – السوق السوداء وغيرها) ولذلك فإن فساد الموظفين في الجهاز الإداري يعتبر من أهم عوائق قدرة الجهاز الإداري على أداء مهامه.
ب- البيروقراطية، ويقصد بالبيروقراطية في الأصل أداء العمل وفقا للقواعد والإجراءات المعلنة والمعروفة للجميع وبحيث يتسم هذا الأداء بالموضوعية والبعد عن الشخصنة، أما المقصود بها في المعنى الاصطلاحي فهو عرقلة أداء العمل وإطالة المدة الزمنية اللازمة للإنجاز والحصول على عائد مادي من جانب الموظفين من المواطنين، وبحيث يكون أداء الخدمة لمن يدفع المقابل للموظف وبذك تختلط البيروقراطية في المعنى الاصطلاحي بالفساد على النحو السابق الإشارة إليه.
ج- التعددية المبالغ فيها في التشريعات والتي تتيح للموظف الإداري الذي يمارس الفساد فرصة للتلاعب والتحايل وخصوصا إذا كانت بعض التشريعات تنطوي على درجة من عدم الاتساق أو التضارب حيث يمكن استغلالها من جانب الموظفين الراغبين في الفساد.
ثالثا: الإصلاح الإداري والإصلاح السياسي، فمن الملاحظ وجود درجة كبيرة من الارتباط بين الجانبين السياسي والإداري، ولذلك فإن الإصلاح السياسي لا ينفصل عن الإصلاح الإداري، فالجهاز الإداري هو الصورة الإدارية لسلطة الدولة ويحتاج إلى اتخاذ إجراءات فعالة لإصلاحه سواء من خلال محاربة الفساد أو القضاء على المحسوبية، بالإضافة إلى تحديث الهيكل التنظيمي والوظيفي فضلا عن إعادة توزيع الموظفين وقياس أدائهم ودرجة الجودة في هذا الأداء بالإضافة إلى تطبيق نظام الحكومة الإلكترونية لتقليل التعامل المباشر بين المواطن والموظف الذي يؤدي إلى تزايد احتمالات الفساد، فضلا عن إعادة التدريب والتأهيل للموظفين حتى يمكن أن يسير الإصلاح الإداري موازيا للإصلاح السياسي، وذلك نظرا لاعتبار الإصلاح الإداري من القضايا شديدة الأهمية بالنسبة لمصر والتي يمكن اعتبارها بمثابة قضية أمن قومي.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة