رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الفصل المرن بين السلطات

فى خضم الأزمة الدستورية المفتعلة الأخيرة المتعلقة ببطلان ميلاد مجلس الشعب المنحل، وذلك بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير، تداول العديد من المعارضين لانحلال مجلس الشعب وفقا للحكم المشار إليه، مبدأ "الفصل بين السلطات"، وتم الزج به من دون أية مناسبة، ومن دون شك فقد ذهب هؤلاء إلى الفصل المطلق وليس النسبى بين السلطات الثلاث فى الدولة: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ذلك المبدأ الذى ضرب من جذوره فى تاريخ الإنسانية والفقه الدستورى والسياسى منذ قرون خلت.

وقع الأمر أن مبدأ الفصل بين السلطات الذى ظهرت أماراته فى القرن السابع عشر وهو عصر الثروات الديمقراطية الإنجليزية، والأمريكية، والفرنسية، كان قد تمخض اثر انتهاء الصراع بين الملكية والشعب الذى أفضى فى النهاية بالإطاحة بالملكية المطلقة وحلول الملكية المقيدة مكانها، وسرعان ما حاولت الملكية أن تعيد سابق عهدها، فقامت ثورة أخرى عام 1688 قضت على الملكية المطلقة نهائيا فى بريطانيا، وفى أمريكا أعلن الاستقلال التام عام 1776 إثر الثورة الشعبية ضد المستعمر البريطانى، وفى فرنسا فقد أعلنت الثورة الفرنسية عام 1789 حقوق الإنسان والمواطن ما أدى إلى بروز مفكرين متميزين بعدائهم المطلق للحكم الاستبدادى، أمثال: جون لوك، روسو، منتسكيو.
لقد رأى هؤلاء أنه من الصواب عدم تركيز السلطات فى يد باطشة واحدة، لأن النفس البشرية عادة ما تقع فريسة للأهواء، فتسيء استخدام السلطة، وتصبح خطرا على الحرية، وأن التجارب الأبدية تثبت أن كل إنسان يتمتع بسلطة يميل إلى إساءة استعمالها، ويظل متجها نحو هذه الإساءة إلى أن يجد حدودا أمامها،فالسلطة تحد السلطة، ولكى لا تقع الإساءة بالسلطة، يجب أن توقف السلطة سلطة أخرى، وحين يصبح فى يد شخص واحد أو هيئة حكومية واحدة السلطة التشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية فلا نكون بصدد حرية، ولا يكون ثمة حرية إذا كانت سلطة القضاء غير منفصلة عن السلطة التنفيذية، وإذا انضمت إلى السلطة التشريعية أصبحت سلطة كيفية، وإذا انضمت إلى السلطة التنفيذية فسيكون للقاضى قوة المستبد.
وإذا كان الفيلسوف مونتسكيو (1689-1755) كان قد تفتق ذهنه إلى الحقيقة القانونية المنطقية وهى استحالة أن يجمع فردا واحدا أيما كان ذلك الفرد السلطتين التنفيذية والتشريعية فى آن واحد، فكيف نبرر زعم بعض ما ذهب إليه مستشارى السيد رئيس الجمهورية فى الآونة الأخيرة أن السيد رئيس الجمهورية بصدد إلغاء الإعلان الدستورى المكمل؛ ومن ثم انتقال السلطة التشريعية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة لسيادته فضلا عن سلطته التنفيذية، وذلك فى ظل انحلال مجلس الشعب.
إن المثير للصدمة فى ذلك السياق المصرى الغريب، وهذه الحالة السائدة من الهرج والمرج، والتى تسببت فيها بشكل كبير وسائل الإعلام المصرية، التى سمحت لغير المتخصصين فى أدق المسائل القانونية كافة، وهى القانون والقضاء والفقه الدستورى، أن يزجوا بمبدأ "الفصل بين السلطات"، فى معرض هجومهم على حكم المحكمة الدستورية ببطلان ميلاد مجلس الشعب، حيث يزعمون بأن الحكم القضائى يخل بالمبدأ المشار إليه، ويعد تجاوزا ومغالاة من السلطة القضائية على السلطة البرلمانية ممثلة الشعب. وفى ذات الوقت يناقضون أنفسهم الآن ويدافعون عن رغبتهم فى تولى السيد رئيس الجمهورية السلطتين التشريعية والتنفيذية معًا.
جلى أن التفسير الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، بأنه قاعدة من قواعد فن السياسة، وليس مبدأ أو قاعدة قانونية بالمعنى الصحيح، وهذا يعنى أنه يكون مرنا ومتطورا

وفقًا لاحتياجات الدولة، فينشأ تعاون وتوازن بين السلطات، وفقًا للحاجة.
والتفسير الخاطئ لهذا المبدأ، اعتباره نظرية ميتافيزيقية، يؤدى إلى الفصل المطلق بين السلطات وبالتالى فشل الأنظمة القائمة عليه.
وفى الواقع فإن مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على دعامتين: توزيع وظائف الدولة على ثلاث هيئات، وعدم تركيز هذه الوظائف فى يد هيئة واحدة، خوفًا من الاستبداد والطغيان، والفصل بين السلطات الثلاث، لا يعنى الفصل المطلق والتام، وإنما الفصل مع التعاون والتوازن بينها، فالسلطة التشريعية تملك حق الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وتملك الثانية حق إصدار اللوائح التنظيمية، ويراقب القضاء السلطة التنفيذية من خلال تنفيذها السليم للقواعد الموضوعة من السلطة التشريعية، وتتداخل السلطتان التشريعية والتنفيذية مع السلطة القضائية، من خلال العفو العام والخاص، فالفصل المطلق لا وجود له إلا بين المؤسسات فقط، وإنما لا فصل بالوظائف.
إن مبدأ الفصل بين السلطات نشأ بهدف مقاومة الملكية المطلقة والاستبداد ولا حاجة له فى وقتنا الحاضر فهو أمر ينافى الواقع، حيث إن الاستبداد والطغيان لا يرتبطان بعصر معين، وإنما يكونان رهن تركيز السلطات بيد هيئة واحدة، الفصل بين السلطات وحده يحقق الحرية ويمنع الاستبداد فى أى وقت وليس فى حقبة معينة.
و يعنى المبدأ أيضا، مباشرة خصائص السيادة بوساطة هيئات مستقلة استقلالاً تامًا أمر غير مستطاع، وإنما يضعف سهم النقد، إذا كان هناك تعاون وتوازن بين السلطات،وتوزيع المسئولية وإضعافها فى ظل الفصل التام، أما فى ظل الفصل مع التعاون فإن المسئولية تحدد بشكل دقيق.
القول إن مبدأ الفصل بين السلطات نظرى بحت، ولا يمكن تطبيقه من الناحية العملية، يرد عليه بأن تفوق السلطة التشريعية على السلطات الأخرى هو أمر طبيعى لكونها السلطة، التى تستمد السيادة من الشعب، وهى السلطة المنظمة للسلطات الأخرى.
ان النظم التى أخذت بمبدأ الفصل بين السلطات هى التى انهارت، أما التى أخذت بالفصل المرن فإنها ازدهرت وانتشرت فى وقتنا الحاضر إلى درجة كبيرة.
وختاما، أرى وجوب التروى والتأنى حين تتخذ القرارات المصيرية الوطنية، والتى ترتبط بالمصالح العليا للبلاد، خاصة فى ظل المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر، وعلى القانونين التحلى بالاستقلالية والحيدة والمصداقية، وعدم التحزب لفريق، أو التعصب لجماعة، وأن تكون دوما قبلتهم القانون وحسب .