رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

قراءة قانونية تاريخية في مفهوم العصيان المدني :

ثارت  في  الاونة  الاخيرة  تعبيرات و  مصطلحات  سياسية  و  قانونية  ,  اكتنفت  المشهد  الثوري  في  مصر  بعد  ثورة  25 يناير  المجيدة  ,  و اقصاء  النظام الفاسد  البائد  للمتهم  محمد  حسني  مبارك , و  ساد مصطلح العصيان المدني المشهد السياسي في البلاد  ,  و  بلا  منازع ,  و  حاول البعض  ممارسة  ذلك  النهج  من  أشكال  الرفض  و العصيان  للسلطة  الحاكمة  في  البلاد  ,  من  أجل  تحقيق  استحقاقات  ثورية  معينة  , لم  يحصل  عليها  الثوار  حتي  الان  بعد  مرور  عام  من  الثورة  المجيدة  .

و  العصيان  المدني  , يعني رفض  الامتثال  و  تنفيذ  التشريعات  و القوانين  و  اللوائح  ,  للسلطة  الحاكمة  في  البلاد  , أو  سلطات  الاحتلال ,  و  ذلك  للضغط  علي  السلطات  المشار  اليها  لاثنائها  عن  القوانين  الجائرة  ,  من  وجهة  نظر  الرافضين  , أو  لرفض  سياسات و  ممارسات  و  اجراءات  معينة ,  و  قد  يلجأ  للعصيان  المدني للضغط  لنيل  الاستقلال   في  الأقاليم  و  الدول  التي  ترزح  تحت  نير  الاستعمار  أو  الاحتلال .

و  خلافا للحق في  الاضراب  ,  فان  المواثيق  الدولية  و التشريعات الوطنية  , لم    تعترف بان  اللجوء

للعصيان  المدني – بشكل مطلق – يعد  غاية سياسية  مشروعة    , كحجة  لانتهاك  التشريعات  و القوانين  و اللوائح  , التي سنتها  حكومة  شرعية  منتخبة   تحقيقا  للعدالة  ,  و صيانة  للنظام  العام  ,  و  تجسيدا لمبدأ  الشرعية ,و يبين  الاستثناء  في  شرعية  اللجوء للعصيان  المدني  و  غيره  من  أشكال  الرفض ,  في  حالة  الاحتلال  ,  حيث دأبت  المواثيق و  الاعلانات  الدولية الصدارة  عن منظمة  الامم  المتحدة  ,  و  غيرها  من  منظمات  دولية  اقليمية ,  علي  كفالة   اللجوء  لكافة الاساليب  و  الادوات  لنيل  الاستقلال  و  حق  تقرير  المصيربما في ذلك   القوة  المسلحة .

لقد  لجأت   العديد  من  الشعوب التي  رزحت  تحت  نير  الاستعمار  و  الاحتلال   الي   العصيان المدني   ,  و ذلك  لاجل  نيل  الاستقلال و استئصال  شأفة   الاستعمار , و  المثير  في معرض  الحديث  عن  التأصيل القانوني  لمعني العصيان المدني ,  أن  مصر  في  العام  1919 كانت  من  أوائل  دول العالم  في  التاريخ الحديث ,  التي  انتهجت  هذه  النهج  لاجل  الحصول  علي الاستقلال  التام  ,  أو  الموت الزؤام  , كما  كان  يردد  المتظاهرون  المصريون , حيث  أجمعت جموع  الشعب  المصري في  ذلك الوقت  , بعد  نفي  الزعيم  المصري  سعد  زغلول و رفاقه  خاج  مصر ,   الي  اللجوء الي   العصيان المدني ,  للضغط  علي  المحتل  البريطاني  كي   يمنح  البلاد  الاستقلال   و  الحرية  التي  كانت  تتطلع  اليهما  منذ  عام  1882 ,  فشمل  العصيان المدني  سائر  أنحاء  البلاد  ,  و شارك  فيه  كل  العباد  من طلبة  المدارس  و  الجامعات  و  عمال  البريد  و  البرق و الترام  و  السكك  الحديدية  و  المحامين ,  و  ضم  الاضراب  في  النهاية  سائر  الموظفين  الوطنيين  العاملين  في  دواوين الحكومة  ,   حتي  انتهي  العصيان العام  و  أتي  ثمرته  غير  الناضجة  بمنح بريطانيا  لمصر   صك  الاستقلال  غير  القابل  للصرف في  فبراير  من  عام  1922 .

أما  في  غزة و القطاع  المحتلين  ,  فقد  لجا  الاشقاء  الفسلطينيون  أيضا  لهذه  الوسيلة  للرفض  و الضغط  ,  علي  السلطات  الاسرائيلية  لنيل  استقلالهم  المروم ,  حيث شملت  الانتفاضة  الفلسطينية   الاولي  المسماة  بانتفاضة  الحجارة   في  ديسمبر  1987   العصيان العام  التام    ,  و لم  يتوقف  العصيان  المدني الفلسطيني  الا  في  عام  1993  بعد  توقيع  اتفاقية  أوسلو  مع  الاسرائيلين .


ان  النظرة الفاحصة  للعديد  من    المواثيق  و  الاعلانات   الدولية  الصادرة  عن  منظمة  الامم  المتحدة  تكشف  عن  حق  الافراد  في  اللجوء للاضراب  فضلا  عن    التجمعات  السلمية -  المظاهرات -  لا  العصيان المدني ,  و ذلك  بحسبانهما حقين   اساسيين  من  حقوق  الانسان , و يأتي  الاعلان  العالمي  لحقوق  الانسان  الصادر  عن  المنظمة  في  عام  1948 ,  و  العهد  الدولي  للحقوق  الاقتصادية  و الثقافية  و الاجتماعية  الصادر  أيضا  عن  المنظمة  الاممية  في  عام 1966    علي رأس  المواثيق  الدولية  التي ترسخ  الحق  في  الاضراب  و التجمع  السلمي . فحين قضي   القضاء  المصري ببراءة كافة 

المضربين  من   عمال  سكك  حديد  مصر  في  الواقعة  الشهيرة عام  1986 ,  فقد  أسس  الحكم  حيثياته  علي  انضمام  مصر  للعهد الدولي  المشار  اليه  سالفا  و  الذي  يكفل  للعمال  الاضراب ,  و  هنا  تثرينا  الحالة  المصرية  بمدد مهم في سياق  الممايزة  بين  مفهوم  الاضراب  و  مفهوم  العصيان المدني  العام .

و لم  تخرج  التشريعات الوطنية  عن  المواثيق  الدولية  في  ذات  الاطار ,  حيث لم  تقر  هذه  التشريعات الوطنية  في  معظم  دول  العالم  ,  اللجوء  الي  العصيان  المدني كحق  من  الحقوق  الاساسية  للانسان , باعتبار  أن  هذه  الفعل  يعد  خروجا  عن النظام العام  ,  و  انتهاكا  للشرعية  التي  تجسدها  التشريعات  و القوانين  ذاتها .


,  و ذلك  بالنظر الي  أن  العصيان  المدني في  مجمله  اعتراضا  و  عصيانا  لتنفيذ  التشريعات  و القوانين  السارية  ,  بغض  النظر  عن  الغايات  و  الاهداف  السياسية  ,  و  الاقتصادية  ,  و الاجتماعية  و  غيرها  من  مطالب  أخري  قد  يسعي  المشتركين  في  الاعتصام  المدني  لتحقيقها .

فاذا  كان  النظام  العام يعد  صورة  مادية  ملموسة  مجسدة  لحالة  النظام المناهض  للفوضي , و  أنه يعد  ايضا  ,  مجموع الشروط  اللازمة  للامن  و  الاداب  و  النظام  و  الصحة   التي  لا  غني  عنها  لقيام  علاقات  مستقرة  بين  سائر  أنحاء  المجتمع  في  دولة  معينة  و  في  حقبة  زمنية معينة , فانه  ما  من  شك  أن  العصيان  المدني في  هذه  الحالة  يقوض  اسس  النظام  العام  للدولة ,  و  من  ثم  فان  المصالح  القصوي  للمجتمع  ,  تتطلب  تدخلا  من  الدولة  في  هذه  الحالات  و  ذلك  من  أجل  اعادة   النظام  العام  للحالة  العادية  الطبيعية  ,  بعد  أن  حاقت  به  الاخطار  ,  و تبدد  الخوف  و  الروع  و  الهلع  من  جانب  المواطنين ,  الذين  اعتديت  علي  حقوقهم  الخاصة  في  الامن  و السكينة  و   الحرية  .

ان  حريات الافراد  و  حقوقهم  يقابلها  حق  الدولة , لذلك  فلضمان  استقرار  , بل  دوام  الدولة  و  بقائها ,  لابد  لها  من  النظام ,  و  عليها  أن  تدرء كافة  الظروف و  الملابسات  و  التي  قد  تحيق  خطرا  بهذه  الدولة ,  و  هنا  فالدولة  ليست  هدفا  بحد  ذاتها  للدولة ,  لكن  الافراد  - عناصر  هذه  الدولة  -  الذين من  دونهم  ما قامت  الدولة   هم  الهدف  الاساسي  لتدخل  الدولة  لحفظ  النظام  العام . فحريات الافراد  ليست  مطلقة  ,  كما  أن  النظام  العام  أيضا  يجب  ألا يكون  مطلقا ,  حيث يكون  النظام  العام  ديمقراطيا  حينما  يكون  نسبيا  لا  مطلقا , فلابد  من  قيود  لاتقاء  الفوضي و  عدم  الاستقرار , لكن  من  الحمق أيضا  وضع  القيود  ما  لم  تكن  في سبيل  المصلحة العامة  و  خاضعة  لرقابة  القضاء .

----------------

أستاذ القانون الدولي العام