رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو إعلام جديد

 

دعونا نتفق علي أن فاعلية أداء أي جهاز حكومي تقاس بقدر مدي إشباعه لتوقعات الناس بجميع فئاتهم وهم دافعو الضرائب الذين يتوقعون عائداً عادلاً. يقول المبدأ الإداري البديهي إن كل انفاق للمال أو الوقت أو الجهد يجب أن يكون له عائده سواء كان مالياً أو اجتماعياً، وفي المجال الإعلامي يكون العائد الاجتماعي هو الأهم.

من حيث الأداء المالي فقد قدرت خسائر جهاز التليفزيون في الفترة الماضية نتيجة سوء الإدارة بعشرة مليارات بتقدير متحفظ، وعندما تنفق المليارات علي الإعلام مثل إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي والقنوات الإقليمية وإنتاج برامج وشراء مسلسلات... إلخ، نتوقع أن يكون العائد الاجتماعي مجزياً من حيث الإسهام في تربية النشء والتثقيف السليم والترفيه الهادف، لكن هل جاء العائد الاجتماعي مناسباً؟ هذا هو السؤال.

العائد الاجتماعي المفترض أو المتوقع له ثلاث زوايا: أما الأولي فهي غرس القيم الصالحة والسلوكيات القويمة لدي الناس لاسيما النشء »بالتكامل مع الأدوار المفترضة لوزارتي التعليم والثقافة«، وذلك من خلال زرع هذه القيم في البرامج والمسلسلات والأفلام التليفزيونية ببراعة النص والإعداد والإخراج والأداء التمثيلي، مع إبراز سير القدوة من الأعلام في العلوم والتاريخ والأدب والفن بما يسهم في بناء الشخصية الوطنية السوية، وأما الزاوية الثانية فهي الترفيه والتسلية. وأما الثالثة فهي التثقيف الاقتصادي والتاريخي والسياسي والديني والعلمي من خلال إنتاج وعرض برامج ثقافية هادفة يتضافر علي إنتاجها العديد من الكفاءات الفكرية والثقافية والعلمية والإعلامية التي تزخر بها مصر.

إذا كان هذا هو الدور الأساسي للجهاز الإعلامي، فهل نجح التليفزيون بالمليارات التي أنفقت في الفترة الماضية - مثلاً - في إنشاء قناة للثقيف العلمي مثل قناة ديسكفري؟ وهل هناك من يزرع ثقافة دينية وسطية وقيماً وسلوكيات أصيلة لدي الناس؟ وهل شارك التليفزيون والإذاعة في تقديم ما قصر فيه التعليم من نشر ثقافة تاريخية وسياسية وعلمية؟ وأين علي سبيل المثال برامج حجبت دون سبب معلوم وحرم منها الناس رغم نجاحها منقطع النظير مثل »العلم والإيمان« للمفكر الكبير مصطفي محمود، و»نور علي نور« للمفكر القدير أحمد فراج، و»عالم البحار« للعالم الكبير حامد جوهر، و»عالم الحيوان« للإعلامي المتمكن محمود سلطان، وبرامج الإعلامي القدير حمدي قنديل السابقة وغيرها؟ نطالب بعودة مثل هذه البرامج القيمة. فلماذا نحجب كنوزاً ثقافية لدينا ونترك الناس للأعمال المسطحة الركيكة من المسلسلات والأعمال التي كان التليفزيون يشتريها من منتجيها بالملايين من أموال الشعب وتلك الخارجة أحياناً علي القيم مثل »الجريئة«، وتلك التي تتكلف المليارات تنفق سنوياً علي إنتاج مسلسلات كثير منها هزيل في مستواه من حيث الفكرة المعادة والنص الضعيف والسيناريو المهلهل، ولماذا نترك الإعلانات وأربابها للسيطرة علي المحتوي الإعلامي بما يجافي الأصول المهنية الإعلامية؟

إن الإدارة السليمة لأي جهاز من وجهة نظر استراتيجية تحتم - إضافة لتحليل التكلفة والعائد - التحليل الدوري لنقاط القوة والضعف »في كيان الجهاز الإعلامي« والفرص والتهديدات »في البيئة الخارجية لهذا الجهاز«، أما نقاط القوة فتتمثل في عدد كبير من القنوات التليفزيونية الرئيسية والإقليمية والإذاعات، لكن نقاط الضعف كثيرة، أهمها طاقم متواضع الكفاءة الثقافية واللغوية - في الغالب - من المذيعين ومعدي ومقدمي البرامج، لقد غابت اللغة العربية السليمة ولم نعد نسمعها، إلا في الفضائيات العربية والأجنبية الناطقة بالعربية مثل العربية والحرة والجزيرة، وكذا في الإذاعات العربية والأجنبية الناطقة بالعربية مثل »لندن« و»مونت كارلو«.. إن اللغة العربية السليمة وإن غابت عن بعض الناس فلا يجب أبداً عن تغيب عن الجهاز الإعلامي أي عن مقدمي ومقدمات نشرات الأخبار في الإذاعة والتليفزيون ومقدمي البرامج الحوارية الذين يعتمدون العامية لغة وحيدة للأسف الشديد، بينما تجد غير ذلك في الإعلام العربي والأجنبي الناطق بالعربية، هل هانت علينا لغتنا إلي هذا الحد؟ وأين ذهبت معايير جودة الأداء الإعلامي؟

من ناحية أخري، لعلنا نلاحظ الفرق الكبير بين كثير من المذيعين والمذيعات ومقدمي البرامج في التليفزيون المصري ونظرائهم في القنوات الفضائية العربية والأخري الأجنبية مثل الفرنسية والبريطانية والروسية الناطقة بالعربية. الفرق شاسع في ملامح الوجه وهيئة الجسم واللغة والإلقاء والحضور والتأثير. أتصور أن أي قناة تليفزيونية محترمة تضع معايير محددة يتعين التقيد بها لوزن المذيع أو المذيعة، ويكون تجاوزها سبباً لحجبه أو حجبها عن المشاهدين.

كذلك فإن المشاهد والمستمع لنشرات الأخبار في التليفزيون والإذاعة يفاجأ بالعديد من الأخطاء اللغوية وأخطاء النطق، وإلي جانب قصور الأداء في قواعد اللغة ستجد أن بعض الألفاظ تنطق خطأ حاملة معني غير المعني الأصلي. وقد لا يدرك قارئ النشرة ذلك مما يدل علي عدم قراءة مسبقة للنشرة قبل إلقائها أمام الميكروفون في غياب صريح لقيمة الاتقان، وللرقابة علي الجودة وثقافة الثواب والعقاب، تدل الأخطاء في اللغة علي تعليم قاصر بالطبع وعلي تعيينات بالمجاملات حتي اقترب الجهاز الإعلامي من أن يكون جهازاً عائلياً.

وفي البرامج الحوارية ستلحظ ضحالة المستوي الثقافي واللغوي لمعدي البرامج ومقدميها، أين جيل مذيعين ومذيعات أكفاء مثل جلال معوض وسلوي حجازي وليلي رستم وغيرهم ممن كان لديهم من المستوي الثقافي، ما يجعلهم يحاورون إعلامياً مثل طه حسين وتوفيق الحكيم في حوار دسم وراق.

أما بالنسبة للإذاعة المسموعة، فتجد في إذاعات البرنامج العام والشرق الأوسط علي سبيل المثال بعض المذيعين والمذيعات من الشباب يستخدم كلمات أجنبية قد تكون بسبب ما تلقاه بعضهم من تعليم بالمدارس الخاصة الأجنبية أو للتظاهر بأنهم من طبقة أعلي كما يتصورون، والأمثلة كثيرة يمكن التقاطها يومياً. فأين معايير الأداء الإعلامي الإذاعي والتليفزيوني. أين الرقابة علي الأداء أم أن رؤساءهم لا يجدون في ذلك عيباً ولا غضاضة؟! ناهيك عن ظاهرة أخري معيبة هي تخصيص مساحات زمنية تقترب من ساعتين يومياً لتلقي رسائل علي المحمول من المستمعين بشأن موضوع يحدده لهم المذيع مثل الغيرة أو الحب أو السعادة، ويتلقي البرنامج رسائلهم فيتلوها المذيع والمذيعة بالتناوب ومعظمها كلام سطحي من مستمعين معظمهم من محدودي الثقافة وليتهم من الأدباء أو المفكرين المؤثرين، فهل هذا هو الدور الإعلامي التثقيفي؟ لا مانع من تلقي خواطر الناس لكن ليس بهذا الشكل، ولماذا لا تحل محل هذه المساحات الزمنية برامج التثقيف بشتي صوره وبرامج التسلية الهادفة، هل هو فقر في معدي البرامج أو ثقافتهم وقدراتهم الفنية أم في القيادات الإعلامي ذات المستوي المهني الراقي؟ يحتاج السبب أو الأسباب لعلاج فوري، فلماذا تلاحقنا إذاعاتنا بالأغاني الفقيرة في النص واللحن والصوت والذوق العام لتمر دون تدقيق أو رقابة؟

أما عن أسباب القصور فمن اللازم الاجتهاد في تحديدها كأساس للعلاج، أحد أهم هذه الأسباب هو الواسطة، واتفق في

ذلك مع حديث الإعلامية القديرة آمال فهمي فيما نشر لها بـ»المصري اليوم« بتاريخ 31 مايو 2011 قالت فيه إن صفوت الشريف »كان همه الكم وليس الكيف، وعين مذيعين بالواسطة وكان يستبعد الموهوبين والأقوياء وأن الواسطة علي مدي عشرين عاماً أفسدت الإعلام المصري«. ونضيف لذلك غياب الرؤية والتوجه الإعلامي الاستراتيجي، وغياب التخطيط للمنافسة الشديدة في مجال الإعلام، والانفاق دون دراسات للجدوي ودون تقييم للتكلفة والعائد، والإسراف في الانفاق علي حفلات وسهرات دون برامج مخططة هادفة، وقصور التدريب الإعلامي السليم وبرامج تطوير العاملين والعاملات وغياب معايير تقييم الأداء الإعلامي الفردي والمؤسسي.

لقد نجح عبدالقادر حاتم في الستينيات - برؤية إعلامية استراتيجية، وتكنولوجيا إعلامية متواضعة - في إنشاء جهاز إعلامي بالغ الجودة والتأثير. حقق الرجل ريادة إعلامية حقيقية بينما ادعي ويدعي أحد من تولوا وزارة الإعلام في الماضي القريب - علي غير الحقيقة - ورغم الانفاق الباهظ أن لدينا ريادة إعلامية، كانت هذه الريادة يوم كان هناك معايير للجودة وانتقاء واع لمعدي ومقدمي البرامج والمذيعين والمذيعات.

أذكر أنني في صدر حياتي العملية تقدمت لإعلان نشره اتحاد الإذاعة والتليفزيون يطلب تعيين مذيعين ومحريين ومترجمين، ومررت بسلسلة من اختبارات الذكاء والمعلومات العامة والترجمة من العربية للإنجليزية وبالعكس اجتزتها جميعاً، لكنني لم أوفق في اختبارات الصوت في الاستوديو أمام لجنة من كبار المفكرين والمهنيين الإعلاميين آنذاك ضمت السادة أنيس منصور ود. مهدي علام عميد آداب القاهرة وهو قامة علمية وفكرية شامخة آنذاك وعضو ثالث من كبار الإعلاميين لا أتذكر اسمه، هكذا كان ويجب أن يكون انتقاء من يعمل بهذا الجهاز الإعلامي الخطير، فأين نحن من ذلك الآن؟

ولن ينصلح الحال إلا بقيادة إعلامية لديها رؤية إعلامية استراتيجية ومهارات الإدارة المعاصرة، والاستقطاب والانتقاء الموضوعيين للكفاءات وفق متطلبات مهنية لمن يشغل الوظائف في القطاع الإعلامي بدلاً من الانتقاء علي أسس عائلية وبالواسطة بغض النظر عن الكفاءة. إن العاملين بجهاز الإعلام بالذات من معدي البرامج والمخرجين ومقدمي البرامج وغيرهم من المهنيين الإعلاميين، يجب ألا يكونوا مجرد موظفين بل موظفين فنانين لديهم - إضافة لمتطلبات الأداء الإعلامي اللازمة - مهارات الابداع الإعلامي، هذا مع تحديد معايير موضوعية للأداء والتقييم.

تتضمن اتجاهات الإدارة المعاصرة مبدأ المقارنة المرجعية وهو باختصار أن تحدد مجال أو مجالات الضعف لديك ثم تبحث عن منافس متمكن في الأداء في هذا الصدد وتسعي لجمع معلومات بقدر ما يمكنك عن سبب وكيفية تميزه، ثم تضح جدولاً زمنياً للارتقاء بأدائك لتبلغ مستوي المنافس. فإذا بلغت مستواه بدأت بالبحث عن منافس أقوي وتكرر ما فعلت، وهذا سبيل من سبل التحسين المستمر، فهل سعت قيادات الإعلام المصري لرصد مجالات تميز قنوات فضائية وإذاعات عربية وأجنبية عديدة جذبت المصريين وأثرت فيهم فتحولوا إليها؟ الإجابة بالنفي طبعاً، وإلا لما فقدنا ما كان من ريادة إعلامية.

والخلاصة أن إصلاح حال الإعلام المصري يكمن في المحاور التالية التي آمل أن تبدأ فوراً:

١- اختيار قيادة متميزة لديها رؤية إعلامية استراتيجية ومهارات إدارية معاصرة، لرئاسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون من الكفاءات المشهود لها حتي وإن كان من بين القيادات الإعلامية السابقة، يقدم برنامجه للبرلمان وعند إجازته، يكون مسئولاً أمام نواب الشعب عن تنفيذه بحرية كاملة وفق معايير مالية محددة وتحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

٢- يقوم رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بغربلة وانتقاء القيادات التي تعمل معه من حيث توافر المهارات الفنية والإدارية والقيادية، وفق معايير مهنية للاختيار بحيث تتوافر لهم قاعدة علمية ثقافية مهنية مناسبة، مع تعهدهم بالتدريب المستمر وتطبيق معايير حازمة للمظهر والأداء.

٣- ألا تتغير القيادات المهنية المتميزة بتغير وزير الإعلام، فطالما كانت ناجحة في مهمتها يتعين استمرارها.

٤- أن تسعي القيادات - بضمير حي - لتكوين صف ثان وثالث كل في مجاله.

٥- الكف عن التعيينات الجماعية بالواسطة والمجاملات، فهناك آلاف مؤلفة من الموظفين تزخر بهم طوابق مبني الإذاعة والتليفزيون بأعداد أحسب أنها تفوق الحاجة الفعلية للعمل، ويري الزائر للمبني عدداً غير قليل منهم يجلسون علي المكاتب دون عمل وبعض المكاتب تجدها بلا موظفين.

٦- اعتماد الشفافية والموضوعية والحياد في الجانب الإخباري بتقديم صورة واقعية للأحداث حتي يكسب الجهاز المصداقية التي تهيئ ثقة الناس.

٧- تحجيم سيطرة المنتجين والإعلانات علي المحتوي الإعلامي.

ولعل ما تقدم يسهم في عودة ما كان من ريادة إعلامية تليق بمكانة وقامة مصر.