رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التغيير.. بالتعليم

 

للتغيير الايجابي عديد من السبل، ويختلف التغيير عن التغير، فالتغيير هو ما تحدثه انت مخططا متعمداً، أما التغير فهو ما يحدث حولك دون أن يكون لك فيه يد، لقد تعرضنا في فترة طويلة مضت لتغير للأسوأ في كثير من مناحي الحياة، لعل أسوأها ما كان في التعليم باعتباره قاطرة التنمية والتقدم وسواء كان هذا التغيير وليد إهمال السياسيين أو تعمدهم "وهو تغيير سلبي في حالة التعمد" فقد جاء وقت التغيير الايجابي بفضل شبابنا الذين أشعلوا ثورة 25 يناير.

 

تمثل التغيير الذي حدث علي مدي خمسين سنة مضت تقريباً في انحدار تدريجي لعناصر منظومة التعليم من حيث مضمونه "المناهج والأنشطة" والمدرس والمدرسة والمعامل والتجهيزات وما الي ذلك، بينما أهدرت مليارات كانت تكفي لتعليم متقدم لو توفرت الرؤية والادارة الاستراتيجية الفاعلة، كان انهيار منظومة التعليم بسبب عوامل متشابكة أهمها: غياب الرؤية السياسية لأهمية التعليم بمراحله وقنواته "عام وفني" وتواضع المخصصات المالية وقصور الثقافة والاعلام وتدهور منظومة القيم، وكانت النتيجة خريجين من مراحل التعليم يفتقر معظمهم للمطلوب عصرياً من معارف ومهارات وقيم وسلوكيات.

إن التغيير في مراحل التعليم قبل الجامعي مطلوب وممكن من خلال مزيج من الرؤية وصياغة رسالة جديدة مؤداها أن التعليم سبيل لموارد بشرية تنافسية تسهم في التنمية، ثم أهداف استراتيجية تتناول المناهج وطاقم التدريس والمباني والمعامل والتجهيزات، ويتطلب ذلك بالتبعية - وانسجاما مع هذه الرسالة - مضاعفة تدريجية للمخصصات المالية، ونظراً لأن موضوع التعليم متعدد الأبعاد فسأقصر هذا المقال - لحد كبير - علي الغيير الممكن بلوغه في التعليم الجامعي، فمن موقعي المتواضع ضمن هيئة التدريس بالجامعة أري الطلاب القادمين من مراحل ما قبل التعليم الجامعي في مستوي متواضع للغاية، ومن ثم فلا غرابة ان كان خريجو مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا "الماجستير والدكتوراه" ايضا في هذا المستوي.

من المسلم به أن تقدم الأمم مرهون بتقدم التعليم، وأن التقدم التكنولوجي متوقف علي فاعلية برامج البحث العلمي، وأن التقدم في أي مجال أو نظام يتطلب جودة المدخلات وجودة تحويلها لمخرجات "العملية التعليمية" ومن ثم جودة المخرجات "مستوي الخريجين ومدي وفائه باحتياجات سوق العمل"، وأن جودة التعليم ليست بعدد الخريجين بل بجودة تحصيلهم واعدادهم للتنافس في سوق عمل محلي وعالمي، وفي الحديث عن تقدم التعليم والبحث العلمي هناك شجون أود عرضها بصراحة هادفا المصلحة العامة، فالتشخيص الصريح يفتح باب العلاج الصحيح، وهذه أهم الشجون:

1- خريجو الثانوية العامة بشكل عام يأتون للجامعة وقد اكتسبوا قدرة الحفظ الذي يعطل العقول وافتقدوا - عبر التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي - قدرات التفكير والتحليل والربط والاستنتاج، كذلك افتقدوا قيما لازمة للتقدم مثل: قيم وسلوكيات العمل الجماعي والابداع وقبول النقد ونقد الذات، وهي قيم لم تعد تزرعها - في الغالب الأعم - الأسرة ولا المدرسة ولا وسائل الاعلام لا سيما القنوات الفضائية، من ناحية اخري ألاحظ تواضعاً شديدا في مستوي نسبة كبيرة من خريجي الثانوية العامة في اللغة العربية واللغة الانجليزية، ولعل نظرة الي كراسات الاجابة في الشعبة العربية والشعبة الانجليزية كفيلة بتأييد هذه الملاحظة، وعندما تكون أهم مدخلات التعليم الجامعي بهذا الشكل المتواضع فهل نتوقع جودة هذا التعليم؟

2- من مدخلات التعليم الجامعي ايضا اعضاء هيئة التدريس بالجامعة، إنهم يفتقرون للأجر العادل الذي يسمح بشراء المراجع الحديثة "وهي لازمة اساسية" والمظهر اللائق وعموما مستوي الحياة المناسب، لقد تحددت اجورهم في السبعينيات بينما قفزت الاسعار وقفزت اجور فئات اخري من العمليات مرات ومرات.

3- كما أن قانون الجامعات الحالي لا يحثهم علي البحث العلمي للترقي من مدرس لأستاذ مساعد ثم استاذ، فأداء الجامعة يقوم علي ساقين هما: البحث العلمي والتعليم، وما لم ينخرط عضو هيئة التدريس في البحث العلمي المستمر مطلعا، قارئا، باحثا وكاتبا فلن يكون لديه الجديد ليقدمه لطلابه، ومن ثم سيدرس ابني وابنك القديم دون الجديد وتبدو جامعاتنا في ترتيب متأخر عالميا كما حدث مؤخراً، إن قانون الجامعات - علي خلاف المعمول به في دول العالم المتقدم والنامي - لا يشجع الذين انجزوا في مجالات تخصصهم بحافز مالي أو أدبي سوي الترقية، ولا يعالج من قصروا فيها، إن تطوير قدرات اعضاء هيئة التدريس لا يجيء فقط من خلال محاضرت تدريبية كما حدث ويحدث، مع تجاهل حتمية ممارسة البحث العلمي المستمر حتي لمن رقوا لدرجة الاستاذية، إن البحث العلمي المستمر، وليس الاقدمية من أهم معايير تميز عضو هيئة التدريس بالجامعات المتقدمة، وأود التنويه لأن ما أعرضه هنا لا ينفي وجود العديد من أساتذة الجامعات مبرزين في مجالاتهم اسهموا ويسهمون بقدر ما يستطيعون في اداء متميز مسلحين بعلمهم الغزير وضمائرهم الحية.

4- من شجون التعليم الجامعي غياب الجودة رغم ما انفق من ملايين في هذا الصدد دون

جدوي، فمن مدخلات التعليم الجامعي المهمة البرامج التعليمية التي يضم كل منها مجموعة من المقررات، ويتعين ان تكون هذه البرامج والمقررات حديثة ومحدثة باستمرار ولن يقوي علي الركض وراء الجديد فيها سوي اعضاء هيئات تدريس حسن اعدادهم ويستمرون في متابعة واستيعاب الجديد من خلال بحث علمي مستمر، فاذا غابت هذه المتابعة فكيف يمكن تحديث وتجويد برامج التعليم الجامعي في جامعاتنا؟

5- فإذا تمثلت مدخلات التعليم الجامعي في الطالب الذي جاء للجامعة مفتقدا قدرات التحصيل ما عدا الحفظ، وعضو هيئة التدريس الذي انشغل عن البحث العلمي ساعياً - ولا يلام في ذلك - لتأمين الحد الادني لحياته واسرته، والبرامج التعليمية المتقادمة والمكتبات المتواضعة، والمباني الجامعية التي لم تعد متناسبة في سعتها وتجهيزاتها لأعداد الطلاب ومتطلبات الدراسة ونظم الادارة الجامعية التي تحتاج لما نسميه في الادارة بالتحسين المستمر، فكيف نتوقع جودة للتعليم الجامعي وخريجيه؟

6- في مرحلة الدراسات العليا كالماجستير والدكتوره، اذا جاء خريج المرحلة الجامعية الاولي فقيراً في تحصيله بسبب تقادم مقرراتها وتواضع ما تلقاه من عضو هيئة تدريس لم يبحث في الجديد، مشغول عن متابعة طلابه بالسعي وراء تأمين متطلبات الحياة، فهل نتوقع رسائل علمية جيدة تسهم في إثراء برامج عصرية للبحث العلمي؟

7- مخصصات البحث العلمي متواضعة للغاية من حيث ما يخصص لتمويل برامج البحث في مراكز البحث العلمي بالجامعات والمراكز البحثية الاخري التابعة لوزارات متعددة ولتزويد المكتبات الجامعية بالدوريات العلمية الحديثة والتجهيزات المعملية ومستلزمات التجارب العملية، وهذا ليس ذنب وزير التعليم العالي والبحث العلمي لكنه وليد التوجه العام في تصميم الموازنة العامة للدولة وهو توجه يري في البحث العلمي ترفاً، بينما أراه أنا - وقد تراه أنت - سبيلاً رئيسا للتقدم.

8- من الشجون التي لا تخطئها العين ايضا، توجه وسائل الاعلام لرفع من أوتوا مهارات لعب كرة القدم والغناء والرقص درجات وخفض شأن العلماء في مجالات البحث العلمي المختلفة، انظر الي لاعب كرة يصاب في مباراة فتتخاطف الصفحات الاولي بالصحف أخباره وكيف تم انقاذه واسم الطبيبة التي أنقذته وكيف أنقذته "وهذا حقها بالمناسبة طالما أحسنت صنعا"، وانظر الي ما نشر من فترة قصيرة عن منح جوائز البحث العلمي لبعض اساتذة الجامعات، لقد نشر هذا الموضوع في أحيزة صغيرة للغاية بالصحف كما لو كان الامر موضعاً للخجل، بينما كان واجباً اعطاء التكريم الاعلامي اللائق لمن كرموا من العلماء وتصميم برامج اعلامية تجمع بين التبسيط والتشويق - لتعريف الشباب بهؤلاء العلماء: ماذا انجزوا وكيف انجزوا وما يمكن ان يعود علي الوطن من انجازاتهم، وأن يستضافوا علي وسائل الاعلام ليشرحوا للشباب كيف نشأوا وكيف تفوقوا وكيف أفادوا تلامذتهم، وكيف يمكن أن يحذو الشباب حذوهم ويكونوا مثلهم، لماذا لا يعرف شبابنا عن علماء افذاذ بما يجعلهم قدوة لهم، وهذه بعض امثلة ففي الطب: ابراهيم بدران ومجدي يعقوب ومحمد غنيم، وفي الكيمياء أحمد زويل وفي الذرة مصطفي مشرفة، وفي الادارة أحمد فؤاد شريف وعلي السلمي، وفي القانون السنهوري ويحيي الجمل وفي الادب عباس العقاد وطه حسين وفي العسكرية أحمد عرابي وعبد المنعم رياض ومحمد فوزي.. وللحديث بقية.

أستاذ الادارة - جامعة بنها

www.ahmadmostafa.com