عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التجسس وانتهاء أخلاقيات الأعمال

مع التقدم الخطير فى تكنولوجيا المعلومات ظهر رديف آخر للتجسس السياسى والعسكرى هو التجسس المعلوماتي، فمع تزايد الشركات التى تتوسع فى تطبيقات تكنولوجيا المعلومات لتحسين الأداء الإدارى والإنتاجى والتسويقي، يتزايد عدد الشركات والهيئات العاملة فى التجسس التجارى أو المعلوماتى.

وأصبحت تكنولوجيا المعلومات - وهى المزيد المتكامل لتكنولوجيا الحاسبات والاتصالات - أحد أهم سبل تعظيم القدرة التنافسية للشركات، حتى إننا لا نبالغ إن قلنا إن ملاك المعرفة وتكنولوجيا المعلومات أصبحوا أقوى من ملاك الأموال، فمن يأخذ بناصية تكنولوجيا المعلومات يتمكن من تطوير المنتجات وعمليات إنتاجها وخفض تكلفتها وتحسين جودتها وتسويقها محلياً وعالمياً فى ساحة تتزايد فيها حدة المنافسة، وإذا كان التزود بتكنولوجيا المعلومات أمراً حيوياً وضرورياً، ويسهم فى تعزيز قدرات شركاتنا، فإن له تبعات مؤثرة أخرى، وتستحق اهتماماً كافياً فى مجال أمن المعلومات، لقد أدى التقدم المتلاحق فى تكنولوجيا المعلومات إلى تزايد استخدامها فى مجال التجسس الصناعى والتجاري، أو ما سماه البعض بالقرصنة الفنية والتجارية.
فقد أفرزت المتغيرات البيئية السياسية، والاقتصادية والفنية ظهور السباق الاقتصادى بديلاً لسباق التسلح، وخصصت الدول المتقدمة موازنات ضخمة ومتزايدة لتطوير برامج البحوث التكنولوجية، وهنا ظهر دور التجسس الاقتصادى وليس فقط العسكرى فى المساعدة على كسب المعارك الاقتصادية وتحفل السوق العالمية بكثير من جواسيس أو لصوص الصناعة والتجارة، وبعضهم دبلوماسيون يسرقون أبحاثاً استغرق إعدادها سنوات وتكلفت ملايين ويسربون أسرارها لشركات منافسة بدولهم أو بدول أخرى، وشهدت السنوات الأخيرة قيام عدد من الشركات الصناعية مثل الشركات الصينية بنقل أسرار تكنولوجيا صناعية من الولايات المتحدة وكندا وصنعت سلعاً على ضوء ذلك بل وصدرتها لهاتين الدولتين لتباع فى أسواقها بثلث أسعارها الأصلي. وإلحاق هذا خسائر كبيرة بشركات هاتين الدولتين فى مجال السلع الإلكترونية وأشرطة التسجيل، وفعلت نفس الشيء تقريباً شركات فى دول أخرى مثل تايلاند وهونج كونج وتايوان وبولندا. وشمل إطار السارقين سماسرة معلومات محليين يتجسسون على شركة أو شركات لحساب شركة محلية أخري. وفى منتصف التسعينيات من القرن الماضى تورطت شركات يابانية تعمل فى صناعة المعدات الثقيلة فى التجسس الصناعى على بعضها البعض باستخدام سماسرة للمعلومات، وشملت قائمة هذه الشركات: «ميتسوبيشي» لبناء السفن والصناعات الثقيلة، و«كوماتسو» لصناعة معدات البناء، و«كاواساكي» للصناعات الثقيلة، كذلك لا ننسى تمكن أحد هواة الحاسب من اختراق شبكة معلومات البنتاجون منذ أعوام قليلة.
وتحولت أولويات المخابرات من كشف الأسرار السياسية والعسكرية إلى جمع المعلومات عن المواقف التفاوضية لمنافسى الدول فى صراعاتها الاقتصادية ويصدق ذلك على كثير من الدول وحتى أعضاء الدول الثمانى الكبرى Great Eight. واتجهت أجهزة مخابرات متعددة لمساندة شركات دولها فى الفوز بصفقات كبيرة فى مجال التجارة الخارجية. فأسهمت فى نشر شائعات لتشويه سمعة شركات منافسة. ونشبت منازعات دبلوماسية بين دول مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية حول ممارسات مضادة لأجهزة مخابراتها لمساعدة شركاتها عند دخولها فى مناقصات للفوز بعقود على المستوى العالمي. وذلك بالكشف عن رشاوى قد تقدمها دول أخرى للفوز بهذه المناقصات. وفى مواجهة مثل هذه الممارسات أنشأ بعض أجهزة المخابرات مثل جهاز المخابرات الكندى برامج خاصة لتوعية المسئولية بالشركات الصناعية بسبل حماية أسرار صناعاتهم، وبالأجهزة الحديثة المستخدمة فى سرقة التكنولوجيا، وبممارسات جواسيس المعلومات الصناعية.
وفى أبريل 2009 أعلن موقع BBC أن شبكة تجسس صينية تجسست على أجهزة كمبيوتر بعديد من السفارات الأجنبية العاملة بالصين وعلى وزارات خارجية عديدة من الدول بواسطة برنامج تجسس خاص يستطيع السيطرة على هذه الأجهزة مع إرسال وتلقى معلومات يريدها المتجسس، كما يمكن لهذا البرنامج  التنصت على ما يدور فى الغرف والقاعات التى تضم هذه الأجهزة، وتمكنت الشبكة من اختراق 1295 جهاز كمبيوتر فى 103 دول.
وفى العدد 42 من مجلة بحوث اقتصادية الصادرة عن الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ورد أن شبكة

Echelon تجسست على العديد من الدول. وقد أفادت وكالة الفضاء الأمريكية NASA  من تسجيل محادثات بين مصنع الأقمار الصناعية اليابانى وإندونيسيا لكى تقتنى الأخيرة معدات وتجهيزات فضائية إلكترونية بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي، لكن جورج بوش الأب تدخل لدى الحكومة الإندونيسية وأفسد العملية على اليابان ليمكن الشركة الأمريكية للهاتف والتلغراف AT & T من تقاسم الصفقة مع NEC اليابانية.
ومع معاناة الاقتصاد الأمريكى من تدفق صادرات السيارات اليابانية للسوق الأمريكية بما يسبب العجز فى الميزان التجارى الأمريكى مع اليابان، تهدد الولايات المتحدة الأمريكية من آن لآخر بفرض رسوم قد تصل إلى 100٪ على بعض أنواع السيارات اليابانية. وفى خضم هذه المعاناة وخلال انعقاد جولة المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان فى صيف 1994 بجنيف، تنصتت المخابرات الأمريكية على محادثات أجراها الوفد اليابانى الذى يضم وزير التجارة مع مسئولى السيارات اليابانية «تويوتا» و«نيسان» بحيث أمدت الممثل التجارى الأمريكى بتقرير سرى عن هذه المحادثات لمعرفة خطط ونوايا اليابانيين فى هذا الصدد، مما أفاد المفاوضين الأمريكيين بدرجة أو بأخرى فى ضغوطهم على اليابانيين، ليحصلوا على تنازل يابانى ملموس.
تؤدى السرقة التكنولوجية لإلحاق خسائر كبيرة بالشركات المجنى عليها التى أنفقت الجهود والملايين أو المليارات على برامج للبحوث والتطوير استغرقت سنوات، وقد اكتشف عدد من الشركات الكندية لتصنيع الأقمار الاصطناعية وأجهزة الفضاء أن هناك جواسيس يحضرون فى المعرض السنوى الذى تشارك به فى باريس بهدف سرقة أسرار بعض المعدات المعروضة، كما فقدت شركات صنع الحاسبات والأجهزة الإلكترونية الكندية ملايين الدولارات نتيجة سرقة مصانع صينية لتصميمات أجهزة أمريكية وكندية وتصنيعها وتصديرها للدولتين دون خجل وبيعها هناك بأسعار تقارب نصف مثيلاتها بأسواق الدولتين، كما تلحق خسائر اقتصادية بالحكومات فى الدول التى تم التجسس بها وسرقة أسرارها، وكما يقول أحد خبراء التخطيط الاستراتيجى الكنديين، فإن الاتحاد السوفيتى قد وفر 57 مليوناً من الدولارات من موازنة البحث العلمى بعدما حصل على أسرار علمية من دول أخرى.
وهناك باب آخر لسرقة المعلومات عن طريق موظفى الشركة الذين ينقلون عبر البريد الإلكترونى معلومات سرية إلى شركة منافسة تعمل فى نفس المجال - نظير مبالغ مالية - مما يؤدى إلى خسارة كثير من المناقصات، وهكذا فإن حقوق الملكية الفكرية يمكن أن تتبدد بفعل التجسس التجاري. وهنا يثور سؤال: هل تنبهت شركاتنا لأن التجسس لم يعد سياسياً أو عسكرياً؟ ومن ثم هل تطورت تكنولوجيا حماية المعلومات بقدر تطور تكنولوجيا سرقتها وتشويهها؟

-------

أستاذ الإدارة - جامعة بنها