عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوزير الذي يتمناه الشعب

هل الوزير مدير؟ الإجابة بالطبع وبالتأكيد نعم. لكنه مدير من طبقة الإدارة العليا، إنه يدير موارد قومية ضخمة. مخصصات مالية بالميارات وعاملين بالآلاف ومباني وأصولاً بمليارات ومعلومات لازمة لصنع القرارات، والوزراء هم المناط بهم صنع القرارات الاستراتيجية. تلك القرارات التي يُفترض أن تهيئ العائد المخطط اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا،

وينصرف أثرها لأجل طويل، وتؤثر علي نوعية ومستوي جودة حياة المواطنين، وكذا علي مدي فاعلية أداء الشركات العاملة في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي. والقرارات الاستراتيجية التي يصنعها الوزير - في شقها المالي - ترتب تكلفة كبيرة وينصرف أثرها - إن إيجابا أو سلبا - لمدي زمني طويل وتؤثر علي الاقتصاد القومي، وهي - كقرارات استراتيجية - يتعذر الرجوع عنها، أو قد يمكن الرجوع عنها لكن بتكلفة كبيرة. ولعل في قضية سياج الأخيرة مثالاً مفيداً بهذا الصدد.
والوزير يضع الخطة الاستراتيجية والسياسات العامة لوزارته ويبرم الاتفاقيات مع مؤسسات عالمية ويعتمد قرارات التصرف في أصول قومية مثل تخصيص أراض أو خصخصة شركات عامة ويرشح أو يعين رؤساء الهيئات العامة وكبار القيادات التابعة لوزارته، ويعتمد دراسات الجدوي لمشروعات تخصص لها ملايين ومليارات، فضلا عن أنه يخصص الموارد المالية (مليارات) لأوجه الإنفاق والمشروعات المخططة.
وللوصول الي متطلبات شغل وظيفة الوزير كمدير استراتيجي يتعين أن ننظر لطبيعة مهام الوزير التي سبق ذكرها إضافة لإدراك أن ما يمارسه الوزير هو باختصار: الإدارة الاستراتيجية أي تلك الإدارة التي تتميز بالتفكير الاستراتيجي وتصميم الأهداف الاستراتيجية والخطط الاستراتيجية المؤدية لبلوغ هذه الأهداف، وصنع القرارات الاستراتيجية تنفيذاً لهذه الخطط، والتنسيق بين الأهداف المتعارضة. إن مستوي فاعلية الإدارة والقرارات الاستراتيجية بالجهاز الإداري للدولة التي يمارسها الوزراء هو المحدد الرئيسي لفاعلية الاقتصاد القومي ومدي نموه. وهو ذلك المستوي الذي يمكن أن يحسن استخدام الموارد العامة أو لا يحسن استخدامها، وأن يجذب الاستثمارات أو يطردها. وأن يمتص البطالة أو يساهم في زيادتها، ومن ثم يمكن أن ييسر نمو الناتج القومي أو يعوقه.
أما عن الظروف والضغوط التي يعمل بها الوزير فهي ليست سهلة يسيرة. إنها تتميز بساعات العمل الطويلة والصراعات متضمنة ما قد يحدث من بعض خلافات الرأي أو المصلحة مع وزراء آخرين أو مع بعض كبار مساعديه أو بعض أعضاء مجلس الشعب أو مستثمرين ذوي مصالح،وهي ألوان من الصراع تستلزم السلوك السياسي Politics. هذا فضلا عن ضغوط الوقت وقصور الموارد المالية المخصصة من الموازنة - أحيانا - وقصور البيانات أو المعلومات.
ما هو المطلوب إذن؟ مطلوب إعداد جيد لمن يتولي الوظيفة العامة في أعلي مراتبها. ولا يجب أن يخجل أو يتردد من رُشح للوزارة أو من أصبح وزيرا في أن يتسلح أو يستزيد من تكنولوجيا الإدارة المعاصرة باعتباره مديرا أعلي، ومسئولا عن خدمة شعبه بأفضل ما تكون هذه الخدمة العامة. إن كبار القادة في الدول المتقدمة لا يخجلون أو يترددون في هذا الصدد فلماذا لا نكون كذلك؟ أم هي ثقافتنا القائلة بأن الكبير يعرف أكثر. فحتي الأستاذ الكبير قد لا يعرف شيئا يعرفه تلميذه.
وقد فطنت دول متقدمة ونامية كثيرة لخطورة الدور الذي يؤديه الوزير فصممت برامج لإعداد الموظف العام تشمل المرشحين للوزارة لضمان أن يكونوا أكفاء في مناصبهم. وأذكر هنا علي سبيل المثال تجربة فرنسا في المدرسة القومية للإدارة Ecole Nationale Des Cadres Administration (ENA) التي أنشئت عام 1945. بهدف إعداد الموظف العام لا سيما في المراتب العليا

من خلال التدريب علي تنمية المهارات في مجالات أساسية: كالإدارة والقانون والاقتصاد، وتهيئة مهارات استخدام أدوات الإدارة وتطوير الطاقات الفكرية الإبداعية. وهناك أيضا تجربة الهند التي أنشأت معهد «أحمد أباد» عام 1961 لنفس الغرض.
إن وظيفة الوزير بهذا الشكل الذي سبق عرضه تتطلب بإلحاح أن يتوافر في شاغلها حزمة من الخصائص الجوهرية أهمها التمكن من مهارات الإدارة الاستراتجية. والحس السياسي من حيث قدرته علي رسم سياسة وزارته انسجاما مع السياسة العامة للدولة وتوجهات مجلس الوزراء والطموحات الشعبية، وقدرته علي معالجة المعارضة بالسلوك السياسي مستخدما مزيجا متناسبا من الإقدام والإحجام بالقدر والتوقيت المناسبين لكل منهما لكسب التأييد وتحجيم أو تحييد المعارضة. ومهارة صنع القرار الاستراتيجي، والتفكير الابتكاري بما يتطلبه من خيال، وحدس، واستشراف للمستقبل.
زد علي ذلك أهمية توافر الوعي المهني متضمنا المعارف والمهارات والخبرات في مجال عمله، والجرأة من حيث حساب تبعات القرار الاستراتيجي وتحمل مسئولياتها ونتائجها علي المدي الطويل، والقدرة علي تصميم سيناريوهات بديلة كمناهج مخططة للتصرف لاقتناص الفرص وتوقي أو معالجة التحديات، والحضور الشخصي والقدرة علي الإدارة الميدانية بالتواجد الرشيق في مواقع الأحداث وبين الناس، القدرة علي فهم الشخصيات كأساس لحسن اختيار المساعدين الأكفاء، ومهارات التفويض والتمكين وتكوين الصف الثاني، والقدرة علي تحفيز المساعدين الأكفاء والاعتراف بجهودهم، والقدرة علي العمل بروح الفريق داخل مجلس الوزراء، والقدرة علي زرع روح الفريق بين العاملين معه، واللياقة البدنية، وإجادة لغة أجنبية علي الأقل، والقدرة علي التعامل مع تكنولوجيا المعلومات، والنزاهة. إن وزيرا يفتقر لهذه المقومات أو بعضها يمكن أن يكون عبئا علي النظام السياسي ومعوقا لبلوغ أهدافه الجماهيرية.
إن حاجتنا كبيرة لان تفيد من تجارب دول سبقتنا كالهند وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في إعداد جاد لكبار موظفي الدولة (الوزراء ورؤساء الهيئات العامة وما في حكمها). فنحن لسنا أقل حاجة من تلك الدول لحسن إعداد من يتولون قمة الهرم الإداري في بلادنا. ولنتحرر من ثقافة أن الكبير - حتما - يعرف أكثر ومن التردد أو الخجل في الجلوس علي مقاعد المتدربين أو حتي في المؤتمرات والندوات الإدارية المحلية والعالمية. فخطورة المنصب والآمال المعقودة عليه تتطلب تسلحا بكل المعارف والمهارات اللازمة لإدارة فاعلة وقيادة مؤثرة. والله الموفق.

----------

أستاذ الإدارة - جامعة بنها