رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

احتجاز الرؤساء

بينما توقعنا أن تسفر ثورة 25 يناير عن تغييرات إيجابية فى المناخ السياسى والاجتماعى وفى بيئات العمل وسلوكيات العاملين، فقد ظهرت ثقافة وسلوكيات جديدة لم تتوقف عند حد الاعتصام، بل تعدى الأمر ذلك إلى احتجاز كثير من الرؤساء فى مكاتبهم أو مقار أعمالهم،

ثم بدأ احتجاز وزراء كما حدث فى احتجاز وزير النقل مؤخراً على يد سائقى وعمال شركة المترو فى محطة مترو الشهداء، مطالبين إياه بإعادة تعيين رئيس الشركة المستقيلة، وعززوا مطالبهم بإيقاف حركة المترو معذبين الركاب لحوالى خمس ساعات، ولم تتوقف الظاهرة عند هذا الحد بل تم التعدى قبل ذلك على بعض رؤساء الشركات وقتل البعض فى غرفة مكتبه إما نتيجة الاعتداء أو سكتة قلبية.
ومنذ أيام قليلة احتجز العاملون بسنترال الأوبرا رئيس الشركة المصرية للاتصالات لمدة 24 ساعة ولم يستطع الخروج إلا بقوات الشرطة العسكرية، وهذا قليل من كثير لا يتسع المجال لسرده، لكنها أمثلة تكفى للتعبير عن نشوء ظاهرة جديدة ضمن فوضى عارمة تهدد بتوقف واضطراب العمل فى عديد من الهيئات الحكومية، فضلاً عن تشويه صورة مصر وثورتها بالخارج والملاحظ أن الظاهرة لم تطل شركات القطاع الخاص، حيث تستطيع الإدارة ـ لحد كبير ـ معاقبة الفوضويين بشكل أو بآخر وبدرجة أو بأخرى وزحف العدوى إلى الجامعات فشهدنا كثيراً من الطلبة يتعدون على عمداء ورؤساء جامعات بمنشورات وإعلانات بل وبتجمهر واعتداءات لفظية أمام مكاتبهم، إن كل هذه التجاوزات تلغى ما تعلمناه من قيمة الاحترام ضمن الدين والعرف، فكأننا لم نتعلمها كما أن ذلك يلغى قيمة الاحترام من نفوس النشء عندما يرون فى الصحف وعلى الشاشات ويسمعون عن هذه الفوضى التى تمر دون عقاب.
والمتأمل لدوافع هذا التعدى على الرؤساء سيجده منحصراً ـ فى الغالب ـ إما فى مطالبات بزيادة الأجور أو الحوافز (التى فقدت معناها الحقيقى، حيث لا حافز إلا بأداء متميز أو إضافى)، أو مطالبات بعزل أو إقالة رئيس غير مرضى عنه سواء كان وزيراً أو رئيساً لشركة أو عميداً لكلية على سبيل المثال، والمشكلة هنا مزدوجة، فمن ناحية ليس من حق المرءوس ولا يدخل فى نطاق أهليته أن يقرر تعيين أو إقالة رئيسه وإنما هذا يعود لسلطة وتقدير الإدارة ـ بشرط النزاهة والموضوعية وسلامة معايير الاختيار ـ وإلا شاعت فوضى وعشوائية الإدارة، ومن ناحية أخرى، فقد تسبب الفساد الإدارى فى العهد البائد فى تعيين قيادات عليا غير مؤهلة من حيث الكفاءة والقيم الشخصية القومية، وهؤلاء أتوا بتابعين أدنى منهم فى هاتين الناحيتين وهكذا فعل تابعهم، ومن ثم وجد العاملون أنفسهم ضحايا لسوء الإدارة إما فساداً أو جهلاً، ومن المهم هنا أننى لا أعمم ولا أقصد أن كل من طُلب بعزله بعد بالضرورة فاسد أو فاشل.
إن التظاهر السلمى وحتى الإضراب حق مشروع لكن وفق قواعد وأسس للتفاوض بين المطالبين بحقوقهم والإدارة ودون إضرار بمصالح الجمهور، يمكن أن يكون للمحتجين مطالب مشروعة بدرجة أو بأخرى لكن نيل المطالب بهذه الطريقة يهدد النظام العام ويضعف الإنتاج أو يوقفه فى وقت نحن أشد ما نكون فيه حاجة لدوران عجلته ونحن نرى اقتصادنا يترنح

واحتياطياتنا المالية فى البنك المركزى تتناقص بسرعة وتصنيفنا الانتمائى عالمياً يتراجع، ومن ثم فليس هذا هو التوقيت المناسب لإثارة مثل هذه المطالب، لا شك أن الغياب الأمنى يسهم بدرجة أو بأخرى فى هذا النوع من الفوضى، لكن الاستجابة لمطالب الفوضويين كنتيجة لسلوكياتهم العدوانية غير المسئولة من شأنه أن يفاقم هذه الظاهرة فيتسع نطاقها.
وحتى إن كان الرئيس فى شركة أو هيئة قد ارتكب من الأخطاء أو التجاوزات فى حق الجهة التى يديرها فإن هناك بدائل للفوضى، فالطريق القانونى متاح بتقديم بلاغ للرئاسة الأعلى فالنيابة الإدارية ثم للنائب العام وفقاً للحالة، كما يمكن نشر الشكوى أو المطلب من خلال وسائل الإعلام فما أكثر الصحف القومية والحزبية والمستقلة وما أكثر قنوات التليفزيون كذلك، لكن لو تصورنا أن كل مجموعة موظفين أو عمال قرروا المطالبة بما يرونه حقهم أو أكثر من حقهم بهذا الأسلوب فقد تحولت هيئاتنا ومصالحنا وشركاتنا إلى ساحات للملاكمة والفوضى وليس للإنتاج وهذا ما لا نقبله أو نتصوره والعياذ بالله.
لذا ـ وطالما غاب الأمن ـ أناشد المجلس العسكرى أن يطبق أقصى عقوبة قانونية ممكنة وبشكل فورى على من يشيعون هذه الفوضى ويعطلون الإنتاج، خاصة فى مرافق البنية الأساسية كالاتصالات والنقل العام ويلحقون الضرر بمصالح الناس، إنه بهذا يدعم الأمن والشرعية ويساند ويحمى الرؤساء فى مواقع قياداتهم ويحافظ على مصالح الناس، لكن من ناحية أخرى يجب أن تبادر الرئاسات الأعلى والجهات المعنية بالرقابة والمحاسبة إلى سرعة فحص مطالب وشكاوى العاملين وإجراء التحقيقات اللازمة، بما يكفل إيقاف الفساد أو الإفساد والاستجابة فى التوقيت المناسب إن عاجلاً أو آجلاً لمطالب العاملين مع إيضاح سبب تأجيل الاستجابة، كما أطالب السادة الوزراء ورؤساء الهيئات الحكومية وشركات القطاع العام وجميع صناع القرار، ألا يستجيبوا لمطالب تعلن بطريقة فوضوية بل يتعين معاقبة من يحرضون ويشاركون فى هذه التعديات وإلا انتشرت الظاهرة وتفاقمت، إن قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» يجب أن تسود، فيجب ألا  يتسبب سلوك فرد أو فئة أياً كان دافعه فى إلحاق الضرر بالمجتمع ككل.

---------

أستاذ الإدارة ـ جامعة بنها
[email protected]