رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هكذا رأيت مصر بعد الثورة!

 

دقت الساعة الثامنة صباحا لتعلن بداية رحلتي اليومية للعمل، نزلت من المنزل في طريقي لمحطة مترو الأنفاق.. أمام المنزل قابلت "عم محمود" جارنا، الذي دعاني لزيارة محله الذي يقع على بعد خطوات، وافتتحه بالأمس لبيع (البن) أو القهوة..

المحل صغير لكنه يبهرك، والسبب ليس رائحة القهوة التي تنعشك وتثير شجونك، وليس أيضا لفخامة ديكوراته، إنما السبب الحقيقي لإبهارك هو لوحة كبيرة بألوان علم مصر وضعها عم محمود بدلا من اسم المحل مكتوب عليها "أنا مصري بحب بلدي"..

تركته مكملة رحلتي للعمل.. وصلت محطة المترو.. ليصل إلى مسامعي صوت أم كلثوم تشدو من ميكرفونات المحطة "مصر تتحدث عن نفسها"، بعد أن بدأت محطات المترو في إذاعة الأغنيات الوطنية هذه الأيام.. وعلى الرصيف وأمام عربة السيدات وجدت "تطبيق عملي" للأغنية.. فتاة في العشرينات من العمر، ترتدي ملابس بألوان العلم المصري، كانت ملابسها ملفتة ومستفزة بشكل كبير، كانت ترتدي بنطلونا أسود متناه في الضيق وفوقه "بادي" باللون الأبيض، وعقدا لونه أحمر، وعلى رأسها حجابا بألوان علم مصر الثلاثة، ولم تكتف بألوان العلم في ملابسها وإنما انطبعت أيضا على ماكياج عيونها.. أثار شكلها أحد الشباب الواقفين في المحطة فقام بمعاكستها قائلا: "تعالي عايزك في حوار وطني"!!..

وصل المترو وبمجرد فتح الأبواب صعدت بقوة دفع رهيبة من الفتيات اللاتي يردن الركوب، وفي وسط الزحام ومع شدة حرارة الجو سمعت صوت إحدى البائعات الجائلات -المنتشرات بكثرة في عربات المترو-.. "حد عايز مناديل؟" على الفور ناديتها واشتريت منها "كيس مناديل" لأجد علم مصر مطبوعا على غلافها.. "حتى المناديل عليها علم مصر يا سلام على الوطنية" قالتها فتاة تقف بجواري استفزها أسلوب الدعاية التي استخدمته شركة المناديل بطبع العلم المصري على الغلاف.

وبعد فترة من التزاحم وصل المترو إلى محطة السادات "التحرير" وحينما كنت أنتظر فتح الباب وجدت ملصقا على الباب بألوان العلم المصري أيضا، مكتوب عليه "النزول مش من هنا إيدك في إيدينا نغير بلدنا كلنا"، أعجبني الملصق وعلى الفور أسرعت في اتجاه باب النزول.

وفي محطة السادات وفي انتظار المترو المتجه للجيزة شاهدت لوحة إعلانية كبيرة، والغريب أنها بألوان العلم المصري أيضا، مكتوب عليها "أنا مصري هكون إيجابي هعرف حقوقي وواجباتي" هنا أدركت

أن هذا هو يوم العلم المصري!!...

أخيرا وصلت إلى العمل متشبعة بشحنة وطنية شديدة، وبدأت أسرد لزملائي قصتي منذ الصباح مع العلم المصري، فوجئت برد "أميرة" - زميلتي في العمل- وهي تقول: "علم مصر دلوقتي مش هتشوفيه في الشارع بس، ده أنت كمان هتشوفيه في البيت وتتغطي به كمان لو اشتريتي لحاف الثورة". قاطعتها ضاحكة "إيه لحاف الثورة ده كمان؟"، أجابتني: "لا، بالفعل يوجد منتج في السوق باسم لحاف الثورة، مصنوع من الفايبر ومصبوغ بألوان علم مصر".

جذب حديثنا زميلنا "أحمد" فشاركنا الحديث: "طيب شوفتوا إعلان حمّل على موبايلك برنامج 25 يناير؟"، سألته بدهشة: "إيه البرنامج ده؟"، فأجابني: "ده برنامج يتم تحميله على الموبايل يمكنك منه معرفة أسباب ثورة يناير، وأهدافها، وأحداثها، كما يمكنك الحصول على صور شهداء الثورة، بالإضافة إلى مقطع فيديو لخطاب التنحي". ...

انتهى حديثي مع زملائي لكن الأسئلة التي تدور برأسي لم تنته، فهل يوجد حقا من يشترى هذا اللحاف، وهل يوجد من لا يعلم شيئا عن الثورة ويجلس منتظرا هذا البرنامج العبقري ليخبره عنها، وهل هذا هو التغيير الذي طالما حلمنا به وتمنيناه من ثورتنا؟

ظللت أفكر طوال يومي فيما رأيته، هكذا رأيت مصر وشعبها، منهم من يفخر بوطنيته وحبه لبلده، ومنهم من يستغل هذه الوطنية لتحقيق ربح مادي، ومنهم من استغلها ليحفز طاقات الآخرين للنهوض بحال الوطن، والبعض استغلها للفت الأنظار إليه.

ويبقى السؤال.. هل هذا هو كل ما تمنينا رؤيته في مصر بعد الثورة؟

[email protected]