رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإفتاء: منشقو القاعدة.. تتار العصر

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

أصدر مرصد التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية تقريره الحادي عشر بعنوان "الذبح.. الفريضة الغائبة عند التنظيمات الإرهابية".

أكد التقرير أن المرجعية الفكرية التي يستند إليها تنظيم منشقي القاعدة في الذبح ترجع إلى فكر الخوارج الذين كانوا أول من فعل هذه الفعلة الشنيعة في الإسلام؛ حين أوقفوا الصحابي عبدالله بن خباب بن الأرت فسألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليَّ رضوان الله عليهم أجمعين؛ فأثنى عليهم خيرًا، فذبحوه فسال دمه في الماء، وبقروا بطن امرأته وهي حامل.

وتطرق التقرير إلى تاريخ قطع الرؤوس عند العرب والأمم الأخرى، مؤكدًا أن قطع الرؤوس ممارسة قديمة عرفتها البشرية بمختلف أجناسها وثقافاتها، وأن هذه العملية اللا إنسانية كانت معروفة لدى بعض العرب في الجاهلية، وبعد أن جاء الإسلام لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حُمل إليه رأس كافر بعد قطعه، ولا أنه أمر بحزِّ الرؤوس، بل إن النصوص الشرعية لم تؤسس لمثل تلك العقيدة التي ينتهجها تنظيم منشقي القاعدة في القتل والذبح والتمثيل.

   وأكد التقرير أن الكارثة الكبرى تكمن في محاولات هذا التنظيم الإرهابي إيجاد مبررات من الدين الشريف لشرعنة هذه الانتهاكات.
   أوضح تقرير دار الإفتاء أن أبرز أسباب إقدام التكفيريين على الذبح هي إشباع سادية القائمين على التنظيم الذين أدمنوا رؤية الدماء، فأصبحت رؤية هذه الرؤوس المقطوعة عامل نشوة لهم تمامًا مثل مدمني المخدرات. ومن ثم التأثير على الأهالي حتى يأتمروا بأمرهم وينضووا تحت سلطانهم. بالإضافة إلى رفع معنويات المقاتلين في صفوف التنظيم بإظهار قوة التنظيم وجبروته. كذلك إيصال رسالة لأعداء التنظيم بأن هذه هي نهاية من يعاديهم وأن قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث جزاء من يحاربهم. فضلاً عن شن حرب أعصاب، باستخدام وسائل الإعلام المختلفة حتى يصل الخبر بكل مقوماته العنيفة لجميع أنحاء العالم.

  وأوضح التقرير أن تنظيم منشقي القاعدة يعتمد في رؤيته القتالية على عدد من الأحاديث والروايات التي يُسيء تأويلها وتفسيرها ويلوي أعناق نصوصها لتتوافق مع سياسته الإجرامية في القتال والحرب، ليبرر بها شرعيته وادعاءاته التي يزعم من خلالها زورًا وبهتانًا تأسيس الخلافة الإسلامية في الأرض، كما يبرر بها ما يرتكبه من فظائع وجرائم في حق الإنسانية. وأبرز هذه الأحاديث التي يستند إليها هذا التنظيم الإرهابي: حديث "جئتكم بالذبح" وحديث "وجعل رزقي تحت ظل رمحي".

وكشف التقرير أن التنظيم الإرهابي أصدر فتوى تبيح لمقاتلي التنظيم ذبح كل من يخالفهم، حيث نصت الفتوى على أن: "الذبح فريضة إسلامية غائبة" وقد استدل التنظيم بعبارة من حديث نبوي شهير: "جئتكم بالذبح"، دون الوقوف على مدلولاته وسياقه.

استند التنظيم التكفيري إلى جزء من حديث آخر وهو "وجعل رزقي تحت ظل رمحي"، وهو ما نشره التنظيم في مجلة (دابق) حيث أوضح أن هذا الحديث إشارة إلى أن الله لم يبعثه صلى الله عليه وسلم بالسعي في طلب الدنيا، ولا بجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها وإنما بعثه داعيًا إلى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم.
وقام التقرير بتفنيد تأويلات تنظيم منشقي القاعدة لمثل هذه الأحاديث، مبينًا أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسولَه بالهدى والعدل والرحمة، فكان مما شرعه أن جاء بتشريعات واضحة توجب التعامل مع الأسرى بالعدل والإحسان، وبما يتناسب مع إنسانيتهم واحترام آدميتهم، من تقديم المأوى والطعام المناسب، والرفق بهم وعدم تعذيبهم وإيذائهم، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًاوَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].

    وهذا كله كان في حال الحرب التي تدور بين المسلمين وعدوهم للدفع عن دينهم ووطنهم، أما في حالتنا اليوم فلا ينطبق عليها وصف الحرب، بل توصف بالجريمة بكل معنى الكلمة، ذلك أنهم إنما يقتلون ويذبحون ويهجرون أناسًا آمنين في أوطانهم مسلمين وغير مسلمين، ولم يشرع الإسلام قط قتل هؤلاء.

  وأضاف التقرير أن تنظيم منشقي القاعدة قد ارتكب جرمًا كبيرًا في حق الكلام النبوي، حيث انتزعوا عبارة من الحديث الشريف الذي رواه أحمد وغيره، وفيه: "اسْتَمِعوا يا مَعْشَرَ قُريشٍ، أما والَّذي نَفْسُ محمَّدٍ بيَدِه لقد جِئْتُكم بالذَّبْحِ". فذهبوا في فهمها مذهبًا غريبًا لا أساس له، ينسبون به إلى الهدي النبوي ظلمات وجرائم.
  زعمت التنظيمات الإرهابية أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وآله وصحبه – جعل الذبح والقتل شعارًا لهذا

الدين، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من هذا الفهم المنحرف، وسوغوا به لأنفسهم قطع الرقاب، وذبح الآدميين بصورة مفعمة بالبطش والفتك، لا يرضاها دين الله ولا يقرها، بل ينكرها أشد الإنكار.
وذكر التقرير أنه لابدَّ من ذكر السِّياق كاملًا حتى يتبين لنا أنَّ المعنى الذي انتزعوه من قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "لقد جئتكم بالذَّبح"، غير مراد للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بل مجاف للمنهج العملي للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأصحابه الكرام الذي عفا عن صناديد قريش يوم الفتح، وقال صلوات ربي وسلامه عليه: "اليوم يوم المرحمة" مشيرًا إلى أن معنى الذبح في هذا الحديث هو أنه صلى الله عليه وسلم يقصد به التهديد لكف الشر، لأنه واسع الرحمة بهم، يدعو لهم بالهداية، حتى قال الله تعالى له: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33]؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جاء أمانًا ورحمة للبشرية كلها، وجاء رحمة للعالمين.

  أما حديث "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي" فأوضح التقرير أن الرزقَ الذي يتحدث عنه النبيُّ- صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث هو الجنة، وأن الحديثَ يبيّن أن المجاهد في سبيل الله تحت راية  ولاة الأمر الذي يدفع العدوان، أو ينصر المستضعفين، أو يعلي كلمة التوحيد، ويصبح شهيدًا بسبب جهاده ويصير رزقه الجنة. وعليه فلا حجة لهم بهذا الحديث الشريف الذي زعموا أنه دليل على التغول في القتل والذبح.

   وخلص التقرير إلى أنه لم يرد نص شرعي صحيح صريح يدل على جواز ذبح العدو حيًّا، فضلاً عن أن يكون سنة نبوية متَّبعة! وأن النصوص وردت بالتفريق بين القتل والذبح، وجعلت الذبح خاصًّا بالبهائم والطيور للتذكية.

وأما عن نشر هذه الأفعال الشنيعة في وسائل الإعلام المختلفة – كما عهد ذلك تنظيم منشقي القاعدة - فهذا جرم مركب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي في تصرفاته (الناحية الإعلامية)، فامتنع عن قتل بعض المنافقين حتى "لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"، فصورة الإسلام في الأذهان أهم من "النكاية بالعدو"،  ولذلك فإن ما تتداوله الأخبار والمواقع من تصرفات هذا التنظيم الإرهابي في كيفية قتل معارضيه، لا يمتُّ للإسلام بأدنى صلة، فقد وضع الإسلام قواعد للقتال، وأخرى لطريقة التعامل مع الأسير والجريح والمدني والمحارب، كما نهى عن التمثيل بالقتلى. ومن هذا كله فإن جميع ما يفعله هذا التنظيم البغيض يقع تحت قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} فهم يجاهرون بالعداء لله ورسوله، من خلال عمليات القتل بغير حق، والتمثيل بالجثث، والإفساد في الأرض، كما أن أفعالهم هذه تكشف عن نفوس مريضةٍ مجرمة، وقلوبٍ قاسيةٍ متحجرةٍ، اتخذت الغلو والوحشية مطية لها في تنفيذ مآربها، وبلوغ مقاصدها.