عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكم الفتوى بغير علم وضوابط الإفتاء

دار الافتاء المصرية
دار الافتاء المصرية

الإفتاء من غير علم حرام يتهاون فيه كثير من طلاب الشهرة والرياسة، فمن أقدم على ما ليس له أهلًا- من إفتاء، أو قضاء، أو تدريس - أثِم، فإن أكثر منه وأصر واستمر فسق، ولم يحل قبول قوله ولا فتياه ولا قضاؤه .

وهذا هو رأى دار الافتاء المصرية التى تذكر الأدلة على حرمة الإفتاء بغير علم كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾.
فهذه الآية الكريمة تشمل بمعناها من زاغ في فتواه، فقال في الحرام: هذا حلال، أو قال في الحلال: هذا حرام، أو نحو ذلك.
وتذكر دار الافتاء أن الأدلة من السنة كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: *«مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِي أَفْتَاهُ» رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
وفي لفظ: «مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَفْتَاهُ» رواه أحمد وأبو داود.
وقوله: «مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ» ذكره ابن الجوزي في تعظيم الفتوى.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، حديث حسن .
ولأن المفتي من غير علم لا يعرف الصواب وضدَّه، فهو كالأعمى الذي لا يقلد البصير فيما يعتبر له البصر؛ لأنه بفقد البصر لا يعرف  الصواب وضده، ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾ [المطففين: 4].
والمفتي الجاهل يستحق الحجر عليه، بمنعه من الإفتاء.
قال ربيعة بن عبد الرحمن (ربيعةُ الرأي): ولَبعضُ من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق.
وقال ابن الجوزي: يلزم وليَّ الأمر منعهم، كما فعل بنو أمية.
وقد أطلق بعض الفقهاء على المفتي الجاهل اسمَ: (المفتي الماجن)؛ لتجرؤه
على الإفتاء مع جهله.
ومما سبق نعلم الإثم العظيم الذي يقع فيه كثير ممن يتصدون للإفتاء اليوم، وهم غير مؤهلين لهذا المنصب الجليل.
ومن هذا القبيل: أن يفتي المفتي المؤهل بما لا علم له به، ويتصور هذا من المفتي المؤهل للإفتاء، غير أنه خفي عليه الحكم في بعض المسائل، فأقدم على الفتوى فيها من غير بحث واستيفاء نظر.
وغالبًا ما يقع هذا من المفتين لواحد من أمور ثلاثة: التساهل، وإظهار البراعة، والاستحياء من النسبة إلى قلة العلم بالفتوى.
قال النووي: "يحرم التساهل في الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه، فمن التساهل: أن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، فإن تقدمت معرفته بالمسؤول عنه فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة. ومن التساهل: أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبًا للترخيص لمن يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره. وأما من صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا، كقول سفيان: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل
أحد".
  
وتحذر دار الافتاء من الفتوى بغير علم لا يقتصر على الجاهل بالحكم الشرعي، بل قد يكون المفتي عالمًا بأحكام الشريعة بالقدر اللازم للإفتاء، لكنه مع هذا مقصِّر في معرفة الأعراف والعادات الخاصة ببلد المستفتي ولها تأثير في الحكم.

لذا نص علماء الفتوى على أنه يحرم على المفتي أن يفتي في الأيمان والأقارير ونحوها- من الأحكام التي تنبني الفتوى فيها على العرف- من غير أن يكون عارفًا بعُرف البلد التي ينتمي إليها اللافظ.

خطر الإفتاء
وتضيف دار الافتاء أنه تبين فيما سبق ما لمنصب الإفتاء في الدين من مكانة عظيمة، ومنزلة جليلة.
وهذه الدرجة العالية للإفتاء ينبغي ألا تدفع الناس للإقبال عليه،
والإسراع في ادّعاء القدرة عليه، سواء أكان ذلك بحسن نية وهي: تحصيل الثواب والفضل، أم بسوء نية، كالرياء والرغبة في التسلط والافتخار بين الناس؛ وذلك لأنَّ الإفتاء- مع جلالة منزلته- عظيم الخطر على من يتولاه؛ لأن المفتي موقِّع عن الله تعالى، ومخبرٌ بأحكام شريعته، التي أرسل الله تعالى الرسل وأنزل عليهم الكتب لأجل تبليغها للناس.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾.
فهذه الآية الكريمة تشمل بمعناها من زاغ في فتواه، فقال في الحرام: هذا حلال، أو قال في الحلال: هذا حرام، أو نحو ذلك .
وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- التحذير من الجرأة على
الإفتاء، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ».


أسباب خطورة الإفتاء:

أولًا: ما يرجع إلى حقيقة الإفتاء:
فالإفتاء إخبار بمراد الله تعالى من خلقه، فاقتحام ميدان الإفتاء –من غير أهلية- يفضي إلى الكذب على الله ورسوله.
قال الخطيب البغدادي : أنا أبو القاسم الأزهري , وأبو يعلى: أحمد بن عبد الواحد الوكيل, قالا: أنا محمد بن جعفر التميمي الكوفي , أنا ابن الأنباري , قال: حدثني محمد بن المرزباني , نا أحمد بن الصقر الكتاني , قال ابن المقفع: "من أنِف من قول: (لا أدري) تكلَّف الكذبَ"( 16) <#16>.
وروى ابن الصلاح عن محمد بن المنكدر، قال: "إن العالِم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم"(17) <#17>.

ثانيًا:ما يرجع إلى آليات الإفتاء:
والمراد بهذا أنَّ عملية الإفتاء عملية معقدة، تمر بمراحل عدة حتى تنتج الفتوى السليمة المنضبطة بضوابط الشرع.
والمفتي يتحمل مسؤوليات جسيمة في أثناء هذه المراحل، وتتمثل هذه المسؤوليات في أمانتين، هما: أمانة النقل، وأمانة الفهم.

أمانة النقل:

المفتي إما مجتهد وإما ناقل، وكلاهما مأمور بالأمانة في النقل، فالمفتي المجتهد أمين في نقله عن الله ورسوله، والمفتي الناقل أمين في النقل عن صاحب المذهب الذي يفتي به، إلا أنه لا يخلو أيضًا عن مسؤولية النقل عن الشارع؛ لأن صاحب المذهب -المنقول عنه - موقع عن الله ورسوله فيما حكم به، وإذا كان ضد الأمانة الخيانة، فلا يخفى ما للإفتاء من خطر جسيم، وما فيه من مسؤولية عظيمة يتحملها المفتي.
وأمانة النقل إحدى الركائز الأساسية التي أرساها المنهج العلمي
الإسلامي في بنائه للعقلية العلمية الإسلامية.
وتعبيرًا عن أهمية هذا المنهج، وبيانًا لخطورته، وَرَدَ عن السلف بعض العبارات التي تبين مكانة الإسناد: ومن ذلك قول عَبْد اللهِ بْن الْمُبَارَكِ: "الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ"(18) <#18>.
وقد صاغ علماء البحث والمناظرة قاعدة أصيلة، يعبر شقها الأول عن أمانة النقل، فقالوا: "إن كنت ناقلًا فالصحة، وإن كنت مدعيًا فالدليل".

أمانة الفهم:
المفتي أمين في فهمه لنصوص الشرع الشريف ومصادره كافة، وهذه النصوص منها ما هو قطعي الدلالة لا يحتاج في فهمه إلى عناء، ومنها ما هو ظني الدلالة، يقبل أن تختلف فيه الأفهام، بحسب تعدد المعاني التي يحتملها النص أو المصدر، وهنا تظهر ضرورة أمانة الفهم؛ إذ يطالَب المفتي المجتهد باستفراغ الوسع في النظر والتأمل، والتدقيق، والجمع بين المتماثلات، والتفرقة بين المتخالفات، والترجيح عند التعارض، وغير ذلك مما

يفتقر إليه الفهم السليم الذي ينتج الحكم الصحيح.
وأما المفتي الناقل فليس هو عن أمانة الفهم ببعيد؛ لأنه مطالَب بالفهم الدقيق للمذهب الذي ينقله وما يتبعه من القيود والشروط، وغيرها مما تجب معرفته ليتحقق النقل السليم للمذهب كما عناه صاحبه.

ثالثًا: ما يرجع إلى آثار الإفتاء ونتائجه:
عموم خطر الإفتاء:
قد يتبادر إلى بعض الأذهان أن خطر الإفتاء خاص، يتعلق بالمستفتي الذي أُفتي بغير علم، فيُدخل عليه الضررَ.
والواقع أن خطر الإفتاء خطر عام، لا يقتصر على إلحاق الضرر بأشخاص المستفتين، بل يتعداهم إلى التأثير في المجتمعات والدول، وبيان هذا فيما يأتي:

خطر الإفتاء على مستوى الأفراد:
للفتوى شأن عظيم في حياة الأفراد، لا سيما المستفتين:
ففتوى المفتي في أمور العبادات ترسم للمكلف معالم الطريق إلى الله تعالى، وتبين المحاذير التي يتعين عليه اجتنابها ليحافظ على علاقته بربه نقية كما أرادها الله ورسوله.
قال الإمام النووي: "اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثيرالفضل، لأن المفتي وارث الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- وقائم بفرض الكفاية، ولكنه معرض للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي موقّع عن الله تعالى، وروينا عن ابن المنكدر قال : العالِم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم" .
وفتوى المفتي في الحقوق المالية تؤخذ بها الأموال وتعطى للمستحقين الذين عينتهم الفتوى.
وفتوى المفتي في مسائل الأحوال الشخصية تستباح بها الفروج، وتؤسس عليها أُسَرٌ، وترتفع على أساسها دعائم العلاقات الوثيقة بين أفرادها، وتنتهي بها أُسَرٌ أخرى.
وفتوى المفتي في الجنايات ونحوها يُقضى بها على الأبدان والأرواح التي حكمت الفتوى بنسبتها إلى العدوان الذي يستحق بسببه المعتدي أن يوقع عليه العقاب.
كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء: بلغني أنك قعدت طبيبًا فاحذر أن تقتل مسلمًا .
ولخطر الفتوى في هذا الجانب شدد الفقهاء على أهمية عناية المفتي بتبيين القيود والشروط ومقادير العقوبات التي يستحقها الجاني، حتى لا تكون الفتوى المبهمة سببًا في سفك الدماء بغير حق، أو زيادة العقاب فوق ما يستحقه الجاني.
قال ابن الصلاح: الاقتصار على (لا) أو (نعم) لا يليق بغير العامة، وإنما يحسن بالمفتي الاختصار الذي لا يخل بالبيان المشترط عليه دون ما يخل به، فلا يدع المفتي إطالة لا يحصل البيان بدونها، فإذا كانت فتياه فيما يوجب القود أو الرجم مثلًا فليذكر الشروط التي يتوقف عليها القود والرجم.
وإذا استفتي فيمن قال قولًا يكفر به، بأن قال: الصلاة لعب، أو الحج عبث، أو نحو ذلك. فلا يبادر بأن يقول: هذا حلال الدم ويُقتل. بل يقول: إذا ثبت عليه ذلك بالبينة أو بالإقرار، استتابه السلطان، فإن تاب قبلت توبته، وإن أصر ولم يتب قتل وفعل به كذا وكذا، وبالغ في تغليظ أمره.
وإن كان الكلام الذي قاله يحتمل أمورًا لا يكفر ببعضها، فلا يطلق جوابه، وله أن يقول: ليُسأل عما أراد بقوله، فإن أراد كذا فالجواب كذا، وإن أراد كذا فالحكم فيه كذا ........
وإذا استفتي عما يوجب التعزير، فليذكر قدر ما يعزّره به السلطان فيقول: يضرب ما بين كذا إلى كذا ولا يزاد على كذا؛ خوفًا من أن يضرب بفتواه إذا أطلق القول ما لا يجوز ضربه، ذكره الصيمري.
قال ابن الصلاح: قلت: وإذا قال: عليه التعزير بشرطه، أو القصاص بشرطه، فليس بإطلاق، وتقييده بشرطه يبعث من لا يعرف الشرط من ولاة الأمر على السؤال عن شرطه. والبيان أولى. والله أعلم.ا.هـ
ولا يخفى أن الفتوى في كل مجال من هذه المجالات إن لم تنضبط بالضوابط الشرعية يترتب عليها من الفساد والخلل في حياة الأفراد ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى.

خطر الإفتاء في المجتمع:
خطر الإفتاء خطر عام، لا يقتصر على إلحاق الضرر بأشخاص المستفتين، بل يتعداهم إلى المجتمع في أمنه، واستقراره، وعلاقة أفراده بعضهم ببعض، فكم من فتوى آثمة مضللة، دفعت بعض الحمقى إلى العدوان على الآخرين على نحو يهدد أمن المجتمع واستقرار الأوضاع فيه.

خطر الإفتاء في الأمة:
إن خطر الإفتاء يتعدى المجتمع الواحد ليشمل الأمة بأسرها، فالفتوى الآثمة المضللة ربما أدت إلى بذر بذور الفرقة والشحناء بين المجتمعات التي تنضوي في عموم الأمة الإسلامية، فتكون ثمرتها الخبيثة: إشعال نار الفتنة العمياء التي تفرق بين أقطار العالم الإسلامي، وتؤجج نيران الكراهية بين بعض شعوب الأمة الواحدة.

خطر الإفتاء على مستوى المجتمع الإنساني:
لا يقف الأمر عند مستوى الأمة، بل إن خطر الإفتاء يتعدى الأمة الإسلامية -في علاقة أفرادها وأقطارها بعضهم ببعض- لينال من علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم، على نحو ربما أدار رحى الحرب بين بعض بلاد الإسلام وبعض بلاد غير المسلمين.
ومما سبق يعلم أن الفتوى إن لم تصدر من أهلها، وتقع في محلها يترتب عليها من الشر والفساد والخلل في حياة الأفراد والأمم ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى.