رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الصيام في المناطق القطبية

بوابة الوفد الإلكترونية

بعض الأقطار في شمال أوربا  يقصر فيها الليل كثيرًا ويطول فيها النهار كثيرًا حيث تصل ساعات الصيام في بعض هذه البلدان إلى عشرين ساعة أو تزيد، وكثير من المسلمين يجدون مشقة زائدة في الصيام، فهل يجوز اللجوء في هذه البلدان إلى التقدير؟ وما نوع التقدير الذي يمكن اعتماده إذا كان جائزًا؟ وهل يكون التقدير بساعات الصيام في مكة أو بساعات النهار في أقرب البلدان اعتدالًا أو بماذا؟  كما أن بعض المناطق القطبية يظل فيها .

النهار ستة شهور في الصيف ، والليل ستة شهور في الشتاء فما الحكم بالنسبة لأهل هذه المناطق في صيام رمضان .؟

يجيب عن هذه الأسئلة الدكتور عبد الحليم منصور رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، فرع الدقهلية حيث يقول :
أولا ـ بالنسبة للبلاد التي يطول فيها النهار :
تقدم القول : إن بعض المناطق يطول فيها النهار إلى عشرين ساعة ، أو ربما ثلاث وعشرين ساعة ، وقد يكون الأمر بالعكس ، فيكون الليل عشرين ساعة والنهار أربع ساعات .
وقد اختلف الفقهاء في كيفية صيام أهل هذه المناطق على رأيين :
الرأي الأول : يرى القائلون به وجوب صوم أهل هذه المناطق طوال مدة النهار ، والفطر بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر ، ولا يجوز لهم التقدير ، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من
وعللوا قولهم بما يلي :
1 ـ قوله تعالى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } وهذا يدل على وجوب إيقاع الصوم طوال النهار ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
2 ـ قوله r "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" وهذا الحيث يدل دلالة واضحة على وجوب الإمساك طوال النهار ، ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، طال النهار أو قصر .
الرأي الثاني : يرى الثائلون به أن أهل هذه البلاد التي يطول فيها النهار على النحو سالف الذكر عليهم أن يلجأوا إلى التقدير ، بحيث يقدروا صومهم بأقرب البلاد المعتدلة إليهم وهذا ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية حيث أجازت لمسلمي النرويج وغيرهم مما هم على وضعهم من طول النهار في شهر رمضان أن يقدروا زمن صومهم بصوم أهل مكة، أو المدينة، أو أن يقدروا بأقرب البلاد المعتدلة إليهم، وأن يبدأوا بالصوم مرتبطين بفجر تلك البلاد وليلها ولا يتوقفون على غروب الشمس. فقد قال الشيخ شلتوت :" صيام ثلاث وعشرين ساعة من أصل أربع وعشرين تكليف تأباه الحكمة من أحكم الحاكمين، والرحمة من أرحم الراحمين"
وحجة هذا الرأي : أن النبي r حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له: ما لبثه في الأرض، قال: أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، فقيل يا رسول الله: اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا اقدروا له " فلم يعتبر النبي r اليوم الذي كسنة يوما واحدا يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة ، وأمرهم أن يوزعوها بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم ، فيجب على المسلمين في هذه البلاد أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم والتي يتمايز فيها الليل والنهار ، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة، وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان ، وعليهم أن يقدروا لصيامهم ، فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته ، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته ، وبطلوع فجر كل يوم منه وغروب شمسه ، في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ، ويكون مجموعها أربعا وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي r عن المسيح الدجال وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة.
الرأي الراجح :
بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة يبدو لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول القائلون بوجوب الصيام طوال فترة النهار ، طال أو قصر ، ولا يجوز اللجوء إلى التقدير في هذه الحالة بأقرب البلاد ، وذلك لأن النصوص الشرعية قد حددت فترة الصيام بالنهار من الفجر إلى الليل فقال تعالى{ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} وقال النبي r "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" فما دام الليل والنهار متميزين فيجب الالتزام بهما، ولا ينبغي الخروج عن ذلك إلا للضرورة، ولا ضرورة ههنا، إذ إن غير القادر على هذا الصيام الطويل لمرضه، أو ضعفه ، أو لأنه يؤدي إلى إعياء شديد أو نحو ذلك مما ذكر آنفاً يجوز له الإفطار، ثم يجب عليه القضاء في عدة من أيام أخر.
أما من عجز عن إتمام صوم يوم لطوله أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب حاذق أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى مرضه مرضاً شديداً أو يفضي إلى زيادة أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء.  قال تعالى {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ

عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وقال تعالى { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } وقال { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }
ثانيا ـ حكم الصوم في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس :
من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا ولا تطلع فيها الشمس شتاء ، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر ويستمر ليلها ستة أشهر مثلا فما حكم صيامهم وكيفيته ؟
هذه المسألة لم يختلف فيها فقهاء المسلمون – فيما أعلم – حيث ذهب الفقهاء المعاصرون إلى وجوب الصوم على أهل هذه البلاد وعدم سقوطه عنهم ، ويلجأون إلى التقدير ، بحيث يلجأون إلى تقدير الصيام في هذه البلاد بأقرب البلاد إليهم ، بحيث يبدأ يومهم بطلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم ، وينتهي بغروب الشمس في تلك البلاد ، ولا تسقط عنهم الفريضة بحال من الأحوال .
ويستدلون على ذلك بحديث الدجال سالف الذكر والذي حدث فيه النبي r أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له: ما لبثه في الأرض ؟ ، قال: أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم، فقيل يا رسول الله: اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا اقدروا له..
يقول العلامة د/ محمود شلتوت ( رحمه الله ) :" يدور أمر هذه الأقاليم بين فرضين لا ثالث لهما : إما إعفاؤهم – كما ذهب إليه بعض الناظرين – من الصلاة والصوم لعدم الوقت وعدم القدرة والإمكان ، وعدم الفائدة المرجوة من التكليف ، وهو فيما نرى فرض يأباه عموم النصوص التي جاءت بتكليف الصلاة ، وكذا الصوم إذ هو لجميع المؤمنين دون فرق بين قطر وقطر .
وإذن لا يبقى طريقا لقيامهم بواجبهم الديني على وجه مقدور لهم ميسور ومحقق للفائدة المرجوة من التكليف – سوى أن يقدروا أيامهم ولياليهم وأشهرهم بحساب أوقات أقرب البلاد المعتدلة إليهم ، أي حساب البلاد القريبة منهم التي تتميز فيها الأوقات ، ويتسع كل من ليلها ونهارها لما فرض من صوم وصلاة على الوجه الذي يحقق حكمة التكليف دون مشقة أو إرهاق ، ولا ريب أن أهل هذه الجهات لابد أن يكونوا قد اتخذوا طريقا لتقدير الأيام والأشهر فيما يختص بحياتهم العامة من أعمال وعقود
وإذن فمن السهل أن يتخذوا في تحديد أوقات عبادتهم ما عرف في أقرب البلاد المعتدلة إليهم ، وبهذا يستطيعون أداء فروضهم الدينية من صلاة وصوم على وجه محدد كامل لا عسر فيه ولا إرهاق .
وهذا ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في القرار رقم 61 بتاريخ 12 /4 /1398 هـ جاء فيه :" .. ثانيا ـ من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا ، ولا تطلع فيها الشمس شتاء ، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر ، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلا وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين على أقرب البلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها عن بعض ... وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان ، وعليهم أن يقدروا لصيامهم ، فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته ، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته ، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ، ويكون مجموعهما أربعا وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسيح الدجال . والله أعلم .