رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طه الفشنى.. سحر التلاوة وعطر النغم

الشيخ طه الفشنى
الشيخ طه الفشنى

ملك التواشيح بدأ حياته كمطرب.. ورحاب القرآن كان قدره

شارك «أم كلثوم» فى إحياء زواج الملك فاروق وأنشد قصيدة من ألحان «عبدالوهاب»

ثورة 1919 منعته من دراسة القضاء الشرعى ليلتحق بمعهد القراءات بالأزهر

كرمه «عبدالناصر» و«السنوسى» ملك ليبيا يستضيفه بالقصر الملكى

فقد كان من الممكن أن يصبح «الفشنى» اسمًا لامعًا فى سماء الطرب والأغنية، إلا أنَّ القدر ادخر له الأفضل، فحول مساره إلى طريق القرآن الكريم ليسير فى نوره فى رحلة طويلة بدأت منذ مولده فى مدينة الفشن بمحافظة بنى سويف بصعيد مصر عام 1900م، ولتستمر حتى وفاته فى العاشر من ديسمبر1971م وما بين التاريخين رحلة ومسيرة طويلة حفلت بأحداث متباينة، محورها هو الشيخ طه الفشنى صاحب المدرسة الخاصة فى تجويد القرآن الكريم والإنشاد الدينى، ليستمر على مدى عمره الذى جاوز السبعين بعامٍ واحدٍ فى حمل راية القرآن الكريم فى شتى بلدان العالم الإسلامى، فكان خير سفير فى هذه البلدان التى منحته شعوبها حبًا كبيرًا، وستظل قصة الشيخ طه الفشنى مع الأذان متفردة ومتميزة فى حياته، فالشيخ طه كان مؤذن المسجد الحسينى منذ أن دخل الإذاعة، وكانت الجماهير تجلس أمام المشهد الحسينى عند كل صلاة يستمعون لأذان الشيخ كأنهم ينتظرون إلى سماع لحن أو حفل موسيقى بمقام «الرست» ومقام «الحجاز».

«الوفد» ذهبت إلى منزل الشيخ طه الفشنى لتلتقى نجله المستشار زين طه الفشنى فماذا دار فى الحوار؟!

فى البداية يقول نجل الشيخ طه الفشنى: إنَّ والده يعد من القراء العظماء الذين جمعوا بين فن تلاوة القرآن الكريم وفن التواشيح والابتهالات الدينية بل تفوق على أقرانه فى ذلك بصورة لم يضارعه أحد فيها، وعن بداية والده قال: إنَّ الشيخ طه مرسى الفشنى ولد عام 1900م بمركز الفشن بمحافظة بنى سويف، وكانت أسرته متدينة ميسورة الحال، حيث كان والده تاجر أقمشة، وحرص على إلحاقه بالمدارس الابتدائية ليتلقى تعليمه، كما حرص على إلحاقه بالكتاب لحفظ وتلاوة القرآن الكريم فكان يذهب للمدرسة فى الصباح والكتَّاب فى المساء.

بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم وهو فى سن العاشرة من عمره وبعد وفاة والده تولى تربيته خاله الشيخ مرسى عمدة «الصفنية» ثم انتقل إلى محافظة المنيا ليلتحق بمدرسة المعلمين، ووقتها ناظر المدرسة الأستاذ أحمد مكى اكتشف حلاوة صوت الشيخ الفشنى، وهو يتلو بعض الآيات القرآنية ودقة أدائه فى الحفظ والتلاوة، فكان يكلفه بتلاوة بعض الآيات القرآنية فى طابور الصباح. وبعد ذلك أنهى دراسته وحصل على شهادة كفاءة المعلمين عام 1919م، وبعدها نزل إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة دار العلوم العليا، وكانت لديه رغبة فى دراسة القضاء الشرعى، لكن ظروف ثورة 1919 حالت دون ذلك، فعاد الشيخ مرة أخرى إلى الفشن، وفى هذه الفترة ذاع صيته فى إحياء الحفلات بالمراكز والقرى والبلاد المجاورة للفشن فى محافظات الصعيد، وبعد ذلك سافر إلى القاهرة فى عام 1923م والتحق بمعهد القراءات بالأزهر الشريف، وتلقى تعليمه لعلوم القرآن الكريم وأحكامه وعلوم القراءات على يد الشيخ عبدالعزيز السحار، وهو أحد كبار علماء الأزهر. وأقام فى حى الحسين، وفى هذه الفترة لازم الشيخ على محمود الذى كان يتربع على عرش القراءة والإنشاد وقتها، وبدأ اسمه يلمع فى القاهرة، وسمعه الشيخ على محمود وانبهر بقوة صوته وأدائه فضمه إلى بطانته التى كان بها الشيخ زكريا أحمد أيضًا وحفظ الكثير من التواشيح الدينية منه وعاش معه رحلة حياته الفنية، فقد كان قادرًا على استيعاب طريقة أستاذه ومعلمه.

نقطة فارقة

ويضيف المستشار طه الفشنى: فى إحدى الليالى قدم الشيخ على محمود والدى للجمهور لأول مرة ليحل محله فى إحدى الحفلات الدينية بحى الحسين فاستقبله الجمهور بحفاوةٍ بالغةٍ، وكان من بين الحاضرين فى الحفل محمد سعيد لطفى باشا مدير الإذاعة المصرية الذى أعجب بصوت والدى فألحقه فورًا بالإذاعة المصرية عام 1937م بعد اجتيازه الاختبارات كاملة، فأصبح قارئًا ومنشدًا بها على مدى ثلث قرن، وفى هذه الفترة كان الشيخ على محمود معتمدًا كمطرب فى الإذاعة وبعد ذلك اعتمد كقارئ وكمطرب، ولذلك نقول إنَّ الشيخ طه هو ثالث قارئ يعتمد فى الإذاعة بعد الشيخين محمد رفعت وعبدالفتاح الشعشاعى، وكان الشيخ «الفشنى» أول من أدخل النغم فى التجويد مع المحافظة على الأحكام ولا تزال له مكتبة زاخرة بتسجيلاته النادرة للتلاوات بروايتى حفص وورش، فضلًا عن تسجيلاته المميزة للقصائد والابتهالات الدينية ولقبته سيدة الغناء العربى أم كلثوم بملك التواشيح والابتهالات الدينية، ومنذعام 1937م ذاعت شهرة الشيخ «الفشنى» وصيته فى كل أرجاء مصر والعالم الإسلامى، وكان له تسجيلان فى الأسبوع (السبت والثلاثاء) من التاسعة والربع إلى العاشرة.

التواشيح

ويقول المستشار طه الفشنى: إن الشيخ منذ أن كان ملازمًا للشيخ على محمود والذى يعد فى قمة دارسى المقامات الموسيقية والموسيقى العربية، وكان الشيخ طه الفشنى قد اصطفاه الله بحلاوة وعذوبة الصوت، فقبل أن يلتحق بالإذاعة، كانت شركة «كايروفون» للأسطوانات قد اتفقت معه على تسجيل عدة أغانٍ له تطرح فى الأسواق، وقد قام بالفعل بتسجيل طقطوقات وعدة أغانٍ، ولكن النزعة الدينية غلبت عليه فترك الغناء واتجه للأزهر الشريف، فقد كانت بدايته غنائية، فعندما توفى قال عبدالفتاح البارودى الكاتب الصحفى بالأخبار عنه: «مات المطرب والمقرئ والمنشد»، وبدأ يتلقى علم النغمات والموسيقى على يد الشيخ درويش الحريرى وزكريا أحمد، ومجموعة كبيرة من الملحنين.

أسرة مولانا

يضيف المستشار زين طه الفشني: إن الشيخ «الفشنى» تزوج وهو صغير فى السن من الفشن بصعيد مصر، وكانت والدتى تعيش معه رحمه الله، وقد رزقه الله بأشقائي (جمال ونفيسة وتحية وزينب وصباح وزين) وكلهم توفوا إلى رحمة الله.

تسجيلات القرآن

وقال المستشار طه الفشنى: إنَّ الإذاعة المصرية لم تكن تحتفظ لأى قارئ بالتسجيلات، فكلها تسجيلات كانت على الهواء، وبدأت تحتفظ بالتسجيلات اعتبارًا من عام (1951-1952) وهناك بعض التسجيلات موجودة، ففى حياة الشيخ 1943م تم ترشيحه أن يحيى شهر رمضان المعظم فى القصر الملكى برأس التين وعابدين لمدة تسع سنوات بصحبة الشيخ مصطفى إسماعيل، وكان الملك فاروق يرسل له دعوة سنويًا لتناول طعام الإفطار على المائدة الملكية، وكان من المفترض أن يسجل الشيخ طه الفشنى المصحف المرتل بصوته مثل الشيخ الحصرى ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد، لكن مرضه منعه من ذلك، فقد أصيب بمرض فى القلب، إلا أننى عندما جمعت تراثه وجدت له 179 تلاوة قرآنية و12 ساعة قصائد وتواشيح دينية، وقد قال عنه

الموسيقار عمار الشريعى إنَّ الشيخ «الفشنى» وهبه الله سبحانه وتعالى صوتًا ملائكيًا عذبًا ومقامات موسيقية تعدت 16 مقامًا صوتيًا يتنقل بينها فى سلاسةٍ واقتدارٍ لامثيل له، فضلًا عن تمتعه بطول النفس وكيفية التحكم فى توزيعه وعلمه الكبير بعلم الموسيقى العربية ومقاماتها، وقد قدمت العديد من الدراسات العلمية بالجامعات المصرية فى أسلوب وأداء الشيخ طه الفشنى وعلمه الواسع بفن الموسيقى العربية منها رسالة ماجستير للمعيدة رحاب الشربينى بقسم التربية الموسيقية تخصص الموسيقى العربية ولحن له القصائد والتواشيح الدينية كبار الملحنين.

علاقته بقريته

وعن علاقة الشيخ طه الفشنى بأهل قريته قال نجله المستشار زين: إن الشيخ طه كان محبًا لأهله، فكل شهركان لابد أن يسافر إلى مسقط رأسه مع سائقه فى سيارته ولم يتأخر عن أهل بلدته بأى طلبات، حتى قبل وفاته بعامين، حضر احتفال هناك فى أواخر رمضان، وكانت له مواقف كثيرة فى حياته منها أنه شارك «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» فى إحياء حفل زواج الملك فاروق كمطرب وأنشد فيها قصيدة لحنها له «عبدالوهاب».. وهناك واقعة طريفة أيضًا، فقد وجهت له دعوة لإحياء أحد الموالد بمركز ديروط فى أسيوط بصعيد مصر، وبدأ بقراءة القرآن الكريم ثم التواشيح وسمعه أحد العمد الصعايدة هناك وهام بنغم الشيخ طه وقام من بين السميعة وأقسم بالطلاق أن يستمر الشيخ «الفشنى» فى ترديد هذا المقطع فعارضه بعض الحاضرين فأخرج سلاحه وأقسم أنه سوف يقتل من يعترضه وأن الشيخ الفشنى هو الوحيد الذى بيده منع سفك الدماء وأنه يريد سماع هذا المقطع واستمر بالفعل حتى بزوغ الفجر، وكانت للشيخ جولات فى دول العالم مثل ماليزيا وباكستان وإيران وتركيا، وقد احتفت الصحف التركية بوصول الشيخ الفشنى إلى تركيا، وكان الملك «السنوسي» ملك ليبيا يدعو الشيخ طه الفشنى لإحياء شهر رمضان كل عام، وكان يستضيفه فى القصر الملكى، كما أنَّ الإذاعة البريطانية لديها تسجيلات عديدة للشيخ طه الفشنى، لأنها كانت تقدم قراءات له مرتين كل أسبوع.

مدرسة خاصة

يعتبر الشيخ طه الفشنى من أوائل الذين قرأوا القرآن الكريم فى التليفزيون عام 1960 وظهر لأول مرة على شاشة التليفزيون المصرى يوم 26 أكتوبر 1963 وهو يرتل آيات من سورة مريم واشتهر بقراءته لسورة الكهف يوم الجمعة بمسجد السيدة سكينة الذى عين قارئًا له عام 1940 واستمر فيه حتى وفاته، وكذا إجادته لتلاوة قصار السور وتجويدها كما كان المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين رضى الله عنه بالقاهرة، ومن أشهر ابتهالاته التى قدمها الأذان بمقامات (البياتى، الرست، الحجاز) ويوم أغر، ملكت عنان العز، آن الصوم، إن يكن ذنبى عظيمًا، يارسول الله، إلهى أنت مولاى، ترنم يا شجى الطير، إله العرش، مالك الملك وغيرها الكثير.

مرضه

أصيب الشيخ بجلطة فى القلب، ومكث فى المنزل قرابة العامين بأمر الأطباء كما يقول نجله، ولهذا لم يستكمل تسجيل المصحف المرتل، رغم أنه بعد ذلك سافر إلى تركيا، وكانت آخر زيارة خارجية له فى السودان، وكان يوم الخميس صباحًا قد شعر بألم ونزف دماء من أنفه وكنت مقيمًا معه، وكان الطبيب المعالج له هو الدكتور أحمد غريب، حيث ذهبت له فى مستشفى الدمرداش وشرحت له فطلب معرفة أسماء الأدوية ونقل دماء له فى أحد المستشفيات وأن يمتنع عن تناول أحد الأدوية، إلا أن الشيخ رفض الذهاب إلى المستشفيات وأحضرنا له الأجهزة فى المنزل، وكنا نجلس معه أنا وشقيقى وشقيقتى، والغريب أنه كان يتذكر كل شىء وكأنه يودع الدنيا، وفى المساء طلب منا الانصراف كل إلى شقته وبقيت أختى نفيسة معه، وفى الصباح توفى رحمه الله، وانطلقت الجنازة من سيدنا الحسين بعد صلاة الجمعة وحضر نائب رئيس الوزراء عبدالعزيز كامل، وأقيم سرادق العزاء أمام منزله، ودفن فى الدراسة فى العاشر من ديسمبر عام 1971، وقد كان القارئ المفضل للزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذى أهداه طبقًا من الفضة الخالصة ممهورًا بتوقيعه ومن بعده الرئيس السادات وتكريماته بدعوة الرئاسة له فى الاحتفالات التى يحضرها الرئيس والصور التذكارية تشهد بذلك، وفى عام 1991 كرمته الدولة بمنح اسمه نوط الامتياز من الطبقة الأولى وإطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية فى مدينة نصر، كما كرمه زعماء ورؤساء وملوك دول عديدة فى العالم.