عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مفهوم اليقين في القرآن الكريم

القرآن الكريم
القرآن الكريم

قال الدكتور محمد عادل سهيل، من علماء الأزهر الشريف والباحث في الدعوة والثقافة الإسلامية والأديان والمذاهب بجامعة الأزهر ، إن العلم يثمر اليقين الذي به حياة القلب وطمأنينته، وبه مدح الله المتقين المهتدين بكتابه، حيث قال:

"وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" (البقرة:4)، وهم الذين فصل الله لهم الآيات، سواء أكانت آيات تنزيلية مسطورة، أم آيات تكوينية منظورة، يقول تعالى: "قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"(الأنعام:97)، "يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ"(الرعد:2)، "وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ"(الجاثية:4). فقد أثنى الله على خليله إبراهيم بقوله: "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ"(الأنعام:75) ، وذم من لا يقين عنده بقوله: "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ"(النمل:82).

 

ولقد جعل القرآن اليقين أحد عنصرين يرتقي الإنسان بهما إلى الإمامة في الدين، كما قال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" (السجدة:24) والإنسان إذا كان إيمانه ويقينه مزعزعا، ناوشته الشبهات من كل جانب، وعرضت له الشكوك عن يمين وشمال، وذلك لضعف علمه، وقلة بصيرته، فيغدو كالريشة في مهب الريح، لا تستقر على حال.

 

أما صاحب اليقين، فهو لرسوخه في علمه، وقوة إيمانه كالطود الراسي، لا يتزعزع ولا يتزلزل، ولا تؤثر فيه رياح الشكوك والشبهات، بل هو لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ، لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة. وإنما سميت الشبهة شبهة، لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس، فيعتقد صحتها، وأما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك، بل يجاوز نظره إلى باطنها، وما تحت لباسها، فينكشف له حقيقتها.

 

ومثال هذا: الدرهم الزائف، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد، نظرا إلى ما عليه من لباس الفضة، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك، فيطلع على زيفه، فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضية على الدرهم الزائف، والمعنى كالنحاس الذي تحته.

 

وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر وتدبره، رأى أكثر الناس يقبل المذهب والمقالة بلفظ، ويردها بعينها بلفظ آخر.. وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح. إن صاحب العلم واليقين، الذي رزقه الله البصيرة النافذة، والنور الكاشف، لا يلتبس عليه الحق بالباطل، ولا تروج عنده الشبهات، كما لا تغريه الشهوات، فهو مزود بسلاحين قويين يرد بهما جيوش الباطل، فهو يرد جيش الشهوات بسلاح الصبر، وجيش الشبهات بسلاح اليقين، كما قال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ". واليقين والمحبة هما ركنا الإيمان، وعليهما ينبني، وبهما قوامه، وهما يمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما قوتها، وجميع منازل السائرين، ومقامات العارفين، إنما تفتح بهما، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم.

 

قال شيخ العارفين الجنيد رضي الله عنه ونفعنا بعلومه في الدارين آمين : اليقين هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يتحول، ولا يتغير في القلب. وقال سهل: حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين، وفيه سكون إلى غير الله!

وقيل: من علاماته الالتفات إلى الله في كل نازلة، والرجوع إليه في كل أمر، والاستعانة به في كل حال، وإرادة وجهه بكل حركة وسكون.

 

وقيل: إذا استكمل العبد حقيقة اليقين صار البلاء عنده نعمة، والمحنة منحة، فالعلم أول درجات اليقين، ولهذا قيل: العلم يستحملك واليقين يحملك، فاليقين أفضل مواهب الرب لعبده، ولا تثبت قدم الرضا إلا على درجة اليقين". واليقين إنما هو علم راسخ في القلب لا يعتريه شك ولا وهم، وهو قابل للزيادة والترقي في علم اليقين، إلى عين اليقين، ثم إلى حق اليقين. ومن هنا وجدنا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، لينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين، أو إلى حق اليقين: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(البقرة:260).

 

ولقد أسرى الله بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا، ليريه من آياته، ويشهده من ملكوته ما آمن به يقينا من طريق الوحي، فيزداد يقينا مع يقين، كما قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا"(الإسراء:1). "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" (النجم:11-18) يؤكد ما ذكرناه: أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته، الجامعة لمحبته، وإيثار مرضاته، المستلزمة لمعرفته، ونصب للعباد علما لا كمال لهم إلا به، وهو أن تكون حركاتهم كلها موافقة مرضاته ومحبته. ولذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، فكمال العبد ـ الذي لا كمال له إلا به ـ أن تكون حركاته موافقة لما يحبه الله منه ويرضاه له. ولهذا جعل اتباع رسوله دليلا على محبته.