رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تعرف على العلاقة بين الجوهر والمظهر

بوابة الوفد الإلكترونية

أنزل الله جل وعلا في المنافقين سورة سُميت باسمهم، تفضح بعض مواقفهم، وتُخبر عن بعض صفاتهم، وكان من جملة ما نَعَتَهُمْ الله تعالى به قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4].

 

وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله فقد وصفهم الله تعالى بأن الناظر إليهم يُعجبُ بجمال أجسامهم، ومن يسمعهم يُؤخذ بفصاحة ألسنتهم، لكنهم كالهياكل الفارغة، أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام. وهذه الصفات تتناسب مع حالة النفاق، إذ إن ظاهر المنافق دائمًا خير من باطنه، فظاهره الإيمان، وباطنه الكفر، وهو ذلق اللسان، لكنه يقول غير ما يعتقد؛ فهو كذاب، وهو جميل الصورة، لكنه عاطل من الصفات النبيلة كالإيمان والمروءة والرجولة، وكل ما يزين الباطن. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “كان عبد الله ابن أُبي (رأسُ النفاق) وسيمًا جسيما صحيحًا صبيحًا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته” (تفسير القرطبي:18/124).

 

ولمّا كان للظاهر سلطانه القوي في التأثير، وانتزاع الإعجاب علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ضرورة تجاوزه إلى المعاني الباطنة؛ لأنها هي الفيصل الحقيقي في تقييم الرجال؛ وقد ورد في الحديث الصحيح: أن رجلًا مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قالوا: حريٌّ إن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، وإن قال أن يُسْمَعَ. ثم مرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين، فقال: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قالوا: حريٌّ إن خطبَ أن لا يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن لا يُشَفَّعَ ، وإن قال أن لا يُسْمَعَ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا» (أخرجه البخاري: [5091]).

 

ففضَّل النبي صلى الله عليه وسلم الفقير على الغني، وذلك لا يلزم منه تفضيل كل فقير على كل غني، إنما أراد أن يعلمهم أن التفاضل لا يقوم أبدًا إلا على المعاني الباطنية، وما يتبعها من أعمال. وتطرح هذه الآية

الكريمة مسألة خطيرة في حياة الإنسانية بعامة وحياة المسلمين بخاصة، هي قضية العلاقة بين الشكل والمضمون، أو الجوهر والمظهر. الجوهر والمظهر ونعني بالجوهر ابتداءً: مجموع الخصائص الخُلُقِيَّة والنفسية، والصور الذهنية، والخبرات والموازنات العميقة للفرد. أما المظهر: فإنه مجموع ما يحمله الفرد من الصفات الجسمية، وما يمتلكه من الأشياء، وما يتحمله من وظائف، مما لا يعد على صلة مباشرة بكينونته الذاتية. في البداية ليس الجوهر والمظهر شيئين منفصلين انفصالًا تامًا، بل بينهما علاقة تأثر وتأثير وأخذ وعطاء، وقد ورد ما يدل على هذا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح مناكب أصحابه في الصلاة، ويقول: «اسْتَوُوا ولا تَختَلِفُوا فتَختلِفَ قلوبُكمْ» (أخرجه مسلم: [432]).

 

والمرء حين ينشرح صدره يظهر ذلك على مُحيّاه، ومن ثم قيل: “من كثرت صلاته بالليل ضاء وجهه في النهار”. وإذا كان بين الظاهر والباطن مثل هذا التجاذب والتلازم فإن من البدهي ألا يزهِّد الإسلام الناس في الشكل؛ فالصلاة موقف روحي بحت، ومع ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على انتظام الصفوف فيها، والأمر قريب من ذلك في صفوف القتال. وحث الإسلام على النظافة، كما امتنَّ الله سبحانه علينا بما نشعر به من التأنق عند غدوِّ الأنعام ورواحها، كما قال سبحانه: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6]، وتلك مسألة شكلية. والأمثلة على هذا أكثر من أن تُحصى.