تعرف على تفسير قول الله تعالى "فلا اقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق"
التدبر فى القرآن الكريم من اسباب زيادة الايمان وقال تعالى { فلا اقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق } .
وقال اهل العلم فى هذه الآيات مقسم به وهو الشفق والليل والقمر، ومقسم عليه وهو تغير الأحوال للإنسان فى دنياه وفى أخراه ، وبيان ذلك أن الشفق هو الحمرة التى تكون فى الجو عند مغيب الشمس على المختار من الأقوال فى المراد به ، ومعنى وسق جمع وضم وحمل ، فإذا جاء الليل جمع الظلام تحت سلطانه كل كائن غابت عنه الشمس ، وأوى إلى حيث يبيت ويستريح ومعنى اتسق كمل واستوى، وذلك حين يكون القمر بدرا .
إن هذه الأمور تبدو فيها ظاهرة التغير والتحول ، فبعد ضوء النهار وما يبعث فيه من حركة ونشاط تحت سلطان الشمس بقوتها، تغيب تلك الشمس وتتوارى ، ويجىء الليل بظلامه فيحد من الحركة ويقلل من النشاط ، وتصير الكائنات فى حالة أشبه بالموت بعد الحياة .
والقمر كان فى المحاق ثم صار هلالا ازداد نوره حتى تم بدرا ، ثم يعود فى دورته إلى المحاق والظلمة مرة أخرى . وكما هو معهود من التناسب بين المقسم به والمقسم عليه نرى ظاهرة التغير والتحول واضحة فى قوله : {لتركبن طبقا عن طبق } .
فى بعض القراءات "لتركبن "بفتح الباء خطاب للمفرد، والمخاطب بذلك قيل : هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى لتكونن لك حال بعد حال فى دعوتك ومكانتك فإن كذبتك قريش اليوم فسيصدقونك غدا ، ولئن علا سلطانهم يوما فسيعلو سلطانك عليهم أياما {فاصبر إن وعد الله حق } واستمر فى دعوتك حتى يأتيك اليقين ، وقيل : إن المخاطب بذلك أى إنسان ، والمراد بيان أنه ستتقلب به الأحوال من قوة إلى ضعف ومن غنى إلى فقر ومن صحة
وفى القراءات الأخرى "لتركبن " بضم الباء خطاب للجميع .
والمعنى لتتغيرن أحوالكم فى مستقبل حياتكم كما تغيرت من قبل ، حين خلقكم الله فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ، وطورا بعد طور، وستنتهون من حياتكم بما فيها من تفاوت وتقلب إلى الموت ، ومن قدر على ذلك فهو قادر على أن يبعثكم من القبور ويحشركم إليه ويحاسبكم على ما قدمتم ، فمنكم من يعطى كتابه بيمينه ، ومن يعطى كتابه بشماله ، بعد أن ظن أنه لن يحور، أى يعود إلى الحياة مرة أخرى ، ثم بعد ذلك يسوقكم إلى الجنة أو النار زمرا، لكل فيها طبقة ومنزلة تتناسب مع عمله ، فما لهؤلاء القوم لا يؤمنون بعد هذه الأدلة القوية وما لهم لا يسجدون للقرآن الذى يدل بإعجازه على صدق محمد الأمى فى أنه منزل من عند الله ، وفى أنه صادق فى دعوته ورسالته ؟ {بل الذين كفروا يكذبون . والله أعلم بما يوعون }.