رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الوعد الحق

 د. محمد داود
د. محمد داود

بسمِ اللـه الرحمنِ الرحيمِ، والحمدُ للـه ربِّ العالمين، وصلَّى اللـه على نبىِّ اللـه ورسولِه، سيدِنا محمدٍ رحمةِ اللـه للعالمين، وبعدُ..

فيَا أيُّها المستمعُ الكريمُ..

من الحقائق الإيمانية التى يؤكدها اللـه تعالى للناس كافة، هذه الحقيقة التى جاءت فى الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللـه حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الـحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللـه الْغَرُورُ) (فاطر: 5).

هذا نداء كريم من اللـه تعالى إلى الناس كافة، وإن كان كل نداء يأخذ شرفه وقدره من قدر المنادِى، فالمنادى هنا هو اللـه رب العالمين، والمؤمن من بين الناس ينصت لنداء ربه بتعظيم وتقديس وإجلال، ويستجيب محبةً فى رضاه، وطمعًا فيما عنده تعالى من عظيم الثواب.

واللـه تعالى حين ينادى عباده، فإنما يأمرهم بخير وينهاهم عن شر، وفى هذا النداء الكريم الذى نحن بين يديه يؤكد اللـه حقيقة إيمانية ثم ينهانا بعدها ويحذرنا. فأما الحقيقة التى يؤكدها اللـه تعالى فهى: (إِنَّ وَعْدَ اللـه حَقٌّ).

واللافت للانتباه هنا أن القرآن الكريم فيه وعدٌ ووعيد.

ووعد اللـه يكون للمؤمنين بالنعيم والخير فى الدنيا والآخرة.

ووعيد اللـه يكون للكافرين بالعذاب فى الدنيا والآخرة. واللـه كريم مع عباده، فقد يعفو عن وعيده بالعذاب تفضُّلًا وتكرُّمًا، لكنه سبحانه لا يرجع عن وعده أبدًا، فوعد اللـه ثابت لا يتأخر ولا يتخلف: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللـه حَقٌّ).

فكل ما وعد اللـه به أهل الإيمان من سكينة وطمأنينة، وبركة وقناعة، وسعادة وسرور فى دنيا الناس، كل ذلك حق.

وكل ما وعد اللـه به أهل الإيمان من جنة ونعيم فى الآخرة حق وصدق؛ قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). ولـمَّا كان النعيم الذى وعد اللـه به أهل الإيمان فى الدنيا والآخرة لا يتأتى لـه مثيل ولا نظير، ولا يدانيه نعيم آخر، فينبغى ألا يفتن الإنسان بما فى الدنيا من متاع زائل أو يغفل عن زاد الآخرة أو ينشغل عن طاعة ربه.

(فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا... )

وروى مسلم عن أنس رضى الله عنه، قال: قال رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم): «يؤتى بأنعم أهل الدنيا يوم القيامة، فيصبغ فى النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قَطُّ؟

هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا واللـه يارب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا فى الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ فى الجنة صبغة، فيقال لـه: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله، ما مر بى بؤس قط، ولا رأيت شدة قط».  مسلم، كتاب: صفة القيامة، رقم (5021).

وهنا وقفة فى معنى الدنيا التى ورد ذكرها فى القرآن.

الدنيا على العموم هى كل حدث من أحداث الحياة - أى كل ما قبل الموت-، لأنه قريبٌ وكلُّ ما بعد الموت هو الآخرة.

فكل ما لك فيه حظٌّ عاجل، ونصيبٌ قريبٌ، وغرض دانٍ، وشهوةٌ ولذة عاجلة قبل الوفاة، فهى الدنيا.

إلا أنه ليس كل ما لك فيه حظٌّ وميل، مذمومًا، وإنما ينقسم إلى ثلاثة:

 

الأول: ما يصحبك إلى الآخرة، كالعلم لوجه الله، والعمل الخالص لله، وهو من الدنيا المحمودة، وأمرنا اللـه أن نسأله سبحانه هذه الدنيا، قال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة: 201).

 

الثانى: كل ما فيه حظٌّ عاجل ولا ثمرة له فى الآخرة؛ كالتلذذ بالمعاصى والمحرمات. فهذا كله من الدنيا المذمومة، وهى التى ورد فيها الذم فى القرآن الكريم {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللـه وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد: 20).