عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإسلام لا يعرف التطرف.. والعقائد لا تتغير بالحوار

الدكتور محمد أبو
الدكتور محمد أبو ليلة

الأزهر يعمل على تجديد الخطاب الدينى وتطويره بعيداً عن المنظور العلماني

 

الإلحاد ظاهرة فردية.. وغياب الوعى بالدين سبب انتشار الفكر التكفيري

 

المفكر الاسلامى الكبير الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ مقارنة الأديان ورئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر الشريف أحد أعلام الأمة الإسلامية قاطبة، حصل على الدكتوراه فى مقارنة الأديان من جامعة أكسترا بانجلترا له العديد من المؤلفات العلمية المترجمة باللغة الانجليزية اضافة الى أبحاثه ومؤلفاته بالعربية، له جهود بارزة فى مجال الحوار بين الأديان والمناظرات العلمية، وأشرف على العديد من الرسائل العلمية، وناقش العديد منها داخل مصر وخارجها، كما يعد المفكر الاسلامى أحد كبار علماء الأزهر الشريف وتتلمذ على يد العقاد وحفظ الأشعار والقصائد حتى لقب بشاعر الأزهر «أبو ليلة» داعية و مفكر إسلامى موسوعى غزير الانتاج سواء باللغة العربية أو الانجليزية، وبالرغم من انه عاش لسنوات طوال متتالية فى أوروبا لكنه يتمسك بالمنهج الاسلامى الوسطى «الأزهري»، ولم يتأثر بالأيديولوجيات الغربية أو الأوروبية، له آراء علمية قوية تنم عن فكر ثاقب فى القضايا المطروحة على الساحة الدينية والفكرية، «الوفد» التقت المفكر الاسلامى الكبير الدكتور «أبو ليلة» الأستاذ بجامعة الأزهر وهذا نص الحوار.

 

بداية.. جاء الإسلام لتلبية الحاجات والمطالب الانسانية المشروعة وحمايتها كما جاء لحماية الانسان من الشرور والآفات التى تعترضه وتعوق مسيرته فى هذه الحياة لكن البعض يقولون إن الإسلام يتنافى مع الحاجات الانسانية فما ردكم؟

 

جمع الإسلام بين المادى والروحانى والثابت والمتغير والعملى والنظري، وقبل كل شيء بين الدنيوى والأخروي، ولقد جمع بين هذه الجوانب فى نظام وسط لا يجنح الى الافراط أو التفريط، فقرر الإسلام ان الانسان مخلوق لله، خلقه الله تعالى مزوداً بالعقل والنوازع والمدارك والأحاسيس والمشاعر، خلقه الله من طين أى مادة هذا الكون الذى يعيش فيه ثم نفخ فيه من روحه، فهو اذن كائن مادى روحاني، وليس هو ذلك الحيوان الذى تحدث عنه داروين وفرويد، فصوراه كائنا يتمرد بحكم تكوينه وتطوره الطينى والبيولوجى على كل القيم والأخلاق والمبادئ السامية، فنزعا عنه ما أحاطه الله تعالى به من كرامة ومن رفعة وشفافية وروحانية، بل انهما رفضا ما جاء فى التوراة والقرآن من خلق آدم واعتبراه خرافة وليس الانسان هو ذلك الكائن الذى تصوره أبيقور من قبل غارقاً فى اللذة حتى أذنيه يتقلب فى الشهوات حيث يشاء وليس هو السوبر مان الذى يتمرد على خالقه فينكره ويعتمد القوة معياراً وحيداً للبقاء ويحكم على الدين بأنه عبث وعلى القيم بأنها قيود سخيفة تحول دون تقدم الإنسان، فالإنسان فى الإسلام مخلوق كرمه الله تعالى زوده بالعقل وميزه بالفكر على غيره من المخلوقات وجعله خليفة عنه فى الأرض وهنا نذكر أن القيم الفاضلة والأخلاق الطيبة مع العقل المفكر كانت دائماً هى الدافع الى تقدم البشرية، ولهذا فالاسلام منهج دين وحياة كامل وشامل، وخطة عمل يتلاءم والطبيعة البشرية فى خصائصها وامكانياتها.

 

 فى رأى فضيلتكم كيف تتصدى للمتاجرين بالدين فى ظل وجود عملاء جندهم أعداء الإسلام لتشويه صورته ونهب الأوطان وتمزيق الأمة الإسلامية؟

 

مسألة الأعداء المجندين ضد الإسلام قديمة، ففى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هناك من يجند ويضع خططاً للقضاء على الإسلام أو ملاحقة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آخره، وجاء أيضاً فى العصر الأموى والعباسى الأول والثانى والعصر الأيوبي، فهذه مسألة مستمرة، مادام هناك حق وباطل، لكن الذين يتاجرون بالدين للأسف هم الذين يتصدرون المنابر والمنصات الاعلامية الآن، ويسبقون فى الجلوس امام الميكروفونات، مع تقديرنا الكامل لانسانية كل شخص، لكن هذا هو الواقع للأسف والذين يتاجرون بالدين هم يخسرون أكثر مما يكسبون، لأن خسارتهم أضعاف أضعاف لأنهم بخسارتهم تخسر الأمة كثيرا، فلابد من تجنب هؤلاء المنافقين ولو عدنا الى آيات القرآن الكريم فستجد أن آيات المنافقين أكثر من الآيات التى تحض الناس على الصلاة أو العقيدة، لأن المجتمعات مبتلاة دائما بالمنافقين، وما من حضارة تسقط ولا نظام يبطل ولا أمة تفتقر الى مقوماتها والى اقتصادها، إلا من ورائها المنافقون، فلابد أن نحذر منهم وبالذات الذين يلبسون مسوح الرهبان ومسوح المشايخ والعمائم.

 

هل من الممكن أن نقول ان «داعش» والتنظيمات الارهابية هى أجندة الغرب لتفكيك الدول العربية والاسلامية وانهاك جيوشها خدمة لاسرائيل؟

 

كل هذا وارد، لو جمعنا الأمور الصغيرة والأخبار العابرة من هنا وهناك وتصريحات داعش أو غيرها بالفعل قد نصل الى هذه النتيجة ان «داعش» مجندون من الغرب من أجل ازعاج المسلمين داخل أوطانهم، فالمعركة الآن صدرت الى أوطاننا وأصبح الناس مشغولين بعضهم بالبعض، يهاجم بعضهم البعض سواء كانوا شعبا أو شعوبا عربية بالتحديد، لأن العرب هم قلب الاسلام، فالعرب إذا استقاموا استقام العالم الاسلامى كله، واذا اعوجوا اعوج العالم الاسلامى كله ولذلك أرى أن «داعش» الى حد كبير جدا من الممكن أن تكون صنيعة الغربيين ومن تصنيع المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية أو غيرها من أجل تحويل المعركة إلى قلب العالم الإسلامى وهذا هو الحال الآن.

 

رغم أن التطرف الدينى ظاهرة عالمية فإنه قد تم تجاهل جميع أشكاله ورصد ما لدى قلة من المسلمين وتضخيمها حتى أصبحنا نوصف بدين التطرف فما سبب ذلك وما ردكم على هذه الأكاذيب؟

 

سببه يتصل بالسبب العام «الأكبر» وهو عدم الارتياح إلى الإسلام لما فيه من قوة، لكن الذى يهاجم من الإسلام هو القوة التى تقف فى وجه التصنيع وتقف فى وجه الرأسمالية والشيوعية، ولم يوجد عدو أخطر من الشيوعية غير الإسلام، ولذلك فإن الغرب عندما أراد أن يواجه الاتحاد السوفييتى تحالف مع المسلمين، وخير مثال على ذلك أفغانستان، فقد كانت روسيا أو الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان قبل أن يصل إلى المنطقة العربية، أما التطرف فهو فى كل دين بل وفى كل نظام سياسى، بل هو سمة من سمات المجتمعات المغلقة، فكل واحد يتطرف ويتمسك بفكرته أو عقيدته أو اعتقاده، لكن التطرف عندنا أخذ معنى سياسيا، وهذه المشكلة الكبرى، فالشخص أول ما يتطرف يتطرف باسم الدين، وهذه مصيبة، ولا يكون له كلام ولا سعى إلا إساءة إلى الدين نفسه، لأن الإسلام ليس فيه تطرف ولا يعرف التطرف فالإسلام يهاجم المتطرفين، ينهى عن الاستغراق فى العبادة وينهى عن الإسراف فى الطعام والشراب، الإسلام دين الوسط فهو دين وسطى يتنافى مع التطرف، لأن التطرف معناه اللجوء إلى أحد الطرفين،

فالإسلام يجمع بين الطرفين بكونه يشغل منطقة الوسط، فهو مثل الدائرة، لكن للأسف التطرف أخذ معنى سياسيا استغلته بعض الجماعات أو استغله الغربيون وتضخم بهذا الشكل الذى هو عليه اليوم.

 

 

حوار الأديان هل له جدوى وكيف نقيم حوارا حضاريا مع العقلية الغربية؟

 

الحوار بين الغرب والشرق أو بين المسلمين وبين المسيحيين فى الغرب كرجل يتعطر قبل أن يخرج، فالعطر ليس شيئا جوهريا فيه، فحوار الأديان عبارة عن عطر أو إذا شئت أن تقول بخار، لكن لابد منه، فهو لم يؤت أثرا لأن العقائد لا تتغير بالحوار وللأسف أصبح كل شىء فى حياتنا من اقتصاد واعتقاد وصناعة وزراعة كلها أخذت منحى العقيدة أو منحى الدين ويهاجم من هذه الزاوية، فالمفروض أن الدين أقوى شىء، فقد جعلوا فيه نافذة بحيث يدخلون منها لضرب الإسلام ولتفريق المسلمين، ولكن ليس مهما أن نقول إن الإسلام سيضرب، فالإسلام لن يضرب بسهولة ولا بصعوبة، لكن الذى يضرب هو الوحدة وحدة المسلمين وعزتهم وكرامتهم، وهذه هى القلاع كلها التى تصوب إليها سهام الغرب.

 

 كيف نواجه الفكر التكفيرى الذى يطفو على السطح الآن؟

 

الفكر التكفيرى جاء بسبب غياب الوعى الدينى، فأين المحاضرات الدينية الآن، حتى الدروس الدينية شبه معطلة، فإذا لم تشغل وقت الناس بالحق شغلهم الشيطان بالباطل، فإذا ترك الشباب دون غذاء روحى سيكون المصير هو ما نراه اليوم من تعاطى المخدرات ومشكلة المثليين التى ظهرت وأعلنت عن نفسها مؤخرا، وغيرها من السلبيات الاجتماعية بسبب غياب الوعى والوعظ الدينى، فأصبح حديثنا عن الإسلام تقاليد باهتة ومجرد سبك عبارات فقط.

 

ما تشخيص فضيلتكم لتزايد موجات «الإلحاد» بين الشباب فى الفترة الراهنة؟

 

هذه الظاهرة موجودة فى كل عصر وكل مكان، وعادة ما ينشأ الإلحاد فى ظل الترف والرفاهية وشيوع الظلم، إضافة إلى ضعف الوازع الدينى والإلحاد فى حد ذاته، لا يعتبر سلاحا مخيفا إلا فى بلادنا لأن بعض القوى المناهضة للدين تستغله بشكل عام وللإسلام بشكل خاص، وهناك خطر آخر يمثله الإلحاد وهو أنه يتذرع بالعلم والنظريات، والإلحاد فى الدول المتقدمة ليس له برنامج سياسى عكس بلادنا، فإنه للأسف قلما نجد ملحدا فى بلاد المسلمين إلا ويصب جام غضبه على الإسلام على كل عمل إسلامى، وكأنما الإسلام هو عدوه. إن معظم الملاحدة لدينا ليس عندهم ثقافة واسعة ومتسامحة وهذا مكمن الخطر، والإلحاد بشكل عام ظاهرة فردية تنشأ على هامش الحضارات، لكن علينا أن نتولى تقديم الإسلام لهؤلاء، ونحاول إعادتهم إلى الدين بالحكمة والموعظة الحسنة وبالعلم والفكر.

 

 أخيرا.. بعض دعاة العلمانية يرون أن مشكلة تجديد الخطاب الدينى تكمن فى جمود المؤسسة الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف فما ردكم على ذلك؟

 

المؤسسات الدينية وفى مقدمتها الأزهر الشريف تنادى دائما يتجديد الخطاب الدينى وتعمل على تطويره من خلال وسائل عديدة، ولا مانع من أن نعترف بأن هناك قصورا يعانى منه الخطاب الدينى بسبب محدودية المعرفة وعقول المتصدرين له، وقلة خبرتم فى الحياة وعدم إلمامهم بمستجدات العصر وأساليب التعبير، ونحن نؤكد أن الخطاب الذى يتبناه الأزهر الشريف إنما يسعى لتوفير حياة طيبة صحيحة سواء كان الخطاب الدينى يأتى فى شكل خطبة أو موعظة أو مقال أو كتاب، أو حوار وغير ذلك، لكننا فى الوقت نفسه لسنا مع من ينادون بتحرير الخطاب الدينى من القيم وإبعاده عن الدين، وهو ما يتمناه أو يراه العلمانيون وأمثالهم من التيارات الفكرية الأخرى وجذبه إلى مناطق الخطاب اليسارى إلى الخطاب العلمانى الذى يستبيح محرمات الدين واللغة والهوية والخصوصيات فهذا تبديد لا تجديد، إنه تنحية للدين من أشكاله وأساليبه ومضامينه ليكون المصطلح وفق مفاهيم ومصطلح الخطاب بشكل عام استحدثه العالم الفرنسى «ميشيل فوكوه»، فليس من المقبول أن يكون الخطاب إسلاميا وهو يعبر عن مفاهيم غربية بحتة ويتبنى لغة أساليب الغرب ولكن تبقى تسميته خطابا إسلاميا إلى حين وبالتالى يخضع خطابنا الدينى أو يستسلم للنظريات الأدبية أو الفلسفية أو الاجتماعية الحديثة مثل التفككية التى تتعامل مباشرة مع النص والواقعية وغير ذلك، وقد كتبت كتابين هما:« شبهات العلمانيين والرد عليها» والثانى «الإسلام والاتجاهات الفكرية الحديثة، وهؤلاء المرجفون فى مجتمعنا بتجديد الخطاب الدينى هم أنفسهم غير مؤهلين للقيام بهذه المهمة الجليلة فهم لهم فى الهدم لا البناء.