رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنقذوا تراث جدى قبل اندثاره

علاء حسنى
علاء حسنى

«وصف الموسيقار محمد عبدالوهاب صوت الشيخ مصطفى إسماعيل وتلاوته فقال: «إنه يفاجئنا دائمًا بمسارات مقامية وقفلات غير متوقعة» كما وصفه الشيخ أبو العينين شعيشع بأنه «فلاح القرآن» أى الذى خدم القرآن بصدق وإتقان وإخلاص تراثه الصوتي.

 ويرى خيرى شلبى انه اذا كانت القراءة بالعين كتبت المفردات والمعانى فى الذاكرة فإن الاستماع لصوت المفردات والمعانى عبر موهبة صوتية كالشيخ مصطفى إسماعيل يثبت المغازى القرآنية فى القلوب والمشاعر فكان لابد من وجود أمثال عباقرة كالشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفى اسماعيل والشيخ عبدالباسط عبدالصمد ليتحقق جانب من جوانب قول الله تعالي: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».

ويقول الكاتب كمال النجمى رحمه الله: «إن نجم الشيخ مصطفى اسماعيل سطع لأنه أتى بالجديد فى التلاوة، وكان له اسلوبه الخاص فى التعامل مع آذان المستعمين، فكان يبدأ القراءة بصوت منخفض  ويستمر كذلك يجرب صوته ويعلو به درجة واحدة ثم درجتين ثم ثلاث درجات على السلم الموسيقى لينزل مرة أخرى إلى درجة القرار، ومن هنا يتضح أمران نوعية الصوت التى تختلف من يوم الى يوم ونوعية المستعمين أمامه وهل هم من محبى سماع القرآن، أم إنهم ممن يدخلون السرادقات لمجرد التعزية ومقابلة الأصدقاء والتعرف إلى الناس؟ وبعد أن يتضح للشيخ هذان الأمران يضع هيكلاً أو إطارًا لقراءته فيرتفع صوته تدريجيا لوضع الأساس المقامى لهذا الهكيل وتحديد نقطة الابتداء الفنى العلمى الذى يوافق معانى ما يتلوه، فقد كان الشيخ مصطفى اسماعيل حقًّا وصدقًا مدرسة متفردة فى التلاوة، حتى أصبح أحد أساطين دولة القرآن المتميزين. «الوفد» التقت علاء حسنى «مضيف جوي» حفيد قاريء الملوك لابنته  والذى تربى على يد جده حتى سن الخامسة عشرة ليصبح وريثًا لعبقرى التلاوة حتى اكتسب صوته، ليروى رحلة جده مع القرآن وهذا نص الحوار:

 

 

 نود إعطاءنا نبذة عن حفيد الشيخ مصطفى اسماعيل رحمه الله؟

 

ـ أعمل رئيس طاقم ضيافة فى شركة مصر للطيران، وقد توفى والدى وعمرى عام ونصف العام أو سنتان، فقام جدى بتربيتى الى أن توفاه الله، وقد نشأت على سماع القرآن بصوت جدى فعشقته وأصبحت من السميعة له، ومع الوقت كنت أستطيع قراءة كل ما كنت أسمعه، وأصبح الناس يستمعون لي، حتى جدى كان منبهرًا بتقليدى له، وأصبح من هواياتى الآن تلاوة القرآن على الناس سواء فى صلاة الجمعة أو فى المناسبات العائلية.

ووالدى يرحمه الله ـ عندما تزوج والدتى كان عاشقًا لصوت الشيخ مصطفى اسماعيل وكان يتساءل كيف تكون هناك عبقرية مثل الشيخ  موجودة فى مصر والناس يعرفونه ولا يكون على مستوى أم كلثوم التى كان سميعًا لها، فبدأ يفكر كيف يضيع كل تراث الشيخ فى الهواء دون تسجيل فبدأ يسجل له حتى بلغ عدد ما سجله «10» أو «15» ليلة بصوت الشيخ ثم توفى رحمه الله ـ وعندما كبرت وجدت هذه الأشياء فى المنزل حتى ماكينة التسجيل، وانبهرت بها، وفى عام 1973 حضر  خالى الذى كان يدرس الطب فى ألمانيا الى مصر بعد انقطاع «15» عاماً وأراد سماع التسجيلات فلم يجد غير هذه الحفلات، وسأل جدى فأجابه إن هناك من يسجل له فى شتى المحافظات فأحضر ماكينة تسجيلات وابتدأ فى نقل هذا التراث من الأصحاب والمعارف، وعندما كبرت اشتريت جهازًا وبدأت أتواصل مع الناس وأنقل وأسجل حتى عام 2006 ومع تطوير التكنولوجيا والكمبيوتر، بدأت أصل للطريقة السليمة فى كيفية نقل الصوت بشكل رقمي، والمونتاج وترجمته، وتواصلت مع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات التى أغلقت فيما بعد، وقدمت خلالها أكثر من «20» تسجيلاً ودخلت عالم المونتاج الصوتى والتقنى حتى وصلت الى مرحلة الاحتراف فى هذا المجال، فقد شعرت بضرورة حفظ هذا التراث وتنقيحه وانه لابد من وضعه فى مكان تراثى مثل التليفزيون  والإذاعة المصرية.

 

 

إذا تحدثنا عن صوت عبقرى التلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل فماذا تقول؟

 

ـ نحن نتحدث عن صوت، فلابد من سماع الصوت قبل الحكم وحتى نتعرف عليه، فهناك أناس كثيرون كتبت أسماؤهم فى التاريخ، مثل الشيخ أحمد ندا ـ بما أننا نتحدث عن المقرئين ـ وقيلت عنه أساطير، لكن كل هذا الكلام لا جدوى منه لأنه يشرح صوتًا على ورق، فلن يعرف أحد نسبة صحة هذا الكلام إلا إذا سمع هذا الصوت، وهناك مفاجأة وهى أن الإذاعة بها «700 تسجيل» من التسجيلات الخارجية، وهى حصاد احتفالات الإذاعة بالشهور العربية، بما يعادل «12» حفلة فى السنة منها على الأقل «10» حفلات للشيخ  مصطفى اسماعيل وهو موجود فى القاهرة، وهذه التسجيلات تم حصرها أيام رئيسة الإذاعة صفية المهندس، وكان الشيخ مصطفى اسماعيل على قيد الحياة، وتم عمل أرشفة لها وهذه التسجيلات لا نستمع منها إلا لأكثر من  «20» تسجيلا فأين البقية؟! وهي عبارة عن تسجيلات تتراوح مدتها  ما بين «50» دقيقة وساعة و خمس أو عشر دقائق. فقد كانت المساحة القرآنية فى الماضى  متاحة بالإذاعة، فقد كان الشيخ من الممكن أن يقرأ فى صلاة الجمعة لمدة ساعة   وثمانى دقائق قرآن فقط وتسجل فى التليفزيون، فأين هذه التسجيلات التى لم تخرج حتى الآن؟.

 

 

 إذن أنت توجه سؤالك لمسئول الإذاعة عن سر عدم إذاعة هذه التسجيلات بها؟

 

ـ بما أن الشيخ مصطفى اسماعيل عبقرية من عبقريات القرآن النادرة  التى لا يقترب منها أحد، وهذا ليس تحيزاً منى  فأنا أتحدث بصفتى سميعاً وليس بصفتى حفيده، فنحن نضع الشيخ مصطفى اسماعيل فى بوتقة من المقرئين ولا نعرف اظهاره، لأن صوته لم يسمع، ولذلك أريد من اذاعة مصر، فهناك اذاعة الآن تسمى مصر للقرآن الكريم فى التليفزيون تتبع الشركة المتحدة، وهى موجودة منذ 6 شهور فى التليفزيون «قناة تجريبية» من أمنيات حياتى بصفتى متخصصاً فى تراث الشيخ وعمل المونتاج وعمليات النقل من النظام القديم الى النظام الرقمى الجديد وتنقية التسجيلات وعرضها على المجلس الأعلى للشئون الاسلامية حتى يقرها وأنها خالية من أى مشكلة سواء كانت فى القراءات أو فى  النص القرآني، ومنحى شهاهدة بصلاحية هذا التسجيل للنشر، فاذا كانت الاذاعة لديها «700 تسجيل» فلدى 1300 تسجيل واذاعات خارجية نادرة بين سنة «45 ـ 78» عندما توفي، و لا أريد أن تسرق هذه النوادر عند رفعها على الانترنت، فأنا أريد ان تخرج هذه التسجيلات من اذاعة القرآن الكريم، لكن هذا لن ينفع لأن الاذاعة تعطى الآن مساحة صوتية غير كافية للشيخ مصطفى اسماعيل، وهو يحتاج على الأقل الى ساعة يومياً حتى نستطيع اذاعة «700» ساعة بالاضافة الى «1200» ساعة موجودة لدي باجمالى «2000» ساعة والتى  تعتبر 5٪ من انتاج هذا العلم القرآن، فهل هذه التسجيلات لن ترى النور، وهل سيندثر تراث الشيخ مصطفى اسماعيل، فلا يوجد غيري فى أسرة الشيخ من يحافظ على هذا التراث  وتنقيحه وتجهيزه، وأريد أن أتركه لمصر وليس للناس والانترنت، وأريد خروجه بشكل رسمى من التليفزيون المصري، وأتمنى من قناة مصر ألا تذيع إلا لكبار القراء حتى جيل الستينيات أما بعد ذلك فلا، لأن هؤلاء لا يعدون من التراث أمثال الكبار، أيضاً هناك أكثر من «12» مبتهلاً وموشحاً على أعلى مستوى حتى عام 1960 مثل على محمود وطه الفشنى وسيد النقشبندى ومحمد الفيومى وابراهيم الفران، وهؤلاء قمم كبرى وكوكبة نادرة.

 

 

كيف ظهرت موهبة الشيخ مصطفى اسماعيل ومرت لدى أهل قريته؟

 

ـ فى ميت غزال بمركز السنطة مديرية الغربية ولد الشيخ مصطفى اسماعيل فى 17 يونية عام 1905 وكان والده مزارعاً ميسور الحال وقد تم توجيهه منذ البداية الى الكُتَّاب ليحفظ القرآن ويتعلم القراءة والكتابة،  وقد أعطاه الله كل شيء من عنده، فقد شهره دون أن يسعى للشهرة، جعله نجماً للمجتمع والمقرئين فى مصر دون سعى لذلك، وكانت أول شهرة لجدى عندما توفى محمد القصبى باشا فى اسطنبول وكان عضواً فى مجلس الشيوخ وأحضروه فى قطار مخصوص من الاسكندرية الى طنطا، وذهب جدى يرحمه الله ـ الى القراءة فى العزاء وكان يوجد جميع أعيان مصر حتى الأمير عمر طوسون وسعد زغلول والشيخ محمد رفعت والشيخ حسن صبح أحد مشاهير القراءة وقتها، وطلبوا من جدى أن يقرأ وكان عمره 17 عاما وعندما صعد فوق «الدكة» للقراءة من العصر ولم يتم تغييره استمعت له مصر كلها، وبدأت شهرته، وبعد ذلك ذهب  للقاهرة لاصلاح سيارته، وبالصدفة مر على شارع الأزهر فقرأ لافتة مكتوباً عليها «رابطة تضامن القراء» وكان من عادته تفصيل ملابسه عند ترزى عربى بخان الخليلى اسمه «الأسطى فتوح» وكان معجباً بهذا الترزى فى حياكة الملابس ويأتيه من طنطا كلما أراد تفصيل ملابس جديدة وكان الأسطى فتوح شديد الإعجاب بتلاوة جدى وتوثقت الصداقة بينهما وكان يطلب منه الأسطى فتوح تلاوة القرآن فى منزله، فقال له الشيخ انه مر برابطة تضامن القراء ولم يكن يعلم بها وكان ذلك فى أوائل عام 1943، فأشار عليه الاسطى «فتوح» ان يلتحق بهذه الرابطة وشجعه على ذلك، وبالفعل ذهب الى مقر الرابطة وتعرف على المقرئين هناك وقابل القاريء الشهير الشيخ محمد الصيفى المسئول عن الرابطة وعرض عليه الشيخ «الصيفي» قراءة القرآن فى الإذاعة يوم الجمعة فى مسجد سيدنا الحسين وقدمه للاذاعة دون سعى منه أيضاً، ودون مروره على لجنة اختبار أو امتحانات.

 

 

وكيف أصبح مقرئًا للقصر الملكى والملك فاروق؟

 

ـ كانت الاذاعة نقطة انطلاق الشيخ للشهرة فى مصر كلها والعالم الإسلامي، وأصبح يستمع له الملايين بعد سنوات من السهر فى القرى والنجوع والكفور والمدن الصغيرة، وكان من بين السميعة مراد محسن باشا ناظر الخاصة الملكية حينذاك والذى قد سمعه فى الاذاعة وأرسل فى طلبه فى قريته عن طريق البوليس، وكان الشيخ مصطفى اسماعيل يشرف على جني محصول القطن فى حقله، ولما عاد للمنزل أخذه الضابط فى سيارة البوليس، ومن طنطا بدأت مسيرة السيارة الى القصر الملكى بعابدين، وأدخلوه على الفور الى مكتب مراد باشا ناظر الخاصة الملكية وقال له استمعت لصوتك بالاذاعة وأرجو أن تقرأ لنا الآن، ولم يكد الشيخ يجلس للتلاوة حتى دخل عليهم محمد حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة وانتهت المقابلة بين الشيخ ومصطفى اسماعيل ورجال الملك فى القصر الملكي، ولكن مراد باشا وهو يودعه على باب مكتبه قال له: نريدك فى احتفال الذكرى السنوية للمرحوم الملك فؤاد فى 28 ابريل سنة 1943 وسيحضر الملك فاروق وسيذيع الراديو قراءتك، وبالفعل حضر هذا الاحتفال وقرأ

فيه، وبعدها تم الاتفاق معه على أن يقرأ طوال شهر رمضان فى قصر رأس التين المقر الصيفى الرسمى للملك فاروق وطلبوا منه وقتها ترك طنطا ويظل موجوداً بالقاهرة، وحجزوا له جناحاً بفندق شبرد وظل مقيماً فيه ما يقارب الـ «9» سنوات حتى غادر الملك الحكم.

 

 

وماذا عن علاقته بالرؤساء بعد قيام الثورة؟

 

ـ بعد أن قامت الثورة جاء الرئيس محمد نجيب واختار جدى ليكون هو القاريء الذى يفتتح حفلاته ثم جاء جمال عبدالناصر وكان الشيخ هو الذى يفتتح حفلاته أيضاً ويختتمها، وبعد ذلك جاء الرئيس السادات الذى اختاره لشدة اعجابه به، واصطحبه معه لزيارة المسجد الأقصى فى طائرته الخاصة أثناء سفره للقدس وتلا آيات قرآنية بصوته الذهبى فجر عيد الأضحى، ليكون هو الشيخ المعمم الوحيد الذى يسافر  معه.

 

 

اشتهر الشيخ رحمه الله بلعبة «الحكشة» وانها لعبته المفضلة فماذا عنها؟

 

ـ هناك خصيصة فى شخصية الشيخ مصطفى اسماعيل وهى مهمة فى إلقاء الضوء على فنه  وهى أنه بعد أن تحدد طريقه فى الحياة بأن يكون قاريء قرآن، بل حتى وهو يحقق شهرة كبيرة فى محافظة الغربية، لم يتوقف عن المشاركة فى ألعاب القرية، وكانت لعبة «الحكشة»، أى تبادل ضرب الكرة على الأرض بأقحف الجريد هى لعبته المفضلة فى الأجران فى ضوء القمر، وهى شبيهة بلعبة «الهوكي» فى هذه الأيام.

 

 

 الإذاعة والحفلات ميدانان مختلفان لكل منهما جمهوره كيف استطاع الشيخ الجمع بين هذين المنبرين الكبيرين؟

 

ـ  الشيخ ـ  رحمه الله ـ ليس شخصاً حافظاً لما يقوله، فقد كان يسخر صوته للقرآن وليس العكس، فقد كان يؤسس لهيكل جديد لتلاوة متكاملة، المقامات مختلفة، واستخدامه للمقام مع الألفاظ التى تقرأ فى السورة، مثل الرصد يختلف من سورة الى سورة فكانت لديه مساحة واسعة من الإبداع لدرجة ان كل ساعة من تسجيلاته تعتبر تراثاً بمفردها، وبالنسبة للاذاعة والحفلات فقد كانت بالتأكيد الاجواء المحيطة تؤثر فيه كثيراً، ونوع المأتم والتركيبة نفسها، والمسجد بنظام الذى يختلف عن الشادر أو الصلوات، غير الاستديو فالجو المحيط  به كان يؤثر فيه بشكل مباشر.

 

 

 إذا تحدثنا عن علاقة الشيخ بالمشاهير مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب أو كبار القراء فماذا تقول؟

 

ـ عندما ظهر الشيخ مصطفى اسماعيل فى الراديو عند الملك وسمعه  الناس، الكل أحب التقرب اليه وأن يتعرف عليه، وعندما كانوا يرونه يجدونه شخصاً «شيك» فى مظهره وملبسه، ودمه خفيف ومتواضع، فقد كانت تركيبته غريبة جداً، وهذا سمت العبقريات، فأم كلثوم وعبدالوهاب ومصطفى اسماعيل وطه حسين كلهم من الريف، لكننا نرى فيهم عبقريات راقية، ولن تتكرر، ويحكى الشيخ مصطفى اسماعيل قائلاً: أول مرة رأتنى أم كلثوم كانت فى الاسكندرية عام 1959، وكان عندى عدة ليالٍ هناك، وفى احدى الليالى كنت متفرغاً وكانت أم كلثوم تغنى بالمنشية فاصطحبنى أصدقائى وذهبوا بى إلى حفل أم كلثوم وكانت تغني، وكان يحكي قائلا أيضا إن صوتها دسم وشخصيتها جريئة، وكانت أم كلثوم تقول عنه: «هو نخن موسيقي كامل»، وقال عنه رياض السنباطي «ده كان موسوعة»، ولما كانت أم كلثوم تغنى سمعت أصواتاً كثيرة وعندما سألت أجابوها بأن الشيخ مصطفى اسماعيل موجود بالحفل فطلب رؤيته وعندما دخل لها فقالت له نكتة، وذات مرة قابلته فى الاذاعة على باب الأسانسير فاصطحبته الى البروفة ليستمع لها، وأخذت رأيه فى الأداء، وكان عندما يسير فى منطقة الزمالك، يرسل لها السلام مع البواب، وعندما كانت تراه ترسل له ليجلس معها فى حديقة المنزل، فكانت علاقة احترام متبادل، أما «عبدالوهاب» فكان يعشق صوته ولم يكن يصرح بذلك، وكان شيئاً غريباً، فعبدالوهاب كان يركب سيارته ويذهب لسماع الشيخ فى موالد أبو العلا وبولاق والمناسبات، وهناك ليالٍ معينة كان يجلس فى سيارته بالخارج ليستمع فى الخفاء، وكان يكلمه تليفونيا ويخبره بذلك، وكان يطلق عليه لقب «فتوة» ويقول له «أنت فتوة» لأنه كان يراه يصل الى طبقات صوتية لا أحد يستطيع الوصول لها أو يقترب منها، فقد كان يهوى الصعب وكانت لديه ابداعات غير عادية، أما علاقته بكبار القراء، فكانت لديه خصلة يخاف من زوال النعمة والموهبة والعبقرية وكان ينسبها الى الله وانه هو الذى يعطى يمنح ويمنع، فكان خائفاً دائماً على صوته، ولم يكن لديه حقد ولا حسد ولا تنافس ولا غيرة من أحد وكان يحترم المشايخ ويحترمونه ويعتبرونه رقم واحد فيهم دائماً.

 

 

هل كان الشيخ حادًّا فى قراراته داخل البيت؟

 

ـ كان فى البيت «سى السيد اللطيف» والطريف أنه كان يدلع بناته  ويحترم أبناءه الذكور وكان ينادينى بـ «علاء بيه» أمام الناس، وكان اخوته الأولاد والبنات كلهم يعيشون فى كنفه، ويهتم بهم جميعاً ويساعدهم كثيراً، والشيخ رحمه الله كان لديه ستة أولاد وستة عشر حفيدًا.

 

كيف تصف مدرسة جدك عبقرى التلاوة؟

 

 

ـ لا أقول عليه مدرسة، لكننى أقول عليه جامعة أو جامعات لأنه يجمع بين أشياء كثيرة جداً تخرج فى الآخر الشيخ مصطفى اسماعيل، فلديه بصمة صوت خاصة غير عادية تظهر حلاوة فى الصوت ولديه حنجرة مساحة، وحجم من النادر تواجده فى بشر كثير، فقد جمع علوم القرآن والموسيقى، وكان لديه خليط غير عادى فى توليف كل المقومات مع بعضها فلابد من سماعه حتى يكتشف من يسمعه ذلك.

 

ماذا عن تراث الشيخ الذى تركه ومقتنياته ولِم لم تفكروا فى إقامة متحف له؟

 

ـ لدينا مقتنيات كثيرة له، وأتمنى أن يعطينى التليفزيون التسجيلات  التى بحوزتهم، أحتفظ بها كتراث وأعطيهم التسجيلات التى أحتفظ بها فلو أعطونى «600» ساعة سأعطيهم «1200» ساعة، كما أتمنى أن تفرد مساحة صوتية للشيخ بالاذاعة على الأقل ثلاث ساعات صباحاً ومساء حتى يستمع له العالم، كما أتمنى أن توضع مقتنياته التى نملكها للشيخ مصطفى اسماعيل سواء كانت صوتية أو مادية توضع فى متحف،  ولدينا كمية كبيرة من الصور الفوتوغرافية التى توثق هذا التراث، فنحن سنموت، والدولة هى الوحيدة القادرة على الحفاظ على تراثه.

 

كيف كانت أيامه الأخيرة؟

 

ـ طاف الشيخ رحمه الله العديد من بلدان العالم قارئًا للقرآن، فى باريس وكوالالمبور وكراتشى ودول آسيا والدول العربية والإفريقية، ونال التكريم وتقدير الرؤساء ومنح العديد من الأوسمة والنياشين، وقد رحل الشيخ رحمه الله عن الحياة فى السادس والعشرين من عام 1978م وكانت أمنيته أن يدفن فى حديقة منزله الريفى بقريته ميت غزال، وأثناء احتضاره تم نقل هذه الوصية للمحافظ لكنه رفض قائلاً: هذا يحتاج الى إذن من رئيس الجمهورية فذهب الحاج عبدالعزيز وهو رجل بسيط وطيب الى الرئيس السادات فى ميت أبو الكوم الذى أمر بتنفيذ جميع ما طلب الشيخ ودعا له بالرحمة، ورحل الشيخ مصطفى اسماعيل عن الحياة بعد أن ترك تراثاً كبيراً وسجلاً ناصعاً لقراءاته المسجلة، حيث بلغ مجموع ما تم حفظه من تسجيلاته الخارجية نحو 2000 ساعة تسجيلات على الهواء، وقد نال التكريم من كل الملوك والرؤساء المتتابعين فى مصر وخارجها.. رحم الله مقريء الملوك الصوت الذهبي، صوت الأرض الذى عانق السماء.