السيدة زينب من كربلاء إلى مصر
تعتبر السيدة زينب من مجددى القرن الأول الهجرى، فقد توفيت عام 63هـ، وتم اعتبارها من المجددين في الإسلام، لما لها من مآثر كثيرة تجعلها تقف إلى جانب كبار العلماء. فقد كانت عند أهل العزم والتصميم «أم العزائم»، وعند أهل الجود والكرم «أم هاشم»، وعند أهل مصر والسودان «الطاهرة». كان يرجع إليها الأئمة الكبار- ومنهم أبوها على وأخواها الحسن والحسين- في الرأى والمشورة، فسميت صاحبة الشورى، وكانت دارها في المدينة المنورة ملتقى الضعفاء، واسمها نداء المحتاجين فلقبت بـ«أم العواجز»، وتحول بيتها في مصر لمقرٍّ يعقد فيه الوالى لقاءاته بالرعية واجتماعاته مع رجاله تحت إشرافها، فعُرفت بـ«رئيسة الديوان»، وكنا في الجزء الأول من هذا المقال قد عرضنا لسيرتها منذ مولدها وحتى وقوع مأساة كربلاء، وفى هذا الجزء نتناول ما بقى من سيرتها من كربلاء حتى استقر بها المقام في مصر.
حقًّا، إذا كانت كربلاء كربًا وبلاءً على المسلمين عامة، فقد كانت أشد كربًا وأقسى بلاءً على السيدة زينب خاصة، ففى كربلاء قُتل لها في يوم واحد شقيقها الإمام الحسين وستة من إخوتها لأبيها منهم: العباسى وجعفر وعبدالله وعثمان ومحمد وأبوبكر، وثلاثة من أبناء شقيقها الحسين، ولم يبق سوى ابن شقيقها «على زين العابدين بن الحسين» الذي أنقذه مرضه من الموت. وعلى الرغم مما حدث يوم كربلاء الذي كان فادحا وأليما، فإن السيدة زينب كانت مثالًا للصبر والتضحية والفداء، والثبات والشجاعة والإقدام.
وفيما كانت تلقى نظرة أخيرة على الأشلاء المقطعة لشقيقها الإمام الحسين علا صوتها يشق عنان السماء: «يا محمد، صلى عليك مليك السماء.. هذا حسين بالعراء مقطع الأعضاء والأجزاء، وبناتك أصبحن سبايا.. إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى على المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء.. يا أصحاب محمد هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء». ومن كربلاء يسير الموكب الحزين إلى الكوفة. والغريب أن يخرج أهلها لاستقبال أبناء على كرم الله وجهه، وهم الذين خذلوه من قبل، فقالت لهم: «أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون؟.. فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة!، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة.
ويتكرر هذا الموقف العصيب حيث يكون الموكب عند أمير الكوفة عبيد الله بن زياد.. اليد الباطشة ليزيد بن معاوية، فقد استغل الأخير كراهيته للإمام الحسين ورغبته في أن يقدم ما يثبت أقدامه في الكوفة.. وها هي ذى السيدة زينب تلتقى وجها لوجه مع قاتل شقيقها الحاقد عليه ابن زياد الذي يبتدرها قائلا: «الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وكذب أحدوثتكم» فترد عليه السيدة زينب رضى الله عنها في ثبات وجلد: «الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه وطهرنا من الرجس تطهيرا.. إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق وهو غيرنا». ويرد ابن زياد: كيف رأيت صنع الله في بنيك وأخيك؟. وترد السيدة زينب: «ما رأيت إلا خيرا.. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم. فانظر كيف أنت يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة».
ومما قالته ليزيد بن معاوية وحفظته كتب المؤرخين وكتاب السير «أيزيد والله ما فريت إلا في جلدك، ولا حرزت إلا في لحمك!