عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اتقان العمل بين الخبرة والجودة

الدكتور احمد البصيلي
الدكتور احمد البصيلي الازهرى من علماء الازهر

ظهر في هذا الزمان مصطلح ( الجودة ) الجودة النوعية – الجودة الشاملة، وجعلوا لذلك مقاييس وجوائز، جائزة الجودة النوعية، مؤتمر الجودة الشاملة، وهذه مفاهيم إدارية في الإدارة الحديثة، وهي موجودة في دين الإسلام منذ قديم، والحديث عن الجودة والإتقان أصلاً هو حديث إسلامي، لكن بعض الناس إذا جاء الغرب بشيء فتن به، ويظن أنهم جاؤوا به ولم يسبقهم أحد إلى ذلك، وإن من المفردات التي جاءت في الشريعة في هذه القضية: الإتقان، الإحسان، التجويد، الإحكام، قال الله -سبحانه وتعالى-  : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}. ومعنى أحكمت :

 

قال السعدي رحمه الله :  أتقنت وأحسنت ، بهذا بدأ الدكتور احمد البصيلي الازهرى من علماء الأزهر حديثه إتقان العمل.

 

وأضاف: ومجالات الإتقان كثيرة، في العبادات الشعائرية وفي العبادات التعاملية، والإتقان في حد ذاته عبادة من أفضل القربات..

فالإتقان يجب أن يكون في العبادات بأنواعها، فمثلاً في الوضوء يقول النبي -عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ)).

 

((مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ وَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَلْغُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى)).

 

قال تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}(البقرة: من الآية43) وهذه الإقامة تتضمن الإتقان والإحسان والإتمام، وكذلك فإن هذا الإتقان يعود على صاحبه بالمنفعة العظيمة، قال مطرف بن عبد الله: شهدت جنازة واعتزلت ناحية قريبا فصليت ركعتين كأني خففتهما لم أرض إتقانهما ونعست فرأيت صاحب القبر يكلمني.

فقال: ركعت ركعتين لم ترض إتقانهما!

قلت: قد كان ذلك.

قال: تَعملون ولا تَعلمون [ عمل من غير وجود علم يقيني]، ونحن نعلم [عين اليقين]  ولا نستطيع أن نعمل؛ لأن أكون ركعت مثل ركعتيك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها .

وفي موضوع التكفين، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- : ((إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ)) . رواه مسلم . وفي حفر القبر قال -عليه الصلاة والسلام-: ((احْفِرُوا ، وَأَعْمِقُوا ، وَأَحْسِنُوا)) رواه النسائي وهو حديث صحيح .

وفي الصوم، مطلوب الإحسان . وفي التربية ((أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا،)) الحديث رواه البخاري.

الإتقان في الأعمال الدنيوية:

لقد كانت قضية الإتقان عند المسلمين ليست خاصة بالشعائر التعبدية، ولا بالعلوم الشرعية، وإنما أيضاً في الأعمال الدنيوية، لأن الدين والدنيا يُخدمان بها.

ومن تلك الأعمال: الإتقان في البناء..

ألا ترى فن التشييد والبناء يُخدم به بنيان المساجد، قص الله علينا في كتابه إتقان ذي القرنين في البناء، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً*قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} (الكهف:94-95) .

 

فأعينوني : استثارهم، نأتي للهدف والنتيجة وهي تحصل بماذا : {أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} (الكهف:93) .

ووضع خطة العمل مفصلة على مراحل.. {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}. وملأ الفراغات، { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } فما استطاعوا أن يظهروه أي يقفزوا من فوقه من ارتفاعه، { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } من سمكه وإتقانه وإحكامه، وهذه الرحمة من الله، فإذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان نقبوه وخرجوا، هذا الإتقان في الصنعة بهذه الطريقة العظيمة يدل عليها ذلك البنيان.

 

والنبي -عليه الصلاة والسلام- في قضية البنيان اهتم بمسألة الإتقان في بناء المسجد النبوي كما جاء في حديث طلق بن علي رضي الله عنه :  جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُ عَمَلَهُمْ أَخَذْتُ أُحْذِقُ الْمِسْحَاةَ (أي: المجرفة من الحديد) فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاةَ وَعَمَلِي، فَقَالَ: ((دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ)). رواه أحمد والطبراني في المعجم الكبير . وفي رواية: ((قَرِّبُوا الْيَمَامِيّ مِنْ الطِّينِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ مَسًّا وَأَشَدُّكُمْ لَهُ سَبْكًا)).

 

وأوضح الدكتور احمد البصيلي الازهرى من علماء الازهر قائلاً:

كما كانت عملية حفر الخندق متقنة لدرجة أن قريش والعرب وغطفان وعشرة آلاف مقاتل ما استطاعوا أن يقتحموا، لقد كانت المدينة ولا زالت محاطة بالحرتين من المشرق والمغرب ومن الجنوب البنيان والبساتين وكان المنفذ الوحيد الذي يمكن للجيش الغازي أن يدخل منه

المدينة هو الجهة الشمالية، فحفر الخندق من الشمال، من طرف الحرة الشرقية إلى طرف الحرة الغربية، ووزع الحفر بين المسلمين، فأعطي لكل عشرة أربعين ذراعاً، وأتموا الحفر في مدة وجيزة، وكان طول الخندق خمسة آلاف ذراع، وعمقه لا يقل عن سبعة أذرع، وعرضه لا يقل عن تسعة، هذا الإتقان للعمل جعل كفار العرب يقفون حائرين عنده، لا يستطيعون اقتحام المدينة، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ}(الأحزاب: من الآية25) .

 

الإتقان في طرق وأساليب الجهاد

لقد كان الإتقان عند سلفنا وسيلة لإحكام الطرق والأساليب التي يكون بها الجهاد في سبيل الله ورفعة راية الوطن..

ففي سنة (708هـ) ورد الخبر بأن متملك قبرص اتفق مع جماعة من ملوك الفرنج على غزو دمياط، فجمع السلطان الأمراء وشاورهم، فاتفقوا على عمل جسر مادٍ من القاهرة إلى دمياط خوفاً من نزول الفرنج أيام النيل . [ إن النيل أيام فيضانه ، فيما سبق ،كان يطفو على الطرقات، حتى تنقطع السبل المعتادة ، فأراد السلطان أن يعمل طريقا مرتفعا لا يطفو عليه النيل ، ولا يصله الفيضان، ويمكّن الجيش أن يستعمله في حال نزول الفرنجة ] .

وندب لذلك الأمير جمال الدين أقوش الحسامي، فاستدعى المهندسين ورتب العمل.

واستقر الحال على ثلاثمائة جرافة، بستمائة رأس بقر، وثلاثين ألف رجل، .. فكان يركب دائماً لتفقد العمل واستحثاث الرجال... وما زال كذلك حتى أنجزه في أقل من شهر، وكان ابتداؤه من قليوب [ من ضواحي القاهرة ] وآخره بدمياط [ أكثر من 200 كم تقريبا] ، يسير عليه الراكب يومين، وعرضه من أعلاه أربع قصبات [القصبة 6 أذرع ]، ومن أسفله ست قصبات، يمشي فيه ستة فرسان صفا واحداً. هذا عرضه، وعم النفع به، فإن النيل كان في أيام الزيادة يعلو حتى تنقطع الطرقات ويمتنع الوصول إلى دمياط.

أما إتقان محمد الفاتح، في عملية مد الجسور وعبور ونقل السفن والسلاسل والخطة العبقرية التي استعملها فأثره واضح جدا في الفتح المبين الذي تغيرت به خريطة أوروبا.

وغير ذلك كثير..

والخلاصة.. إن لم يكن هناك إتقان تُفقد الثقة، إذا لم يتقن الداعية يفقد المدعوون ثقتهم فيه، وهكذا في كل مجال..

وأضاف الدكتور احمد البصيلي الازهرى من علماء الازهر قائلا:

إن انعدام الإتقان ضرب من ضروب الغش، وسبب عظيم للتخلف، انظر اليوم إلى الخسائر الحادثة بسبب عدم الإتقان، مثل ازدياد أعداد وفيات الإهمال الطبي، إن العامل في المجال الصحي مؤتمن على أرواح الناس، الصيدلي مؤتمن في قضية الدواء، المهندس مؤتمن في قضية البناء، كم مبنى سقط ؟ وعمارة انهارت وأرواح ذهبت وأموال وخسائر، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (لأنفال:27) .

تصدعات في جدران، في جسور، تؤدي إلى انهيارات وخسائر في الآليات والأرواح، سدود انهارت فأغرقت البلدان.. ومظاهر ذلك أكثر من أن تحصى.. نسأل الله السلامة من آفات الغش والإهمال .