رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النفاق الاجتماعي

الدكتور ابراهيم البيومي
الدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب

لقد طغى على حياتنا المعاصرة النفاق والمجاملات التي تتجاوز الحد المعقول ليس فقط في الحياة الواقعية بل في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، فبات بعض الناس يلبسون الأقنعة المزيفة لإخفاء حقيقتهم غير المقبولة ونفوسهم المشوهة بمختلف النوايا والسلوك الاجتماعي السلبي. يقول أحد المتقاعدين من المناصب المرموقة إنه عندما تقاعد من منصبه لم يتردد على ديوانه إلا قلة من أفراد عائلته وأصدقائه لأن مصلحة المنافقين انتهت بتقاعده من منصبه.

 

وهناك الكثير ممن يعتمدون بشكل أساسي على أسلوب النفاق الاجتماعي ليكون جسر عبور إلى احتياجاتهم بطريقة غير مباشرة، ويتفاقم استخدام هذا الأسلوب في البيئة التي يكثر فيها التنافس بين الموظفين الذين يسعون وراء المناصب والألقاب حتى ولو كان بالتسلق على أكتاف الآخرين.

قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) - سورة النساء: الآية 145، فالنفاق يعد من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى، لأن قول وفعل المنافقين يخالف تماماً ما في قلوبهم.

 

بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب حديثه حول النفاق    

وهناك بعض الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام النفاق كأسلوب حياة قد تكون بسبب طريقة التربية والبيئة التي كانت تشجعهم دائماً على الظهور بمظهر مثالي، كما أنه لم يتم غرس القيم الأخلاقية بقدر كافٍ في مراحل الطفولة المبكرة.

 

ونحتاج في تربيتنا لأبنائنا إلى قدوة، وشخصية إيجابية ناجحة تشجعهم على اقتفاء خطاها، وتلفت انتباههم إلى القيم الإيجابية التي تتميز بها ليكونوا مثلها، لما لذلك من أثر قوي على تكوين شخصية الأطفال، حيث يؤكد علماء النفس أن في حياة كل إنسان شخصية يتمنى أن يقتفي أثرها، وأخرى يكره ذكرها، ومن الملاحظ اليوم لدى الصغار أن العديد منهم متأثر بالشخصيات الكرتونية في ظل غياب أو استحضار الشخصيات القدوة الحقيقية في حياتهم.

 

والنفاق الاجتماعي ليس نفاقاً دينياً يظهر المرء فيه الإسلام ويبطن فيه الكفر، بل هو يتعلَّق بسلوك اجتماعي، وعلاقات فردية، وأمراض اجتماعية .. تؤثر بقوة المجتمع وتماسك أفراده ، ويظهر خطره في أن النفاق عمومًا مذموم ومنبوذ، والمنافقون مكروهون مزيفون .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :| تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه |
وذو الوجهين هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها .

عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : | من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة | رواه أبوداود
أوقات يقوم بهذا التصرف الإنسان لذكائه ، أو لمصلحة دنيويه ، ويدخل في ذلك المصالح الإجتماعية أو مصالح العمل .. وقد ينوي بذلك عدم التعادي من الناس ، فيرضي ذلك ويجامل هؤلاء ، وهو في الأصل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .

عن عمارة قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : |مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ | .
فإذا داهنت أو مدحت أو حتى جاملت الفاسق أو حتى من لم يستحق المجامله بذلك توهم السامع بعكس ماهو فيه ، ويصدقك السذج ، ويتبعك الإمعه ، وخسرت من يفهم ماتقوم به .
فأقترفت جملة من الأخطاء .. بسبب ذلك النفاق أو مايسمونه بعض الناس بالمجامله ، ويتعذرون بِـ | مشي حالك ، لاتدقق |

ثبت في صحيح البخاري قال ناس لابن عمر رضي الله عنه : ( إنا لندخل إِلى أمرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إِذا خرجنا من عندهم ، فقال : كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وقال القرطبي: (إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس ) .

عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : | لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

وأوضح الدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب  قائلا:   
وتتجلى هذه الصفه عند بعض الأشخاص في السكوت عن الخطأ بنية الحصول على مصالح شخصية ، أو خوفاً من فقدتن ثقة المُجَامل ، يقول الحسن البصري : ( تولى الحجاج العراق وهو عاقل كيس فما زال الناس يمدحونه حتى صار أحمق طائشا سفيها) .. وهذا أثر من الآثار الجمة لسلوك النفاق الإجتماعي ، أنه يغير سلوك هؤلاء الأشخاص ، ويصدقون ماوصلوا إليه من المجاملات .

يقول ابن القيم في كتابه الفوائد: "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا؛

قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق".
ورحم الله الإمام أحمد حيث قال: "إذا تكلم العالم تقية، والجاهل بجهل، فمتى يعرف الحق؟".

عن ابن عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: | مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ؛ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً |
وفي رواية :| تَكِرُّ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّةً |
تتجلى هذه الظاهره كثيراً في مجتمعاتنا ، وفي علاقات العمل والعلاقات الإجتماعية الأخرى ، وكذلك وسائل التواصل لا تخلوا منها .

والنفاق الاجتماعي علامة من علامات قيام الساعة، قال صلى الله عليه وسلم :| لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع | (يعني العبيد والسفلة من الناس)  رواه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه، وحسنه البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال : متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال . وقال بعضهم : بل لم يسمع . حتى إذا قضى حديثه قال : | أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: | إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة | قال: كيف إضاعتها ؟ قال: | إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة | متفق عليه

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : | من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين | .
وأما من قصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود، ولكن يكون بحدود .

وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين".

هذه بعض الأحاديث التي وردت في نبذ هذه الخصلة الذميمة كأن يقف الإنسان موقفين متناقضان .
وأخيراً يكون التنافس والتسابق في مضمار الآخرة في العلم والعمل ، أما التسابق الدنيوي فكلا المتسابقين خاسر ومفلس ، ويأتي يوم القيامة خالي الوفاض

علاج النفاق يبدأ أولاً من الأسرة، فالوالدان يجب أن يكونا القدوة أمام الأبناء بالتحدث أمامهم بكل صدق ومنحهم حرية التعبير عن آرائهم، أما المدرسة فدورها تعليم الطلاب البعد عن الكذب والنفاق في المجتمع. ومن المهم أن يتم تدريسهم مادة التربية الأخلاقية بشكل عملي لتكريسها في عقولهم حتى تصبح منهجاً وسلوكاً اعتيادياً بالنسبة لهم فيساهم في تنشئتهم تنشئة سوية.

يحتاج الأفراد إلى المصداقية في التعامل بمحاربة كل أشكال النفاق الاجتماعي في جميع الوسائل المتاحة بالأخلاق التي لها دور في تحصين الأجيال من الانزلاق في مستنقع النفاق. والعمل على بناء حياة عصرية قائمة على الصدق والقيم الأخلاقية والدينية، وبالتالي تضمن الدول الرقي الحضاري في المجتمع مهما شهدت من تطورات.

 

كلام صورة: الدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب