رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إمام وخطيب مسجد السيدة يوضح مفهوم محبة رسول الله

الدكتور إبراهيم البيومي
الدكتور إبراهيم البيومي إمام وخطيب مسجد السيدة زينب

محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، فتلقَّى رسالة ربه - عز وجل - فبلَّغها وأدَّاها أتمَ البلاغ - صلوات الله وسلامه عليه - حتى توفاه الله - عز وجل .

وقد اكتمل للأمة أمر دينها وشريعة ربها، ولم يترك - عليه الصلاة والسلام - صغيرة ولا كبيرة إلا بيَّنها ووضَّحها، وجلاَّها لأُمته، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلا هالك، وهذا كله من تمام شفقته ورحمته - صلى الله عليه وسلم - بأُمته وحبه لهم، فجزاه الله عنا وعن الإسلام خير ما جزى نبيًّا عن أُمته، وجعل حبَّه واتِّباعه أحبَّ إلينا من أنفسنا وأولادنا، وآبائنا وأُمهاتنا، والناس أجمعين.

 

وأوضح الدكتور إبراهيم البيومي، إمام وخطيب مسجد السيدة زينب  مفهوم محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟قائلا:

 

إن ذلك المفهوم يعني أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميلاً يتجلَّى فيه إيثاره - صلى الله عليه وسلم - على كل محبوب من نفس ووالد وولدٍ، والناس أجمعين؛ وذلك لما خصه الله من كريم الخصال وعظيم الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوف الخير والبركات لأُمته، وما امتنَّ الله على العباد ببعثته ورسالته.

 

فأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المُحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه؛ كحب الصورة والصوت، والطعام ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة؛ كحب الصالحين والعلماء، وأهل الفضل مطلقًا، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خصال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إيَّاهم إلى الصراط المستقيم، ودوَام النِّعم والإبعاد من الجحيم.

 

فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جوانب شتى، في جانب العقل معرفةً وعلمًا، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه، وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب منها، ونحو ذلك، ومحبة بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر جيَّاشة، ومحبة متدفقة، وميلٌ عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية.

 

ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتِّباع لسنته وعمله، وفعله - عليه الصلاة 

لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمُل حينئذٍ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا.

 

وحبُّ المسلم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل قلبيّ من أجَلِّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه، وعاطفة طيبة تجيش بها نفسه، وإن تفاوَتت درجة الشعور بهذا الحب؛ تبعًا لقوة الإيمان، أو ضَعفه.

فإن الله تعالى أوجب علينا محبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتوعَّد المخالف في ذلك بقوله: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

 

وكل هذه المذكورات في الآية جُبِل المرء على محبتها، وليس المراد تحجير هذا أو ذمِّ من قام به، وإنما المراد من الآية ذمُّ من قدَّم حبها على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله؛ فإن حبَّها مركوز في نفوسنا، ومن الأدلة القرآنية على وجوب تقديم حب النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل محبوب: قول ربِّ العالمين: ﴿ النبِي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]. يقول ابن القيم - رحمه الله - في "روضة المحبين" (1/276): "قال الله تعالى: ﴿ النبِي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾، ولا يتم لهم مقام الإيمان، حتى يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم، فضلاً عن أبنائهم وآبائهم".

 

 واضاف الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب  قائلا:

 

وأما الأدلة من السنة، فمنها ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده، والناس أجمعين)).

 

فهذا الحديث من أوضح الأدلة على وجوب محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن المؤمن لا يستحق اسم الإيمان الكامل، ولا يدخل في عداد الناجين؛ حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين، ومعنى ذلك ومن لوازمه أن تكون أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه مقدمة على كل الأوامر والنواهي، فالحب القلبي يَستلزم الاتباع والانقياد في الظاهر، فإذا كانت هناك محبة فعلية، نتَج عنها محبة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقديمه على كل أحد، وجعل أوامره ونواهيه نُصب عينه طيلة الوقت والعمر، فيعرفه في جميع أوقاته، ويعيش معه في كل حركاته وسكناته، ويرى أن سُنته وهدْيه ألذَّ إليه من كل شيء. 

 

ومن الأدلة كذلك ما ثبت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المشهور المحفوظ: ((ثلاث من كن فيه، وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار)).

 

وهذه أحاديث كثيرة أخرى؛ منها: حديث أنس عن الرجل الذي جاء فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، متى الساعة؟ فأعرض عنه النبي - عليه الصلاة والسلام - ثم عاد إليه، فقال: ما أعددتَ لها؟ قال: حب الله ورسوله، فقال: ((فإنك مع من أحببتَ)).

 

وفي الرواية الأخرى قال أنس: "ما فرِحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنك مع مَن أحببت))، فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم".

 

ومن ذلك أيضًا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو حديث جميل رائع - أخرجه مسلم في صحيحه، وليس من المشتهر المتداول بين الناس، قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أشد أمتي لي حبًّا: ناس يكونون بعدي يَوَدُّ أحدهم لو رآني بأهله وماله)).


إذن فمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست أمرًا ثانويًّا أو أمرًا مخير فيه، إن شاء المرء أحبه وإن شاء لم يحبه، بل هي واجب على كل مسلم، وهي من صميم الإيمان، ولا بد لهذا الحب أن يكون أقوى من أي حبٍّ، ولو كان حب المرء لنفسه.