أول من حكم بقطع يد السارق
التمسك بكتاب الله من صفات المؤمنين وجاء فى تفسير القرطبى "ج 6 ص 160"أن القطع كان فى الجاهلية ، وأول من حكم بذلك هو الوليد بن المغيرة ، وأقره الإسلام ، وكان أول سارق طبق عليه الحد من الرجال الخِيَار بن عَدِى بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء مُرَّة بنت سفيان بن عبد الأسد من بنى مخزوم - وهى التى قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ولم يقبل الشفاعة فيها كما كان فى الجاهلية يتركون إقامة الحد على ذوى الشرف - وأبو بكر قطع يد الرجل اليمنى الذى سرق عقدًا لأسماء بنت عميس زوجة أبى بكر. وقطع عمر يد ابن سمرة أخى عبد الرحمن بن سمرة .
ولأجل أن يكون قطع اليد عبرة للغير تعلق فى عنق السارق حتى يراها الناس ، لأن موضع قطعها قد يوارى ويستر فلا يتعظ أحد، روى أبو داود والنسائى والترمذى وقال : حديث حسن غريب ، أى رواه راو واحد فقط أن النبى صلى الله عليه وسلم جىء بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت فى عنقه .
وإذا كان قطع يد السارق حقا لله وحقا للمجتمع فهل يضيع حق المسروق منه ؟ ذكر القرطبى "ج 6 ص 165 " أن العلماء اختلفوا هل يكون مع القطع غُرْم أو لا؟ فقال أبو حنيفة لا يجتمع الغرم مع القطع ، وقال الشافعى :
يغرم قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا، وهو قول أحمد وإسحاق ، أما مالك وأصحابه فقالوا : إن كانت العين المسروقة قائمة وجب ردها ، وإن تلفت فإن كان موسرا غرم ، وإن كان معسرا فلا شىء عليه ولا تكون دينا يطالب به ، وقيل : يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو معسرا، وهو قول غير واحد من علماء أهل المدينة . لأنهما حقان لمستحقين فلا يسقط أحدهما الآخر كالدية مع الكفارة . ثم قال : والصحيح قول الشافعى ومن وافقه .
وهنا مسألة أثيرت أخيرا وهى : إذا قطعت يد السارق ثم عولجت بوصلها كما كانت هل يسقط الحد بقطعها أو لابد من قطعها ثانيا لأن حكمة القطع لم تتحقق ؟ للعلماء رأيان ، رأى بسقوط الحد بمجرد القطع ، ورأى بمنعه من وصلها وقطعها إن وصلها ، وجهة نظر الرأى الأول أن القطع تمَّ كما أمر الله وهذا كاف فى زجره هو، ولا يُهم إن كان سيتبدل بها يدا صناعية أو يصل يده التى قطعت ، فالعقوبة وقعت ولو فى حدها الأدنى ، وإذا نفذ القطع علنا كان النكال وكانت العبرة .
ووجهة نظر الرأى الثانى أن العقوبة إذا كانت زجرا له فهى زجر لغيره ، ومن أجل ذلك كان تعليق يده بعنقه ليعتبر الناس ، فلو وصل ما قطع ضاع معنى العبرة. بل ضاع المعنى فى زجر نفسه هو، إذا عرف أن إعادة يده ممكنة وإن كان فيها بعض الألم .
وقد يقال : إن الخزى حصل للسارق بإثبات السرقة بالشهود، وبإشهار القطع وإعلانه ، وهذا كاف فى التأثير عليه وعلى غيره ، ولا يهم بعد ذلك وصل يده أو تعويضها بيد صناعية، لكن أيضا يقال : إنه لو كرر السرقة تقطع اليد الأخرى لتعطيله عنها فلو صح الوصل لضاعت الحكمة .
الرأيان مطروحان للمناقشة ، وللظروف دخل فى ترجيح أحدهما على الآخر إذا أعوز الدليل القوى.