هل يمكن التحكم فى جنس المولود وهل تمكن معرفته قبل ولادته ؟
يسأل الكثير من الناس هل يمكن التحكم فى جنس المولود وهل تمكن معرفته قبل ولادته ؟
فأجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله وقال قضية الذكورة والأنوثة فى المولود شغلت العالم من قديم الزمان ، وحكيت فيها أمور هى أقرب إلى الخيال ، ولكن شُغِلَ بها العلماء حديثا ، فأصدر العالم " بروك كوبو " فى القرن الثانى عشر كتابين ، أحدهما يحلل فن إنجاب الذكور، والثانى يبين كيف تنجب الإناث ،
وحول هذا الموضوع انعقد فى مدريد خلال شهر إبريل سنة 1976 المؤتمر الطبى الأوربى السادس ، وكان الاتجاه إلى أن الرجل هو المسئول بطبيعته عن إنجاب الذكور والإناث ، لأنه هو الذى يملك الحيوان المنوى الذى ينقسم إلى نوعين أطلق عليهما العلماء اسم " الكروموسوم س والكروموسوم ص " ورمز إليهن بالحرفين و(x ، y ) وأما الأنثى فلا تملك فى البويضة سوى ص "X " فإذا تقابل س مع ص ، تكون هناك فرصة لإنجاب الذكور. وقد حدد الأطباء نسبة قليلة جدا من الرجال لا تتعدى 9 % لا تملك سوى س فقط أو ص فقط .
وهذه النسبة هى التى تنتج نوعا واحدا .
وبناء على ذلك قام العلماء بتطبيقات للفصل بين خلايا الذكورة والأنوثة، ولهم فى ذلك عدة طرق ، بعضها يقوم على التغذية كما فعل الدكتور " جوزيف ستولكو ويسكى " أستاذ الفيزيولوجيا بكلية العلوم بباريس ، والدكتور " لورين " بمستشفى القلب المقدس فى مونتريال بكندا (روز اليوسف 26/11/1979 ، الأهرام 4/4/1976 ) وبعضها يقوم على عامل الزمن كما جاء فى كتاب العالم النمسوى " د .
أوجسمت بوروسينى " ( أهرام 7/7/972 1 ، مجلة النهضة بالكويت 21/8/1976) وبعضها يقوم على فصل الخلايا ، إما بالدش المهبلى أو التيار الكهربائى أو باستعمال أقراص تؤدى هذا الغرض ( أهرام 7/7/ 1972 مجلة الرائد الكويتية 15/8/1974 ). وعلمنا من هذه المحاولات للتحكم فى نوع الجنين أن نسبة النجاح فيها كانت حوالى 80 % وأن للعوامل النفسية والعقلية دخلا كبيرا فى صلتها بالأجهزة التى تفرز مادة الجنس ، وللظروف المحلية فى الزوجين وغيرهما كذلك دخل كبير فى تكوين الجنين وتحديد نوعه ، بل فى أصل الحمل .
وهذا يدل على أن جهود العلماء فى هذا المجال ليست صحيحة 100 % مما يؤكد أن قدرة الله هى المؤثر الأول والمتحكم بثقة فى نوعية الجنين ، لأنه هو المالك لكل هذه العوامل ، والأسباب ، مصداقا لقوله تعالى{ للَّه ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا و يجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} الشورى : 49 ، 50 ، وعلى الرغم من تقرير الإِسلام لذلك فإن هناك تطلعات بين المسلمين تحاول معها أن يرزقهم الله نوعا من المواليد، وهو الذكور غالبا ، وأكثر هذه المحاولات أدعية وأذكار فى أوقات معينة ، مما يدل على أن الأمر كله بيد الله سبحانه ، ونحن لا نشك فى أن الدعاء من وسائل تحقيق الرغبات إذا تمت شروطه المعروفة ، ولكن بعض الأدعية الخاصة بإنجاب الذكور موضوعة لا أصل لها من قرآن أو حديث ، ومنها ما هو موجود فى الكتب الطبية أو كتب الخواص ونحوها، مثل ما جاء فى كتاب "مفيد العلوم ومبيد الهموم للخوارزمى ص 85 " أن من أراد الولد فليقرأ عند الجماع { قل هو الله أحد . . . } ثم يقول : اللهم ارزقنى من هذا الجماع ولدا أسميه محمد أو أحمد ، يرزقه الله الولد، وقد جرب ذلك كثيرون فرزقهم الله أولادا .
انتهى .
هذا، وقد ورد فى صحيح مسلم عن ثوبان أن يهوديا جاء يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الولد، فقال له " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فَعَلاَ مَنى الرجل مَنِىَّ المرأة أذْكَرا بإذن الله ، وإذا عَلا منى المرأة منى الرجل أنْثَى بإذن الله " فقال اليهودى : صدقت وإنك نبى .
وقد بيَّن ابن القيم فى كتابه " أقسام القرآن " ص 205 - 215 كيفية تخلق الجنين من ماء الرجل والمرأة،
يا رب ذكر ؟ يا رب أنثى . . ؟ ويقول : وأما حديث ثوبان فانفرد به مسلَّم . وهو صحيح ، لكن فى القلب من ذِكْرِ الإيناث والاذكار فيه شىء ، هل حفظت هذه اللفظة أو هى غير محفوظة، والمذكور إنما هو الشبه كما ذكر فى سائر الأحاديث المتفق عليها "ثلاثيات أحمد ج 2 ص 73 ، 4 7 " . انتهى .
وأقول : على ضوء ما ذكر من احتواء نطفة الرجل على عناصر التذكير والتأنيث ، و اقتصار بويضة الأنثى على عنصر التأنيث بأَلاَ يمكن أن يفسَّر عُلُوُّ ماء أحدهما على الآخر بِسَبْقِ حامل ، عنصر التذكير فى النطفة إلى تلقيح البويضة ، فيمكن أن يكون المولود ذكرا ، وبغَلَبَة عنصر الأنوثة فى المرأة إذا لقحت بويضتها بعنصر الأنوثة فى منى الرجل ؟ وعلى كل حال فإن الحديث لم ينس أن يذكر مع ذلك كلمة " بإذن الله " للدلالة على أن المتحكم الحقيقى هو الله سبحانه .
هذا، وأما معرفة نوع الجنين قبل ولادته فقد بذلت لها محاولات كثيرة قديمة وحديثة لا مجال لذكرها ، ولكن كل المحاولات ظنية وليست يقينية، ولئن عرف نوع الجنين فلا يعرف كل ما كتب له من عمر ورزق وشقاء أو سعادة كما صح فى حديث البخارى ومسلم ، والمعرفة الظنية أو الناقصة غير الشاملة لا تتعارض مع علم الله اليقينى والشامل لكل أحوال الجنين ، كما يدل عليه قوله تعالى { هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء } آل عمران : 6 ، وقوله { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار } الرعد : 8 .
ويذكرنى ما قاله العلماء من أن الرجل عليه الدور الأكبر فى تحديد نوع الجنين بما يحمل من الكروموسومات ، ما جاء فى أشعار العرب مشيرا إلى ذلك ، بصرف النظر عن مصدر علمهم به ، فقد جاء فى العقد الفريد لابن عبد ربه "ج 2 ص 87" أن أبا حمزة الضَبىّ تزوج امرأة يبتغى من ورائها ولدا تلده ، فولدت له إناثا فى عدة مرات ، فهجر فراشها، ، ثم سمعها مرة تقول وهى ترقص بنتها وكان يأوى إلى بيت جيرانها :
ما لأبى حمزة لا يأتينا * يظل فى البيت الذى يلينا غضبان ألا نلد البنينا * تالله ما ذلك فى أيدينا فنحن كالأرض لزارعينا * تُنْبِتُ ما قدر زرعوه فينا فأحس أن امرأته لا ذنب لها فى ذلك فرضى عنها.