رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الزار.. أصله وفصل

 

تتكون جوقة الزار من شخصيات عديدة أهمها "الكودية"، وقد تكون رجلاً أو امرأة، وغالباً ما تكون من أصل سوداني أو حبشي، وهي التي اختارها الأسياد وحلوا بها لتعبر عن رغباتهم وتعمل علي ترضيتهم وتقوم بالوساطة بينهم وبين من يتبعونهم من الرجال أو النساء، فهي في أهبة دائمة لاستقبالهم نظيفة معطرة متطهرة تعيش في جو عبق بالبخور وترتدي الملابس البيضاء.

الشخصية الثانية في حفل الزار هي "المنشدة" وهي امرأة مدربة تقوم بانشاد كل ما يقال في الزار من أغان فقد حفظتها جميعا وعرفت أنغامها وهي كثيرة متنوعة، هذه المرأة وجودها ضروري جداً للحفل، فبدونها لا يمكن أن يقام زار ومن هنا فإن هذه الشخصية دائما حاقدة علي الكودية لأن هذه الاخيرة هي الشخصية الأولي في الحفل ولها الاحترام والاكرام والخشية، ولها كذلك معظم الغنائم اذ تحصل علي أكثر الذبيحة لنفسها بحجة اهدائها الي الاسياد، كما انها تحصل علي أغلب ما يوضع علي الكرسي فلا تعطي من معها من افراد الجوقة شيئا يذكر إلا الاجر المعلوم الذي تأخذه كل منهن في كل حفل يحضرنه، في حين ان المنشدة هي رئيسة الفرقة وتمتاز بحلاوة الصوت وقوة الذاكرة الحافظة للألحان والنغمات الموروثة، اما الجوقة فتتألف من عدد من العازفين يستخدمون آلات بدائية من الطنبورة والرق والطبلة والصفارة، ويتراوح عدد أفرادها من سبعة لخمسة عشر فرداً.

للزار طرائف كثيرة ترصدها الباحثة الدكتورة فاطمة المصري ومنها البحيري، والصعيدي، والعربي، والسوداني، وهي تعتبر أجناسا لما تحتها من أنواع وكلها واحدة ولا تختلف الا في لهجات الأداء المحلية.

وهناك أدوار مختلفة تحت كل جنس من هذه الأجناس تختلف من حيث الأقوال التي تنشد والانغام التي تدق والملابس التي تلزم لكل منها، فالدور البحيري يلزم له الملابس البلدية من عصا وكوفية وجلباب طويل وقلنسوة علي الرأس، والصعيدي يلزم له قماش خفيف كالتل مطرز بالقصب، والعربي يلبس الكوفية والعقال والعباءة، والسوداني يلبس الملابس البيضاء ويتزين بالخرز والودع وحوافر الحيوان.

وبخصوص الامراض التي يستخدم الزار في علاجها فهناك حالات مرضية كثيرة تشكو منها النساء اللاتي يقبلن علي الزار، منها الخمول وعدم القدرة علي الحركة بنشاط ثم آلام الرجلين أو الذراعين او الصداع الدائم أو الروماتيزم او الحساسية، وكثيرا ما تذهب الي الزار نساء مصابات بامراض العيون وأمراض باطنية أو عقلية او تشكو من عدم انجاب الاطفال أوامراض النساء، بل كثيراً ما يشاع ان النزيف ناتج من الاسياد وأن الاسياد هم الذين يقتلون الجنين في بطن امه، وان بعضهم يصيب الاطفال بالصرع او يمنع الفتيات من الزواج، او يخفض دخل الاسرة من الحاصلات الزراعية أو ارباح التجارة فيكون لزاما علي هؤلاء النساء ان يقمن الزار لترضية الأسياد وحتي تنصلح احوالهن الصحية أو المعنوية.

وهناك العصابيون وذوو الامراض العقلية الذين يعتقدون أن الأسياد سببوا لهم كل هذه الامراض بل إن الكودية كثيراً ما توهمهم بأن "كادو" - وهو أحد الاسياد الخطرين - استولي علي عقولهم، او ان سلطان الجن الأحمر قد سبب لهن ما بهم من جنون مدعية في ذلك أسباباً كثيرة.

وتختلف اغاني الزار وموسيقاه تبعا لاختلاف اقسامه التي ذكرت من قبل، وهذه الاغاني موحدة في كل الحفلات، الألفاظ واحدة بوجه عام، عدا اختلاف بسيط مرجعه اللهجة الاصلية للبلد، فهناك فارق بسيط بين اسلوب أهل الاسكندرية والقاهريين، كما أن هناك اختلافا بين بعض الألفاظ التي تستخدم في الأغاني عند اهل الصعيد والقاهرة ولكن الاغاني مشتركة في كل البلاد، اما الموسيقي التي تصحب هذه الأغاني فهي بدائية أنغامها تسير علي وتيرة واحدة، وتتخذ نفس الدرجة من حيث الحدة والمستوي الصوتي، كما أن موازينها متشابهة، والجمل الموسيقية فيها متكررة فيما عدا أبو الغيط والعربي حيث تستعمل آلات ذات اصوات حادة مثل السلامية فتصل انغامها الي السبرانو، لكنها مع ذلك تعبر عن مسحة من الحزن والأنين اللذين يصحبان الابتهالات الدينية في أغلب الاحيان، وكل ما يستخدم من الات وترية والات نفخ او طبل يعبر عن المستوي البدائي للموسيقي بصورة وضحة وبكل ما تحويه بدائية الموسيقي من صخب ووقع شديد علي الآذان.

وفي رأي الباحثة ان الزار ظاهرة ثقافية توجد في كثير من المجتمعات التي تنتمي الي مستويات مختلفة من التطوير الاجتماعي والثقافي، وعلي الرغم من أنها تختلف في التفاصيل من مجتمع لآخر فإنها تعكس لنا نفس الخصائص العامة في كل هذه المجتمعات، هذه الخصائص التي تتمثل في الاعتقاد في الارواح ووجود صلة بينها وبين الناس، وفي الطقوس والممارسات التي تؤدي وما تحويه من موسيقي ورقص وإنشاد، والحالات التي تعترض المشاركين في الزار والتي تتمثل في الاغماء وفقدان الوعي وما إلي ذلك، هذه الجوانب التي تحويها ظاهرة الزار تظهر بوضوح في كل الظواهر المماثلة للزار عند الشعوب الاخري وان كانت لا تسمي "زار" بل تتخذ اسماء مختلفة في شعوب مختلفة.

ثم تقدم الباحثة دراسة مقارنة للظاهرة في بعض المجتمعات البدائية مثل الفلبين وجاوه الشرقية وأندونيسيا وسلويسيا الجنوبية، ومالوكو بأندونيسيا وأوغندا ويتضح من دراسة هذه الظاهرة ان الجماعة الراقية لا يشتغل افرادها بالزار وكذلك لا تعالج مرضاها بالزار، ففي مصر الآن - مثلاً - بعد حدوث التغييرات الاجتماعية الكثيرة لا تقصد الزار الا أغلبية كبري من الجهلة من ادني الطبقات واقلية من المثقفات العصابيات.

وقد تأصل الزار في المجتمعات البدائية لأن له وظائف اجتماعية تدفع الي تنشيطه باستمرار، فالزار يضفي علي شخصية الكودية وقارا واحتراما كبيرا ممن حولها فيجعل لها قيمة اجتماعية خاصة بين أتباعها من المرضي علي مختلف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية، اما المرضي انفسهم فللزار وظيفة مهمة بالنسبة لهم فهم يحصلون علي مطالبهم ويحققون رغباتهم الاجتماعية التي قد لا يسمح لهم في أوقات اخري ان يحصلوا عليها، فعروس الحفل حتي لو كانت وضيعة رقيقة الحال فهي تحاط برعاية كبري ممن حولها اثناء حالات التلبس وبعدها مباشرة، كما تكون محط الانظار طوال الحفل ثم هي بعد ذلك تعتبر ذات وضع خاص بين افراد اسرتها فتتعامل معاملة التابو بينهم، فهم يحذرون إغضابها مخافة إغضاب الاسياد.

ولقد قامت وزارة الشئون الاجتماعية مع بوليس الآداب في مصر باجراء بحث دقيق عن الزار من الناحية الاجتماعية في سنة 1956 وتلقت الوزارة شكاوي من اشخاص كثيرين بخصوص الزار ولجأت الي البحث الدقيق قبل أن تتخذ قراراً بشأنه وكانت الشكاوي تدور حول فكرة ان الزار وسيلة للتستر علي انحرافات اخلاقية أو تعاطي المخدرات، وكذلك شكاوي اخري بسبب ضوضاء الزار المزعجة للجيران، وكان يمكن لوزارة الشئون الاجتماعية ان تلغيه نهائيا كما هو الحال في السعودية الا انها تبينت انه من الصعب اصدار قانون لاستئصال نظام متأصل في حياة الناس.

وباستقصاء العوامل التي تساعد علي وجود ظاهرة الزار - كنتيجة لدراسة ميدانية - تورد الباحثة اسبابا متعددة الجوانب، فمن الناحية الاجتماعية مثلاً: ساعد شعور المرأة بأنها اقل اهمية من الرجل وما منحه المجتمع للرجل من سيادة وتفضيل يجعلانه الآمر الناهي ساعد ذلك علي ايجاد حالة من الاحساس بالدونية لدي المرأة دفعتها الي البحث عن تعويص ومتنفس في حلقات الزار، ومن الناحية الدينية ساعد مبدأ امكان الزواج بأكثر من واحدة وامكان الطلاق لأتفه الاسباب وما يتصل بذلك كله من سوء تطبيق للقوانين وفقا لمركز الرجل وسيطرته وتباعا لوجود العقلية الجماعية مما ادي الي ظهور حالة قلق متصل لدي المرأة مشوب بالغيرة والحنق وحتي الميول الاجرامية المختلفة في حالات الطلاق أو الزواج عليها، وقد يكون الزار في مثل هذه الحالات هو بديلاً لتلك الانفعالات الحادة في حالات الطلاق أو ثنائية الزواج، كما انه يكون بمثابة رئات للتنفس في حالة الشعور بالخوف لما قد يحدث من طلاق أو زواج جديد.

ومن الناحية الجنسية، وفي سيدات الجيل السابق علي الخصوص - السابق علي جيل الباحثة - ساعدت عملية الختان علي سرعة الاشباع عند الرجل وتأخره بالنسبة للمرأة، ولعدم توافر الحب المتبادل القائم علي الاحترام والمساواة، وتبعا لنظرة الرجل للمرأة في هذه المستويات الدنيا من الجماعة، كذلك بالاضافة الي نظام الخطوبة الذي لا يسمح بالتعارف والتفاهم قبل الزواج، كل ذلك ادي الي إغفال حالة المرأة من حيث الاشباع دون نظر إلي ما قد تكون عليه من توتر واضطراب، اضف الي ذلك ان التدين والعرف يمنعان الزوجة من الانحراف والخيانة، فلا يبقي الا الكبت القائم علي الجوع الجنسي العميق.

ومن الناحية الثقافية نجد ان تأخر تعليم المرأة جعل ذهنها يدور في دائرة ضيقة لا تكاد تتعدي النواحي السطحية، ولذلك خلا وقت فراغها من المشاغل الذهنية أو الفنية او الاجتماعية الراقية، واصبحت نهبا للأوهام، كما أن الجهل جعلها تؤمن بالخرافات ولا تعرف التفكير المنطقي او الترابط العقلي الصحيح بين العلة والمعلول، فكان من السهل ان تقبل فكرة الزار كعلاج لامراض كثيرة نتجت عن الوهم والتوتر والقلق والجوع الجنسي.

ولا شك انه لحياة المرأة الرتيبة المملة التي تسير علي نسق واحد أسوأ الأثر في تكييف اتجاهاتها النفسية والانفعالية مما ينتج عن بقائها في المنزل تقوم بنفس الاعمال يوميا حتي اتقنتها وأدتها بسرعة بالغة، ثم بعد ذلك بحثت عمن يمكن ان تضيع فيه بقية الوقت فلم تجد غير التفكير في الخرافات، فهي لا تجيد القراءة والكتابة حتي تتسلي بقراءة القصص، كما أنه لا يسمح لها بالخروج الا نادراً، ولا تستمتع بمباهج الحياة او الحفلات أو المسارح مما قد يجعلها تنسي الكثير من مشاكلها ويخفف عنها بعض أعبائها.

إذن - تضيف الباحثة الي ما سبق - لم يكن أمام المرأة سواء صدقت بالزار أو لم تصدق به في قرارة نفسها الا أن تغشي اماكنه وترتاد حفلاته فهي علي كل حال اماكن للفرجة ووسيلة تسلية واشاعة البهجة والتغيير.

ان حفل الزار مسرح كبير تظهر عليه شخصيات مختلفة لملوك وامراء واميرات وضباط وجنود وقساوسة واولياء صالحين بالاضافة الي الشيوخ والشباب والنساء والاطفال والخدم والعبيد وغير ذلك من الشخصيات التي تمثلها النساء في حلبة الرقص بكل ما يصيبها من انفعالات مختلفة هي كل ما يظهر في حياة الناس من فرح وحزن ومباهاة وكبرياء وخجل واحترام وتقديس وألم وبكاء الي ما لا نهاية.