مكرم :ثورتنا ألهمت كل شعوب العالم
مكرم محمد أحمد.. قيمة وقامة ترصع وجه الحياة في مصر.. رجل يمتلك حكمة الشيوخ وثورية الشباب..
يسري حب الوطن في دمه جنباً إلي جنب مع كرات الدم البيضاء والحمراء..
ناله من دهماء الصحافة الكثير.. بعد الثورة حملوه أخطاء وخطايا لا ذنب له فيها ففضل الرجل الصمت.. ليس ضعفاً منه ولكن ترفعاً عن الصغائر!!
عندما نستطلع الرؤي حول مستقبل مصر لابد وأن نأتي الي الرجل نسمع منه.. ونسجل رؤاه.
جلست أمامه كما يجلس المريد أمام شيخه.. لا أريد أن أقاطعه أو أزعج تدفق لآليء فكره.. فجاء هذا الحوار.. عن مصر الآن ومصر الغد.. السبيل والطريق.
نجحوا فيما فشلنا فيه
كيف تري المشهد في مصر الآن؟!
ـ أري أمامي ثورة لا يختلف عليها أحد في العالم كله، قامت بأقل تكلفة. لم تستطع الحركة الوطنية ان تنجزها خلال »30 عاماً« ورغم قسوة المخاض وكثير من الصعاب فإن مصر بعد »25يناير« أصبحت غير مصر قبل »25 يناير«.. سوف نري بلداً جديداً يصعب علي أي أحد أن يحكمه دون أن يجعل شعبه شريكاً في الحكم وفي اتخاذ القرار وأري أننا في النهاية سنتجه نحو الديمقراطية..
ويستطرد مكرم في حديثه ويقول: يا أستاذ مصر قبل »25 يناير« كانت عزبة وضيعة خاصة، إما الآن فقد عادت مصر لأصحابها، وملاكها الحقيقيين.. فهذا الجيل يختلف عن جيلي وجيلك..فنحن كنا نقبل بأنصاف الحلول والحلول الوسط.. أما هذا الجيل الجديد في مصر والذي كنا نظنه »شوية عيال« فهم لا يقبلون إلا بأخذ حقهم كاملاً، وقد نجحوا بالفعل في ذلك وتحقق لهم ما أرادوا.. وآخره محاكمة رأس النظام وكافة رموزه وهذا في حد ذاته ضمانة حتي لا يحكمنا طاغية مرة أخري.
ما أهم العقبات التي تراها تقف عقبة أمام نهضة مصر؟
ـ للأسف هناك قوي عديدة تتربص بالثورة، وتعيق المرحلة الانتقالية.. فهي تزيد من مصاعب البلد وتخوف الشعب وترهب الأقباط، وتطفش الاستثمار.. بل ويشغلوننا بقضايا هامشية صغيرة سواء قيامهم بهدم الأضرحة أو قطع أذن المواطن المسيحي أو مطالبتهم بتطبيق الحدود وهي قوي خفية طفت علي مصر مرة واحدة، وكأنه طوفان يكاد يغرقها..فالوضع الاقتصادي الآن أصبح في أسوأ حالاته.. بل وأصبحنا نأكل من اللحم الحي كما يقولون، وهي كلها أمور تتناقض مع أهداف الثورة ذاتها، فماذا بعد أن ألقي القبض علي كل رموز النظام ورأسه؟!
ـ فينبغي الآن أن نعمل وأن نعوض ما فاتنا من أجل بناء دولة عصرية.. قادرة علي أن تحقق طموحات شعبها.. وينبغي أن نمنح المستثمر رسالة تطمين بأن ما يحدث الآن ليس ضد المستثمرين والأغنياء كما حاولت زوجة أحمد عز أن تصوره للعالم في حوارها مع الواشنطن بوست عندما قالت ان زوجها يحاكم لأن مصر تكره المستثمرين والأغنياء وصورت المحاكمة علي أنها نوع من الاحقاد علي ثراء زوجها وهذا غير صحيح بالمرة.. فأحمد عز يحاكم الآن في المقام الأول علي الفساد السياسي قبل الفساد المالي.. فقد أفسد هذا الرجل الحياة السياسية في مصر وشوه صورتها بتلاعبه في الانتخابات الأخيرة التي أتت ببرلمان مشوه مشين لا يوجد به معارض واحد.
المطلوب الآن العمل الجاد من اجل نهضة مصر وتجاوز الصعاب وقد سعدت عندما رأيت أحد شباب الثورة ـ وائل غنيم ـ يحاور المسئولين عن البنك الدولي والصندوق الدولي من اجل ضخ الأموال ودعم بلاده ومساندة ثورتها فهذا هو دور الثوار الآن..ويجب ان يكون ميدان التحرير.. مكاناً للاحتفال بنجاح الثورة لا موضع لتعطيل الأعمال وخلق الاضطرابات.
الجيش مشارك أساسي في الثورة
قلت وماذا عن دور الجيش في نجاح الثورة؟
ـ فأجاب: الجيش ليس حارساً علي الثورة فقط وإنما هو شريك أساسي فيها، فالجيش كان شريكاً ومنحازاً للشعب انحيازاً كاملاً.. فعندما سمح الجيش للثوار أن يعبروا كوبري العباسية متجهين الي القصر الجمهوري وكذلك سماحه لهم بالعبور إلي مبني ماسبيروا والي مجلس الوزراء ليحيطوا به.. كلها كانت إشارات تدل علي موافقة الجيش وسماحه ومشاركته في الثورة لأن هذه الإشارات الثلاث كانت كفيلة بأن يجمع مبارك أوراقه ويرحل إلي شرم الشيخ.
ويري مكرم محمد أحمد ـ أن علاقة الشعب والجيش المصري علاقة نموذجية رغم ما يشوبها أحياناً من توترات ـ الا انها نموذج للعالم كله مفاده ومعناه أن الجيوش في خدمة الشعوب، ولعل أصدق شعار تم ترديده في الثورة كان »الشعب والجيش إيد واحدة«.
التوريث أول مسمار في نعش النظام
ما أهم الأسباب التي أدت لسقوط نظام مبارك في رأيك؟!
ـ التوريث.. ثم الثوريث.. ثم التوريث.. فهو أول مسمار دق في نعش نظام مبارك.. وهي فكرة خبيثة أعادت مصر لعصر المماليك.. وكانت وبالاً ليس علي مصر وحدها،ولكن علي جميع المنطقة العربية فقد سعي العديد من قادتها لتقليد الفكرة سواء في اليمن أو ليبيا أو غيرها من الدول لأن مصر بالنسبة للعالم العربي هي القائد والملهم فعندما اختارت مصر النظام الاشتراكي »ساد النظام الاشتراكي مختلف أرجاء العالم العربي، وعندما اختارت مصر النظام الرأسمالي الحر أصبح هو النظام السائد في العالم العربي الآن.. فللأسف بعض الحكام العرب، تصوروا انهم يحكمون شعوباً من الرعاع وقطيع أغنام، وأن بلادهم مجرد عقار يتم توريثه رغم ان عرابي قالها قبل مائة عام اننا لن نورث بعد اليوم.
عدوي الثورة المصرية
هل تري الثورات العربية سواء في السمن أو ليبيا أو البحرين وغيرها تقليداً للثورة المصرية أم فوراناً شعبياً حقيقياً؟!
ـ ياسيدي الشعوب العربية تعاني وتئن حتي الدول البترولية.. يكفي أن أقول لك ان نسبة البطالة تصل في بعض البلاد الي »25٪« وأن أكثر من »60٪« من الشعوب العربية تحت »28 سنة« وقد قلناها مراراً من لا يغير سيتغير! وهذا ما حدث في مصر فخلال »3« أعوام تجاهل النظام الحاكم كل الإشارات التي انطلقت من الشارع المصري.. مظاهرات واحتجاجات في كل مكان أطلقنا عليه حراكاً سياسياً وللأسف كان النظام أعمي يساق الي مصيره المحتوم بلا وعي ولا إدراك وهكذا الحال في معظم البلاد العربية سواء في اليمن الذي سيطرت عليه القاعدة تماماً أو ليبيا أو سوريا التي أصبح الشعب يتطلع لليوم الذي يتخلص فيه من حزب البعث.. نحن الآن أمام عالم عربي جديد.. ستطاله أعمال النهضة والتطوير شاء أم أبي.. لذلك يجب علي حكامه أن يعوا هذه الحقيقة قبل فوات الأوان.
ثورة مضادة أم أخطاء الثورة
كيف تنظر لما يحدث في قنا الآن من احتجاجات وعصيان مدني احتجاجاً علي تعيين محافظ قبطي؟!
ـ أحداث قنا خطيرة.. وخاطئة.. وأنا أري الخطأ من الجانبين.. من حكومة عصام شرف لاختيارها محافظاً قبطياً لقنا رغم ان المحافظ السابق قبطي أيضاً وآثار استياء الناس هناك وكأن قنا كتب عليها المحافظ القبطي ـ وحدها ـ كما أن هناك خطأ شديداً من أهالي قنا لاعتراضهم العنيف علي تعيين محافظ قبطي حتي وصل لقطع الطريق والسكة الحديد.. وأنا أري أنها محاولة من تيارات متطرفة لكسر هيبة الدولة وهيمنتها بل وصل بهم التهديد الي إعلان قنا إمارة إسلامية منعزلة عن مصر.. فهل يعقل هذا.. للأسف هناك قوي مصرية داخلية وقوي اقليمية وعربية لا تريد نجاح الثورة.. بل هناك بعض الدول العربية لا تريد للثورة أن تنجح حتي لا تصبح مصر نموذجاً يحتذي به خاصة أنني ـ قلت لك ـ مصر دائماً هي القائد والملهم للعرب أجمعين.
تعجل الرحيل.. خطأ كبير
يتعجل المجلس الأعلي للقوات المسلحة تسليم الأمر لرئيس منتخب.. كيف تنظر لهذا الأمر؟!
ـ تعجل المجلس الأعلي في الرحيل خطأ كبير.. ويلقي بالمسئولية الرهيبة علي الرئيس القادم.. بل ويهدد
الوفد أمل الأمة
قلت له كيف تري دور الوفد والأحزاب الأخري في المرحلة القادمة؟!
ـ أجاب:علي الوفد دور كبير في قيادة الحركة الوطنية المصرية.. فالوفد هو الذي زرع المعني الحقيقي للعلمانية وهي العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة ولا تعني الالحاد كما يصور السلفيون للناس، فالوفد هو الحزب المرشح لقيادة الحركة الوطنية بشرط عدم تحالفه مع التيارات الاسلامية مثل الإخوان لأن الوفد سيخسر عشاقه بمثل هذا التحالف.. لأن الوفد ـ لوحده ـ كان البوتقة التي تمثل الأمل لكل الليبراليين المصريين، وهو حزب الوحدة الوطنية ويكفي أن أقول لك انني حضرت مناقشات كثيرة مع عمالقة مثل يوسف إدريس ولويس عوض وكانوا يرغبون في دخول الوفد لولا تحالف الباشا مع الإخوان في انتخابات 78.
مصر المستقبل أفضل
كيف تري وجه مصر المستقبل في ظل التحديات التي نواجهها حالياً؟!
ـ مستقبل مصر يتوقف علي قدرتنا في عبور المرحلة الانتقالية وإزالة ما يواجهنا من صعاب.. فالحاكم القادم أي حاكم يعلم أن أسرة مبارك موجودة في السجن الآن.. وهذا درس لكل حاكم حتي يعرف قدرها وقدر البلد الذي يحكمه كل هذا ضمانة من أجل تحقيق الديمقراطية وأنا أثق في قدرة المصريين علي عبور هذه التحديات التي نعيش فيها رغم صعوبتها.
قلت له.. البعض يقول إنك كنت واحداً من المقربين من مبارك فلماذا لم تنصحه وتنقل إليه نبض الشارع؟!
ـ أجاب: جميع زملائي يعلمون أن علاقتي بمبارك انقطعت منذ زمن بعيد.. منذ أن أصبح لا يسمع لأحد.. بل وحتي في لقاءاته مع أي مسئول كان زكريا عزمي يجلس مع الضيف قبل لقائه بالرئيس ويقول له »اوعي تزعله.. بلاش تناقشه في كذا وكذا وكذا، وهكذا يجد الضيف عليه ان يسلم علي مبارك فقط ويرحل«.
أما عن حكاية انني كنت مقرباً منه وعلي »حجرة« كما يدعي البعض فيشهد زملائي ابراهيم نافع وسمير رجب علي مناقشاتي الحادة مع مبارك في طائرته الرئاسية أثناء تجمعنا معه في سفرياته حتي إنني ذات مرة »اتخانقت« معه واسمعني »كلام بايخ« اعتذر عنه فيما بعد عندما طالبته بضرورة اقامة علاقات مع ايران فقال لي هو انتي قابض منهم ولا إيه؟! فعضبت بشدة.. فجاء بعد ذلك واعتذر لي أمام الجميع.
وكذلك عندما رأيتهم يتهامسون حول عمرو موسي ويسخرون منه ـ أي المحيطين بالرئيس أمامه ـ وكانوا يسمونه الديك الرومي بعد ان غني له شعبان عبدالرحيم فقلت للرئيس أمامهم جميعاً عمرو موسي كويس وليس بهذه الصورة بدليل انك جلست ساعتين ونصف التليفون بجوار التليفون تجري اتصالاتك بالدول العربية من أجل تزكيته كأمين عام للجامعة العربية وكذلك عندما طالبته بضرورة رحيل عاطف عبيد رئيس الوزراء أمام جميع زملائي.
ثم ياسيدي لو كان مبارك راضياً عني كما يقولون فلماذا لم يعينني في رئاسة تحرير الأهرام وأنا بشهادة الجميع من أكفأ من عملوا بها تخيل أن مرتبي في دار الهلال لم يزد حتي خروجي للمعاش علي »3200« جنيه يعني مرتب »ساعي« في الأهرام.. فهل هذا يعني أنه راض عني كما يدعون، ويشهد الله أنني كنت أنقل له نبض الجماهير بالكامل..لكن بأدب وبشكل لا يثيران ضيقه.. فهذه طريقتي الانتقاد بأدب.
محاكمة مبارك
كيف تري محاكمة مبارك الآن؟!
ـ محاكمة مبارك أكبر دليل علي نجاح الثورة وعلي أن الجيش لا يجامل أحداً علي حساب مصلحة الوطن.. ولكن المطلوب محاكمة عادلة بلا تشف أو شماتة.. فمصر كبيرة وعظيمة، وليس المطلوب حبسه خاصة وهو مريض فمن الضروري مراعاة الناحية الانسانية لانها ضرورة لصورة مصر في الخارج.. فيكفي ان اقول لك ان محاكمة مبارك وحبسه لا تسعد الكويتيين وتقلق السعوديين، فيمكن محاكمته داخل المستشفي مراعاة لحالته المرضية.
فمجرد محاكمة مبارك رسالة لكل حاكم قادم انه لا أحد أكبر من المساءلة والعقاب حتي نري مصر الجديدة..العظيمة بلا شماتة أو تشف لأن هذا سلوك الصغار.
المصالحة من المخطئ أولاً
البعض ينادي بالمصالحة مع رموز النظام السابق كيف تراها؟
ـ المصالحة ينبغي ان تأتي بمبادرة من الجاني »من الأشخاص الذين سرقوا ونهبوا البلد فيقولون.. هذه الاموال نهبناها ونريد ان نعيدها.. خاصة في موضوع الأراضي.. لأن الأرض موجودة ويجب إعادتها للدولة أو اعادة تسعيرها بشكل عادلليضمن حق البلد في كل شبر فيها.. ويجب أن يسير هذا جنباً الي جنب مع التفكير في المستقبل وتعبيد الطريق إليه.. فنحن لا نحارب استثماراً ولكن نحارب الفساد والنهب وكل ما يشوب العقود والبيوع من اشكال الغبن والظلم للشعب المصري.