فيديو. حجازي:الطغاة حولونا لمتسولين
يا عم من أين الطريق؟ أين طريق »السيدة«؟ أيمن قليلا.. ثم أيسر يا بني قال: ولم ينظر إليّ أبيات من قصيدة "الطريق الي السيدة"
للشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، كان يبحث فيها عن الطريق وهو ينادي علي القاهرة راجيا منها أن تدله ـ كما دلت غيره ـ علي طريق النجاة.
حدد لي موعدا لإجراء الحوار في مجلة »إبداع« ببوسط القاهرة ذهبت في الموعد المحدد، »إبداع« تلك مقرها في مبني حكومي لا يعمل أسانسيره، فكان عليّ ـ ومعي زميلي المصور ـ أن نصعد للدور الخامس علي سلم بدون إضاءة، ودرجاته بعضها »مكسر« وصلت أمام المجلة فكانت مغلقة وأمام باب المقر صفيحة »زبالة« دون غطاء تخرج منها روائح، وتعبث بداخلها القطط. هاتفته أنت فين يا أستاذ أحمد؟ رد: في الأهرام! ثم أنقذني مما أنا فيه عندما قال: إيه رأيك تأتي إليّ في الأهرام؟ فقلت علي الفور: تركت خلفي »مجلة إبداع« التي تصدرها وزارة الثقافة، ومقرها الذي لا يسمح بصدور مجلة، ولا بإبداع! أخذت طريق العودة و»نزلت« السلم من الدور الخامس، واتجهت للأهرام، حيث كان »حجازي« يكتب مقاله الأسبوعي.. وبدأنا الحوار:
بعد موقعة الجمل والصندوق والجلابية، البعض يسأل الي أين نتجة؟
ـ أظن أنه ليس هناك اتجاه واحد، هناك عدة اتجاهات وكل منها يحاول أن يأخذ الجميع معه في اتجاهه، وأظن أن الإسلاميين الآن هم الأكثر حضورا في الواجهة الإعلامية والسياسية.
الحضور الإعلامي مفهوم.. لكن ماذا تقصد بالحضور السياسي؟
- هم الذين يقترحون الأحزاب الجديدة، وهم الذين يتقدمون ببرامج وحركاتهم فيها نوع التخطيط والتنسيق لإعطاء انطباع بأنهم الأكثر قدرة وأنهم المؤهلون أكثر من غيرهم للسير بالبلاد في الاتجاه الذي يرسمونه.
إذن هم لديهم خطط وهدف واتجاه؟
- نعم.. ولذلك يسعون للتأثير علي الأغلبية التي تقف لتري أين يتجه الآخرون لتسير وراءهم، وهذه مسألة خطيرة للغاية، لأن هذه الأغلبية الآن هي التي تحسم الخلاف وتقرر الاتجاه الذي سنتجه اليه، طالما اتجهنا لإجراءات ديمقراطية معروفة، وكان أولها الاستفتاء الذي فرض علي المصريين »ترقيعات« جديدة علي دستور »مرقع« وحرمهم من دستور جديد يلبي حاجاتهم الي ديمقراطية حقيقية.
ما الذي كان سيضيفه الدستور الجديد.. إذا ما بدل بالدستور الحالي؟
- سيمنع تكرار التجارب الأليمة وهي أننا نعيش في ظل طغاة واحد وراء الآخر.
< وهل="" هذا="" لا="" يحققه="" الدستور="">
- الدستور الحالي الذي ستجري انتخابات البرلمان علي وضعه الحالي هو الذي أعطي الرئيس المخلوع مبارك كل السلطات وسمح له بانتهاك حرمات البلاد وسرقة ـ ومعه أعوانه ـ ثرواتها والجماعات الدينية تعمل بمساعدة جماعات أخري، وأنا لا أشك في أن هناك نوعا من الاتفاق الضمني غير المعلن إنفاق يتم بدون اتفاق.
بين من؟
- بين هذه الجماعات وبعضها البعض حيث تتفق هذه التيارات علي خطوات تخدم مصالحها كلها.
تقصد الجماعات الدينية؟
- الدينية وغيرها.. إن »فلول« الحزب الوطني ليست مع الديمقراطية كما أن الجماعات الدينية كذلك.
لكن بعض التيارات الدينية السياسية تتحدث عن الديمقراطية واحترام القانون والدولة المدنية؟
- شعارات لا لزوم لها لأن الجماعة التي تنشأ في أواخر العشرينيات »يقصد الإخوان المسلمين« وتظل الي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لا علاقة لها بالديمقراطية وتظل تصر علي أن الدولة تقوم علي أساس الدين والشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع والأقباط محرومون من الحقوق السياسية التي يتمتع به المسلمون والمرأة كذلك.
لكنهم قالوا نريد دولة مدنية؟
- شعار يرفع أما الأساس لديهم فهو ما ذكرته ما أريد قوله إن ما ينتويه لنا هذه الجماعات الدينية سواء المتطرفة أو التي تزعم الاعتدال وما ينتويه لنا »فلول« الحزب الوطني ونحن نتحدث أيضا عن »فلول« وهي ليست فلولا.
إذ لم تكن »فلولا« فما هي إذن؟
- هي قوي حقيقية لأنهم يملكون الكثير، يملكون المال والسلطة التي ظلت في أيديهم ثلاثة عقود وأكثر، هذا كله يسمح لهم بالحركة والعمل وإلا من الذي حرّك البغال والجمال في ميدان التحرير؟
تقصد موقعة الجمل؟
- نعم.. وهم أيضا الذين ومعهم الإخوان الذين صوتوا بـ»نعم« في الاستفتاء ومن المؤكد أن هذه المصلحة المشتركة في إثارة الفوضي وإشعار الناس بالقلق والخوف وارتفاع نسبة الجرائم حتي أنه أعلن مؤخرا أن الجريمة زادت بنسبة 200٪ في مصر خلال الشهر الأخير.
وهل ذلك كله يهدف الي شيء ما؟
- يهدف الي أن يقبل المصريون أي حل سريع حتي يعود الأمن الآن، بعد ما أصبحت الحياة مهددة، الأطفال يخطفون في الشوارع والبلطجية يصنعون ما يشاءون ويعتدون علي رجال الشرطة فمن الطبيعي أن يشعر المصريون الآن بالخوف وهناك السلفيون يهدمون الأضرحة ويقطعون الآذان ويهددون الفتيات غير المحجبات.
وبماذا تسمي ذلك؟
- أسميه »ترويع« بكافة صوره والمقصود به إرغام المصريين علي قبول الحل الذي يعطي الآن وهو طغيان جديد، نحن أمام نظام جديد يقوم علي الطغيان لا علاقة له بالديمقراطية ولا علاقة له بالدولة المدنية.
وأين الأحزاب والتيارات السياسية الأخري؟
- يبدو أنها فقدت القدرة علي التأثير والمواجهة أو حتي انتشال البلد من هذا المستقبل المظلم الذي يدفع اليه الآن.
اذا كنا نتحدث عن الديمقراطية فلماذا نطلبها لنا ونحرمهم منها؟
- نحن لا نحرم أحدا من شيء.
إذن فلنقبل ديمقراطية الصندوق؟
- نعم.. نحن نقبل الديمقراطية لكن كيف؟ كيف نمارس الديمقراطية؟! إذا كنت تخيرني بين أمرين أحلاهما مر فهذه ليست ديمقراطية ولا حرية أنت لم تضعني في مناخ حرية فأنت لا تطبق الديمقراطية عندما نخرج من طغيان 60 سنة وليس من 30 فقط 60 سنة طغيان قضيناها منذ ضباط الانقلاب الذي تم في يوليو 1952.
هو كان ثورة أم انقلابا؟
- هو لم يكن ثورة علي الإطلاق والكلام علي أنه ثورة يعد تزوير إنه انقلاب تم بدبابات حلت الأحزاب وتم إلغاء الدستور وصدرت الصحف تحت اسم مضلل اسمه تنظيم الصحافة واستولت الحكومة علي الصحف وأنشأت وزارة سيئة السمعة اسمها وزارة الإعلام، لكي تضلل المصريين بالأغاني وكلام أحمد سعيد وعبدالحليم حافظ.
إذن 23 يوليو ـ حسب فهمي من كلامك ـ كانت تضليلا في تضليل؟
- طبعا... أين إذن هي الثورة ولقد جاء معها الخراب في 67.
كانت هناك عدالة اجتماعية ومد عربي وإصلاح زراعي؟
- هذه شعارات لأنه توزيع الأرض علي الفلاحين، لكن السؤال هو: هل كان المقصود أن توزع الأرض علي الفلاحين أم كان المقصود هو القضاء علي طبقة صنعت النهضة في مصر كان من الممكن أن توزع الأرض علي الفلاحين دون ضرب الطبقة.
إزاي؟
- ليس من الضروري أن توزع الأرض علي الفلاحين ثم تلغي الدستور وليس من الضروري أن تفصل عشرات بل مئات الأساتذة من الجامعة، ولم يكن من الضروري أن تحل الأحزاب، الفلاح المصري لم يكن له دور إلا أن يصفق أو يهتف لجمال عبدالناصر لذلك ليس توزيع الأرض علي الفلاحين يعمل ثورة، هتلر أيضا كان عنده اشتراكية وحزبه كان اسمه الحزب الوطني الاشتراكي هل هتلر اشتراكي؟
لا.
- إذن هذا هو المحك، في النهاية الاشتراكية التي ظهرت في حياة العالم جاءت لتمكن الناس من حرية أكثر، وديمقراطية أكثر وتقدم أكثر وعقلانية أكثر والتخلص من القوي التي كانت تقبل البشر، هذه هي الاشتراكية لكن انظر ماذا فعلت الاشتراكية فينا!
وماذا فعلت؟
- حرمتنا من كافة الوسائل لمحاسبة المسئولين فتكون النتيجة أن ندخل مأساة بعد مأساة ومغامرة بعد مغامرة، مغامرة اليمن والكونغو و67 الي آخره.
لكن عبدالناصر كانت لديه نية حسنة؟
- حتي لو افترضنا حسن النية فهذا أسلوب مدمر والنتيجة هي التي رأيناها.. إن نكسة 67
لكننا لم نستسلم وحقق الانتصار في 73؟
- نعم حققنا الانتصار لكن هذا الانتصار العسكري لم يمكننا من أن تكون لنا قوات في سيناء لم نتمكن من أن نمتلك الحق في أن نقول لا أو نعم للأمريكان ولإسرائيل، إن مصر ما قبل ثورة يوليو 52 كانت واحة التقدم والحرية وتقود العالم العربي والمنطقة الي التحضر والعلم للأسف تراجعت كثيرا.
هل هذا الميراث من الطغيان ـ كما تسميه ـ أثر علي وجهة المواطن وهو يقف أمام صندوق الانتخاب؟
- طبعا.. ليس من المنطقي عندما ينزاح من فوقي هذا الكابوس ثم تقول لي اذهب الي صندوق الانتخاب بعدها بشهر لتقول لي تنتخب من »الكتاتني« أم »حسان« أنتخب مين، أنت حرمتني من كافة حقوقي علي مدار 60 عاما منذ ثورة يوليو وبالتالي فالقياس هنا ليس في مكانه، والديمقراطية هنا ليست في مكانها طالما أنا ـ كمواطن ـ ليس في مكاني.
أين الأزهر؟
- للأسف الأزهر هنا ـ كمؤسسة ـ ترك دوره وأسرف كثيرا في مساندة النظام الذي انهار وسقط وأصبحنا أمام هواه كل واحد منهم »عامل« نفسه داعية والمصريون بعدما فقدوا حقهم طوال الـ60 سنة الماضية في أن يعملوا في السياسة لم يعد لهم إلا إذاعة القرآن الكريم يتثقفون من خلالها ولم يعد لهم إلا خطباء الجمعة.. وخطباء الجمعة فيهم العالم الحقيقي وفيهم الجاهل وفيهم الذي يقدر المسئولية ومن لا يقدر المسئولية وفيهم المعتدل وفيهم من يثير الفتنة الطائفية ولقد تفاءلت بالشيخ علي جمعة والشيخ الطيب ولكن الشيخ الطيب جاء الي أزهر تحول الي محكمة تفتيش.
الأزهر محكمة تفتيش؟
- نعم لأنه الأزهر أم الشيخ طنطاوي استصدر من المستشار طارق البشري فتوي قانونية تقول إن الأزهر صاحب الحق الوحيد في أن يرخص أو لا يرخص الأعمال الأدبية والفنية.
وهل مازالت الفتوي قائمة؟
- طبعا.. فتوي معمول بها من مجلس الدولة والتي لم يكن لها في حقيقة الأمر طوال العقود الماضية إلا أن تصادر الكتب وأنا أسأل: ما الذي صنعته مؤسسة الأزهر خلال الـ60 سنة الأخيرة؟
أنا ـ الحقيقة ـ هنا لأسمع الاجابة؟
- أقول لك.. استخدمت الأموال التي تنهال عليها من الوهابيين وغير الوهابيين لإنشاء مدارس ومعاهد وكليات تخلط الدين بالعلم وأصبحنا نسمع الآن في جامعات أخري ـ غير الأزهر ـ من يتحدثون عن أن القرآن الكريم به كل النظرات العلمية التي اكتشفها البشر في العصور الأخيرة، وأن كل ما جاء به »نيوتن« و»اينشتاين« وغيرهما جاء في القرآن الكريم.. لماذا لا نعيش في ظل قيم ديننا ونكون في العصر الحديث؟ نحن يجب أن نكون مسلمين في القرن الحادي والعشرين.
إذن أنت تري أن الأزهر لم يقم بدوره؟
- نعم.. لم يقم بواجبه وشدنا الي الوراء لأن الأزهر للأسف فيه أفراد كثيرون ينتسبون له وعملهم الأساسي هو البحث عن مكان في دولة من دول النفط يذهبون اليها مصريين ثم يعودون خليجيين هذا الأزهر المالي هو نتيجة هذه السياسات.
هل المصري ـ بالفعل ـ متحضر؟ وإن كان كذلك فما هذا الذي تراه في الشارع من اعتداء وبلطجة؟
- المصري متحضر لكن المصري عندما يتربي علي الطغيان يفقد تحضره عندما يعيش 60 عاما في ظل طغيان مستمر فلا تنتظر منه حضارة.
ما الحضارة يا أستاذ؟
- الحضارة تربية البشر قبل الحضارة كانوا وحشا وعندما اجتمعوا وأصبحوا مجتمعا منظما له قوانين وأخلاق وضمير وخبرة تحولوا للحضارة وإذا عادوا مرة أخري »همجا« فقدوا الحضارة مثلا كان حزب الوفد قبل انقلاب 23 يوليو يرشح قبطيا في دائرة كلها مسلمون ويفوز.
اليوم الوضع اختلف فماذا حدث؟
- غياب الحضارة المصريون كانوا ينشئون النادي ليعملوا بالفكر والفن والآداب وكانوا يذهبون للخارج ليتعلموا ويعودوا مثل طه حسين ومندور ولويس عوض وغيرهم.
ولماذا لا نفعل ذلك الآن؟
- لأننا اليوم لا نذهب الي بلد الحضارة.. اليوم نذهب الي بلاد النفط لقد تعلم المصريون أن يتسولوا.
وصلنا للتسول؟
- أُمّال انت فاكر إيه؟ علمهم الطغيان أن يكونوا متسولين.
تقصد الفقراء منا؟
- بل والأغنياء فإذا كان الطغيان يعلم الناس أن يكونوا »متسولين« فكيف يعلمهم أن يكون متحضرين، إن نظام مبارك الساقط أفسد أخلاق المصريين ثم وصلنا الي سلطة حاليا ـ في رأيي ـ لا تمسك بالبلاد كما يجب لذلك انتشرت البلطجة تروع في الناس وأنا أري رجال بلطجية في الشوارع يتطاولون ويضربون رجال الشرطة في الشارع ولا أحد يتحرك.
كنت متعود أسأل ضيفي في النهاية متفائل أم متشائم لكن أنا أري أنه لا داعي للسؤال؟
- ليه شايفني متشائم.
مش بالضبط.. لكن أشعر أنك قلق؟
- أنا لست متشائما.. فأنا واثق كل الثقة أن مصر ستخرج من المرض الذي أصيبت به والثورة هي بداية الشفاء ونحن لم نشف بعد وهناك قوي لا تريد لنا الشفاء ونحن إما أن نذهب الي الطبيب وإما أن نذهب الي المشعوذ، الطبيب سوف نشفي معه أما المشعوذ فإننا سنضيع معه وعلينا أن نختار!
شاهد فيديو