رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سرى الدين: لا نهضه بدون ديمقراطية

بوابة الوفد الإلكترونية

كان الاقتصادى الامريكى بول صامويلسون الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد يقول: «أنا لا أعير اهتماماً بمن يكتب قوانين الأمة، مادام بوسعى أن أكتب لها كتبها المدرسية الخاصة

بعلم الاقتصاد». فالاقتصاد فى بعض الأحيان أهم من الدستور والقانون لأن سيارة الديمقراطية لا يمكنها السير فى طرق غير مسفلتة.
ننسى أوضاع الاقتصاد ونتجاهل شئون الاستثمار ولا ننشغل بفرص العمل الهاربة من مصر. كلما طالت الفترة الانتقالية طالت الوحشة، واشتدت ظلمات الاقتصاد، وتجمدت معدلات النمو. لذا فإن أهم ما خرجت به من حوار ساخن طال ثلاث ساعات مع الدكتور هانى سرى الدين، القانونى الكبير، الرئيس الأسبق لهيئة سوق المال، أن عودة الاستثمار مرهونة بتسليم الحكم لسلطة مدنية وتحقيق الأمن، وأن النهضة الاقتصادية لا يمكن بناؤها إلا فى ظل نظام ديمقراطى يتسم بالشفافية واحترام القانون.
إن هانى سرى الدين أحد أبرز القانونيين المعنيين بقضايا الاستثمار وهو أستاذ ورئيس قسم القانون التجارى والبحرى بحقوق القاهرة، وهو فى الوقت نفسه نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة. فضلاً عن عضويته فى المكتب السياسى لحزب المصريين الأحرار.
يرى الدكتور هانى سرى الدين أن هناك «مطبات» عديدة تم زرعها من أعوان النظام السابق بغرض «تطفيش» المستثمرين، لكنه يرى أن حوارا مجتمعيا بناء تشارك فيه جميع التيارات السياسية كافٍ لعبور تلك «المطبات».
كما يرى أن مصر فى حاجة للاستفادة من نموذج الاقتصاد الحر الذى تتبناه ألمانيا الذى يجعل للدولة دوراً اجتماعياً أساسياً. ويؤكد أن أهم مشكلاتنا ترجع إلى تدنى التعليم ووجود انهيار مؤسسى وندرة فى الخبرات، ويطرح الرجل آراءه وتصوراته حول تشريعات الاستثمار، والدعم، والضرائب التصاعدية، والاستثمار فى البورصة.
وإلى نص الحوار:
> ما رأيك فى النزاعات القضائية العديدة التى أثيرت فى الشهور الاخيرة ضد مستثمرين وشركات أجنبية بدعوى فساد العقود الموقعة مع حكومات النظام السابق؟ كيف تأثر مناخ الاستثمار بتلك النزاعات؟
- ربما تكون شهادتى مجروحة لأننى أمثل قانونياً عدداً من المستثمرين فى بعض تلك المنازعات، لكن تعال نتناول القضية بشكل عام ونقول إن البلاغات والدعاوى الأولى التى قدمت ضد كثير من الكيانات الاقتصادية قدمت من قبل النظام السابق نفسه فى محاولاته الأولى لامتصاص الثورة وبعد ذلك انطلقت البلاغات والدعاوى ضد معظم المستثمرين حتى صارت كالمارد الذى خرج من قمقمه ولا يمكن إدخاله مرة أخرى. وما أريد أن أؤكد عليه وأنا رجل قانون أنه حتى لو كانت هناك مخالفات إدارية فى بعض العقود السابقة فلا ينبغى أن يكون حلها عن طريق القانون الجنائى.
> هل يعنى ذلك أن يصمت المجتمع بعد الثورة على الفساد؟
- بالطبع لا، لم أقل ذلك. لكن تعال نفرق بين حالتين من حالات النزاع القائم حاليا الاولى أن يكون النزاع خاصاً برشاوى واختلاسات واضحة وهو ما يختص به القانون الجنائى، والنوع الثانى وهو الأكبر فى النزاعات القائمة ما يختص بخلاف حول عقود استثمار مثل تخصيص أرض لشركة ما بغرض الاستثمار أو ما شابه ذلك، وفى هذه الحالة يجب أن يتم تسوية النزاع خارج اطار القانون الجنائى، والمطلوب أن تتدخل الحكومة بشكل واضح لتعلن عن أطر للتسويات بما يتيح للشركات ومشروعاتها المختلفة أن تعمل مرة أخرى، وأن ما نريد أن نؤكد عليه هو أن اتساع حجم النزاعات الخاصة بالاستثمار يمثل عاملاً طارداً للاستثمار ويساهم فى تباطؤ حركة الاستثمار وتجميد أى توسعات جديدة.
> هل يعنى ذلك أن تسوية نزاعات المستثمرين كفيلة بعودة الاستثمار الأجنبى إلى نفس معدلاته؟
- بالطبع لا، النزاعات الاقتصادية القائمة حول بعض المشروعات تمثل عاملاً واحداً من عوامل طرد الاستثمار، لكن هناك لاشك عوامل أخرى عديدة تساهم فى تجميد موقف الاستثمار فى الوقت الحالى، وأتصور أن أخطر تلك العوامل هى عدم الاستقرار السياسى، والانفلات الامنى، وهى قضايا نتصور أنها يجب أن تحوز الاهتمام الأكبر من قبل الحكومة والبرلمان وجميع التيارات السياسية الموجودة فى مصر.
> إذن ما الذى نحتاج له بشكل عاجل لإنعاش مناخ الاستثمار؟
- نحتاج لعدة أمور أولها أن يتم عمل حوار مجتمعى حقيقى للتعرف على حقيقة المشكلة وأبعادها وكيفية التعامل معها، وثانيها أن تشارك السلطة التشريعية والمجتمع المدنى بتشريعات حاكمة لتسوية المشكلات الخاصة بالاستثمار بشرط أن يسبق ذلك حوار مجتمعى موسع حول ايجابيات تسوية المنازعات على مصر.
> ومتى يفترض أن يتم ذلك؟
- المفترض بأسرع ما يمكن. نحن نواجه تدهوراً اقتصادياً كبيراً لقد وصلت نسبة البطالة إلى نحو 15% وزاد عدد العاطلين على مليونى شخص، وتراجع معدل النمو إلى 1.8% ونحن كنا نتحدث عن معدل نمو لا يقل عن 8% حتى نتمكن من تشغيل 800 ألف شخص ينضمون سنوياً إلى سوق العمل. أعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يكون من أولويات البرلمان.
> هل هناك سياسات محددة تنصح بها حتى نقترب من معدل النمو المستهدف 8%؟
- لا يوجد خلاف على السياسات المطلوبة. الموقف واضح والداء معروف وعلاجه أيضاً معروف... نحن نرى أن دعم الوضع الأمنى وتحقيق الاستقرار السياسى كفيل بتحسين الوضع وعودة الاستثمار. نحن نحتاج استقراراً سياسياً من خلال نقل السلطة لنظام ديمقراطى يتسم بالشفافية واحترام القانون، وأتصور أن هذا هو الطريق الوحيد. وبالطبع نحن نعلم يقيناً أن المجتمع الديمقراطى لا يولد فى يوم وليلة، لكن على العموم الدولة المدنية هى الحاضنة لأى نهضة اقتصادية. فضلاً عن ذلك فمن الضرورى أن نعيد النظر فى بعض التشريعات الاقتصادية المعمول بها حالياً والتى تحتاج لتعديلات جذرية مثل قانون العمل. إلى جانب تبسيط الاجراءات الخاصة بالتراخيص والقضاء على البيروقراطية وتيسيير الإجراءات الضريبية. وتابع الدكتور هانى سرى الدين قائلاً: وقبل كل ذلك نحتاج كثيراً لنشر ثقافة الاستثمار فليس من المعقول أن يكون القطاع الخاص يستحوذ على 70% من خطة التنمية فى مصر، وتبقى النظرة تجاه مجتمع الاعمال والاستثمار نظرة سلبية.
سؤال: من وجهة نظرك... أيهما أنسب لمصر خلال المرحلة القادمة.. الاقتصاد الحر أم الاقتصاد الموجه؟
جواب: أعتقد أن ما يعرف بسياسات السوق الاجتماعى «social free market» هى الأنسب

لمصر، بمعنى أن نعتمد على الاقتصاد الحر فى إطار من العدالة الاجتماعية، والدولة النموذج فى ذلك هى ألمانيا الغربية. فهى دولة تحترم الحرية الشخصية والأفراد وتعتمد على الاقتصاد الحر لكن يوجد لها دور اجتماعى واضح فهى تضع حدا أدنى للاجور وتنمى دور النقابات العمالية بما يجعلها قوة مؤثرة على القرار. وفى مثل هذا النموذج تتضاءل قدرات ما يعرف بالرأسمالية المتوحشة التى تنمو دائما دون ضوابط وفى ظل غياب تام لدور الدولة.
> هل هناك دعم للسلع فى مثل هذا النموذج؟
- بالطبع، لكن هذا الدعم مقنن ورشيد ولا يذهب إلى الأغنياء. إن من الملاحظ لدينا أن 80% من دعم المنتجات البترولية يذهب إلى طبقة القادرين. وفى بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أتصور أنه من الضرورى إعادة النظر فى أسعار الطاقة لتقدم بتكلفتها الحقيقية. وأعتقد أن القضية هى قضية إرادة سياسية لأن معظم الاقتصاديين يعلمون تفاصيل قضية الدعم وتم عمل دراسات وافية فى هذا الشأن، لكن ما كان ينقصنا دائما هو توافر الارادة السياسية.
> هل توافق على فرض ضرائب تصاعدية على أرباح الشركات؟
- أعتقد أن الوقت الحالى لا يسمح بحديث عن ضرائب تصاعدية. نحن نحتاج لمستثمرين ليوفروا لنا فرص عمل جديدة. وعلى أى حال فإننا نحتاج لدراسة ذلك بشكل واضح، وأنا اعلم أن هناك ضرائب تصاعدية تصل إلى 60% فى بعض الدول المتقدمة، لكن الوضع فى مصر يختلف عن ذلك كثيراً. عموما ليس من الصحيح أن نطلق نتائج نهائية بشأن مقترحات معينة دون دراسة وافية وواعية للآثار المترتبة على مثل تلك الإجراءات.
> فى تصورك ما العقبة الرئيسية فى طريق التنمية الاقتصادية؟
- فى تصورى فإن أهم عقبة وأخطر عقبة تواجه التنمية الاقتصادية فى مصر هى التعليم. إن كثيراً من مشكلاتنا ترجع إلى تدنى التعليم ووجود انهيار مؤسسى وندرة فى الخبرات. كما أن التعليم نفسه غير مرتبط باحتياجات الاقتصاد سواء كان التعليم العام أو الصناعى أو حتى الزراعى. كذلك فإن البحث العلمى فى مصر تعيس ولا ينفق عليه ما يؤهل المجتمع الإنتاجى والصناعى للتطور.
> دارت أحاديث عديدة حول الصناديق الخاصة ووجودها خارج رقابة الحكومة، وتباينت تقديرات الاقتصاديين حول حجم تلك الصناديق وضرورة ادخالها فى موازنة الدولة. ما هو تقديرك القانونى لتلك القضية؟ وهل يجوز ضم الصناديق الخاصة للموازنة؟
- الحقيقة أن تلك الصناديق مازالت صناديق سوداء. بعضها أنشئ لأسباب خاصة بضعف الأجور وبعضها الآخر أنشئ لأسباب أخرى بعضها قد يكون مشروعا وبعضها غير ذلك. ما ينقصنا هو الشفافية وما نعانى منه هو غياب المعلومات. لكن بشكل عام يجب إخضاع تلك الصناديق لرقابة الحكومة للتعرف على مصادرها واوجه الصرف وسبل الاستفادة، لذلك نحن نطالب بضرورة اصدار قوانين لتنظيم حرية المعلومات ولتحقيق الشفافية فى المجتمع المصرى، وهى أساس أى إصلاح مؤسسى فى مصر.
> كثيرون يرون أن البورصة المصرية تحولت إلى صالة قمار لا تخضع لأى قواعد اقتصادية واضحة للربح أو الخسارة. كيف يمكن وقد كنت رئيسا لهيئة سوق المال إعادة الانضباط لسوق المال فى مصر؟
- فى البداية علينا أولا أن نجيب عن سؤال هام هو: لماذا تنشأ أسواق المال؟ والاجابة هو لإيجاد آليات تمويل بديلة لتحقيق النمو الاقتصادى، بمعنى أن نلجأ إلى أدوات الدين والملكية لإنشاء مشروعات جديدة أو توسعة مشروعات قائمة من خلال ما يعرف بالسوق الأولى وهو سوق الإصدار.
وهناك سوق آخر ثانوى هو سوق التداول والذى قد يتحول بالفعل لصالة قمار كما تقول لو تركزت عمليات البيع والشراء فيها فقط دون اكتتابات عامة او خاصة، وهو تقريبا الوضع الذى عليه البورصة فى الوقت الحالى.
والمطلوب فى تصورى أن يتم تنشيط السوقين معا السوق الأولى والثانوى، فلا يجوز أن ينشط السوق الثانوى دون أى نشاط فى السوق الأولى، وفى المجمل لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية دون وجود سوق مال ناجح والأمثلة عديدة لدول نجحت اعتمادا على أسواق مال حقيقية منها ماليزيا وإندونيسيا ونيوزلندا.