رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. فؤاد عبدالمنعم : أيام الثورة أفرزت أفضل ما في الإنسان المصري لأنها ثورة للكرامة

الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، أستاذ قانون دولي تقاضي في المحاكم الدولية لجرائم الحرب عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، له مؤلف باسم «هموم إنسان مصري» أقرته مكتبة القاهرة الكبري بأنه أحد الكتب العشرة التي أدت إلي ثورة 25 يناير.. قال: إنه في المجال الأكاديمي يلقي نظرة شمولية علي الأحداث، ولا يتطرق للتفاصيل لأنها تمنع النظر إلي الإطار العام أو بشكل محلي.

وأكد في حواره لـ«الوفد» علي أن الثلاثة أسابيع الأولي للثورة أفرزت أفضل ما في الإنسان المصري لأنها كانت ثورة للكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ولم تكن ثورة للبطون، وما تعرض له الشعب المصري من أذي جسدي وروحي قد يعرضه للفناء الجزئي أو الكلي، ولهذا ضاع الانتماء والمواطنة في دولة مكروهة تعادي شعبها في وجود 20 مليون مصري يعانون من فيروس «C» الكبدي وهجرة 100 ألف مسيحي بعد الاعتداءات علي الكنائس بعد 25 يناير.. وحذر من خطورة فيض الكيل لأن نتيجته ثورة لا تبقي ولا تذر.
> ماذا أفرزت 25 يناير في المجتمع المصري؟
- العالم شهد أن مصر في نقطة تحول تاريخية، وميلاد فجر جديد والتجربة أثبتت أن الثلاثة أسابيع التي تمت فيها ثورة يناير هي أفضل ما في الإنسان المصري الذي كنا بدأنا نشك في أنه حدث له تسيب، وعدم اهتمام بالشأن العام والسلبية والتقوقع علي نفسه كطوائف وجماعات منها المسلمون والمسيحون والنوبيون والبدو لدرجة جعلت رئيس الأركان الإسرائيلي في حديث عام له قال: لا تخافوا من مصر لأنها تفككت، ولكن ثورة 25 يناير أثبتت عكس ذلك، وأكدت أن مصر وحدة نسيج، وهذا أهم نتيجة للثورة مع أننا أكدنا للقاصي والداني أن مصر تفككت عندما انشغلنا بالتفرقة الدينية، وبعدنا عن المواطنة.
> ولهاذا لم تكن 25 يناير ثورة جياع؟
- مثلي مثل الجميع في الاعتقاد بأن الثورة قادمة وكنت أرجح أنها ثورة جياع لأن البوادر تدل علي الظلم الاجتماعي بوجود غني فاحش وإجرامي بمعني الكلمة ويقابله فقر مدقع ومعيشة غير آدمية وجهاً لوجه قد لا يفرق بينهما إلا شارع، وهذا التناقض الفج والاستفزازي زاد من الكراهية والاستفزاز.. ولكن فوجئ الجميع بأن الثورة جاءت بأسمي المعاني وكانت ثورة للكرامة وليست ثورة بطون.
> وهل استطعنا أن نحافظ علي هذه المكتسبات بعد قيام الثورة؟
- لا.. بل بدأت تظهر بوادر العودة إلي الماضي، ،وهذا يرجعنا إلي خطورة ثورة الجياع، إذا لم يتم علاج حاسم لهذا التناقض الموجود في حياتنا الآن مع أن الثورة جمعت بين شيئين كانت رافضة لهما الأول الهوة السحيقة بين من يملك ومن لا يملك، وهذا لا يمكن أن يستمر بعد الثورة والثانية التمزق الديني وشواهده الاعتداء علي الأماكن المقدسة والصدام المبني علي التعصب البغيض الذي يشجعه الإعلام، بل ثبت أن الدولة كانت تشجعه.
> تؤكد هذا بما أنك عضو في لجان تقصي الحقائق؟
- نعم فقد ساهمت في لجان تقصي الحقائق في نجع حمادي وتأكدنا من الاستعداد للاعتداء علي «الأنبا» هناك، وأيضاً حادث تفجير الكنيسة في الإسكندرية، وثبت أن الدولة كان لها يد في هذا، والخطاب الديني شجعه، ورغم أن الثورة أثبتت طهارة الجماعة المصرية في هذا الجرم، لكن بوادره بدأت تظهر الآن ويتم تشجيعها في جهات لا ندري من هي؟!
> وكيفية المعالجة في الفترة الانتقالية؟
- الفترة الانتقالية الحرجة تتطلب علاجاً حاسماً في الناحيتين السياسية والاقتصادية، وهي مرحلة ممتدة لمستقبل مصر بعد هذا التحول الحاسم لإعادتها للحياة وطريق المستقبل الذي يعمل علي عدم التمزق والتفكك والعمل علي العدالة الاجتماعية.
> وهل الثورة لا تسير في هذا الطريق؟
- للأسف الشديد عاش المجتمع في الاستغراق في الماضي، فانعدمت الرؤية السليمة للأولويات وانشغل في التفاصيل بل اهتم بالمصالح الشخصية وأحياناً بالخرافة وأمور لا صلة لها بمستقبل مصر وبالمخاطر التي تهددنا ويحضرني مثل تاريخي يشبهنا وكان من أسباب سقوط «القسطنطينية» في يد السلطان «محمد الفاتح»، حيث كان أسطول الجيش العثماني علي أبواب «القسطنطينية» كان أهلها يتصارعون فيما بينهم حول جنس الملائكة هل هم ذكور أم إناث!! لذلك لابد من تحديد الأولويات بحيث لا نضيع في توافه الأمور والمصالح الفئوية والشخصية.
> البعض متعجل الإصلاح ويتهم حكومة شرف بالتباطؤ في الأداء؟
- هذه فترة انتقالية تتطلب الشجاعة في اتخاذ القرار مهما قابلت اعتراضات ذات طابع خاص لفئات معينة حزبية أو جماعات كما يجب وضع أسس السلام الاجتماعي الذي بدونه لا يمكن وجود أي إصلاح.. ولما كان المجتمع متطلعاً للعدالة ورد الاعتبار ممن أجرموا في حقه فيتعين المحاكمة والتنقيب، والبحث عن كل من ارتكب جرائم في حقه خلال العقود الماضية ومن سرق أمواله وممتلكاته؟ وتقديمهم جميعاً للمحاكمة العادلة وباعتباري قاضياً سابقاً في المحكمة الدولية لجرائم الحرب أنبه إلي عدم إمكان التعجل في إصدار هذه الأحكام بالشكل الذي يرضي الرأي العام الذي يود عقاب كل من اعتدي عليه لأن الأمر يتطلب من القضاء التحقق من الجرائم المرتكبة مما يأخذ بعض الوقت، كما أن استرداد الأموال المنهوبة قد لا تتم بالسرعة المتوقعة أو بالقدر المأمول خاصة أن الدولة لم تبادر باتخاذ الإجراءات الحاسمة لاسترداد هذه الأموال من الدول الأجنبية.
> وماذا عن اتفاقية مكافحة الفساد التي وقعت مصر عليها؟
- هذه الاتفاقية تطالب أولاً صدور أحكام نهائية من القضاء المدني تحدد فيها ملكية الدولة لهذه الأموال حتي تقوم الدول الموجود بها الأموال بالبحث عنها واتخاذ الإجراءات اللازمة وتسليمها لمصر.. ولا يخفي ضرورة مساهمة منظمات المجتمع المدني في هذه المهمة، وهذا ما قامت به فعلاً لجنة من رجال القانون والاقتصاد وأشرف بعضويتها ويرأسها د. حسام عيسي.
> ولهذا لا يحاكم مبارك أمام محكمة ثورية؟
- لا شك أن تقدير محاكمة رئيس الدولة السابق أمام المحاكم المدنية وليس أمام محكمة ثورية يعد أسلوباً حضارياً جديراً بالتقدير من المجتمع الدولي كله لأنه دائماً ما يخشي بعد الثورات أن تتم محاكمات ثورية علي نمط الثورة الفرنسية وتجاوز المبادئ الأساسية للمحاكمات، وأهم هذه المبادئ مبدأ تكافؤ الأسلحة بمعني يجب منح الدفاع قدراً من الحقوق ومن وسائل الدفاع والشهود يعادل ما يمنح لسلطات الاتهام فضلاً عن وجوب العلانية في المحاكمة حتي يطمئن الرأي العام لأنه كما يقول المثل الإنجليزي «لا يكفي أن تقام العدالة، بل يجب أن يشهد الناس إقامتها».
> وماذا عن محاكمة كبار معاونيه؟
- ما يتعلق بمحاكمة كبار المسئولين استقر القانون الجنائي الدولي علي المبدأ المعروف بمسئولية الرؤساء وهذا المبدأ يقضي باعتبار أن الرئيس الأعلي الذي يملك السلطة الفعلية مسئول عن أي جريمة ترتكب ممن هم تحت إمرته سواء كان أعطي أمراً بارتكابها أم لم يعط.. إذ المفترض أن بيده منع هذا الارتكاب بما لديه من سلطة فعلية. ومع هذا القاضي لا يحكم إلا في ضوء الأدلة التي تقدم إليه، ومن ثم فقد يبرئ متهماً يري المجتمع وجوب إدانته، ولكن القاضي يضطر لتبرئته لعدم كفاية الأدلة المقدمة إليه!!
> كيف تري الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب المصري ويحاكم فيها مبارك وكبار نظامه؟
- الجرائم المرتكبة ضد الشعب المصري تعد من الجرائم ضد الإنسانية، ومن ثم فإنها لا تسقط بالتقادم ويمكن محاكمة مرتكبيها مهما طال عليها الزمن، لذلك أقترح تشكيل لجنة تقصي حقائق تقوم بالتحري عن كل ما ارتكب ضد الشعب المصري من جرائم خلال العقود الستة الماضية وتقديم مرتكبيها فمن لازال علي قيد الحياة منهم للقضاء، تحقيقاً للعدالة من ناحية أو ترضية لنفوس المجتمع المصري الذي ذاق العذاب والهوان، ولهذا قد حرص حكام مصر علي عدم الانضمام إلي المحكمة الجنائية الدولية والتي تم إنشاؤها في أوائل هذا القرن لأسباب واضحة ولكن قد آن الأوان للانضمام لهذه المحكمة.
> معني هذا لا توجد جرائم في مصر من الممكن أن تحول إلي المحكمة الجنائية الدولية؟
- اختصاص المحكمة الجنائية الدولية محدود علي الدول التي انضمت لاتفاقية إنشائها، بمعني أنها تختص فقط بالجرائم التي كان مرتكبها ينتمي كدولة من الدول الأعضاء في الاتفاقية، أو تم ارتكابها علي إقليم دولة من الدول الأعضاء في الاتفاقية إلا إذا تدخل مجلس الأمن وأحال الأمر إلي المحكمة الجنائية الدولية باعتبار أن الجريمة تهدد السلم والأمن الدوليين.
> ماذا لو كانت مصر عضواً في المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة لمحاكمة مبارك ومعاونيه؟
- هذا سؤال يشغل بالي خاصة أني كنت قاضياً بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب، وشاركت في محاكمة كبار المسئولين علي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بما فيها جريمة الإبادة الجماعية التي تسمي بجريمة الجرائم.. وإذا كانت مصر عضواً في الجنائية الدولية ربما كان في الإمكان تقديم المسئولين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قتل وتعذيب في السجون وفي غيرها، بل بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، إذ بنص اتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس التي صادقت عليها مصر وكانت من أولي الدول التي صدقت عليها، فنجد المادة الثانية الخاصة بالإبادة الجماعية وتعني إلحاق أذي جسدي أو روحي خطير بأعضاء الجماعة القومية، وبإمعان النظر فيما مرت به الجماعة المصرية، ولازالت تمر من مخاطر يمكن القول فعلاً بأنها قد لاقت من الأذي الجسدي والروحي ما قد يعرضها إلي الأذي الخطير إن لم يكن للفناء كلياً أو جزئياً.
> هل تقصد قتل المتظاهرين؟
- ليس هذا فقط ويكفي أن أشير إلي ما ورد في بحث العالم الجليل د. سمير مرقص، حيث ذكر أن 20 مليون مصري يعانون فيروس «C» الكبدي، وأن الهيئة العامة المصرية للاستشعار عن بعد تحذر من اختفاء الأراضي الزراعية في مصر بعد 60 سنة بسبب التوسع العمراني العشوائي، هذا فضلاً عن السموم الرهيبة التي تصب في المياه وفي الزراعة بسبب المخالفات، وكل ذلك ليس فقط بعلم الحكام بل بممارستهم الفعلية في كل هذا.
> كيف تري الأزمة المثارة حول الدستور أم الانتخابات؟
- غني عن البيان أن أسس المستقبل السياسي لمصر تتحدد في هذه الفترة الانتقالية، وأهمها وضع الدستور، وتشكيل المجالس النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا لا مفر من الأخذ بترتيب زمني يفرضه منطق أي بناء قانوني، فكما أن تشييد أي بناء يتطلب وضع الأساس أولاً قبل إقامة الطوابق فإن تشكيل جميع مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية يجب أن يسبقه الدستور الذي تبني عليه هذه المؤسسات.
> المعايير والمبادئ الحاكمة لإعداد دستور يضمن مدنية الدولة؟
- يجب إقرار مبدأ هام في دستور مصر القادم وهو ما نسميه بمدنية الدولة التي لا يتم فيها الخلط بين الدين والسياسة بأي حال من الأحوال، وكذلك الاعتداد بجميع حقوق الإنسان الأساسية والمنصوص عليها بالمواثيق الدولية، وأيضاً يجب الفصل الكامل والتعادل بين السلطة التنفيذية والتشريعية بحيث تحول دون المخالفات الخطيرة التي تمت في الماضي، كما يجب الحد من سلطات رئيس الدولة لتفادي الديكتاتوريات السابقة مع الاحتراس من عدم قيام المجلس النيابي بوضع الدستور أو التأثير عليه لأن المفترض أن المجلس النيابي خاضع لسلطة الأغلبية، والدستور يجب أن يجمع بين مصالح جميع فئات الشعب بما فيهم الأقليات، ومن ثم يجب أن تشكل بادئ ذي بدئ جمعية تأسيسية تختار وفقاً لمعايير ثابتة لجميع فئات المجتمع بكل الطوائف، ثم تطرح علي الاستفتاء العام.
> أهمية وضع وثيقة مبادئ فوق الدستورية لتحكم الدستور القادم؟
- بالفعل يوجد مبادئ ملزمة من الناحية الدولية تشكل ما يمكن تسميته بدستور عالمي بما جعل أن محكمة العدل الدولية تقضي في أحد أحكامها بعدم الحاجة لوجود نص قانوني في المعاهدات التي التزمت بها الدول باعتبار وجود مبادئ عامة في حقوق الإنسان تلزم جميع الدول بشكل ضمني بالمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان كالحق في الحياة، وعدم التمييز ضده بسبب الدين أو اللون أو الجنس وهذا يعتبر من قبيل المبادئ التي يجب أن يلتزم بها

أي دستور سواء تم النص علي ذلك في إعلان مسبق أم لم يتم.. وذلك لتحقيق مصالحة حاسمة بين المواطنين والسلطات الأمنية وقد وضع المجلس القومي للصحة النفسية الذي أشرف بعضويته مشروعاً لتحقيق هذه المصالحة.
> أهم نصوص هذا المشروع؟
- هو مشروع قانون مهم يقضي بتحريم أي تمييز قائم علي الدين أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية وإقرار عقوبة شديدة صارمة علي كل من يقوم بهذا التمييز في مؤسسات الدولة أو المؤسسات المدنية بمعاقبة رئيس المؤسسة ذاته علي هذا التمييز بالحبس والغرامة كما يقرر هذا المشروع وجود إنشاء مرصد علي أعلي مستوي ومكون من رجال القانون والاقتصاد، وذلك لمراقبة أي تمييز وتلقي للشكاوي من أي جهة يقع فيها هذا التمييز.
> نري أن التمييز الديني أخطر أنواع التمييز في المجتمع المصري؟
- أراه من المخاطر التي بدأت تهدد الجماعة المصرية بشكل واضح، وعودة الفرقة الدينية سواء في الريف أو الحضر بما يمزق نسيج الأمة، ويقضي علي أهم مكاسب ثورة 25 يناير، ولذلك يجب عدم السماح بذلك بل الضرب بيد من حديد علي كل من تراوده نفسه للتحريض علي الكراهية وعلي العداء المبني علي التعصب الديني في أي مجال من المجالات سواء في الإعلام أو الخطاب الديني ومراحل التعليم ويجب علي القائمين بتسيير أمور مصر في هذه الآونة عدم التمييز القائم علي الدين في جميع المناصب في الدولة، ومما يؤسف له أشد الأسف عدم وجود عدد يذكر من الأقباط في المناصب القيادية علي مستوي المحافظات أو الجامعات إلي غير ذلك!! مما لا يليق بدولة هي أم الحضارة فضلاً عن مخالفة ذلك لأبسط مبادئ حقوق الإنسان القاضية بعدم التمييز بجميع أنواعه.
> من خلال عضويتك للمجلس القومي لحقوق الإنسان تؤكد وجود تمييز في مصر؟
- كشف تقرير حقوقي لمنظمة مسيحية عن هجرة نحو «100» ألف مسيحي من مصر!! بعد الاعتداءات التي طالت عدة كنائس بعد ثورة 25 يناير، وهذا يتنافي مع أهداف الثورة بل يضربها في الصحيح، ويقضي علي أهم مكاسبها وهو تماسك النسيج المصري الذي شاهدناه، وتدعيم مبدأ المواطنة الذي لا تميز فيه بين الأديان، بل يقوم علي مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب، وما حدث أعتبره ردة علي مكاسب الثورة.
> وماذا عن حقوق المرأة؟ وهل يوجد تراجع في حقوقها؟
- هذه الردة الثانية خاصة بحقوق المرأة، لأنه بدأ اتجاه للتراجع في الحقوق التي حصلت عليها المرأة خلال العقود السابقة، وهي من صميم حقوق الإنسان التي يقضي بها مبدأ المساواة، ولم تكن مرتبطة بأي حال من الأحوال بالنظام السابق، لأنها حقوق نتجت عن كفاح طويل كان لي دور فيه وتوصلت خلال جهاد ربع قرن من تعديل قانون الجنسية باعتباري أستاذ قانون دولي خاص، فأصبح من حق أبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبي أن يكونوا مصريين فور الميلاد، كأبناء الرجل سواء بسواء، وهذا مبدأ قانوني دولي ولابد للنظام السابق فيه، ومن ذلك أيضاً دخول المرأة السلك القضائي وهذا مبدأ مستقر في جميع الدول بما فيها العربية والإسلامية.. وكذلك حق المرأة في الخلع، ومحاكم الأسرة.. وغير ذلك من القوانين المتعلقة بالمرأة أو الطفل وهذا نتاج كفاح المجتمع المدني، ومن الظلم التراجع عنها، الآن بدلاً من إعمالها الإعمال السليم، وإعطاء المرأة جميع حقوقها دون تمييز بينها وبين الرجل في المناصب العامة أو في غيرها، حيث يكون المعيار الوحيد هو الكفاءة سواء كان هذا بالنسبة للمرأة أو للأقباط.
> وماذا عن حقوق المصريين المقيمين في الخارج وقانونية تصويتهم في الانتخابات؟
- بالنسبة للمصريين المقيمين بالخارج وما يتعلق بأي انتخابات مقبلة في المجال النيابي (شوري وشعب) وكذلك الرئاسية يتعين السماح لهؤلاء المصريين بالتصويت وبالمشاركة فيها كما هو الحال في جميع الدول الديمقراطية لأنهم يشكلون شريحة مهمة من الشعب المصري من الناحية العددية، ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فالغالبية العظمي منهم من المثقفين، كما أنهم يقومون بإسهام حيوي في الحياة الاقتصادية، والسماح لهم بالتصويت في الانتخابات سيربطهم بوطنهم ويزداد اهتمامهم بمستقبله وبنهضته، وقد آن الأوان لإشراكهم في كل ما تجتازه مصر الآن من مراحل نحو التقدم والنهضة، ودعوتهم بجميع الطرق لعودة لهذه المشاركة بعد أن سعي النظام السابق إلي إقصائهم والتفرقة بينهم وبين وطنهم بتقسيمهم إلي أقباط المهجر، ومسلمي المهجر في حين أنهم جميعاً مواطنون مصريون.
> لكن الانفلات الأمني يمنع أي إصلاح أو تنمية؟
- إذا كانت الفترة الانتقالية تحتوي علي العديد من التحديات فإن ذلك لا يجب أن يحول دون النظرة البعيدة لمستقبل مصر في المدي الطويل الذي يبدأ من الآن.. والذي يجب أن يقوم علي ركائز راسخة من أهمها عودة القدسية للقانون الذي غاب عنا، لدرجة جعلت الأفراد تتباري مع مؤسسات الدولة في مخالفته جهاراً نهاراً.. وغني عن البيان أن غياب القانون هو في حقيقة الأمر بمثابة غياب الدولة ذاتها، حيث إن بغيابه ليتحول المجتمع إلي غابة يحكمها قانون الأقوي، كما هو كان الحال في مصر.
> هذه الركائز تشمل العدالة الاجتماعية؟
- هي الركيزة الثانية فالعدالة الاجتماعية تقضي علي الهوة السحيقة التي قسمت المجتمع المصري إلي نصفين متناقضين، ولا تحمد عواقب الصدام بينهما، ولا يمكن في هذا المجال ترك الأمر للدولة وحدها، فإذا كانت الدولة ملتزمة بوضع حد للتفاوت الرهيب في الأجور، ومنع الفساد، فإن المجتمع المدني المصري يجب أن يقوم بدور مهم لتحقيق التضامن الاجتماعي بجميع صوره والعدول عن ترك الأمور للدولة، فقد آن الأوان لإسهام جميع فئات المجتمع القادرة في المجالات الحيوية لمواجهة المشكلات الاجتماعية من عشوائيات وأطفال الشوارع إلي تعليم متخلف، وعلاج غير متيسر ويزيد المريض مرضاً.. وهذا يؤكد ضرورة تحقيق العدالة من جانب الدولة، والمجتمع المدني.. لأن خطورة العواقب الناجمة عن فيض الكيل قد تؤدي إلي ثورة لا تبقي هذه المرة ولا تذر.
> التعليم هو القاطرة التي تقود النهضة والتنمية فما هو دوره وقد وصفته بالمتخلف؟
- التعليم أعتبره الركيزة الثالثة التي يتوقف عليها مصير مصر داخلياً وخاريجاً ولا مجال هنا للتذكير بدول كانت وراء مصر في الماضي القريب ولكنها توصلت عن طريق جاد ومتقدم إلي اختراق الصفوف فيما لا يزيد علي عقد أو اثنين من الزمان، ولكن في مصر أول ما يجب أن تحرص الدولة عليه من التعليم هو ترسيخ مبدأ المواطنة الذي فقدناه نتيجة لانعدام الانتماء لدولة مكروهة لأنها تعادي الشعب، بالإضافة إلي تعليم وإعلام وخطاب ديني تقود إلي التفرقة والتعصب، وإلي العودة إلي ماضي من الخرافة والجهل، خشية من مواجهة مستقبل مليء بالتحديات.
> وكيفية ترسيخ المواطنة والانتماء؟
- المواطنة هي الأساس الأول لحياة الجماعة المصرية، بتدعيم المواطنة ووضع حد للانتماءات الفرعية التي هرب إليها أبناء مصر بحثاً عن الأمان سواء كانت هذه الانتماءات قائمة علي الدين أو علي الانتماء الجغرافي كما في الوضع بالنسبة لأهالي النوبة، وسيناء، وذلك بسبب غياب الدولة، وهذا يتطلب غرس قيم الانتماء والقضاء علي كل دعوة أو تحريض علي الكراهية منذ النشأة سواء في مرفق التعليم أو الإعلام المرئي والمسموع أو الخطاب الديني، وهذه المصادر هي المصادر الرئيسية لثقافة الشعب في الوقت الحالي، ولا يمكن تحقيق الإحساس الكامل بالمواطنة طالما لم يشعر أفراد المجتمع بحماية الدولة لهم واستجابته لتحقيق احتياجاتهم الأساسية وأحذر من خطورة غياب مبدأ المواطنة الذي يكفي في حد ذاته للقضاء علي أي دولة مهما عظمت، ولنجعل تفكك الاتحاد السوفيتي مثلاً لنا بعد اكتشاف الجاسوس الذي لم يقم بأعمال جاسوسية سوي أنه كان في منصب رفيع، واقتصر دوره علي محاربة وجود الشخص المناسب في المكان المناسب مما أدي إلي وقوع الدولة في أيدي عدم الأكفاء الذين خربت الدولة علي أيديهم وتفككت بعدما كان من الدول العظمي التي يعمل بها ألف حساب.