رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دماء فى الشارع المصرى

فى الوقت الذى يحلم فيه الانسان المصرى بالأمن والاستقرار، والتقاط الانفاس بعد ثورة الشعب المجيدة، اذا بلون الاحلام تصبغها الدماء، دماء الضحايا من الابرياء،

ودماء اخرين تحيطهم شبهات الجريمة، فقد اصبح العنف ظاهرة عامة، وبات القتل مباحا بأيدى وأعصاب باردة، وتساقط الضحايا فى كل مكان بالعشرات بسبب وبدون سبب، حتى تحول الشارع المصرى الى ما يشبه الغابة، البقاء فيه بات للأقوى، بل لقوة البلطجة المسلحة، وباتت حلقات الجريمة تتشابك فى سلسلة لا تنتهى بل تطول يوما بعد يوم، ولم تعد ضاحية ولا منطقة بأرجاء مصر إلا وسالت على ارضها الدماء وكانت مسرحا لجريمة ما، الوفد ترصد عن قرب اعمال العنف والبلطجة الدامية فى العديد من جوانب مصر وضواحيها.

ننشر قصصا حقيقية يرويها ضحايا تعرضوا لعمليات البلطجة والسرقة بالإكراه، وفرض الإتاوات ولن نكتفي بنشر هذا الملف، بل سنواصل في الأعداد القادمة كشف المزيد من أعمال البلطجة التي يتعرض لها أبناء مصر حتي يعود الأمن للمصريين.

مذبحة فى شبين القناطر

3 جرائم قتل وانتقام وتمثيل بالجثث فى يوم واحد

أصبحت لغة الانتقام الدامى وشريعة الغاب هى السائدة بين المصريين، منها ما شهده مركز شبين القناطر محافظة القليوبية من جريمة قتل بشعة تحيطها تفاصيل غامضة، راح ضحيتها موظف شاب يدعى ايهاب عمر صبرى ابو قدح، والتى تلاها قتل احد المشتبه بهم فى هذه الجريمة ويدعى عصام موسى  على ايدى الاهالى والتمثيل بجثته، انتقاما لمقتل الاول فى ذات اليوم، ويروى اهالى المجنى عليهما لـ«الوفد الاسبوعى» تفاصيل ما حدث ، وكيف قتل الاول على يد عصابة معروفة لرجال الأمن دون اى سبب واضح، وقتل الثانى بنوع الاشتباه دون محاكمة او دليل على  تورط.

بداية يستعيد «ايهاب» 35 عاما شقيق المجنى عليه الاول ايهاب صبرى ساعات اليوم الاخير وهو يغالب دموعه ويقول: يوم الحادث كان اخى متواجدا بمنزل العائلة، عندما اتصل به احد الاشخاص وشهرته «ابليس» اخبره بوجود مشكلة فى «كفر طحا»، وأنه يحتاج لمساعدته لحلها، وبالفعل ذهب اليه اخى وبرفقته صديقه «محمد عمر» الذى توفى هو الاخر بطلق نارى.

ويضيف ايهاب: وفى منتصف الليل وعقب خروج اخى من المنزل بنصف ساعة، فوجئت بأحد اهالى القرية يأتى الى مهرولا وهو يصرخ، ويخبرنى بأن إسلام اطلق عليه الرصاص، ولم افهم منه من الذى اطلق الرصاص وما السبب، فقد اصبت بالصدمه، ولا اعرف كيف وصلت اليه، ووجدته ملقى على الارض والدماء الغزيرة تنزف من صدرة، حملناه الى مستشفى شبين القناطر وكان هو يحتضر بسبب ما فقده من دماء، وحاولت ان اعرف منه من الذى اطلق عليه الرصاص، فأخبرنى بصوت متحشرج بأنهم ثلاثة اشخاص وهم موسى عصام، احمد الشحات وشقيق له، و هؤلاء معروف انهم ضمن تشكيل عصابى مكون من  سبعة اشخاص، يقومون بسرقة السيارات وممارسة اعمال البلطجة على الاهالى.

ويضيف ايهاب من بين دموعه: ومات اخى بين يدى قبل ان نتمكن من انقاذه داخل المستشفى نتيجة عدم وجود الاسعافات اللازمة، كما مات صديقة محمد، وابلغنا الشرطة التى قامت بالتحقيق، واتهمت الاشخاص الثلاثة الذين ذكرهم اخى بانهم وراء الجريمة.

وينخرط ايهاب فى البكاء وهو يقول: اخى كان محبوبا من الجميع، وليس له اعداء، مشهود له بالسمعة الطيبة من اهل قرية «طحا نوب» وكان موظفا بالجامعة الثقافية العمالية بمدينة نصر، ومتزوج ولديه ثلاثة اطفال، وقد مات وترك اطفاله بلا عائل، ولا نعرف للآن سبب قتله بهذه الصورة، حسبنا الله ونعم الوكيل، لن يطفئ نيراننا إلا القصاص العادل من القتلة.

ويؤكد عماد الشقيق الأكبر لإسلام أن أخيه ليس بلطجيا وليس له علاقة بعصابة سرقة السيارات، ولا نعرف سبب قتله، ويضيف غاضبا «البلد لم يعد بها امان، القوة اصبحت لغة الجميع، كل شخص يريد اخذ حقه بذراعه، كل ما نريده هو الحقيقة ومعاقبة المجرمين، فحتى الشاهد الوحيد الذى شهد جريمة مقتل اخى، اختفى بعد ان استدعته الشرطة للتحقيق معه، ولا نعرف أين ذهب؟

ومن طحانوب الى كفر طحا حيث وقعت جريمة الانتقام، والتى راح ضحيتها موسى عصام 23 عاما احد المتهمين من قبل الاهالى بقتل اسلام ومحمد عمر، وذلك بعد مرور ست ساعات فقط من مقتلهما حيث قام اهالى القرية بضربة بوحشية، واطلقوا علية وابلا من الرصاص حتى الموت  و ومن ثم مثلوا بجثته.

ويروى والد القتيل ما حدث :  ابنى كان يعمل بكافيتريا بشبرا الخيمة، وهو له اصحاب وعلاقات لا اعرف خلفياتها، ويوم الحادث كنت فى زيارة احد الاقارب بمحافظة الشرقية، واذا باحد اقاربنا يتصل بى ليخبرنى بالنبأ المشؤوم، بأن ابنى اطلق عليه الرصاص، وان الاهالى مثلوا بجثته فى وحشية، ولم يخبرنى احد سبب ما حدث. ويبكى الأب وهو يضيف: انا راجل على باب الله، مجرد عامل بمدرسة المؤسسة، وبعد الظهيرة اعمل على توك توك لأكفى متطلبات الحياة التى لا تنتهى، وليس لى عداوات مع احد،  كل ما أعرفه ان هناك مجموعة من الاشخاص اتهموا ابنى فى قضية قتل اثنين منهم ، ولكن اذا كان هذا حقيقى، فلماذا لم تقبض عليه الشرطة، ولماذا يتم قتلة دون تحقيق ودون التأكد من تورطة فى القتل، انا واثق ان ابنى برئ، ودمه فى رقبة من قتلوه ظلما.

ويضيف قائلا: اذا كان ابنى قتل بالفعل، فكيف يجرؤ ويظهر امام اهل القرية دون خوف بعد ساعات فقط من مقتل المدعو اسلام والشخص الاخر محمد، لو قتل فعلا لهرب واختفى، وهذا دليل على براءته، لم يكتفوا بقتله، بل مزقوا جسده، وحسبى الله ونعم الوكيل ربنا المنتقم.

ويؤكد خال القتيل «موسى» ويدعى محمد عطية، بأنه كان عائدا من عمله فى الكافيتريا ليلا، وفوجئ ببعض الاهالى يخبرونه بمقتل موسى، عندما ذهب اليه، وجده ملقى على الارض غارقا فى دمائه،  ومقيد الايدى والاقدام، وحولة مجموعة من الاهالى يراقبونه فى شماته، بل ان بعض الشباب كان يلتقط صورا له بالهواتف، وسألتهم من الذى قتله، لم يرد احد، وحملناه للمستشفى لاتمام اجراءات دفنه، وفاجأنا الطبيب ان بجسدة 15 رصاصة، ولا نعرف نقاضى من او نتهم من، لكن دماءه فى رقبة اهل القرية جميعا، لانهم لم يتركوا القانون يأخذ مجراة اذا كان ابن اختى متهما او بريئا، لقد طبقوا قانون الغابة دون اى رحمة او عدالة.

عصابة مسلحة تهاجم سوبر ماركت بالنادق الرشاشة

هانى سقط ضحية برصاص العصابة

قبل أشهر ليست طويلة، كان مركز الصف فى الجيزة لا يكاد يسمع له صوتا فى عالم العنف او الجريمة، وعندما اختارها هانى شاكر محمود «37 سنة» ابن سوهاج قبل 15 عاما، لتكون مقرا له للبحث عن لقمة العيش، اختارها لأنها آمنة وهادئة، وكأنها قطعة من بلدته سوهاج، وفتح بها بقالة صغيرة، وتوسعت مع الايام لتصبح سوبر ماركت، بعد ان دفع فيها شقاء عمره واهم سنوات شبابه فى عمل متواصل، ولم يكن يتصور يوما، ان تصيبه رصاصة فى قدمه داخل محله، وان يصبح شبه معاق على ايدى لصوص هاجموا محله لسرقته قبل ايام والاستيلاء على رزقه وقوت اولاده.

ويروى هانى ما حدث فيقول: تلك الليلة، كنت متوجها كعادتى الى السوبر ماركت، عندما فوجئت بسيارة بيضاء يهبط منها اربعة اشخاص بينهم اثنان مسلحين بأسلحة نارية، يهاجمون العامل الموجود بالمحل لسرقته والاستيلاء على ما به من اموال، وحاول العامل التصدى لهم بأن قذف على احدهم علبة «سمن» وكان ردهم على هذا التصدى بإطلاق وابل من الاعيرة النارية، فى اللحظة التى حاولت دخول المحل للتصدى لمن جاءوا لسرقته، فكان نصيبى رصاصة فى مفصل ساقى.

ويضيف: صرخت من الالم وسقطت على الارض، وتجمع الاهالى على صوت الرصاص، فهرب اللصوص، وتم نقلى الى مستشفى الصف المركزى، وفوجئت هناك بعدم وجود اى امكانيات لعلاجى واخبرونى انها حالة صعبة ومستعصية، وأن الرصاصة احدثت كسرا بالمفصل.

وعشت اياما طويلة من العذاب وانا اتنقل من مستشفى لآخر، حتى استقر بى الحال بمستشفى خاص، وتكلفت الجراحة اكثر من عشرة آلاف جنيه، بجانب 5 آلاف اخرى لزوم العلاج، ولا يزال الجرح يحتاج لمزيد من النفقات والتى لا اعرف من اين اوفرها، فأنا اعول اسرة كبيرة ولدى اربعة اطفال، بجانب مصروفات اخرى كايجار الشقة والمحل، لقد اصابتنى الرصاصة بشبه اعاقة دائمة، ولا اقوي على الحركة والعمل بصورة طبيعية، ولا أعرف من اين لى بالمال لأوفر ثمن العلاج وبقية المصروفات، خاصة اننى لن اتمكن من التواجد فى المحل كما كنت سابقا.

ويضيف هانى فى حسرة: من المؤسف ان نقطة الشرطة تبعد خمسة امتار فقط عن المحل، وكان يمكن انقاذى والقبض على اللصوص لو كان الامن متواجدا ويقظا، ولكن النقطة كانت خالية تماما من اى امن، وانا اطالب وزير الداخلية باعادة نشر الامن بصورة قوية لحماية المواطنين، واطالب بتفعيل نقطة الشرطة فى مركز الصف حتى لا يتكرر ما حدث، فقد اصبح الاهالى يعيشون فى رعب وخوف دائمين الآن.

ذئاب الجبل يقتلون «رضا» التباع .. ووالده العجوز يطلب التعويض

الضحية رضا رسلان

خرج سوس الخراب من كل وكر ليشيع فى قلب مصر الرعب، هرب المساجين من الزنازين، وحطم المحتجزون القيود، و نزل المطاريد من شقوق الجبال  كالذئاب، وباتت الانفس والاموال والاعراض متاعا مباحا لاولاد الحرام، الذين  يحاولون تخريب ثمار الثورة عن قصد او عن جهل، والشاب رضا رسلان السيد تباع سيارة النقل بكفر الشيخ، دفع عمره ثمنا لتصدية لقطاع الطرق، ومنعهم من سرقة السيارة التى يعمل عليها، انها جريمة جديدة فى حق الثورة وفى حق مصر يرويها والد الضحية.

كملايين المصريين البسطاء نشأ رضا - 25 عاما، الأب عامل بسيط والأم لا حول لها ولا قوة، يعيشون جميعا فى غرفة متواضعة بقرية العجوزين بكفر الشيخ عندما انهى تعليمه المتوسط، لم يجد ايضا كملايين شباب مصر فرصة عمل ملائمة، وعرض عليه احد اصحاب سيارات نقل مواد البناء بالقرية ان يعمل تباعا معه على سيارته، ووافق رضا على الفور، فلا يهم نوع العمل، المهم ان اللقمة ستكون حلالا.

ويواصل والده الذى تجاوز السبعين عاما: كان ابنى مع سائق السيارة فى طريقهما لنقل حمولة «طوب ابيض» الى المنيا، فوجئا بأشجار وكتل صخرية تسد الطريق وتمنع مرور السيارة، فغادرا السيارة لمحاولة ازاحة هذه العوائق، وفجأة احاطت بهما مجموعة من قطاع الطرق هبطوا من الجبل المتاخم لتلك المنطقة، واستولوا على اموال «عهدة» كانت بحوزتهما، وحاولوا الاستيلاء على السيارة ايضا، إلا أن السائق تمكن من صعود سيارته بسرعة وقادها مبتعدا عن عصابة المجرمين، بينما لم يلحق به رضا فى السيارة ، فجرى الى الجبل عسى ان يحتمى به من طلقات الرصاص التى انهمرت عليه كالمطر.

ويضيف الأب باكيا: لم يمهله القدر ويعطيه فرصة للنجاة، انتهى عمره، وبعد ساعات من بقائه مكانه والرصاص بجسده، عاد اليه السائق ظنا انه نجا من المعتدين، ولكنه عثر على ابنى جثة هامدة وقد ثقبتها رصاصات الغدر، فظل يجر ابنى على الارض بمفرده، حتى جاء بعض المارة وساعدوه لحمله الى السيارة، وتوجه به للمستشفى، اعتقادا منه انه فاقد للوعى ويمكن انقاذه، إلا أن المستشفى اكد وفاته قبل وصوله بساعات.

وتلتقط الأم فتحية محمد أطراف المأساة وتقول: الحكومة هى اللى قتلت ابنى، هم اللى تركوا البلطجية وقطاع الطرق ينتشرون فى كل مكان بلا خوف، رضا  كان العائل الوحيد لنا، ومنذ وفاته، ولم يدخل البيت جنيه واحد، حتى صاحب السيارة الذى فداه رضا هو وسيارته بحياته، لم نر وجهه، ولا يعرف والده الى اين يذهب لطلب التعويض، ابنى يعد من شهداء الثورة، وأطالب بإدراجه فى قائمة الشهداء بالمحافظة، واطالب المسئولين ان ينظروا لنا بعين الرحمة، وان يمنحونا اى شقة صغيرة نقضى بها بقية عمرنا، ومعاشا شهريا يكفينا شر الحاجة والذل، لم يعد لنا شيء فى الحياة بعد رضا، وننتظر ايادى الخير ورحمة المسئولين لانتشالنا من الموت الذى بتنا ننتظره بعد رحل عائلنا الوحيد.

طبيبة صيدلانية تري الموت على يد بلطجى من «إسرائيل»

اصبح الخوف من المجرمين والبلطجية شعورا سائدا لدى غالبية المصريين، الذين لم يعرفوا من قبل المعنى الحقيقى لهذا الخوف، ولكن فى ظل انحسار التواجد الأمنى، تفشت اعمال السرقة والسطو المسلح، والذى لم تنج منه الطبيبة الصيدلانية «منى. م» بضاحية التعاون بالهرم، فقد عاشت هذه الطبيبة الرقيقة دقائق قلائل من الخوف والرعب، مرت عليها كأنها الدهر، وكادت تفقد لأجلها حياتها، عندما هاجمها بلطجى مدمن من عزبة بالهرم تعرف باسم «اسرائيل» وهى نوبة عملها بالصيدلية، طالبا منها بعض الاقراص المخدرة، وتدخل القدر ليتم انقاذ حياتها على يد احد عمال الـ«دليفرى»، الذى تصادف تواجده بالصيدلية، حيث  قام بحركة خداع لانقاذ حياتها.

وتفاصيل الدقائق  المرعبة يرويها الدكتور الصيدلى محمد محمود، زميل الدكتورة منى فى الصيدلية فيقول: اثناء تواجد الدكتورة بمفردها فى نوبة العمل، فوجئت بأحد البلطجية يقتحم الصيدلية شاهرا فى وجهها مطواة، وطلب منها ان تسلمه اقراصا مخدرة، وعندما اخبرته بعدم توافر هذه الاقراص وحظر تسليمها بدون روشتة، كاد ان يقتلها، لولا تدخل العناية الإلهية، حيث تصادف وجود احد عمال الدليفرى التابعين لاحد المطاعم، والذى استطاع بحيلة ذكية انقاذ حياة الدكتورة منى، فقد اقنع البلطجى بأن يسرق ما يريده من الصيدلية مقابل ان يترك الطبيبة تغادر المكان، ووافق اللص البلطجى، وتمكن العامل والدكتورة من مغادرة الصيدلية بأمان، فيما اسرع العامل باغلاق الباب لحبس البلطجى بالداخل للقبض عليه.

وقام الاخير بتحطيم الباب الزجاجى وتمكن من الفرار حاملا معه الهاتف الخاص بالدكتورة، بينما سقطت دكتورة منى فاقدة وعيها، وعندما أفاقت لم تصدق انها نجت بحياتها.

المدهش ان لا صاحب الصيدلية ولا الدكتورة منى، ولا حتى زميلها الدكتور محمود قاموا بابلاغ الشرطة، رغم توصلهم الى شخصية البلطجى، فهو مسجل خطر معروف فى عزبة «اسرائيل» المتاخمة لشارع الصفا والمروة بالهرم، ووفقا للدكتور محمود، فان هذا العزبة لا يجرؤ على دخولها رجال الأمن ولا الجيش، لأنها مليئة بالمجرمين والهاربين والخارجين على القانون، انها تشبه مستوطنة اسرائيلية على حد اسمها داخل مصر لما بها من فساد واجرام.

ويطالب الدكتور محمود بعودة الأمن بكثافة فى الشارع المصري وكل الضواحى، لتأمين حياة المواطنين، والتصدى لأعمال العنف والبلطجة التى صارت فى كل مكان ، وان يتم عمل حملات للقبض على الفارين من القانون.

نجم«إنبى» لكرة القدم يفقد حياته على الطريق

الضحية احمد عبد الله

لم تقتصر البلطجة على المدن فقط بل امتدت من شوارع القاهرة، لتصيب النجوع والقرى والكفور، التى كانت قبل اشهر يضرب بها المثل فى الامن والاستقرار، وما حدث لأحمد عبد الله سيد « 18 سنة» ، ابن قرية عزبة شاهين، وأحد أشبال نادى انبى لكرة القدم، اخطر دليل على تنافس قوى الشر الجديدة للسيطرة علي شوارع وقرى مصر، ونشر أكبر كم من الفساد، لقد فقد احمد حياته لتدخله البريء لفض مشاجرة بين احد البلطجية واثنين من ابناء بلدته، ولم يكن يعرف ان شهامته كابن بلد ستضع نهاية لكل أحلامه فى الحياة.

يروى والد احمد ما حدث من سطور دامية يوم 23 اغسطس، فيقول: ابنى شاب طيب ومحبوب، بار بوالديه، ومواظب على صلواته، ولم يكن له يوما اى مشكلة مع احد، كان يقسم وقته بين عمله، وبين التدريب بنادى انبى لكرة القدم، فهو احد ابطال فريق الاشبال ، وفى هذا اليوم المشؤم انهى احمد فترة التدريب المقررة بنادى انبى، وقفل عائدا الى بيتنا بعزبة شاهين، واثناء عودته وعبوره للكوبرى الفاصل بين عزبة شاهين وكفر هربيط، كانت تجلس مجموعة من البلطجية يبيعون المخدرات، ويتحرشون بالفتيات، ويسطون على السيارات، وتصادف اثناء مرور ابنى ان نشبت مشاجرة بين بين بلطجى يدعى اسماعيل شبراوى شاكر من كفر هربيط، مع اثنين من ابناء عزبتنا «شاهين» وهما الشقيقان محمد وجمال لطفى.

ويضيف الأب وقد تحشرج صوته من الألم: وبشهامته المعروفة، تدخل احمد لفض المشاجرة، وحماية الشقيقين من بطش البلطجى، ويبدو ان ذلك اثار غيظ هذا المجرم، فقرر الانتقام من ولدى، وانتظره فى اليوم الثانى اثناء مروره بذات المكان متوجها لعمله، وهاجمه وطعنه بسكين كان يحمله، سقط ابنى مضرجا فى الدماء التى انفجرت كالنافورة من صدره، وحاول الاهالى انقاذه بنقله الى مستشفى ههيا العام بينما فر المجرم بجريمته ويديه ملطخة بدماء ولدى، ومات احمد بعد نصف ساعة من وصوله للمستشفى، ولم يكتف البلطجى القاتل بجريمته، بل اوعز لأصدقائه فى وكر الاجرام بالتصدى لسيارة الاسعاف التى حملت احمد لمثواه الاخير، وتصدوا لها اثناء عودتها وهشموا زجاجها، وكأنهم يمعنون فى التنكيل بابنى حتى بعد موته، لأنه تجرأ وتدخل لوقف اعتداء احدهم على اثنين من ابناء العزبة.

وقد تحول مقتل احمد الى ما يشبه الثأر بين اهالى عزبة شاهين وكفر هربيط، ووقعت اشتباكات بين الجانبين، والكلام لا يزال على لسان والد احمد، ويضيف: وحاولت الشرطة التدخل بوابل من النيران واطلاق غازات مسيلة للدموع لردع الاشتباكات، مما تسبب فى احراق 4 منازل، ولا تزال المناوشات مستمرة، وتهديدات البلطجية تحاصر عزبة شاهين رغم الثمن الفادح الذى دفعناه بمقتل احمد.

وينخرط الاب فى البكاء قائلا: امه لا تصدق حتي الآن خبر موته، وتقف على الباب فى انتظار عودته كل يوم، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا اعرف متى ستنتهى حالة الفوضى والبلطجة، ومتى ستتحرك الشرطة للقضاء على هؤلاء البلطجية الذين يجلسون على اطراف العزبة بكل تبجح لبيع المخدرات وممارسة كل انواع الجريمة دون خوف ، متى يعود الاهالى للسير والنوم فى امان، لقد ضاع الامان.

علقة ساخنة لطالبة رفضت دفع صدقة بالإكراه

طالت لغة البلطجة كل شيء فى مصر «الجديدة» حتى عالم المتسولين الذين كانوا يستجدون الصدقات من فاعلى الخير باساليب ترقق القلب وتثير العطف والشفقة ، فقد تخلوا عن تلك الاساليب الانسانية ، وتحولوا الى « بلطجية» يفرضون على المارة قيمة الصدقات ، وويل لمن لا يدفع ، وما حدث مع طالبة السنة النهائية بكلية التجارة  «اسماء جمال» داخل محطات المترو دليل على هذا التحول الاجتماعى الخطير، ولجوء جميع فئات الشعب الى لغة القوة والعنف، وتروى اسماء بنفسها ما حدث.

«كنت فى طريقى للجامعة بحلوان، واثناء تواجدى بعربة السيدات وفى محطة السيدة زينب، فوجئنا بمتسول شاب لم يتجاوز الثامنة عشرة، مهلهل الملابس واشعث الشعر، ومظهرة يثير الخوف، يتجول داخل العربة لممارسة التسول، وفى الواقع شعرت وغيرى بالخوف منه، واعطيته خمسة جنيهات، عسى ان يغادر العربة، لكنه مكث بها دون حراك، رغم ان السيدات اخبرنه بأن هذا المكان لا يسمح فيه بوجود الرجال.

وتضيف اسماء: وبعد عدد من المحطات، فوجئنا بفتاة متسولة لم تتجاوز 16 عاما تدخل عربة السيدات ايضا، ولكن لم يستجب احد من السيدات لطلبها هذه المرة، وفجأة همس لها المتسول الشاب، واشار بإصبعه الىّ، وكأنه ينبهها الى ما اعطيته له قبل دقائق، فجاءتنى الفتاة، وألحت علىّ فى العطاء، ولكنى رفضت، فاذا بها تحاول خطف حقيبتى وهى تقول: «هاتى حاجة»، وتملكنى الخوف، وعزمت على مغادرة المترو فى المحطة المقبلة، واستبداله بآخر، لكنها امعنت فى جذب الحقيبة، فصرخت فيها «ابعدى يظهر انكم حرامية»، الغريب أن احدا لم يتدخل من السيدات لانقاذى وحمايتى، فقد تملك الخوف الجميع.

وعندما توقف المترو بالمحطة، واصلت الفتاة بمساعدة المتسول الآخر فى جذب الحقيبة، حتى تمزقت يدها، وازداد تشبثى بها، فهى تحوى اوراقا مهمة وبطاقة الكلية، واذا بهم يسحلونى خارج عربة المترو امام جموع الركاب، وينهالون علىّ ضربا، واخرجت البنت ما يشبه موسى الحلاقة، واصابتنى به في يدى لتحدث جرحا غائرا، وظللت اصرخ ، وأنا اراهما وقد اختطفا الحقيبة وفرا هاربين دون ان يتدخل احد.

وتضيف اسماء فى مرارة بالغة: توجهت لمستشفى حلوان، حيث تمت خياطة الجرح اربع غزر، وعدت لادارة المترو فى المحطة التى تعرضت فيها للاعتداء، وتقدمت بشكوى، إلا انهم لم يصدقوا ما حدث، ورفضوا القيام بأى تصرف ايجابى، ولو حتى ابلاغ شرطة النقل والمواصلات للبحث عن هؤلاء المتسولين، وانا لن انسى ما حدث أبدا، المتسولون تحولوا الى لصوص يحصلون الصدقات بالاكراه، فهل هذا يعقل؟!

«العسكرى» ذبح السباعى واستولى على أموال «الكارتة»

فى موقف سيارات إحدى قرى دسوق أكبر مثال على ذلك، فقد امتدت يد الشيطان الدامية لتزهق روحين بريئتين، وكان هذا الشيطان فى صورة بلطجى حاول الاستيلاء على حصيلة رسوم السيارات بالموقف من الضحيتين قبل توريدها لخزانة الشركة، وتروى أسرة محمد السباعى أحد الضحايا تفاصيل المأساة.

فى صبيحة يوم 22 فبراير الماضى، خرج أبى محمد السباعى شلبى «48 سنة»

إلى عمله الذى اعتاده منذ 7 أعوام، كمحصل لرسوم سير السيارات «الكارتة» بموقف دسوق، والكلام على لسان ابنه أحمد طالب الثانوى «18 عاماً»، ويضيف أحمد وقد اختنق صوته بالدموع، لم نعرف وهو يلقى علينا السلام ويغادر المنزل، انها المرة الأخيرة التى سنسمع فيها صوته، وأننا لن نراه ثانيا عائدا للمنزل حاملا لنا الزاد والرزق الذى كان يكفينا بالكاد.

ويكمل أحمد قائلاً: وعندما كان والدى داخل كشك «الكارتة» وبرفقته أحد زملائه، فوجئا ببلطجى شهير يدعى عبدالحميد عبدالله العشماوى وشهرته «العسكرى» يشهر فى وجهيهما مطواة، وطالب أبى بتسلميه حصيلة « الكارتة»، لكن ابى رفض وتصدى للبلطجى بمساعدة زميله، فهذه الأموال أمانة ملك للدولة، ولو سلمها للص لما تمكن من سدادها ولكانت سبباً فى سجنه، واذا بالمجرم ينهال على رقبة أبى وزميله طعنا، ولم يبال بصرخاتهما، ولم يتركهما إلا وقد فارقاً الحياة.

بصعوبة يستعيد أحمد الساعات القاسية التى ودع فيها والده لمثواه الأخير، فيقول: اتصل بى زملاء ابى فى العمل، أخبرونى انه مصاب ونقل للمستشفى ويحتاج لعملية نقل دماء، ولكنى عندما هرولت إليه بمستشفى دسوق، كانت دماء والدى قد نزفت، ووجدته جثة هامدة بجانب زميله، وقد مزقت الطعنات رقبته ووجهه تماما، اصبت بالانهيار وسقط على الارض وانا اصرخ فى جنون فى مشهد لا ينسى.

وتكمل ممتازة عبدربه والدة أحمد التى ترملت بسبب انعدام الامن فى دسوق: كان المرحوم يعمل بعقد مؤقت فى محطة انتاج البيض بدسوق منذ عام 1992، وعندما تم بيع المحطة عام 2004، تم نقله للعمل بشكك «الكارتة» بموقف السيارات، براتب 350 جنيهاً، هو مبلغ ضيئل لم يكن يكف شيئاً خاصة أن أحمد فى الثانوية العامة ويحتاج لدروس خصوصيه، وكان والده يرغب فى ان يراه بالجامعة ويعمل فى وظيفة محترمة، حتى لا يشقى ويتعب كما تعب هو عمله، لكنه مات قبل ان يحقق حلمه فى أحمد.

وتضيف باكية: زوجى خدم بالدولة 20 عاما، وقتل بسبب غياب الامن، ومعاشه الان 480 جنيهاً فقط، ومحافظ كفر الشيخ لم يمنحنا سوى 5 آلاف جنيه فقط كتعويض عن مقتله، وعرض علىَّ توظيف أحمد مكان والده، ولكنى ارفض ان يترك دراسته، أريد أن أحقق حلم والده فيه، لأن روحه تشعر بنا، وكل ما اطلبه، هو تعويضاً مناسباً عن زوجى، رغم ان كنوز الارض لن تعوضنى فقدانه، لكننا بحاجة الى أى أموال تساعدنا فى استكمال مسيرة الحياة وإكمال أحمد تعليمه، منحنا شقة ولو صغيرة نقيم بها، فأنا اقيم فى غرفة بمنزل مشترك، والغرفة ليس بها شىء يذكر.

الحارة تحلم بالفتوات و«نبوت» نجيب محفوظ

حنفى مأمون فتوة العطوف

من منا لا يذكر ثلاثية نجيب محفوظ، (قصر الشوق، السكرية، بين القصرين)، تلك الروايات التى سجلت جزءاً مهما من تاريخ مصر الاجتماعى، وخلدت الحارة المصرية بكل صورها سلبا وايجابا، وأبرزت دور «الفتوة» فى حماية اهل الحارة من الظلم وبطش البلطجية وجبابرة الحارات الاخرى،  وثورة الحرافيش بين وقت وآخر ضد بعض الفتوات، اذا ما فسد هؤلاء واستغلوا قوة سواعدهم فى السلب والنهب وإرهاب البسطاء،  كان الفتوة فى هذا العصر من نهاية القرن التاسع عشر يقوم بدور شرطى الحارة،  بل وكان رجال الشرطة انفسهم يعملون له الف حساب، والآن ونحن فى القرن الواحد والعشرين، يبرز مجددا وجه الفتوة على الساحة،  ليهيمن على الحارة المصرية بل على أحيائها وشوارعها، بعد ان فقد الأمن وجوده الحقيقى بتلك المناطق، فلا تزال الشرطة تتحسس خطا العودة بعد اختفائها المشبوه ايام الثورة، ولا تزال تبحث عن موطئ قدم، لاستعادة الاحترام والدور الامنى المنشود،  فخلا مكانها ليطل فتوات زمان بثوب عصرى جديد، الامر الذى طرح سؤالا جادا وملحا «هل ستعود مصر  لعهد  الفتوات القديم، عصر التوت والنبوت.

عايشت مصر وتعاصر الآن عهدا جديدا من الانفلات الأمنى وانتشار اعمال العنف والبلطجة، عنف طال رجال الشرطة انفسهم، فها هى الهجمات تتوالى على اقسام الشرطة فى كل مكان،  وينطلق البلطجية ومعتادو الاجرام من المسجلين خطر فى الفرار من الحجز والسجون، او اقتحامها من الخارج لتحرير اقران لهم اخرين،  والشرطة تقف فى كل ذلك عاجزة الارادة، خائفة من بطش وانتقام هؤلاء وعنفهم الدموى، ووجد بعض الشباب فى هذا فرصة لفرض نفوذهم وقوتهم على المناطق الشعبية التى يقيمون بها، ليعيدوا بذلك عصر فتوات زمان لسد الفراغ الامنى بتلك الاحياء،  «الوفد الاسبوعى» خاضت جولة بين هؤلاء،  تجولت فى ربوع الحارات القديمة بحثا عن وجوه وقصص فتوات الزمن القديم، ومقارنتها بفتوات مصر «الجديدة» مصر ما بعد ثورة 25 يناير، وكانت اولى المفاجآت فى حارة العطوف، حيث عثرنا على اسرة اخر فتوات زمن نجيب محفوظ، والذى ورد ذكره فى احدى رواياته، انه الفتوة حنفى مأمون هاشم.

ما ان رددنا اسمه ونحن نسأل عن منزله الذى كان يقيم به قبل وفاته، حتى سرت حالة من الحركة والتوتر بين من سألناهم، لتدلل ان مجرد ذكرى الرجل لها تأثيرها وصداها فى نفوس أهل الحى، وأنهم لا يزالون يتحاكون بقصص بطولاته وامجاده،  التى ورثها لأبنائه من بعده، فحمل احدهم نبوت الفتوة من بعده وهو لا يزال للآن يحكم حارة العطوف ولكن تحت اسم «الزعيم».

ويقول لنا حفيده حنفى والذى حمل ايضا اسم جده الفتوة تيمنا به: نجيب محفوظ حكى قصة جدى فى روايته قصر الشوق، فجدى هو شخصية «سى السيد» التى ادى دورها الفنان يحيى شاهين، وجدى مأمون من اثرياء العطوف، كان تاجرا للفاكهة،  وكانت له صولات وجولات فى عالم الفتونة، وبعد وفاته، تجمعت عائلات العطوف،  عائلة النمر، الشندويلى، معروف مع عائلتنا، وتم اختيار عمى حنفى مأمون هاشم زعيما للمنطقة خلفا لجدى،  فقد رفض عمى لقب الفتوة،  وفضل لقب زعيم، وعمى متعلم، حاصل على البكالوريا القديمة، ويتحدث الانجليزية والفرنسية بطلاقة، ولا يزال للآن منزله مفتوحا وكأنه دوار العمدة، يقصده المظلومون ليرفع عنهم المظالم،  والضعفاء لينصرهم، يعقد جلسات الصلح بين العائلات المتخاصمة،  ولا يرد له حكم،  ولا يمكن لبلطجى ان يتحرش بأبناء المنطقة او يدخلها بدون إذنه، وإلا كانت عاقبته وخيمة.

ومن حى العطوف الى بوابة النصر، حيث القاهرة الفاطمية بمعالمها القديمة، ومنها الى حى الحسينية بتقسيماته الهندسية الجديدة، ويفصل الحسينية عن العطوف وبوابة النصر بوابات خاصة،  لا يمكن لاحد اقتحامها او تجاوزها دون اذن من زعماء تلك المناطق،  وفى الحسينية،  التقينا احد كبار تجارها، محمد ابراهيم محمد وشهرته الهندى، وتحمل ذاكرته التى تجاوزت عقدها الثامن،  عبقا من الذكريات وحكايات فتوات الحى،  احمد كخة،  واحمد عرابى وغيرهم،  ويقول ان فتوات الحى كانوا يوفرون حماية للمنطقة لم توفرها الشرطة فى كل عصورها، فالفتوة يحمى الضعيف من القوى، وينظر المظلوم من الظالم، ولا يجرؤ احد على الاعتداء على ابناء منطقته.

ويتذكر الهندى زمن الفتوة «احمد كخة» قائلا: كان صاحب املاك، يساعد الجميع بماله، ويتصدى للعنف والشغب، ويواجه البلطجة بالأدب والسياسة،  فالفتونة فى عرفة كانت «جدعنة وليس قلة ادب واستعراض عضلات» ويضيف أن اهل الحسينية قاموا بحماية منازلهم بأنفسهم ابان ثورة 25 يناير،  ولم يستنجدوا بالشرطة او الجيش لحمايتهم كما فعلت مناطق اخرى، بل تحول كل منهم الى فتوة لحماية عرضه وماله وبيته بالادب وليس العنف، وقسموا اللجان الشعبية فى دورات للحراسة، وكان اهالى الحسينية يحرسون المناطق من ميدان الجيش الى الكردى، ومنها للبيومى،  ومن الحسينية الى باب الفتوح.

ويؤكد الهندى ان الشرطة لا يمكنها ان تدخل المنطقة،  إلا اذا التزم افرادها بالاحترام،  وان اهالى الحسينية انفسهم ساعدوا الشرطة فى القبض على بعض البلطجية والهاربين من السجون ومن تنفيذ الاحكام، بل قام الاهالى بحماية الشرطة من اعتداءات هؤلاء الذين يملكون اسلحة نارية وبيضاء خطيرة، ويقيم الهندى ثورة يناير بقولة «الثورة كويسة بس الناس تجرأت زيادة عن اللزوم» ويطالب الهندى بالعودة الحقيقية لعهد الفتوات، وان يكون لكل منطقة كبير لحمايتها ومساعدة الشرطة فى تقديم البلاغات عن جرائم السرقة والقتل وغيرها، لأن الشرطة لا يمكنها القيام بكل هذا داخل الحارات المصرية خاصة الآن.

ومن الحسينية وصلنا الى باب الشعرية، تلك المنطقة التى زخرت باسماء الفتوات فى الازمنة الماضية، وحول هذا يروى لنا المعلم محمود الخبازة، وهو صاحب محل فراشة،  والذى يبادرنا بقوله: الله يرحم ايام الفتونة الحقيقية، كانت الفتونة ادب واخلاق وليس بلطجة كما يحدث الآن،  فما يقوم به البعض الآن فى الحارات والأحياء بلطجة ولا يمت لاعمال الفتوة القديمة بشيء،  كما ان الشرطة فقدت احترامها فى الحارة المصرية، بسبب قيام بعض افراد الشرطة انفسهم بفرض اعمال البلطجة،  وتحصيل اتاوات من الغلابة، وتلفيق القضايا والتهم، اى ان الشرطة تحولت الى بلطجى،  ونحتاج الآن الى فتوة يواجه بلطجة الشرطة من ناحية، وبلطجة الخارجين عن القانون من ناحية اخرى.

ويؤكد المعلم درويش جارة على كلامة بقوله: الله يرحم ايام الفتوة الحقيقى، عندما كان الفتوة لا يظلم احداً، ولا يعتدى على احد، بل كان دوره الحماية والاصلاح بين الناس،  اما ما يحدث الآن فهو بلطجة وليس فتونة.

بينما يأسف سعد عبود عضو مجلس الشعب السابق بالمنطقة على ما آلت إليه اوضاعنا فى الشارع والحارة المصرية، ولجوء البعض الى القوة،  لاخذ حقه بيده،  ويلقى عبود باللوم على الشرطة لتسببها فى حالة الانفلات الامنى وظهور البلطجة مقنعة فى رداء الفتوة،  ويقول ان الامور كانت قد استقامت قليلا بعد الثورة،   ولكنها الان عادت للأسوأ، فكل يوم نشهد عمليات اقتحام لاقسام الشرطة،  الامر الذى يثير الرعب والازعاج ويفقد الشرطة هيبتها،  فمطلب الشعب توفير الامن والامان، وما يحدث الآن مؤامرة للوصول بمصر الى هذه الحالة من الفوضى، مؤامرة يشترك فيها فلول النظام السابق وبعض الذيول فى وزارة الداخلية وامن الدولة.

مصر فى انتظار أحمد رشدى جديد

أحمد رشدى

تحلم مصر بأحمد رشدى جديد، ليس تشكيكاً فى نزاهة وزير الداخلية الحالى أو قدرته على استعادة زمام الأمور فى الشارع والأمن المصرى، ولكن لأن التحديات الحالية كبيرة وخطيرة، وعلى كل الجبهات الداخلية، ما فعله أحمد رشدى كفيل بأن يصبح منهجاً أمنياً يُدرس لطلاب كليات الشرطة الآن، وأن يتحول الى دورات تدريبية، يتم تدريب ضباطنا وجنودنا عليها لانتهاجها بدءاً من تطهير الشارع من مخالفاته، وتحصيل غرامات فورية من قادة السيارات المخالفة لقواعد المرور، وفى هذا نشر الآلاف من ضباط المرور فى الشوارع، ولم ينج من غرامة المرور بعض أحفاده، الذين لم يرتكنوا الى جدهم للإفلات من القانون.

وكان أول قرار اتخذه بعد توليه الوزارة، ضرب الذى يلقبه الكثيرون بـ«ديناصور الداخلية» المثل لضباطه فى محاربة استغلال النفوذ والمحسوبية والواسطة، اتخذ القرار داخل عائلته، وتحديداً ضد نجله محمود الذى كان ملازم أول بكلية الشرطة، عندما نقل إليه نجله طلب زملائه الضباط، بعمل مكافأة لهم، ففى صبيحة اليوم التالى، وما أن جلس على مكتبه، حتى كتب بيده طلب استقالة باسم نجله من الشرطة، مع التعهد بدفع الغرامة المفروضة على الاستقالة، وأحال الطلب الى شئون الضباط، وذلك دون أن يخبر نجله، وحتى لا يوصم بالمحسوبية واستغلال النفوذ.

وأعاد أحمد رشدى للأسرة المصرية احترامها لنفسها وللآخرين، فاتخذ الإجراءات التى تجرم الأصوات المزعجة للمواطنين، سواء أصوات أبواق السيارات بالشارع، المذياع أو التلفاز المرتفع، وأصوات ميكروفونات الأفراح التى كانت تصدح حتى الصباح بما يقبل ولا يقبل من الأغانى الهابطة حتى فى ليالى امتحانات الطلاب آخر العام، فعاش البيت المصرى حالة من الهدوء وعدم الانزعاج بعيداً عن مسببات التلوث السمعى، كما ضبط المدارس المصرية، بنشر رجالات الأمن لاستيقاف أى تلميذ أو طالب بالشوارع فى أوقات الدراسة، والعمل على الاتصال بمدرسته وإعادته إليها، كما عمل على ضبط قطاعات الإنتاج بمصر، بضبط المزوغين من الموظفين بالشارع فى أوقات العمل، باستيقاف أى مواطن وسؤاله عن عمله وسبب تواجده خارج العمل، والاتصال بالوزارة أو جهة العمل التى يتبعها.

وفى مكافحة المخدرات، قرر الاستغناء عن خدمات المرشدين وصغار أمناء الشرطة، بعد أن ثبت أن بعض هؤلاء يسربون المعلومات الأمنية لتجار الكيف، وقام بزرع الجنود والعساكر بل والضباط بين تجار المخدرات، ونجح فى والقضاء تقريباً على واحد من أكبر أوكار المخدرات والجريمة بالقاهرة ألا وهى الباطنية، وكانت حربه ضد مافيا المخدرات فى مصر السبب فى إقالته، من خلال قيام بارونات المخدرات بممارسة ضغوطها على عناصر السلطة من المنتفعين بتلك التجارة الحرام.

أما أسلوبه فى الإيقاع بالمجرمين والمنحرفين، فلم يكن استخدام العنف وقوات الأمن المدججة بالسلاح عبر سيارات الشرطة وأبواقها، كما هو الحال فى مشاهد «الأكشن» بالسينما التى تنفذها دوماً الشرطة على أرض الواقع، بل استخدم الذكاء الأمنى والحيل والخداع للإيقاع بالمجرمين، واستدراج المطلوب منهم الى منطقة بعيدة عن عرينه وأعوانه، عبر مخبر أو رجل أمن متنكر، ليتم اصطياده بسهولة دون عنف أو إراقة قطرة واحدة من الدماء.

وعندما استقال رشدى من الداخلية، احتفل تجار الكيف الذين حققوا بشائعة الأمن المركزى انتصاراً على واحد من أشرف رجال مصر وأنزههم وأحكمهم أمنياً، احتفل تجار المخدرات بإطلاق اسم «باى باى رشدى» على صنف جديد من صنوف المخدرات، وليؤكدوا بذلك أنهم من كانوا وراء إزاحته بإطلاق شائعة الأمن المركزى.

فقد بتنا فى أمس الحاجة الآن لقانون يحمى مصر من الانفلات الأخلاقى بعد أن ثبت أن الثورة بكل متغيراتها انعكست سلباً على الشارع المصرى وعلى سلوكياته، وأخرجت العيب من أخلاقيات المصريين لتطفو على السطح كطفح المجارى، فلم تنجح الثورة بعد فى تطهير الفساد الإدارى والمالى بين المدراء وأصحاب النفوذ من الباقين بمواقعهم.

رحل أحمد رشدى عن الداخلية واختار أن يعتزل الحياة السياسية ويعود الى قريته بركة السبع ليكون فى خدمة أهل بلده، ليتركنا سنوات طويلة نتقلب بين أشباه ومسخ.