عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الجيش قال لأمريكا " لا ".. وأثبت أنه حر القرار

أحمد أبوالغيط وزير
أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق

«أحمد أبوالغيط»، وزير الخارجية الأسبق، أكد فى الجزء الأول فى حواره أن نجاح مصر فى 30 يونية أحبط المهمة الأمريكية والغربية تجاه المنطقة بالكامل

وعلينا أن نظهر أخطار جماعة الإخوان واجتراءهم على المجتمع، مطالباً الدبلوماسية المصرية بتحديد ردود أفعالها بقلب بارد دون الانسياق إلى الرؤية الشعبية التى قد تتسبب فى أضرار قطع العلاقات، مشيراً إلى أدوات السياسة الخارجية التى تعتمد على القوة المسلحة والدبلوماسية الهادئة الناعمة، واصفاً فى هذا الحوار خروج الشعب المصرى فى 30 يونية بـ«المرعب المخيف إلى الأمان والاستقرار»، بعد أن فازت جماعة الإخوان والسلفيون فى جولة البرلمان فى ظل غياب كامل من الوعى بهم داخل المجتمع المصرى الذى رفض التقسيم والتحزب للفكر المتطرف والجماعات الدينية البعيدة عن الدين الإسلامى الوسطى السمح.
> إلى أى مدى ستستمر المعونة الأمريكية شوكة فى ظهر مصر للاستماع إلى الرأى الأمريكى وأخذه فى الحسبان؟
- أنا لا أطلق عليها «معونة» بل أسميها الدعم الاقتصادى مع إنه أصبح الآن لا قيمة له لأنه لا يتجاوز المائتين مليون دولار سنوياً فى الاقتصاد المصرى الذى يربو على مائتى مليار، إذن فتأثير الدعم الاقتصادى محدود، ويمكن أن ينتهى فى لحظة ولا تحصل عليه مصر إذا رأت أن هناك مصلحة اقتصادية من استمرار هذا العدم الاقتصادى ولا ضرر منه طالما لا يربط مصر بتصرفات داخلية أو خارجية ضد مصالحها أو تلحق الضرر بالأمن القومى المصرى، ولهذا يجب أن نخرج نحن والأمريكيون من هذا الموضوع حماية لهذه العلاقات التى كثيراً ما تأثرت بأقوال ووشايات على جانبى العلاقات، ويمكن بزيارة جادة لمسئول مصرى إلى الخليج أن تثمر مساعدات عربية تتجاوز كثيراً هذا المبلغ.
> وماذا عن الدعم العسكرى أو المعونة العسكرية الأمريكية لمصر؟
- فيما يتعلق بالدعم العسكرى الأمريكى، فلابد أن نقدر قيمتها بالنسبة للقوات المسلحة ونستمر فيها، ولهذا أصبح الدعم العسكرى هو بيت القصيد والهدف الذى يجب الدفاع عنه ضد الهجمات الداخلية، وللأسف من بعض المصريين أو هجمات إسرائيل واللوبى المؤيد لها فى واشنطن، لأن الدعم العسكرى لا يشمل الأنظمة الجديدة أو مشتريات الأسلحة والمعدات فقط، بل يتضمن قطع الغيار للحفاظ على الكفاءة وقدرة وفاعلية التشغيل وهذه مسائل حيوية للغاية، ولماذا التخوف طالما الإرادة المصرية ثابتة وقادرة على أن تدير الأمور، وأثبتت القوات المسلحة والقيادة العسكرية المصرية بتماشيها مع الإرادة الشعبية فى 30 يونية وأكدت أنها حرة القرار والتصرف طالما تستطيع أن تقول لأمريكا لن ننفذ ما تريدينه طالما كان يضر بمصالحنا.. ولا ننسى أن الدعم الأمريكى خلال الثلاثين عاماً الأخيرة يقترب من الستين مليار دولار سلاحاً أمريكياً لمصر ثمنه الحقيقى الآن لن يقل عن مائة مليار دولار سلاحاً تحت يد المؤسسة العسكرية المصرية، وبالتالى فلماذا نخسر هذا كله؟!
> وما الهدف من هذا العدم بعد 30 يونية وما ظهر على السطح من تحديات وصراعات بين الدولتين؟
- أولاً الهدف من الدعم العسكرى أن ترضى مصر بالحفاظ على معاهدة السلام، وأرى أن المعاهدة المصرية ــ الإسرائيلية مازالت فى صالح مصر والإقليم ومن يطالبون بإنهائها أو تجميدها لا يحققون المصالح الحقيقية للشعب المصرى، ولهذه الأرض الطيبة، وشق آخر أن الولايات المتحدة تتصور أنها تستطيع أن تستفيد من قدرات القوات المسلحة المصرية فى تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط، وهذا حدث منذ ثلاثة عقود على الأقل، مع إن الرئيس مبارك فى هذا التوقيت رفض أن يلعب مع الولايات المتحدة فى اللعبة التى حاولت أن تفرضها عليه، كما فعلت مع «شاه إيران» أواخر الستينيات والسبعينيات بما ظهر من الدور الإيرانى فى المنطقة والخليج العربى، ومع إن القيادة المصرية رفضت هذا الدور ولكن الغرب لم يتوقف عن الدعم الاقتصادى والعسكرى لأهمية الدور المصرى فى الإقليم.. وبعد آخر أن مصر حاولت بقدر الإمكان أن تتوصل إلى حل مُرض وعادل للقضية الفلسطينية وللمصالح العربية ولهذا استمر الدعم وسيستمر للاستفادة من القدرة المصرية فى العمل الإقليمى.
> الأمريكان أم مصالح مصر مع دول الخليج هى التى تلعب دوراً مهماً فى عدم التقارب المصرى ــ الإيرانى؟
- العلاقات المصرية الخليجية التى ظهرت حيويتها لمصر تفرض الحذر فى تناول ملف تطوير العلاقة المصرية الإيرانية، ثم البعد الأمنى والأجهزة المخابراتية المعنية بهذا الشأن والأجهزة الأمنية تتشكك دائماً فى النيات الإيرانية ورغبتها فى اختراق مصر لحساب توجهاتها التقليدية الثورية، ثم إن بعض أشقائنا فى الخليج يعطون اهتماماً للملف النووى الإيرانى بما يفوق النظرة إلى الملف النووى الإسرائيلى أو الوضع العام فى الشرق الأوسط.. وبالتالى مصر تصر وتؤكد عدم الفصل بين أمن الخليج والشرق الأوسط فى شموليته أى بنزع السلاح النووى وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، ولكن يذهب الكثيرون للتحدث حول إيران وتأثيرها فى سياسات الإقليم ولم يروا سوى تصريحات التحدى والتصدى لأمريكا.
> ما أهم تحديات المنطقة العربية فى المستقبل القريب؟
- أهم هذه التحديات هو العمل على الحفاظ وبقوة على فاعلية العمل العربى الموحد، والحفاظ على هوية الدولة الوطنية العربية لجميع الدول، ويجب ألا يفتنا أن هناك خوفاً من خطر تحلل وسقوط الدولة الوطنية، وإذا رصدنا معطيات القرن العشرين فى الشرق الأوسط نجد بزوغ الدولة الإسرائيلية طبقاً لوعد «بلفور» وأيضاً ظهور الدولة الوطنية العربية ممثلة فى اتفاق «سايكس بيكو» وإن كانت تحت الانتداب ولكن مع الاستقلال استقلت الدولة الوطنية العربية الخاضعة تحت الاستعمار البريطانى والفرنسى وفى هاتين الظاهرتين نجد إسرائيل مستقرة ومتواجدة ولكن نرى خطورة تحلل الدولة الوطنية، ولهذا يجب الدفاع عن هذا التحلل المتمثل فى الدفاع عن وحدة سوريا والعراق وليبيا والأردن والدفاع عن التأثير المصرى ودوره فى هذا الإقليم لأنه سيحافظ على وحدة الدولة الوطنية العربية.
> إلى أى مدى أثر طول فترة حكم مبارك وتقدمه فى السن على مجمل السياسة المصرية؟
- بعد تقدم «مبارك» فى السن بدأ يشغل القاهرة مسألة الخلافة، وبتقدم العمر به ضعفت قدرته على الحركة وأيضاً استعداده للخوض فى نقاشات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، وكان يدير الأمور ويتخذ القرار انطلاقاً من تجربة ممتدة ومعرفة وثيقة بالوضع المصرى الداخلى والعربى، وبالطبع لم يكن مثل «دينج تشاوينج» الزعيم الصينى أو «كوان يو» زعيم سنغافورة أو «مهاتير محمد» هؤلاء القادة الذين نقلوا بلادهم إلى آفاق جديدة ببرامج إصلاحية أثرت على شعوبهم بالإيجاب.. و«مبارك» لم يكن لديه حزب ذو رؤية أو فلسفة للتنمية والتطور، ولذلك لم يقدم له برنامجاً يحقق الحد الأدنى من متطلبات المجتمع.
> ولهذا انتقد الكثيرون بطء القرار؟
- كان بطء القرار بسبب حذر «مبارك» الدائم فى تناوله لمسائل السياسة الخارجية المصرية، وعدم المخاطرة والسعى للتدقيق فى كل جوانب الموضوعات حتى لو أدى ذلك إلى تأخير صدور القرار، وكشف الأسلوب المصرى فى إدارة الأزمة تحت إشراف «مبارك» أن الأداء لم يكن على المستوى المطلوب فى كثير من القضايا.
> وماذا عن دور جمال مبارك فى دهاليز السلطة والحكم؟
- بعد تقدم «مبارك» فى العمر وضعف الحزم والحسم زاد اعتماده أو خضوعه لرؤية «جمال» الذى كان معه بالقصر أو المنزل طوال الوقت، وزادت سلطاته وأصبح هناك فعلاً محاولة لفرضه على البلد، وتحدثت كثيراً فى أمر التوريث المرفوض شعبياً مع اللواء عمر سليمان وكان يشير إلى مسئولية زوجة الرئيس وبعض المحيطين به فى هذا الملف، وجميع المؤشرات كانت تشير إلى أن «جمال» كان يسعى لبناء قاعدة سياسية تتيح له القفز على السلطة فى أى لحظة، بالإضافة إلى أن بعض أعضاء الحكومة كانوا يتحدثون معه باعتباره الرئيس القادم، أو صاحب النفوذ والسطوة والذى يستطيعون استخدامه لتمرير قراراتهم والحصول على دعمه مع الرئيس الذى كان يستمع إليه إلى حد كبير.
> وهل حاولت شِلة جمال مبارك بسط نفوذها على السياسة الخارجية أو تصديره للخارج؟
- حدث هذا خلال أزمة مصر ــ أمريكا فى قضية «أيمن نور» وتصور بعض أعضاء الحكومة الذين تجمعهم صلة وثيقة بنجل الرئيس أن الأزمة تكمن فى أداء وزير الخارجية وليس فى الوضع المؤسسى لنظرة أمريكا إلى مصر.. فتصوروا أنه يمكن استغلال اتصالاتهم بالإدارة الأمريكية من خلال المؤسسات المالية أو رجال الأعمال الأمريكيين بالسعى لتخفيف الموقف، وطلب بعضهم تصديق الرئيس على مقابلة نائب الرئيس الأمريكى أو وزيرة الخارجية الأمريكية، وهذا ينم على صبيانية التحليل لعدم اطلاعهم على ظروف العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والقضايا التى تحظى باهتمام مصر وأمريكا، ولكن جاء رد «مبارك» حاسماً صارماً برفضه أى مقابلات أو تدخلات من أعضاء الحكومة إلا عن طريق وزير الخارجية أو رئيس المخابرات.
> لكن الإعلام كشف عن سفريات لجمال مبارك خارج مصر وكان يُفرض عليها تعتيم حكومى؟
- نعم.. وكثيراً ما علمنا عن رحلات يتم ترتيبها ولقاءات يجهز لها عن طريق السفراء فى مصر أو سفرائنا فى الخارج ولكن كان يوجد محاولات مستمرة لإخفاء أنشطة نجل الرئيس الخارجية أو لقاءاته مع مسئولى الدول فى مصر أو بالخارج، وزاد هذا الوضع بداية من عام 2006 عندما كان كبار المسئولين الأجانب يلتقون به دون كشف لهذه اللقاءات فى مكتبه ولم نكن نعلم بأسرارهذه اللقاءات، وكثيراً ما تمت له لقاءات مع مستشار الأمن القومى الأمريكى، بل وصل الأمر إلى أنه تم ترتيب مقابلة له مع الرئيس الأمريكى «بوش» وكان هذا الأمر يضعنا فى موقف محرج ويثير الإحباط فى وزارة الخارجية.
> إلى أى مدى تتحكم مركزية القرار فى صناعة القرار المصرى؟
- الأسلوب المركزى فى السيطرة ظل معنا حتى النهاية، إلا أنه ولمفاجآتى فى بداية عملى وزيراً للخارجية ظهر الرئيس شخصاً متقدماً فى السن وأخذ حزمه وتركيزه يتناقص مع مرور الأعوام التالية، وقد أتاح هذا الأمر لى بعض حرية الحركة وقد توصلت تدريجياً إلى أن الرئيس ومع تقدم سنه لم يعد يستطيع السيطرة على تفاصيل القضايا المطروحة ولم يوجد جانبه نائب رئيس نادر وذو سلطات يستطيع إدارة الأمور وإعدادها للعرض النهائى على الرئيس إلا فى الأيام العشرة الأخيرة من حكمه، وأيضاً تعاظم دور رئيس الديوان مع تقدم سن الرئيس وأدى ذلك إلى رغبة الديوان فى التخفيف على الرئيس وتخفيض أعداد المقابلات التى تتم يومياً أو أسبوعياً معه، مما أدى إلى بعض السقطات التى كان لها أثرها فى تعقيد علاقات دولية ما كان ينبغى الإضرار بها إلا أن فكرة الحماية وتخفيف الالتزامات والإحساس بتزايد ضعف قدرات التركيز اليومى كانت لها الأولوية على كل اعتبار آخر.
> ماذا عن كشف حساب لفترة حكم الرئيس مبارك؟
- عن مفهوم السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس «مبارك» خاصة فى سنواته الأخيرة، فظهور مفاهيم جديدة خاصة بالحكم الرشيد والشفافية، والديمقراطية وحقوق الإنسان وربط مصر وتطويرها الاقتصادى بالعالم الغربى وشبكة المعلومات المتوافرة للشعب المصرى واتجاه معظم دول العالم إلى أفريقيا وآسيا إلى الفوز فى سباق التنمية والنمو وهذا أدى إلى كشف الكثير من القيود التى فرضت ثقلها على الدبلوماسية المصرية، وعند مقارنة الوضع فى مصر مع غيرها من الدول نجد ضعف السياسات، وغياب الحزم وقلة الموارد وفقدان الرؤية الفلسفية الحاكمة للحركة ومن ثم شعور المجتمع بأن الدبلوماسية المصرية لا تحقق أهدافه فى الظهور بالقدر والتأثير المطلوب والذى تستحقه مصر بتاريخها وشعبها وثقلها فى المنطقة.
> ولهذا خرج الشعب المصرى فى يناير 2011 ضد مبارك ونظامه؟
- الشعب المصرى رأى أن هناك وضعاً يحتاج إلى قدر من التغيير لأن «مبارك» بلغ أكثر من ثمانين عاماً فى العمر والأمر يحتاج إلى أن يرى ما هو شكل الحكم المصرى القادم، ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب 2010 وزادت من غضب كل القوى التى حرمت من التمثيل والعمل السياسى بعد أن استحوذ الحزب الحاكم على كل الأصوات تقريباً، بالإضافة إلى أن أداء الشرطة المصرية قبل 25 يناير أصبح يثير المصريين جميعاً بعدما أصبحوا كآلهة فى الشارع المصرى بل ويسيطر على بعضهم الفساد والمحسوبية، هذا غير تحالف رأس المال مع السلطة أثمر عن فساد كبير ولم يتحرك الحكم أو الرئيس لضربه والتصدى له، كما أن الحكومة المصرية كشفت عن ضعف كامن فى قدراته على معالجة الكثير من المشكلات فى المجتمع، مع إن الأوضاع الاقتصادية فى مصر كانت تحسنت كثيراً فى الأعوام العشرة الأخيرة من حكم «مبارك» وهذا التطور فتح شهية الشعب المصرى إلى المطالبة بالمزيد، لكن الحكومة المصرية لم تستطع أن تعطى الأمل فى إمكانية التطوير والقدرة الاقتصادية

بأنه لن يكون هناك المزيد إلا بالعمل، بالإضافة إلى الرفض الشعبى للتوريث وظهور فساد فى بعض النخبة المصرية وكل هذه الأسباب هى التى أدت إلى ثورة يناير 2011 ولكن أقول بكل الصدق إن مبارك كان إحساسه الوطنى عالياً للغاية.
> ولماذا خرج الشعب المصرى فى 30 يونية؟
- لا.. هنا الأمر يختلف والخروج له مفهوم آخر، فالشعب المصرى خرج فى 30 يونية خوفاً وحفاظاً على ثوابت الهوية الوطنية، والتمسك بمقومات الدولة الوطنية للحفاظ على التاريخ والانطلاق نحو المستقبل رافضاً التقسيم والتحزب للأيديولوجيات المتطرفة والجماعات الدينية الغربية عن الدين الوسطى السمح الذى اعتاده الشعب المصرى، إذن فخروج المصرى فى 30 يونية كان خروجاً للحياة من الماضى إلى الحاضر والمستقبل، من المجهول المخيف المرعب إلى الأمان والاستقرار.
> وكيف استقبل «مبارك» ونظامه إرهاصات 25 يناير؟
- بعد انتهاء القمة الاقتصادية فى شرم الشيخ 19 يناير 2011 اقتربت أنا واللواء عمر سليمان من مبارك بعد توديع القادة المشاركين فى القمة وبادر سليمان بأن لديه موضوعاً مهماً يحتاج أن يتداوله مع الرئيس، ثم أخبره بأنباء المظاهرات القادمة يوم 25 يناير، ولكن لم يبد الرئيس اهتماماً كبيراً بل جاءت تعليقاته تشير إلى أن الموضوع لا يشغله كثيراً!!، واقترح «سليمان» أن يعقد الرئيس اجتماعاً مع قيادات الدولة لتداول الأمر واقتراح الإجراءات المطلوبة، ولم يتجاوب «مبارك» أو يظهر أى ردود فعل تشير إلى القلق من احتمالات الموقف.. فقلت لـ«عمر سليمان» ربما تجربة الرئيس الممتدة فى الحكم تعطيه الاطمئنان لقدرته على معالجة الأمور ومواجهة التحديات.
> وماذا عن موقف الأمريكان فى بداية ثورة 25 يناير؟
- كنت فى أديس أبابا وتلقيت اتصالين من هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، تستفسر منى عن التطورات فى القاهرة حول 25 يناير، وأشارت إلى أهمية أن تعالج القيادة المصرية هذا الموقف بحكمة، والتأكيد على إتاحة الفرصة للمظاهرات السلمية أن تمضى فى طريقها، وأكدت لها هذا السيناريو تماماً، وأضافت أنها ترى الأهمية والضرورة فى قيام الرئيس بالإعلان عن إجراءات ولم تحددها أو تكشف عنها لتفريغ الموقف من هذه الأزمة وأخبرت عمر سليمان بما قالته كلينتون فقال: الأمريكان يتصلوا بكل مراكز السلطة فى مصر لنقل وجهات نظرهم.
> ترى لماذا تخلى الأمريكان عن نظام مبارك؟
- فى الحقيقة هذا السؤال بالغ الصعوبة ويحتاج إلى شرح مستفيض، لكن سأجيب عنه فى نقاط موجزة، فى تقديرى أن أمريكا كانت ترى أن مبارك قد بلغ من العمر أرزله ما يحتاج الأمر النظر إلى من سيأتى من بعده فى حكم مصر، لأنها تعلم أهمية الدور المصرى، وأيضاً هى فى حاجة إلى تأمين واستقرار مصر وإقليم الشرق الأوسط وقررت منذ صدمة تفجير مبنى التجارة العالمى فى سبتمبر 2001 أن تعدل وتغير من منهجها فى التعامل مع حكومات الشرق الأوسط ووجدت أن هناك اتجاهات فى هذه الدول تؤيد جماعات الإسلام السياسى، فعقدت صفقة كاملة مع قيادات الإسلام السياسى، وقررت أن تتبنى سياسة الإسلام السياسى فى مقابل تأمين مصالحها ومن هنا كان لابد من انزواء النظم والدول الوطنية كما نعلمها، فقامت الولايات المتحدة باحتلال العراق، وقامت بتدميره وسمحت بظهور عنصريين ربما كانا متواجدين فى البيئة العراقية ولكنها لم تكن ظاهرة وهى تأثير رجل الدين فى الشارع العراقى وإشعال النزاع بين السُّنة والشيعة، وأيضاً أمريكا ساعدت على تدمير الدولة السورية، ومن هنا جاء التخلى عن مبارك ونظامه والعمل على هدم الأنظمة العربية التى تتمسك بالدولة الوطنية.
> وكيف وقفت الولايات المتحدة إلى جانب جماعة الإخوان وساندتها؟
- الولايات المتحدة خلال 25 يناير ساعدت على سيطرة الإسلام السياسى فى مصر من جماعة الإخوان والسلفيين على الثورة المصرية ومكنت هذه التيارات من إحكام قبضتها على الدولة المصرية وركوب موجة الثورة.. ولم تمر عدة شهور إلا وظهر الثمن الذى دفعته هذه التيارات الدينية عندما حدثت حرب غزة، وقام محمد مرسى بعقد اتفاق إسرائيلى فلسطينى مصرى يماثل تماماً المنهج الذى سرنا فيه عام 2009، وبالتالى تأكد للجميع أن الولايات المتحدة عملت على تمكين مجموعة من جماعات الإسلام السياسى أو المتأسلمين للسيطرة على هذه الدول فى مقابل تأمين مصالحها والحفاظ على أمن إسرائيل.
> ولهذا لم تتخل عن نظام جماعة الإخوان ووقفت ضد إرادة الشعب المصرى فى 30 يونية؟
- الولايات المتحدة لم تتخل عن نظام «مرسى» والإخوان ومازالت تناضل وتناور لحصول جماعة الإخوان على أية مكاسب داخل المجتمع المصرى أو فى النظام الجديد، وتقول: لا ينبغى إقصاء جماعة الإخوان من المشهد السياسى فى مصر، وما تفعله قطر والجزيرة وتركيا وإيران فى معارك ضد الإرادة الشعبية لـ30 يونية ما هو إلا معركة مستمرة يحركها العالم الغربى بقيادة الولايات المتحدة، وما كل هؤلاء إلا أدوات فى يد أمريكا ورأس حربة للهجوم على مصر لصالح جماعة الإخوان التى عقدت معها الولايات المتحدة صفقة للحفاظ على المصالح الأمريكية الإسرائيلية مهما كانت ضد مصر وهويتها.
> ومتى بدأ اتصال الأمريكان بالإخوان؟
- الاتصال بدأ على فترات وبأشكال مختلفة، فى مايو 2005 عاد بوش أثناء زيارة رئيس الوزراء مصر لواشنطن لكى يتحدث عن حذر الولايات المتحدة فى التعامل مع جماعة الإخوان وأن لها تاريخاً فى العمل السرى الإرهابى، ثم يؤكد المسئولون الأمريكيون ترحيبهم بالانفتاح الذى تشهده مصر لأنه سيقطع الطريق على جماعة الإخوان فى بسط النفوذ الإخوانى فى الشارع المصرى، ثم يعود هؤلاء المسئولون إلى القول إن هذا الانفتاح سيؤدى إلى تمكين جماعة الإخوان للعمل السياسى العلنى، وهذا فيه تحقيق للاستقرار على المسرح المصرى!! ولابد من السماح لهم بالعمل السياسى، ثم تؤكد أمريكا أن المعركة ضد الإرهاب الذى تقوم به جماعات إسلامية يتطلب نشر الديمقراطية والتعليم فى مجتمعات الشرق الأوسط، ثم تقوم الولايات المتحدة بعد انتخابات مجلس شعب 2005 بفتح حوار علنى رسمى مع أعضاء جماعة الإخوان فى البرلمان المصرى بل ويزيد الضغط على الحكم فى مصر، وتأتى «كوندوليزا رايس» إلى القاهرة فى فبراير 2006 وتطالب بوضع برنامج كامل للإصلاح السياسى، وتربط هذا الإصلاح بشكل خفى بين الحاجة للإصلاح السياسى والدعم الاقتصادى لمصر، واستمر الموقف هكذا.
> ،وهل تم الضغط لحصول الإخوان على أغلبية البرلمان ومنصب الرئاسة؟
- تفاصيل هذه الأحداث بعيدة عنى لأننى لم أكن موجوداً فى كواليس السلطة أو فى مصر.. ولكن بالطبع كان تنظيم الإخوان أكثر التنظيمات السياسية جاهزية على المسرح السياسى المصرى عكس الأحزاب السياسية أو الشخصيات السياسى العامة أو النشطاء السياسيين الجدد، بالإضافة إلى أن المجتمع المصرى لم يكن على إطلاع كاف بجماعة الإخوان ومعرفة سياسة أو طريقة تنظيم أو أهداف الجماعة، وبالتالى فازت جماعة الإخوان والسلفيون بهذه الجولة فى غياب كامل من الوعى بهم فى المجتمع المصرى.
> مصر رايحة على فين؟
- مكانة مصر الدولية والإقليمية وفاعلية سياستها الخارجية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال نجاح هذا البلد العظيم فى تأمين منظومة كاملة فى النجاحات بالداخل، وهذا يحقق قدرتها على التأثير فى المنطقة، أما إذا ظلت مصر فى سكونها أو أوضاعها الحالية أو قررت العودة بسياسات الماضى باعتباره الخلاص والنافذة إلى الطهارة والانسجام الإنسانى مع آمال شعوب الإقليم، فلن يكون أمامها سوى سياسات تقود إلى الشعبوية والديماجوجية والكذب والمظهرية، وربما الصدام مع خصوم لها فى المنطقة أو على مستوى العالم تحقيقاً للمكانة وإظهار السطوة ولن تنطلق إلى المستقبل إلا من خلال التغيير والجدية والعمل والالتزام بمنظومة متكاملة فى القوانين العادلة التى تسود وتطبق على المصريين بمساواة وموضوعية دون تفرقة بين مصرى وآخر.
> إذن التغيير يبدأ فى الداخل وليس بمواقف عنترية أو بتغييرات جوهرية؟
- بالطبع.. لأن إحداث أى تغيرات جوهرية فى مواقف مصر وتوجهاتها سيؤدى بالطبع إلى إهدار الموارد والإمكانيات ولن يحقق الأهداف المطلوبة خاصة أن العناصر الحاكمة للمعادلة الدولية الحالية لن تتغير بين ليلة وضحاها، إذن المغامرة أو اتخاذ مواقف ارتجالية غير مدروسة سيكون ثمنها باهظاً، ولنا دروس من سياساتنا فى الستينيات التى يجب ألا نكررها، فلا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، ولكن مصالح دائمة ومستمرة لشعب مصر وخيره فى المستقبل.. وهذه المصالح تنفذها سياسة خارجية ناضجة واعية بالأهداف المطلوبة تحقيقها فى حدود الإمكانات المصرية المتاحة لكل مرحلة من مراحل مستقبل مصر.