رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خداع الموساد وتسريب موعد حرب اكتوبر

بوابة الوفد الإلكترونية

رغم مرور 40 عاماً كاملة على حرب السادس من أكتوبر المجيدة، مازالت إسرائيل عاجزة عن استيعاب ما حدث لها من هزيمة نكراء وانهيار لكل المسلمات والبديهيات التي لطالما قامت عليها النظرية الأمنية الإسرائيلية.

40 عاماً مضت ومازالت أصداء تلك الملحمة مدوية في دولة الكيان الصهيوني، التي استطاع الزعيم الراحل "أنور السادات" خداعها أكثر من مرة قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر 73، فاستطاع بذكاءه وفطنته تضليل الإسرائيليين لدرجة جعلتهم لا يصدقون فيها أنهم تعرضوا للخديعة الكبرى حتى يومنا هذا في محاولة لنفي الواقع والهروب من الحقيقة المريرة التي لا تقل أهمية عن هزيمة جيشها في الحرب على أيدي الجيش المصري الباسل، وهي أن جهاز المخابرات الإسرائيلي الأسطوري "الموساد" ابتلع الطعم جيداً وسقط رهينة دهاء الرئيس السادات.
بطل تلك الحلقات هو شخصية اتهمها الكثيرون بالخيانة والعمالة، وبرأها الرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك"  من كل تلك الاتهامات وقال إنه كان وطنياً مخلصاً وقام بالعديد من الأعمال الوطنية التي لم يحن الوقت للكشف عنها، مشدداً على أنه لم يكن جاسوساً لأي جهة على الإطلاق....بطل تلك الحلقات ليس أحداً سوى الدكتور أشرف مروان...الرجل الذي عاش غامضاً ومات في ظروف غامضة وأحاط حياته ومماته ستار كثيف من الغموض.

هو الرجل الذي خدع إسرائيل لدرجة جعلتها بعد مرور 40 عاماً لا تصدق أنها وقعت أسيرة لأكذوبة وخديعة عظيمة نسجها بطل الحرب والسلام الرئيس "أنور السادات".

بمناسبة الاحتفال بنصر أكتوبر المجيد، قررنا أن نعرض على جمهور قراءنا الرواية الإسرائيلية بشأن خديعة حرب أكتوبر المجيدة، المعروفة لدى دولة الكيان باسم "حرب يوم الغفران"، كما جاءت في أحد أهم الكتب التي تناولت انتصارات وإخفاقات الموساد الإسرائيلي، وهو كتاب "الموساد..العمليات الكبرى" الذي يقع في 319 صفحة، ويتكون من مقدمة واثنين وعشرين فصلاً تتناول 22 عملية من عمليات الموساد الإسرائيلي...ذلك الكتاب الذي صدر عشية الأعياد اليهودية 2010 عن دار النشر التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" للكاتبين ميخائيل بار زوهار ونسيم مشعال، والذي قمت بترجمته كاملاً واخترت لجمهور قراء بوابة الوفد الفصل الثالث عشر من الكتاب الذي يتناول خديعة العميل أشرف مروان، الذي حاز على العديد من الأسماء الكودية لدى الموساد، منها العميل "بابل"، "الملاك"، "الرشاش"، "حوتيئيل".

قبل البدء في تفاصيل هذا الفصل من الكتاب الذي سينشر في سلسلة شيقة من 6 حلقات، تجدر الإشارة إلى أن مؤلفا الكتاب هم البروفيسور ميخائيل بار زوهر الذي يعد أحد أكبر أدباء التجسس في اسرائيل، وأنه منذ نحو  50 عاماً وهو يكتب عن عمليات الاستخبارات الإسرائيلية، ولا سيما عن الموساد، ومن أبرز أعماله ما كتبه عن العلاقات العسكرية السرية لإسرائيل وفرنسا، والانتقام من الكوادر القيادية الفلسطينيينة في السبعينيات، والسيرة الذاتية لرئيس الموساد إيسر هرئيل.

والمؤلف الثاني هو نسيم مشعال، فهو يهودي عراقي الأصل من مواليد 1949، وهو صحفي ومذيع بالتليفزيون والإذاعة الإسرائيلية، وقد قام مشعل في السنوات الأخيرة بتغطية العديد من الموضوعات الخطيرة، كان أبرزها الاتصالات السرية بين إسحاق رابين والرئيس السوري حافظ الأسد، والعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وتطبيق اتفاقات أوسلو، واغتيال رابين.
 

خداع الموساد وتسريب موعد الحرب


تبدأ الحلقة الأولى من السلسلة بـ "فلاش باك" يحاول من خلاله الكاتبان وصف الساعات الحاسمة قبيل الحرب في الليلة الواقعة بين الرابع والخامس من أكتوبر 1973، والتي قام فيها الرئيس السادات بتسريب موعد الحرب مع العميل أشرف مروان(أو مثلما يرد ذكره في هذا الفصل "العميل حوتيئيل") في محاولة لمعرفة ردة فعل إسرائيل، وما إذا كانت ستعلن حالة الطوارئ أم أنها لن تصدق المعلومات الخطيرة التي نقلها عميلها بمكتب السادات- على حد ظن الموساد الإسرائيلي.
وسوف نخوض فيما يلي في رحاب تفاصيل الحلقة الأولى، مثلما جاءت في كتاب "الموساد العمليات الكبرى"، وما علينا سوى أن نسبح في بحر تلك الخديعة الكبرى، ونعيش تلك اللحظات في عيون إسرائيلية....
والآن ننتقل إلى التفاصيل..
.... في الليلة الواقعة بين الرابع والخامس من أكتوبر 1973، في تمام الساعة الواحدة، تلقى رجل الموساد "دوبي" اتصالاً هاتفياً من القاهرة. كان دوبي، وهو أحد كبار مشغلي العملاء بالموساد، يعمل من قاعدة الموساد في لندن. المكالمة الهاتفية أفزعته. على الجانب الآخر من الخط كان أهم عميل للموساد وأكثرهم سرية على الإطلاق، والذي عرف باسم العميل

حوتيئيل" (في بعض الوثائق لقبوه بـ "الرشاش" أو "الملاك"). لم يقل حوتيئيل إلا كلمة واحدة: Radish – "فجل". أصيب دوبي بقشعريرة. واتصل فوراً بقيادة الموساد، وأبلغ بالكلمة الكودية. وفي اللحظة التي وصل فيها الأمر إلى علم رئيس الموساد، تسفي زامير، أبلغ بدوره رئيس مكتبه فيردي عيناي بأنه "مسافر إلى لندن".
كلمة "فجل" حملت في طياتها أنباء مروعة. فالكلمة معناها "من المتوقع هجوم فوري على إسرائيل".

وبحسب التعليمات المترتبة على كلمة السر هذه، كان يجب على زامير مقابلة عميله في لندن فور تلقيه الإشارة.

رحلة العال للندن كانت كاملة العدد. حجز زامير طائرة خاصة وأقلع على الفور إلى العاصمة الإنجليزية. وفي الطابق السادس بإحدى البنايات السكنية في لندن، على مقربة من فندق "دورشستر"، كان الموساد يمتلك شقة آمنة. الشقة مأهولة ومؤمنة ومزودة بأجهزة تسجيل، حيث تم استئجارها وتجهيزها من أجل هدف واحد: اللقاءات مع حوتيئيل. في اللحظة التي وصل فيها تسفي زامير هناك، انتشر حول البناية قرابة عشرة عملاء للموساد لتأمين قائدهم تحسباً لأن تكون الرسالة جزء من مؤامرة لاعتقاله أو المساس به. ترأس قوة التأمين تسفي ملحين المخضرم، الرجل الذي كان أحد أفراد الطاقم الأسطوري الذي اعتقل أدولف آيخمان في الأرجنتين.
زامير، المتوتر والمنفعل، انتظر طوال اليوم عميله المصري. والأخير، كعادته، تأخر في روما خلال رحلته ولم يصل إلى لندن إلا في ساعة متأخرة من الليل. التقى الاثنان في الحادية عشر مساء.
في تلك الأثناء حلت عشية عيد الغفران على شعب إسرائيل.
استغرق اللقاء بين تسفي زامير وحوتيئيل ساعتين. وحضر دوبي اللقاء وسجل مضمونه.
وفي نهاية اللقاء، في حوالي الساعة الواحدة، ودع تسفي زامير عميله حوتيئيل. وبينما كان دوبي يتهامس للحظة مع حوتيئيل في الغرفة المجاورة ويعطيه أجره المتفق عليه- مائة ألف دولار- عمل زامير على صياغة برقية عاجلة للبلاد. لكن رجال الموساد لم يجدوا كود السفارة، الذي يمكنهم عن طريقه إرسال تلك الرسالة العاجلة. الساعات تمر، وصبر تسفي زامير بدأ ينفد. اتصل هاتفياً بمنزل فيردي عيناي. المكالمات الهاتفية لم

يرد عليها... عاملة الاتصال اليائسة قالت: "لا يوجد رد. اعتقد أن هذا يوم عيد هام في إسرائيل".

"حاولي الاتصال مرة أخرى"، طلب زامير. وفي النهاية أيقظت رنات الهاتف رئيس مكتبه، والذي بدى عليه النوم تماماً. قال له زامير: "خذ صحناً ممتلئاً بالماء وضع قدميك فيه، ثم خذ ورقة وقلم رصاص". عندما نفذ فيردي التعليمات، أرسل له زامير كلمة السر: "الشركة توشك على توقيع عقد اليوم قبل حلول المساء". وأضاف: "الآن، ارتدي ثيابك، واذهب إلى القيادة وأيقظ الجميع".
هرع فيردي عيناي لتنفيذ التعليمات وبدأ بالاتصال بقيادات الدولة والجيش. تلخصت الرسالة التي أراد أن ينقلها في كلمة واحدة: "اليوم ستندلع حرب".
في وقت لاحق وصلت البرقية التي كتبها زامير: "وفقاً للخطة يعتزم المصريون والسوريون الهجوم قبيل حلول المساء. إنهم يعرفون أن اليوم هو يوم عيد لدينا، ويعتقدون أن بمقدورهم أن يعبروا قبيل الظلام. الهجوم سيكون وفقاً للخطة المعروفة لنا. السادات لن يستطيع أن يؤجل الهجمة بسبب التعهدات التي قطعها لرؤساء دول عربية أخرى، وهو يريد الوفاء بتعهداته

املة. وعلى حد تقدير المصدر، فإنه على الرغم من تردد السادات، فإن فرص الهجوم تصل إلى 99.9%. وعلى حد قولهم، فإن النصر سيكون حليفهم، لذا فإنهم يتوجسون خيفة من نشر مسبق، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تدخل خارجي. وهذا قد يردع بعض الشركاء الذين سيفكرون مرى أخرى ما إذا كان ذلك مجدياً أم لا. الروس لن يشاركوا في العملية".

الرسالة الدراماتيكية التي نقلها رئيس الموساد لم تستقبل في كل مكان وكأنها توراة من السماء. رئيس شعبة المخابرات العسكرية، اللواء إيلي زعيرا، كان على قناعة بأن الحرب لن تندلع رغم كل التقارير الاستخبارية المقلقة. وقد كان على يقين تام بأن الانتشار الواسع للجيش المصري على امتداد قناة السويس ليس إلا جزءً من مناورة كبيرة. كما اعترف زعيرا أمام زامير بأنه "ليس لديه تفسير" للتقرير الذي رفعه "يحمور" من الوحدة 848، (فيما بعد الوحدة 8200، وهي وحدة التنصت بالجيش الإسرائيلي). فقد أفاد "يحمور" بأن مجموعة المستشارين العسكريين السوفيت في مصر وسوريا تغادر الدولتين. كانت هذه علامة واضحة على أن الحرب باتت وشيكة، إلا أن زعيرا لم يغير رأيه.

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية والجزء الأكبر من المؤسسة الأمنية ظلوا أسرى لتلك الرؤية. فقد اعتقدوا جميعاً أن مصر لن تهاجم إسرائيل إلا إذا توافر شرطان: الأول، أن تحصل من الاتحاد السوفيتي على مقاتلات قادرة على مضاهاة الطائرات الإسرائيلية، وكذلك مدمرات وصواريخ قادرة على مهاجمة العمق الإسرائيلي، والشرط الثاني، هو ضمان تعاون الدول العربية الأخرى معها في عملية ضد إسرائيل. وطالما لم يتم استيفاء هذا الشرطان، بحسب تلك الرؤية، لا يوجد أي احتمال لهجوم مصري. مصر ستهدد، وتستفز، وتجري مناورات وتستعرض عضلاتها، لكنها لن تشن الحرب.

جميعهم كانوا على علم بأن مصر لم تحصل على المدمرات. ثمة أحد لم يذكر للحاضرين أنه أيضاً في العام 1967، كانت إسرائيل أسيرة لرؤية خاطئة. في ذلك العام كان جزء كبير من الجيش المصري في اليمن، حيث كان يقاتل القوات الملكية. وافترضت إسرائيل أن مصر لن تقوم بأي عملية هجومية أو استفزازية، طالما أن جزء من جيشها غارق في الوحل اليمني. الخطأ في تلك الرؤية لم يتضح إلا في 15 مايو 1967، عندما توغل جزء كبير من الجيش المصري في سيناء وطرد ناصر مراقبي الأمم المتحدة وأغلق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. كان يجب على الخبراء الإسرائيليين إدراك أن المنطق الإسرائيلي والمنطق العربي ليسا دائماًَ متشابهان.

لحسن حظ إسرائيل أنها أفاقت قبل فوات الأوان وانتصرت في الحرب.

هذه المرة أيضاً في جلسة الحكومة التي انعقدت في السادس من أكتوبر، حلقت تلك الرؤية البائسة في الأفق. ليس فقط زعيرا، وإنما أيضاً بعض وزراء الحكومة تشككوا في مصداقية الخبر بشأن الهجوم المصري السوري الوشيك. وكان حوتيئيل قد نقل مرتين في الماضي، في نوفمبر 1972 ومايو 1973، خبراً حول حرب وشيكة(إلا أن العميل حوتيئيل تراجع عن ذلك الخبر في اللحظة الأخيرة). في مايو 1973 تم استدعاء الاحتياط، وهو ما كلف الدولة مبالغ طائلة- 34.5 مليون دولار.

انتظروا الحلقة الثانية غداً
(2) إسرائيل لم تصدق أن السادات سيحارب