رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"هبة النيل" مهددة بـ "العطش"

بوابة الوفد الإلكترونية

بالفم المليان تستطيع القول إن مصر دخلت عصراً جديداً من المجاعة المائية يهدد حاضرها ومستقبلها.. بعد إعلان إثيوبيا بدء تحويل مجرى النيل الأزرق تمهيداً لإقامة سد النهضة بعد أن مارست خداعاً استراتيجياً لمصر بتبكير موعد تحويل المجرى بدلاً من سبتمبر.

بينما انشغلت القاهرة بالحديث عن سد النهضة الإثيوبى.. ومشاكله.. وتداعياته المستقبلية على الموارد المائية المصرية، وكانت التصريحات المتلاحقة التى أطلقها مؤخراً الدكتور محمد بهاء الدين، وزير الموارد المائية والرى، التى سعت فى مجملها إلى التهوين من الآثار السلبية للسد، صادمة بقوله إن هذه الآثار لم يتم التثبت منها حتى الآن؛ وأن ذلك سيتضح مع صدور تقرير اللجنة الثلاثية المشكلة من ثلاث دول: إثيوبيا ومصر والسودان إلى جانب الخبراء الدوليين، لدراسة تصميمات وأعمال هذا السد، رغم علمه بأن هذه اللجنة التى تم الإعلان عنها بواسطة إثيوبيا فى إبريل 2011، أى تقرير يصدر عنها «غير ملزم»، كما أننا يجب ألا نغذى التوتر والقلائل بين أبناء الوطن.. وأن إثيوبيا سوف تمضى فى بناء السد تحت أى ظرف من الظروف طبقاً لما أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل «مليس زيناوى» فى ذلك الوقت أو بتعبير آخر هو «شاء من شاء.. وأبى من أبى» الذى أطلقه السفير الإثيوبى فى القاهرة فى مؤتمر التكامل مع دول حوض النيل فى إبريل الماضى.
والمثير للدهشة خروج وزير الرى المصرى علينا منذ أيام ليقول بآسى: «إن ما حدث من إثيوبيا نوع من الخداع والتعسف ضد مصر»، معلناً عن التحرك الرسمى العاجل للتفاوض مع الجانب الإثيوبى لوقف هذه المهزلة، وذلك بعد إعلان دولة إثيوبيا لتحويل مجرى النيل، وكأنه لم يعلم بأبعاد المسألة من وقت طويل وما يتوافر لدى الجانب المصرى من تقارير بحثية ومعلومات مؤكدة صادرة عن جهات رسمية متعددة، إلى جانب تأكيدات خبراء اللجنة الوطنية المتابعة لأعمال اللجنة الثلاثية بأنه ستنتج عن بناء هذا السد آثار سلبية على مصر، ومع هذا بدأت إثيوبيا منذ أيام قليلة فى ممارسة الخداع مع الجانب المصرى بتبكير موعد تحويل السد لمجرى نهر النيل لاستكمال بنائه بعد أن كان مقرراً ذلك فى شهر سبتمبر المقبل.
وأعلنت إثيوبيا فى وقت سابق انتهاء حوالى 20٪ من أعمال إنشاءات السد، كما وقعت عقداً مع إحدى الشركات الصينية للبدء فى إنشاء الخطوط الناقلة للكهرباء الناتجة عن السد، ورغم ما سبق لم ينتظر وزير الرى إعلان تقرير اللجنة الثلاثية المشار إليه، بعد أن فات الوقت الذى كان مقرراً لصدوره فى نهاية مايو الماضى، واستبق ذلك بالتهوين من التأثيرات السلبية للسد، بل إنه قصر رد الفعل المصرى فى حالة ثبوت هذه التأثيرات السلبية على السعى إلى التفاوض مع إثيوبيا حول عدد سنوات ملء خزان السد وكذلك السياسة التشغيلية، الأمر الذى يعنى انهيار الموقف التفاوضى المصرى، قبل أن تبدأ أى مفاوضات أو تحركات جدية حول أخطار وتداعيات هذا السد على المصالح المائية المصرية، كما تناقلت وسائل الإعلام المختلفة أن الحكومة الإثيوبية أسندت إلى شركة إسرائيلية مهمة إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء فى إثيوبيا ومنها الكهرباء المنتجة من سد النهضة الجارى تنفيذ مرحلته الأولى الآن.
«مصر هبة النيل».. تتعرض الآن لخطر داهم بسبب تعنت الجانب الإثيوبى الذى يواصل بناء سد النهضة بالمعاندة فى السياسة المصرية، مما يتسبب فى نقص الموارد المائية بنسبة 30٪، وما يترتب عنها من انحسار للرقعة الزراعية وتشريد لما يقرب من 2 مليون مزارع مصرى وانخفاض فى مستوى توليد الطاقة الكهربائية من السد العالى بنسبة 20٪، وهو ما يهدد أهم أركان الأمن القومى المصرى وهو «نهر النيل العظيم».
وإذا كانت مصر أنشأت السد العالى دون استشارة دول حوض النيل، كان بغرض حجز مياه النيل التى كانت تصب فى البحر المتوسط، وهو لم يعبها شيئاً فى ذلك، بينما إثيوبيا أقامت مشروعاتها للإضرار بدولتى المصب مصر والسودان، وهو ما يؤثر على كمية المياه الواردة إلى مصر والتى هى فى الأصل لا تكفى احتياجنا من المياه، خاصة بعد أن دخلت مصر خط الفقر المائى بحصول الفرد على 320 لتر متر مكعب من المياه، فى حين أن الحد الأدنى للفرد فى العالم 1000 متر مكعب، مما يشكل مشكلة حقيقية لمصر.
هذه القضية المهمة ذو آثار مدمرة على المصريين.. فهى ليست قضية ثانوية حتى تتجاهلها الحكومة المصرية.. فلم تؤثر الحاضر فقط، بل يمتد تأثيرها إلى المستقبل أيضاً، ويمكن أن نتبناها جميعاً شعباً وقيادة وحكومة إذا خلصت النوايا وصدقت الاتجاهات نحو إيجاد حل لهذه الكارثة.. وقد سبق وأن قال محمد على ذات يوم: «إن من يهدد مياه نهر النيل لن نواجهه إلا بالقوة العسكرية».
وترجع مشكلة هذا السد المسمى بـ«النهضة» للستينيات من القرن الماضى، عندما أطلقت إثيوبيا عليه اسم «بوردر» أو الحدود، وكانت تصميماته الأولى أفضل مما ينفذ الآن، حيث كانت تسمح بسعة تخزينية بمقدار 13 مليار متر مكعب فقط، وبارتفاع 40 متراً، ومع هذا كان يمكنه تحقيق أهداف إثيوبيا من توليد كميات هائلة من الطاقة الكهربائية بشكل يفى بالغرض المطلوب، ولأن ما تخفيه دولة إثيوبيا من أبعاد سياسية واستراتيجية يمثل «الطامة الكبرى» بعد أن ظهر قاسياً فور الإعلان عنه، فقد حرصت دولة إثيوبيا على إعداد دراسات وتصميمات جديدة لهذا السد فى سرية تامة وفى غفلة من مبادرة حوض النيل ودون علم دولتى المصب (مصر والسودان)، وقد شرعت فى بنائه بالفعل فى مارس 2011، وبسعة تخزينية تفوق السعة الأولى تصل إلى 74 مليار متر مكعب وبارتفاع يصل إلى 145 متراً وقدرة توليد كهربية تزيد على 5000 ميجاوات أى أكثر من ضعف السد العالى، مما يضاعف من آثاره السلبية على كل من مصر والسودان، ومن ثم سيحرم مصر من 9 ــ 12 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وستكون مصر مهددة بتخفيض نسبة المياه التى تصل لأراضيها بمقدار الربع أى ما يزيد على 23٪ بعد تحويل مجرى النيل الأزرق، والذى يمد مصر بـ85٪ من المياه التى تحصل عليها سنوياً وتقدر حصتها بنسبة 55٫5 مليار متر مكعب، وهو ما سينعكس على نهضة مصر الزراعية لما يواجه من تحديات قاتلة بسبب قلة الموارد من المياه، مما يهدد أمنها الغذائى، بعد خسارتها لأكثر من 1٫5 مليون فدان فى منطقة الدلتا وإصابتها بالجفاف كل عام، من إجمالى مساحة الأراضى الصالحة للزراعة التى تغطى 3٪ فقط من مساحة الوطن.. لتزيد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج فى ظل الزيادة السكانية المتصارعة، مما يقضى على حلم تعمير الصحراء التى تحتاج لاستصلاحها المزيد من المياه وليس تقليلها، ويجعلنا ننحصر فى حدود المنطقة المتآخمة لنهر النيل المقدرة بـ4٪ الموجودة بها الأراضى الخصبة، ومن ثم تصاب مصر بالعطش الحقيقى وهو ما يهدد حياة المصريين.
كما يهدد المشروعات التنموية التى يمهد لها من قبل السلطة السياسية المصرية وينذر بعواقب وخيمة.. لعلنا نتساءل: من أين للحكومة المصرية المياه التى استخدمتها فى استصلاح ملايين الأفدنة الموجودة على الطريق الشرقى والصحراء الغربية الذى أعلنت عنه منذ أيام فى وسائل الإعلام المختلفة، أليس من الأجدر أن تهتم حكومتنا الذكية بهذه المشكلة القائمة أولاً.. فماذا عن التحركات الرسمية المصرية لحل الأزمة.. وما أهم التحديات التى تواجه مصر مع دول حوض النيل، وما الخطر الحقيقى الذى يهدد الأمن المائى المصرى؟ هل الحلول العسكرية مطروحة لحل هذه الأزمة أم يمكن حلها بالوسائل القانونية؟
الحقيقة أن مصر تناست كثيراً الاهتمام بدول المنبع مما سمح للآخرين مثل الإسرائيليين والصينيين وغيرهم بالسيطرة على أفكار وتوجيهات هذه الدول وتشجيعها لبناء 33 سداً ومنها سد النهضة محل النزاع، بخلاف المشاريع التنموية هذا بقصد حرمان دولتى المصب وهما مصر والسودان من الموارد المائية المسموح بتدفقها إليهما، فضلاً عن التحكم فى كميات المياه المخزنة فى بحيرة السد هناك، هذا على الرغم من أن الفاقد فى مسار النهر عبر المستنقعات والخطوط الفرعية يزيد على 60٪، إلى جانب أن مصر تحتاج إلى موارد مائية أكثر من المياه وهذا يستلزم ضرورة التحرك السريع والتواصل المباشر على أعلى مستوى فى السلطة السياسية المصرية لبحث الموقف ومواجهة المخاطر المحتملة بسبب بناء هذا السد مع رؤساء دول المصب خاصة إثيوبيا، وهنا قد تلعب القوى الناعمة دوراً بارزاً فى هذا المجال مثل الأزهر والكنيسة المصرية والدبلوماسية الشعبية.. وغيرها، وأخشى ما أخشاه أن تتحرك الحكومة المصرية بعد أن تقع الواقعة كعادتها.. ولا نجد لها مخرجاً سوى الصراخ والعويل واتهام الآخرين بالمؤامرة والفشل يقع على المصريين.
الخبراء والمتخصصون يؤكدون أن قضية سد النهضة دخلت منعطفاً خطيراً والأيام المقبلة ستكون صعبة وأن النظام الحالى سيندم بعد فوات الأوان، خصوصاً بعد قيام دولة إثيوبيا ببناء السدود المقترحة على مجرى النهر الأزرق، وبالتالى فى ظل الزيادة السكانية ومحدودية الموارد المائية سوف تصاب مصر بالعطش الحقيقى، وأعلن الخبراء دعم التحركات الدبلوماسية والقدرات السياسية والتواصل المجتمعى بين دول المنبع والمصب لمواجهة الأزمة، رافضين التسرع بشأن التصعيد العسكرى فى وجه الأشقاء والأصدقاء من دول حوض النيل، إلا إذا لزم الأمر.
اتفاقية عنتيبى لم توقع عليها مصر، لكن وقع عليها 7 دول من دول حوض النيل وهذا حدث بدولة أوغندا فى 14 مايو 2010 ومنهم إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندى والكونغو الديمقراطية، وهذه الاتفاقية تتعلق بإعادة توزيع حصص الدول من المياه وإلغاء حق الفيتو لمصر على أى مشروعات مائية تقام فى هذه الدول.
الأزمة كما يرويها الدكتور هانى رسلان، رئيس وحدة دراسات الشئون الأفريقية والسودانية وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسى والاستراتيجية، إن إثيوبيا ترغب فى التحكم فى مياه النيل المتجهة نحو مصر وإن كانت العوائق الفنية والهندسية لهذا السد تحول دون بنائه، فالموارد المائية المتجددة فى إثيوبيا هى 123 مليار متر مكعب أى ضعف الموارد المائية المصرية مرتين ونصف المرة التى تقدر بـ55٫5 مليار متر مكعب سنوياً.
وأضاف: لا توجد أى تحركات رسمية مصرية لحل الأزمة الحالية، بل إن التصريحات التى جاءت مؤخراً على لسان وزير الرى الدكتور محمد بهاء الدين، دائماً ما تظهر بالمرتبكة والمتناقضة، وفى مجملها «لم تجدى»، بعد أن حرص الوزير ذاته على التقليل من الآثار السلبية للسد بل ويدعى أن الأرقام والمعلومات المؤكدة عن مكان السد وحجمه وسعته مبالغ فيها وأنها ليست أكيدة، وكان ذلك للتهوين والتقليل من الآثار السلبية للسد دون أن ينتظر تقرير اللجنة الثلاثية المكونة من ثلاث دول هى مصر والسودان وإثيوبيا إضافة إلى 4 خبراء أجانب محايدين، والتى هى اقتراح إثيوبى حيث تم الإعلان منذ البداية أن تقريرها «غير ملزم»، ثم يعود ويقول من جديد إذا ثبت وجود أى أضرار سنلجأ للتفاوض مع الجانب الإثيوبى على السياسة التشغيلية لسنوات بقاء المياه فى الخزان، وهو ما يعنى من الناحية العملية إلى انهيار الموقف التفاوضى المصرى قبل أن تبدأ المفاوضات مع الجانب الآخر، وهذه سياسة خاطئة جداً سوف تؤدى إلى الإضرار بالمصالح المائية المصرية، خاصة أن إثيوبيا تعمدت البطء فى أعمال اللجنة بشكل متعمد كنوع من محاولة كسب الوقت حتى حولت السد إلى أمر واقع.
ويرى الدكتور «رسلان» أن إثيوبيا لن تستجيب لأى ضغوط مصرية بعد قيامها بتغيير مجرى النيل الأزرق الذى كان مقرراً له شهر سبتمبر وإثيوبيا بكرت الموعد، بعد أن مارست الخداع مع الجانب المصرى، لكنها تريد وضع مصر أمام الأمر الواقع، وبالتالى على الجانب المصرى التحرك العاجل للتفاوض مع الجانب الإثيوبى حتى يمكن إثيوبيا مراجعة موقفها والتوصل لحلول وسط لإنهاء الأزمة دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية، دون انتظار تقرير اللجنة الذى لم يأت.
ويرجع الدكتور «رسلان» أزمة سد النهضة إلى الستينيات من القرن الماضى، عندما وضع أول مخطط لإقامة السدود الإثيوبية وكان ذلك بواسطة مركز الزراعة والاستصلاح الأمريكى كنوع من رد الفعل على قيام مصر ببناء السد العالى فى ذلك الوقت بتحديها للبنك الدولى والولايات المتحدة الأمريكية.
ويواصل الدكتور «رسلان» أنه فى عهد رئيس وزراء إثيوبيا الراحل «مليس زيناوى» شرع فى بناء شبكة وتنفيذ عدد من السدود التى كانت مخططة ومنها سد النهضة، بعد أن تم تحديث الدراسات لهذه السدود بغرض توليد الطاقة الكهربائية والقيام بعملية تحديث وتنمية فى دولة إثيوبيا، وهذا أمر مشروع ولكن لا يعنى ذلك الإضرار بمصالح الآخرين، خاصة أن السدود التى تنوى إثيوبيا إنشاءها على النيل الأزرق وهو الفرع الرئيسى للنيل الذى يمد مصر بحوالى 85٪ من حصتها السنوية، وسد النهضة يعتبر أهم وأول هذه السدود، حيث مر بمراحل عديدة لكن إثيوبيا حرصت على الاحتفاظ بتصميمات السد وما يدور حوله من تدهورات فى طى السرية والكتمان وعدلت التصميمات مرات عديدة إلى أن وصل الأمر إلى التصميم الأخير بتسميته «سد النهضة» إلى ارتفاع 145 متراً، وسعة تخزينية لخزانه تصل لحوالى 74 مليار متر مكعب من المياه.
ويضيف «رسلان» أن هذا السد يحمل الكثير من الأخطار على مصر، لأن إثيوبيا سوف تضطر لحجز المياه لملء الخزان خلف السد، وبعد ذلك تقوم بإطلاق المياه من أجل توليد الكهرباء، وفى مرحلة انتهاء ملء الخزان المقدرة حالياً بست سنوات ستكون هناك أضرار مستديمة على مصر تتمثل فى نقص فى مواردها المائية بما يتراوح بين 9 ــ 12 مليار متر مكعب سنوياً من إجمالى حصة مصر هى 55٫5 مليار متر مكعب، على الرغم من أن هذه الحصة لا تكفى فى ظل الزيادة السكانية المضطردة، وعجز سنوى 7 مليارات متر مكعب من المياه، رغم قيام مصر بإعادة استخدام كميات كبيرة من المياه، ولكن إجمالى استخدامنا السنوى من المياه هو 70 مليار متر مكعب، وهذا الفرق يأتى من إعادة الاستخدام وقليل من المياه الجوفية، مما يعنى تبوير مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية، فعندما ينقص 4 مليار متر مكعب من المياه يساوى تبوير مليون فدان، وهذا يعنى تشريد 2 مليون أسرة وفقدان عدد كبير من المزارعين لمصدر رزقهم، مما ينتج زيادة الفجوة الغذائية فى مصر كلما ينقص إنتاج الأرض، ومن ثم زيادة الاستيراد وتتكبد الدولة المزيد من الأموال الطائلة لسد هذه الفجوة، وأيضاً نقصان توليد كهرباء شمال السد العالى فى خزان أسوان بنسبة 20٪ ومع هذا إثيوبيا تشرع فى تكملة بناء السد بسرعة لإنهاء إنجازه فى عام 2015.
مضيفاً أن الأرقام المبدئية للدراسات الخاصة بالسد تؤكد أن التكلفة المبدئية للسد تقدر بحوالى 4٫7 مليار دولار قابلة للزيادة بشكل كبير، وأنه تم إنجاز 20٪ من إجمالى مراحل إنشاء سد النهضة الإثيوبى، مشيراً إلى أن إثيوبيا تعتمد فى تمويلها للسد على أمرين، الأمر الأول: حملة تعبئة داخلية تظهر فى شكل سندات لتمويل السد والجزء الثانى من التمويل: يدخل لإثيوبيا كمساعدات ومنح تحصل عليها إثيوبيا فى شكل قروض مالية ضخمة من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى.
ويؤكد «رسلان» أن إثيوبيا هى المحرض الرئيسى وراء التوقيع المنفرد لبعض دول الحوض على اتفاقية عنتيبى، ويساعدها فى ذلك الحوض الاستوائى، فهى التى تتخذ مواقف عدائية تجاه مصر فيما يتعلق بسد «بورما» وباقى السدود على النيل الأزرق، متجاهلة بذلك القانون الدولى وقاعدة عدم إلحاق الأضرار بالآخرين، وأيضاً تجاهلت العلاقات بين مصر وإثيوبيا التى ينبغى أن تكون تعاونية فى كل الأوقات.
ويوضح «رسلان» أن موقف مصر التفاوضى من اتفاقية عنتيبى «ضعيف» لعدة اعتبارات أهمها اتباع الحكومة المصرية للسياسة الخاطئة لتمييع المشكلة وعدم إعطائها ما تستحق من الأهمية والحماية المطلوبة باعتبارها قضية أمن قومى على الرغم من أن إثيوبيا مارست الخداع مع الجانب المصرى بإعداد دراسات وتصميمات لم يؤخذ بها، مطالباً الحكومة المصرية بالبحث عن الوسائل أو اتخاذ الإجراءات المناسبة للدفاع وحماية مصالح مصر المائية، وذلك من خلال اتباع سياسة الترغيب والترهيب، بأن تتم زيادة المشروعات والاستثمارات فى إثيوبيا، وفى الوقت نفسه استخدام أوراق للضغط عليها بالتقارير والمعلومات الموثقة عملياً وإذا رفضت إثيوبيا حلول الوسط بعد اتباع كل الوسائل القانونية، فيبقى إعلان مصر بأنها لم تستبعد أى خيار فى التعامل مع الأزمة حتى لو اضطررنا للتلويح بالحل العسكرى، لأن سد النهضة سوف يشكل خطراً حقيقياً على الأمن المائى المصرى، وهو ما أكده الخبراء المحليون فى مجال التربة والمياه وعدد كبير منهم هم أعضاء فى اللجنة الفنية الوطنية لدراسة السد، مما يلحق الضرر بمصر، موضحاً أن هناك مشكلتين فنيتين رئيسيتين بهذا السد هما أنه سد مرتفع جداً ومقام فى منطقة زلازل، وبالتالى هو موجود فى منطقة غير مستقرة، بخلاف أنه يمر بها الأخدود الأفريقى العظيم، وبالتالى فإن إنشاءه بهذا الحجم والسعة التخزينية الكبيرة، سيضع ثقلاً كبيراً جداً على التربة تحت منطقة بناء السد، مما سيؤدى إلى حدوث تحركات أرضية وانهياره وارد فى أى لحظة، ويهدد مدينة الخرطوم بالغرق بأكملها، والسد العالى بالانهيار مروراً بكل المنشآت المائية السودانية، وأن بعض السيناريوهات تؤكد حدوث انهيار للسد العالى، وأن معامل الأمان فى إنشاء سد النهضة منخفض جداً يصل لـ1٫5 درجة، بينما معامل الأمان فى السد العالى 8 درجات، وإذا ما تعرض السد الإثيوبى للتدمير أو القصف فإن خطورته على مصر تكمن فى أنه يحجز 74 مليار متر مكعب من المياه عن مصر، بواقع يتراوح ما بين 9 ــ 12 مليار متر مكعب سنوياً.
ويطالب «رسلان» الحكومة المصرية بضرورة التفاوض مع الحكومة الإثيوبية للتوصل إلى حلول وسط للعودة بهذا السد إلى التصميمات الأولى لما كان يسمى بسد بوردر أو سد الحدود، وكان سعة تخزينه 13 مليار متر مكعب فقط، ويمكنه تحقيق أهداف إثيوبيا من توليد كميات هائلة من الطاقة الكهربائية بشكل يفى بأغراض البلاد، ويوضح أن أهداف إثيوبيا الحقيقية ظهرت بعد أن أعدت دراسات وتصميمات فى سرية تامة وفى غفلة من مبادرة حوض النيل وبدون موافقة لدولتى المصب، ومن ثم تسعى إثيوبيا لا للتنمية فحسب بل للتصدير متجاهلة الأضرار التى ستلحق بمصر والسودان، وللحد الأدنى مما يمكن تحمله أو قبوله.
وحول إمكانية نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب المياه، أوضح اللواء أحمد عبدالحليم، الخبير الاستراتيجى، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أنه لم يحدث فى التاريخ أن وقعت حروب بسبب المياه، فالحقول العسكرية غير مجدية لحل الأزمة، وإنما الأمر يتطلب المزيد من التعقل والحكمة للمحافظة على ثروتنا المائية.
ويواصل الخبير الاستراتيجى قائلاً إن الطبيعة الحاكمة للأزمة الحالية ذات أبعاد سياسية واستراتيجية وليست تنموية أو فنية فقط، ولكن إثيوبيا وبعض الدول الأخرى تحاول أن تروج لهذه الأزمة بشكل أو بآخر، ومع الأسف الحكومة المصرية لم تعط ملف المياه الاهتمام الواجب، مما يجعلنا نصفها بأنها حكومة «غير مسئولة» ومن ثم النزاعات ستظل مستمرة لحين التوصل لحل جاد لمواجهة ندرة المياه القادمة.
ويوضح الخبير الاستراتيجى أن معالجة الأزمة الحالية تستلزم أن تسير فى الاتجاه نفسه، وفى إطار السياسات التفاوضية والمباحثات والمناقشات المستمرة وتقديم الاقتراحات المتميزة التى تمكننا من عقد اتفاقيات جديدة بإقامة مشروعات جديدة مشتركة مع إثيوبيا ودول المنبع، لأن من المهم أن تكون هناك علاقات حميمية ومصالح ومنافع متبادلة بين مصر ودول حوض النيل، لأن المصالح الاقتصادية هى التى تقود الدول وإذا يتعذر على بعض الدول فيلجأون لتقديم البدائل لهذه الدول وليس بتدخل قوى عسكرية لإنهاء الأزمة.
ويضيف اللواء «عبدالحليم» أن هناك العديد من المبادرات التى قدمت من خبراء محليين حتى لا يحدث أى أضرار ومع هذا لم يأخذ بها، مطالباً بضرورة إنشاء وزارة مصرية دائمة تتولى إدارة ملف المياه وتتابع مستجدات الأزمة وتقدم حلولاً فورية وعاجلة لما تراه خللاً أو قصوراً أو أى مشاكل من شأنها الإضرار بمصلحة الوطن.
الدكتور إمام الجمسى، أستاذ الاقتصاد الزراعى، يقول: هناك تحديات مدمرة تواجه القطاع الزراعى وتؤثر على سياسة الأمن الغذائى فى مصر وتصيبها بمزيد من التدهور وأهمها انحصار الموارد المائية فى خندق ضيق، فالحصة المخصصة لقطاع الزراعة من المياه العذبة لم تتغير وتتراوح النسبة بين 75 ــ 80٪ أى ما يعادل 40 مليار متر مكعب، ولكنها تظل محدودة فى ضوء تضاعف أعداد سكان مصر، مما يؤدى بشكل مستمر إلى تقليل نصيب الفرد من المياه، إلى جانب التوسع فى المساحات الأفقية والرأسية من الأراضى الزراعية لاستيعاب حجم الزيادة السكانية المستمرة ومن ثم احتياجنا من المياه يتضاعف، وهذا ما يقلل من حجم التوسعات المطروحة فى استصلاح الأراضى الجديدة.
ويضيف «الجمسى» أننا نروى أراضينا الزراعية بثلاثة أنواع من المياه سواء كان بمياه عذبة أو مياه الصرف الزراعى أو مياه خليط «عذبة + صرف زراعى»، مع العلم أن مياه الصرف الزراعى لها تأثير ضار على جميع المحاصيل الزراعية، مما يتسبب فى نقص الإنتاجية للحاصلات الزراعية، بخلاف أضرار التلوث ونسبته بـ7٫5 مليار متر مكعب، خاصة فى محافظة كفر الشيخ التى تلتقى أواخر أراضيها الزراعية بمياه الصرف الصحى مما يتسبب فى أضرار صحية خطيرة لسكانها وبالفعل غالبية سكانها مصابون بفيروس «سى»، مضيفاً أن الأراضى الخصبة تظل تعانى مشاكل فى الرى ولكن مع استكمال بناء هذا السد غير الآمن فستنخفض حصة مصر من المياه بالنسبة التى قدرها خبراء الرى والموارد المائية المحليين بما لا تقل عن 9 مليار متر مكعب، مما سيكون له تأثير كبير على تعدى التركيب المحصولى القائم بما يتلائم مع سياسة الدولة المائية والإنتاجية والتصديرية وخفض كميات مياه الرى للمساحة المزروعة، حتى لا يأثر سلباً على إنتاجية الفدان أو نجدها تنعكس على الفلاح المصرى ودخله والدخل القومى بسبب اللجوء إلى استيراد الدولة للحاصلات الزراعية لسد الفجوة فى الغذاء.. فمثلاً فدان القمح يحتاج إلى 3٫50 ألف متر مكعب من المياه، والخضار إلى 5 آلاف متر مكعب مياه للفدان، والأرز يحتاج ما بين 8 ــ 9 آلاف متر مكعب من المياه للفدان «كأصناف جديدة»، بينما يزيد احتياج الأرز العادى بنسبة تصل إلى 13 ألف متر مكعب من المياه للفدان، والقصب ما بين 12 ــ 13 ألف متر مكعب من المياه للفدان.
ويرى الدكتور «الجمسى» أنه لابد من وضع استراتيجيات زراعية جديدة تتضمن سياسات جديدة تعمل تحت ظروف نقص كميات المحاصيل الزراعية من خلال استقطاب الفواقد أى الحد من إهدار الفواقد المائية من خلال وصول مياه الرى مباشرة من المنبع إلى الأرض بإحداث تطوير وتنظيف للمجارى المائية مع الاستفادة من نتائج البحوث الزراعية باستنباط أصناف مبكرة النضج يمكنها التقليل من احتياجنا للمياه ومدة بقائها فى الأرض تكون أقل حتى يمكن زراعة ما نستطيع رويه بالإضافة إلى تسوية الأرض الزراعية بالليزر، حيث يتم عمل التسوية كل 3 سنوات حتى يمكن خفض استخدام كمية المياه المستخدمة فى الرى بنسبة 10٪ على المستوى العام أى توفير ما يعادل 7 مليارات متر مكعب من المياه، وأيضاً يؤدى إلى زيادة الإنتاجية بمعدل 20٪، إلى جانب تبطين الترع المكشوفة لتقليل فاقد المياه بنسبة 30٪ ولمنع تسربات مياه الصرف إلى التربة الزراعية، بخلاف استخدام رى التنقط فى زراعة الفاكهة لكونه يوفر نسبة 50٪ من احتياجنا للمياه، مع أهمية البحث العلمى فى زيادة الإنتاج الزراعى من خلال استحداث شتلات جديدة أقل استخداماً للمياه خاصة الحاصلات الرئيسية التى تتعلق بالأمن القومى، مع استخدام وزراعة الأرز على المصاطب عرض متر إلى مترين لكى يوفر 20 ــ 30٪ من استخدام المياه، بدلاً من الخط، وهذا الأمر يتطلب تدخل خبراء الرى والتربة لمواجهة ندرة المياه القادمة، وذلك من خلال تعظيم العائد من حدة المياه فى إنتاج الحاصلات الزراعية المختلفة، مع تشجيع الفلاح على الاستمرار فى الإنتاج بطريقة آمنة وعدم الهروب إلى زراعات غير رئيسية تفقدنا مع الوقت الميزة الزراعية، وتؤثر على حجم إنتاجنا الزراعى من المحاصيل الرئيسية التى لها الأولوية فى الإنتاج.
ودعا الدكتور «الجمسى» إلى ضرورة إيجاد صيغة تعاون بين الوزارات المعنية والمزارع، مما يحقق الحفاظ على كل نقطة مياه وتوفير الغذاء المطلوب، موضحاً أن نصيب الفرد من مياه النيل بلغ فى الوقت الراهن حوالى 500 متر مكعب بعجز يصل إلى 1000

متر مكعب، لافتاً إلى أن الكمية ستتناقص مع الزيادة المستمرة فى حجم السكان فى ظل قلة الموارد من المياه، فإجمالى موارد المياه فى حوض النيل تصل إلى حوالى 1700 مليار متر مكعب ويصل منها إلى مصر والسودان 85 مليار متر مكعب، وأن كميات الأمطار فى الحوض موزعة على ثلاثة أقسام ثلثها فى الهضبة الاستوائية والثلث الثانى فى جنوب السودان والثالث يتمثل فى الأمطار التى تهبط على الهضبة الإثيوبية سنوياً تصل كميتها إلى 600 مليار متر مكعب وهى كمية ضخمة، بينما تحصل مصر على موارد مائية لا تزيد على 55٫5 مليار متر مكعب، يذهب منها للزراعة المصرية ما يتراوح بين 75٪ ــ 80٪ أى ما يعادل 40 مليار متر مكعب، ولكن بعد أن أكدت المؤشرات أنه سينتقص حوالى 30٪ من موارد مصر المائية القادمة من الجنوب، وهذه النسبة أصبحت لا تتناسب مع الزيادة السكانية المضطردة التى تصل إلى 92 مليون نسمة.
ونوه الدكتور «الجمسى» إلى أهمية الاستفادة من كميات المياه العذبة التى تهدر فى بحر رشيد، مشيراً إلى أن اللجنة الثلاثية وهى لجنة دولية تضم 3 دول هى مصر والسودان وإثيوبيا و4 خبراء أجانب وهى التى تبحث حالياً أزمة سد النهضة الإثيوبى «متراخية»، لافتاً إلى أن هذه اللجنة لم تخرج حتى الآن بتقريرها عن الأضرار التى سيلحقها السد بالوطن، كما سيؤثر على توليد الكهرباء من السد العالى بنفس النسبة تقريباً، وهو ما يهدد زراعة آلاف الأفدنة فى منطقة الدلتا وإصابتها بالجفاف بخلاف عدم إمكانية التوسع فى استصلاح الأراضى الصحراوية سواء فى توشكى التى بها 3٫500 مليون فدان غير مستصلحة وأيضاً أراضى سيناء التى بها من 400 ــ 600 ألف فدان، وكل ذلك ينذر بعواقب وخيمة.
عباس الطرابيلى، الكاتب الكبير، المحلل الاقتصادى، يقول: الموقف الرسمى المصرى يبدو كأنه غائب تماماً عن متابعة أزمة سد النهضة، ولهذا يظهر نظرياً بموقف الضعيف.. وأقل ما توصف به حكومتنا أنها «نايمة فى العسل»، وأنها لا تدرى حجم المشاكل التى سيخلفها سد النهضة الإثيوبى على مصر وعلى حصتها من مياه النيل وعلى أراضيها أيضاً، لهذا لا تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حقوقنا التاريخية التى لا تعترف بها إثيوبيا ومعها معظم دول حوض النيل، ومنها للأسف دول جنوب السودان، إلا إذا ما كان الأمر يتطلب عدم الإفصاح بأى معلومات عن هذه الأزمة.. وهو ما يمثل خطورة كبرى على ملف مياه النيل باعتباره يمثل أحد أركان الأمن القومى المصرى.
ويقول «الطرابيلى» إن إثيوبيا استغلت اشتعال ثورة يناير فى مصر لكى تنفذ مشروعها هذا المسمى بـ«سد النهضة» وقد أعلنت إثيوبيا عن هذا السد فى عز هذه الثورة، وكان ذلك فى شهر فبراير 2011 ولم يكن الرئيس السابق قد تنحى بعد عن السلطة، للمكايدة السياسية لمصر، ثم بعد شهرين فقط أى فى إبريل وضعت إثيوبيا حجز الأساس لهذا السد الذى تنفذه شركة إيطالية ولا أحد يعرف بالضبط كم يتكلف إنشاء هذا السد ثم ومن أسابيع قليلة وقعت إثيوبيا عقداً مع الصين لإنشاء شبكة نقل الكهرباء المنتجة من هذا السد وطولها 1238 كيلو متراً.
ويواصل «الطرابيلى» إن أخطر ما فى هذا السد الذى ينتهى إقامته عام 2015 يعنى بعد عام ونصف تقريباً، والأخطر هو ما ينزله بمصر من أخطار وأول هذه الأخطار: أن هذا السد يقام فوق منطقة زلازل معروفة، فهل تتحمل القشرة الأرضية ثقل الخزان المائى الرهيب الذى سوف ينشأ فى هذه المنطقة، وإذا حدث وانهار هذا السد فإن المياه المخزونة وقدرها أكثر من 74 مليار متر مكعب سوف تندفع فى سيل عرم رهيب أشد من السيل الذى اجتاح سد مآرب فى اليمن وأغرق كل ما أمامه.. وهذه المياه فى إثيوبيا سوف تندفع لتدمير سد الروصيرص داخل السودان ثم سد سنار بعده، لتغرق مدينة الخرطوم كلها تحت مياه هذا السد، ثم تصل إلى جنوب مصر، حيث السد العالى، وثانى المخاطر: إن إثيوبيا مصممة على أن تتم عملية تعبئة خزان السد خلال 6 سنوات فقط، مما يحرم مصر من 12 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، هذا فى الوقت الذى نطالب فيه بحصولنا على 75 مليار متر مكعب سنوياً نجد أننا لن نحصل حتى على حصتنا التاريخية وهى 55٫5 مليار متر مكعب من المياه وهذا يعنى خفض إنتاجنا الزراعى بنسبة الربع أى بنسبة 23٪، كما أنه سيؤدى إلى خفض إنتاجنا من الكهرباء من محطتى السد العالى وخزان أسوان القديم بنسبة الربع أيضاً أى سوف نخسر المياه، ونخسر الكهرباء، لأن ناتج الكهرباء يأتى من كميات المياه ومن ارتفاعها ثم سقوطها أو مرورها داخل أنفاق المحطتين.
يرى «الطرابيلى» أن تتم عملية تعبئة الخزان وسعته حوالى 74 مليار متر مكعب خلال 20 سنة، ونقول هذا بعد أن أصبح السد حقيقة واقعة بعد أن تم إنشاء حوالى 20٪ من مبانيه.
ويكشف «الطرابيلى» عن مخطط إثيوبيا لبناء 33 سداً داخل أراضيها لأنها تمتلك غير نهر النيل 11 نهراً أخرى، وهذه السدود هى نتيجة الدراسات التى أجرتها وزارة استصلاح الأراضى الأمريكية فى الفترة من عام 1959 و1964 للرد على إنشاء مصر للسد العالى، وإذا كانت إثيوبيا تعيب على مصر أنها أنشأت سدها العالى دون استشارة دول حوض النيل، فإن هذه حجة مرفوضة، لأننا أقمنا السد العالى لنحجز مياه النيل التى كانت تصب فى البحر المتوسط، أما إثيوبيا فإنها تقيم مشروعاتها وهى بذلك تؤثر على دول أخرى غيرها هى جنوب السودان والسودان ومصر.
يوضح «الطرابيلى» أن حل الأزمة يبدأ باعتراف مصر بأن إثيوبيا تعتبر الدولة الأكبر بعدنا بين دول حوض النيل فهى نجحت فى تكوين رأى عام أفريقى ضدنا، بعد أن كانت كل دول أفريقيا تقف معنا، خصوصاً بسبب سياسة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر التى نجحت فى تحرير هذه الدول من ربقة الاستعمار، وها نحن نقف وحدنا بين دول أفريقيا، لأن مصر للأسف انكفأت على وجهها وأدارت ظهرها لدول القارة، خاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك فى أديس أبابا ولم تكن مصر الرسمية تدرك أنها تعاقب نفسها، وبذلك زادت موجة العداء الأفريقى ضدنا بشكل رهيب، بعد أن كانت علاقتنا جيدة بالدول الأخرى كنا نسميها بـ«قدس الأقداس»، أصبحنا الآن ندفع الثمن فى شكل العداء الكامل لمصر والمصريين بعد أن رحل جيل زعمائها الذين عرفوا لمصر دورها التاريخى، ليأتى الوقت الذى ترد فيه إثيوبيا الضربة لمصر ببناء هذا السد الكارثى.
ويضيف «الطرابيلى» أن لمصر خبرة طويلة فى التعامل مع أفريقيا تتمثل الآن ــ مثلاً ــ فى الدكتور «بطرس غالى» رجل مصر فى أفريقيا الذى نفذ سياستها للتقارب معها، حيت أصبح سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة، وهو بكل خبراته السياسية والدولية يرى وجوب تحرك مصر دولياً وإقليمياً بشكل عاجل، لأن العالم لن يوافق على اشتعال نزاع رهيب بسبب مياه النيل لأن نشوب هذا النزاع حول النيل يفتح الباب على مصراعيه لنزاعات أفريقية ودولية حول المياه، وهنا يستوجب اللجوء إلى الأمم المتحدة والدعوة لتنظيم مؤتمر دولى كبير ومؤثر لوضع قواعد التعامل مع هذه المشكلة ومع غيرها، وتفعيل اتفاقيات «هلسنكى» التى تحدد طبيعة علاقات الدول التى حول الأنهار الدولية، بل ووضع قواعد أكثر فاعلية لمثل هذه المشاكل، وأن يخرج هذا المؤتمر الدولى بقرارات «دولية» تلتزم بها كل الدول، وأيضاً التحرك السريع نحو المنظمات الاقتصادية الدولية والإقليمية ونحو الدول المانحة للمساعدات لكى تكف يديها عن مساعدة أى دولة تخطط لإلحاق الضرر بدولة أخرى، ونقول ذلك لأن الصين التى تحلم بموضع قدم فى أفريقيا هى التى ستنفذ مشروع إنشاء شبكة الكهرباء لسد النهضة الإثيوبى كما أن إيطاليا هى التى تنفذ الآن مشروع السد ذاته.
ويتساءل: هل تضحى الصين وأيضاً إيطاليا بمصالحهما المتقدمة مع مصر وربما مع العرب كلهم، أم أن لكل منها أطماعها الخاصة ليس فقط فى إثيوبيا ولكن أيضاً فى كل القارة الأفريقية؟
ويعود ليؤكد أن الاتفاقيات الدولية مازالت سارية، حيث إنها تمنع إقامة أية سدود دون موافقة الدول الموقعة على بنودها التاريخية والإعلان المسبق لها أولاً، كما أن جميع الدساتير التاريخية تعترف بالاتفاقيات القديمة وتلزم باحترامها من جانب جميع الدول الموقعة عليها، أما عن المبادرات المطروحة لحل الأزمة فهى خطوة كويسة ولكن متأخرة.
ويشير «الطرابيلى» إلى أننا نعترف بأن المصالح الاقتصادية هى التى تقود الدول، ورغم كل ذلك علينا ألا نهمل الاتصال بالدول المانحة للمساعدات المالية والفنية لكى تعيد النظر فى سياستها مع المنطقة، ومع هاتين الخطوتين مطلوب منا سياسة مصرية جديدة مع كل دول القارة الأفريقية، وليس فقط مع إثيوبيا حتى تعرف هذه الدول حجم الضرر الذى يمكن أن ينزل بمصر، وأن تقف دول القارة مع مصر أو على الأقل تقف على الحياد إذا لجأت مصر إلى منظمة الوحدة الأفريقية التى كانت مصر فى مقدمة الدول التى أنشأتها، حتى وإن كانت أديس أبابا هى مقر هذه المنظمة.
ويصف الدكتور عبدالغفار شكر، خبير الشئون الأفريقية، نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، مشروع سد النهضة الإثيوبى بأنه مكايدة سياسية لمصر، فكل الشواهد تدل على أن إسرائيل تحاول الإضرار بالمصالح المصرية عن طريق دول المنبع ومنها إثيوبيا، محذراً إثيوبيا بالتلاعب مع مصر، لأن مصر «لم تصمت».
ويضيف خبير الشئون الأفريقية أن إثيوبيا أعلنت أنها تهدف بهذا السد ليس لإنتاج الكهرباء لمدنها وقراها فقط ولكنها تهدف للتصدير وستكون إسرائيل أكبر مستفيد من ذلك وهى تقف وراء هذا المشروع وهو ما يجب ألا تسمح به مصر خاصة بعد إهمال البعد الأفريقى للعلاقات المصرية لما يزيد على ثلاثين عاماً وهو ما كان له الأثر السلبى الكبير على مصالحنا الحيوية.
ويؤكد ضرورة التفاهم بين مصر والسودان وإثيوبيا حول أهمية تقليل حجم المياه المخزنة وزيادة عدد السنوات التى سيستغرقها ملء خزان المياه خلف سد النهضة، حتى لا يؤثر ذلك على حجم المياه الواصلة إلى دول المصب.
ويشير إلى أنه يجب على القوى الناعمة المصرية أن تستأنف دورها فى أفريقيا فى إطار المفاوضات والمباحثات وتقديم الاقتراحات بشأن المدة المناسبة لتعبئة الخزان، لأن إذا صممت إثيوبيا على أن تتم عملية تعبئة خزان السد خلال 6 سنوات، هذا سوف يحرم مصر من 12 مليار متر مكعب سنوياً من المياه.
ويوضح أن خطورة بناء هذا السد تكمن فى أن السعة التخزينية له 74 مليار متر مكعب وهى نسبة ضخمة جداً فى منطقة قابلة للتعرض للزلازل والهزات الأرضية، إلى جانب تحكم إثيوبيا فى مياه النيل الأزرق المغذى للسودان بنسبة 85٪ من حصته المائية، كما أن نقل المخزون المائى من أمام بحيرة ناصر إلى الهضبة الإثيوبية سيؤثر بشكل سلبى كبير على حصة مصر من مياه النيل الواردة من المنابع الإثيوبية، وما نطالب به هو وقف بناء السد لحين انتهاء أعمال اللجنة الثلاثية.
ويلفت إلى أهمية تنشيط العلاقات الاقتصادية التعاونية مع دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا بممارسة أنشطة استثمارية، ومن الممكن أن تدفع مصر بأطبائها والمهندسين الزراعيين والمثقفين والخبرات العلمية المتميزة لتقوية علاقتنا بأفريقيا واستعادة ثقتها من جديد من خلال إرسال بعثات طبية وزراعية للعمل فى إثيوبيا، بجانب استقبال الطلبة الأفارقة للتعلم فى الجامعات المصرية وتقديم التسهيلات المناسبة لهم، وهذا يعتبر استكمالاً لما بدأته مصر طوال السنوات الماضية بمساندتها كثيراً لحركات التحرر الوطنى الأفريقى ضد الاستعمار واستقبالها للطلاب الأفارقة والتعليم مجاناً، وهذا محفور فى عقول رؤساء الدول والجامعات والوزراء والسفراء الشاهدين على ما كان يحدث من تقارب وتآلف مع شعوب أفريقيا والتاريخ أكثر شاهد على ذلك.
ويضيف أن لجنة الخبراء التى تقيم دراسات سد النهضة الإثيوبى أرجأت تقديم تقريرها بسبب عدم تعاون الجانب الإثيوبى بشكل كاف مع اللجنة أو إمدادها بالدراسات المطلوبة التى ستكشف الآثارالمترتبة على وجود المشروع من الأساس، وإذا ما ظهر تقرير اللجنة الثلاثية سلبياً، نظل ننتظر نتيجة المفاوضات بين مصر وإثيوبيا ولا نستبق الأحداث.
الدكتور إبراهيم أحمد، أستاذ ورئيس قسم القانون الدولى الخاص بجامعة عين شمس، يقول: الحكومة المصرية تتعامل مع أزمة مشروع سد النهضة بـ«رخاوة» فلم نسمع عن تحركات رسمية لحل هذه الأزمة، وأقل ما توصف به حكومتنا أنها فى واد بعيدة عن اهتمامات واحتياجات شعبها والمشاكل التى يعانون منها، وهو ما يظهرها أمام العالم بموقف المتخاذلة، لكونها لم تبادر بأى محاولات جادة لمواجهة هذه الكارثة القادمة، على الرغم من أن رئيس الوزراء المصرى الدكتور هشام قنديل متخصص فى هذه القضية لتقلده فى السابق منصب وزير الرى، وبالتالى كان عليه الاهتمام بملف المياه باعتباره مشكلة حيوية تعتبر أحد أركان الأمن القومى المصرى ومن المشاكل المعاصرة فى العالم وبالتالى لابد من المحافظة على مياه النيل منبع الحياة فى ظل وجود ندرة مائية مما يهدد الأمن الغذائى.
ويضيف أن إثيوبيا حرصت على بناء سد النهضة بغرض المعاندة مع مصر، بمساعدة إسرائيل وأعوانها، وهذا السد يدخل ضمن مجموعة من السدود هى نتيجة الدراسات التى أجرتها وزارة استصلاح الأراضى الأمريكية فى الفترة من عام 1959 و1964 للرد على إنشاء مصر للسد العالى، إنما مصر ترد عليها بما يؤكده العرف الدولى بأن الاتفاقيات الدولية التاريخية ملزمة للدولة التى وقعت عليها وأى نقض فى هذه الاتفاقيات لا يترتب عليه الإضرار بأحد، كونه لم يعف الدولة المنشقة عن الاتفاقية من واجباتها تجاه الدول الموقعة عليها، كما أن القانون الدولى فى صالح مصر بنسبة 100٪.
ويوضح أستاذ القانون الدولى بجامعة عين شمس أن أحكام القانون الدولى كلها تؤكد صراحة أن مصر لها حق مكتسب فى مياه النيل، فالاتفاقيات التاريخية الموقعة بين الخرطوم وأديس أبابا عام 1902، تنص على منع إقامة أى منشآت على النهر إلا بموافقة السودان، كما أن الاتفاقية الموقعة بين مصر والسودان عام 1959 تمنع إقامة أى سدود دون موافقة مصر والإعلان المسبق لها أولاً، إلى جانب اتفاقية فيينا فى شأن قانون المعاهدات الدولية لعام 1978، والمحددة قانونياً بالمادة رقم 12 التى تنص على وجوب احترام الاتفاقيات الدولية المورثة تاريخياً، فضلاً عما أقره معهد القانون الدولى عام 1961 بشأن مبدأ عدم المساس بالحقوق التاريخية المتوارثة فى الموارد المائية إلا بموافقة جميع الدول، مؤكداً أنه من حق مصر فى حالة إبرام دول حوض النيل لأى معاهدات من شأنها التغول على حق مصر فى مياه النيل، فيترتب عليها إقامة المسئولية الدولية لهذه الدول التى خالفت القواعد المنظمة لهذه الاتفاقيات التاريخية، وبالتالى تكون مسئولة قانونياً وفقاً لأحكام القانون الدولى، ومن ثم نتوقع حدوث نزاعات بين إثيوبيا وبين الدول الأخرى نتيجة لمخالفتها صراحة هذه البنود التاريخية، ولكن حلول هذه الأزمة تبدأ بالوساطة واتباع المساعى الحميدة كمحاولة لتسوية المنازعات بين الدول أو محاولة إجراء مفاوضات ومباحثات لحل الأزمة الراهنة وعندما تفشل هذه الوسائل فيتم اللجوء إلى المحكمة الدولية فى حالة إصرار إثيوبيا على الإضرار بمصالح مصر المائية، فهى آخر الوسائل القانونية التى يستوجب على مصر اللجوء إليها، بينما خطوة استخدام سلاح الحرب أو الحل العسكرى فهذا يأتى بعد فشل قائمة الوسائل التى يقررها القانون الدولى لتسوية المنازعات.
حسن بدراوى، وزير شئون العلاقات الخارجية بحكومة الوفد الموازية، يقول: مشكلتنا الحالية هى كيفية الحفاظ على سيادة الأمن القومى المصرى، ولابد من دعم الوجود المصرى الإقليمى فى دول حوض النيل، عبر تنشيط الاستثمارات فى مجالات متنوعة، لأن العلاقات الاقتصادية لا تعرف إلا لغة المصالح، فهناك الكثير من المشروعات التى يمكنها إحداث تعاون مشترك قائم على المنافع المتبادلة بين البلدين مصر وإثيوبيا، فمصر تهتم بمشروع العلاج الطبى وهو ما تفتقر لوجوده دولة إثيوبيا وأيضاً إنشاء المستشفيات الصحية، كما يمكن لمصر إحداث طفرة متقدمة فى السياحة العلاجية بعد أن أهملتها طوال السنوات الماضية ولكون إثيوبيا تتمتع بخدمات جليلة وقوية فى هذا المجال، منوهاً بأن دولة جيبوتى من الممكن أن تلعب دور الوسيط المشترك بين البلدين.