عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الوفد" تحاور المحكوم عليهم غيابياً على بعد 3 كيلو مترات من "إسرائيل"

محررة الوفد بين المحكوم
محررة الوفد بين المحكوم عليهم في سيناء

في سيناء تسقط إرادة السير منفرداً خارج نطاق المدن، الدليل «البدوي» ثابت في تحركات الجبال والعرف «القبلي» يمنعه من حمايتك إذا تجاوز حدود قبيلته، لكنه يضمن لك سلامة «الضيف» احتراما فقط وليس واجبا.

كانت تلك شروط الرحلة إلى «وادي العمرو» تلك التي تبعد عن مدينة الشيخ «زويد»80 كيلومتراً، عن الطرق «إسرائيلية» الصنع الباقية حتى الآن، يتحدث السائق معربا عن إعجابه بحفاظها على مسار الأرض دون حاجة إلى تجريفها.
هنا في الصباح نسمع صيحات الجنود الإسرائيليين أثناء تدريبهم..يواصل السائق البدوي كسر «ملل» الطريق الرملي الممتد وعلى جانبيه كثبان ناعمة صفراء فاقع لونها «تسر الناظرين»، وتثير الحزن على «سيناء» المهملة تنموياً..
نحن الآن في «وادي العمرو» حيث منفذ العوجة المؤدي لـ«إسرائيل»، هكذا يتحدث الدليل «السيناوي»، وعلى مرمى البصر شجرة لم تعد «خضراء»، وجلسة مستديرة لبضعة أفراد، يقطع «الدليل» لحظات التأمل في فضاء المنطقة التي تبعد عن دولة الكيان الصهيوني «3 كيلو مترات» قائلاً «حظك حلو هذا «سالم أبولافي» بطل فيلم المصلحة، يجلس إلى جوار «جيرمي أبو المسوح»، والصديقان معا محكوم عليهما بالسجن لمدة «قرن ونصف» غيابيا في جرائم يعتبرونها «ملفقة».
وصلة ترحيب ممهورة بنظرات الترقب والتوجس استمرت لبضع دقائق، وأسئلة معتادة حول الصحف، بعدها كان الحديث هادئاً بعيداً تماماً عن موضوع الحوار، لكن تواصل الحديث أسفر عن القبض على مجريات كلام تائه للربط بين حادث الجنود والمحكوم عليهم غيابيا.

سالم لافي


في جبال سيناء يتناثر «280» مواطناً سيناوياً محكوماً عليهم غيابيا في قضايا متباينة، على رأس الشخصيات ذات الأهمية من المحكوم عليهم غيابيا «سالم أبولافي» بطل قصة فيلم المصلحة، التي لم تزعجه على الإطلاق –على حد قوله، لافتا إلى أنها قصة درامية مستوحاة لا تؤثر في شيء.
«أبو لافي» قصة مواطن حكم عليه «غيابيا» بـالسجن «50 عاما» بتهمة إتلاف مدرعات وقضايا أخرى في نهاية العام 2010، لم يكن يتوقع أشهر شخصيات سيناء ذو العلاقة الوطيدة يوما بقيادات الأمن أن تسوقه الأيام إلى الجبل مطارداً ومتربعا على عرش قائمة المطلوبين أمنيا.
ما بني على نظام فاسد فهو «فاسد»، كان ذلك مفتتح حديث سالم لافي عن الأحكام الصادرة ضده، لافتا إلى أن النظام السابق اعتاد التلفيق للسيناويين وأفسح المجال للهروب مما صنع عداءً طائلاً بين أهالي سيناء وأجهزة الأمن.
يقول سالم: «أنا لو نزلت البلد سيتم القبض علي لأن علي أحكام، مشيرا إلى أنه سلك الطرق القانونية لإسقاط الأحكام الصادرة ضده، لكن المحكمة أيدت الحكم، وعلمت من أحد الأهالي عند مطلب مدير الأمن في النظام السابق بـ«تصفيتي جسديا».
الأحكام الغيابية والمطاردة لم تمنع «أبولافي» من العمل في «كسارتين» ضمن أعمال المحاجر، لينضم إلى قائمة الشاكين من ندرة «السولار» باعتباره مستهلكا لـ«12 ألف لتر جاز يوميا»، مؤكداً أن المصريين يعانون من أزمة «طاحنة» في حين أن المواد البترولية تهرب إلى «غزة».
عن مبادرة «تسليم السلاح» السيناوي، يتحدث ابن قبيلة «الترابين» أشهر القبائل السيناوية قائلاً: «مستعدين لتسليم السلاح للدولة، بشرط توفير الأمن في سيناء بأكملها»، ويستطرد: «أبناء سيناء بالكامل مستعدون لفتح صفحة جديدة قائمة على الوضوح والشفافية بشرط من يخطئ يحاسب على خطئه».
المحكوم عليهم غيابيا يستعان بهم في الأزمات، لذلك والحديث لـ«سالم» نريد طي صفحة الماضي لمساندة الدولة في مسيرتها القادمة.
إلى جوار سالم لافي، يجلس جيرمي أبو المسوح الشاب الذي لم يتجاوز عمره 33 عاماً ويحمل أحكاما غيابية تقدر بـ«100سنة سجن» في قضايا يؤكد «تلفيقها»-على حد قوله.

جيرمي أبوالمسوح


«جيرمي» المشهور بتربية الخيل العربي، تبدو ملامحه المصرية، وإصراره على تعليم أولاده حرصا على وقايتهم من مستقبل «مطارد» شواهد على رغبة جامحة في بدء حياة جديدة مقابل إسقاط الأحكام.
ينفي الشاب الثلاثيني في مطلع حديثه علاقته بـ«خطف الجنود» أو خاطفيهم، لافتا إلى أنه يتمسك بما سماه «الشرف» وفقا لعادات وتقاليد البدو، هذا الذي يمنعه من ظلم جنود لا ذنب لهم، وتشريد أسرهم، ويؤكد «أي شخص غريب بييجي هنا بنمنعه من التواجد».
يروي «جيرمي» حكاية الأحكام الغيابية قائلاً: «كان عندنا ضابط اسمه علي راغب في مكافحة المخدرات، هذا الضابط كان يلفق القضية مقابل 10000 دولار» ويستشهد بقصة تدعم رواية التلفيق قائلاً: «عندنا في الجبل لا نستخرج شهادات وفاة لأحد، وكان أحد الأهالي قد توفي في عام 1999 وصدرت ضده أحكام غيابية عام 2000 رغم عدم تورطه في قضايا قبل وفاته، ويستطرد: «نريد جهازا أمنيا عادلا يعطي للناس حقوقها، وسيناء في حاجة لتنمية لن تتحقق إلا بوجود الأمن».
المطارد «الترابيني» يحكي عن مساهمته أثناء الثورة في تأمين الحدود الشرقية قائلا: «شكلنا لجان إعاشة للمجندين ومنعناهم من الرجوع في ظل الانفلات الأمني دعما لتأمين الحدود مع الكيان الإسرائيلي».
«جيرمي» الذي أقام اعتصاما موازيا إلى جوار الشجرة التي

يطلق عليها «سيالة التحرير» تضامنا مع الثورة قال: «البعض بيقول عننا مجرمين، لكن الحقيقة لو لقينا جهاز أمن عادل فنحن مستعدون للحوار معهم مباشرة».
يسترسل «المطارد» في رواية قصته معرجا على تعرض ابنه الصغير لوضع السلاح عند رأسه وسؤاله عن أبيه، متسائلاً: «ماذا تتوقع الدولة من طفل تربى على هذه الطريقة؟».
ويكشف «جيرمي» الغطاء عن السيناويين قائلاً: «في أي كمين قبل صدور الأحكام الغيابية، كنا نتعرض لأبشع الإهانات بتهمة انتمائنا لمحافظة شمال سيناء، ويستطرد: «كنت في العريش واستوقفني كمين شرطة ونزلت من السيارة فقال لي الضابط: «إنت رايح فين يا يهود سينا».
مزعجة كانت ولاتزال الثقافة السائدة عن سيناء وأهلها، والمطلب لدى «أبو المسوح» يتلخص في المساواة في التعامل مع أبناء الوادي.
ولدى المحكوم عليهم غيابيا حسبما أفاد «جيرمي» لا فرق بين النظام السابق والنظام الحالي، لكن الفارق بينهما أن نسبة الأحكام الغيابية لم ترتفع بعد الثورة، لافتا إلى أنه تعرض قبل الثورة إبان الحكم عليه إلى ثلاثة اختيارات تراوحت بين أوصاف «السجين»، أو «المرشد»، أو «الهارب» لكنه في النهاية اختار أن يكون هاربا حتى لا يرشد عن «مظلوم» تحت ضغوط الأمن.
يقول «صاحب حكم السجن لـ100عام» بلسان مصري خالص: «إسرائيل تريد تصعيد الكراهية بين أبناء سيناء والأمن والجيش، لكننا لن نستجيب لضغوط أصحاب الأجندات هذه ونصعد عداءنا للشرطة لصالح إسرائيل» ,ويستطرد قائلاً «لن نعطيهم هذه الفرصة».
وعن تفاؤله بالثورة لإغلاق هذا الملف ذى الأهمية «السيناوية» يشير جيرمي «كنت متفائلا بالثورة وبالرئيس محمد مرسي الذي جرب الظلم والسجن، وتوقعت أن يعفو عنا لنبدأ صفحة جديدة في حب الوطن، لكن خيبة الأمل لازمتنا بعد عرض الملف عليه عدة مرات دون نتائج».
في وادي العمرو وفقا لرواية «المطارد السيناوي» لا شيء سوى الكهرباء، بينما تغيب المياه التي تشترى «يوميا» بمبالغ باهظة، وعطفا على غيابها تغيب الخدمة الصحية والتعليمية، مؤكدا أنه في حالة مرض أحد أولاده فإنه يجري اتصالا بأحد أقاربه غير المحكوم عليهم ليذهب به إلى مستشفى العريش، في حين أنه يستأجر مدرسين خصوصيين لأولاده أملا في إدراكهم قيمة تعليمية تكفل لهم حياة محترمة، ملوحا بعبارة: «مضطر لأن مفيش مدارس، وطول ما أنا مطارد ابني هيبقى مطارد».
عند «جيرمي» ورفاقه تبقى المناشدة قائمة للرئيس محمد مرسي في إرسال مندوب أمني أو مسئول من الرئاسة يتميز بالأمانة، ليرى على أرض الواقع أصحاب الأحكام الغيابية، ويعيد النظر في تلك الأحكام الملفقة، ويصدر حكمه بغلق الملف أو القبض عليهم إذا وجد أنهم «مجرمون» إذا ثبت من خلال مشاهدته.
ويستطرد: «تلقينا وعودا كثيرة من المسئولين بعد الثورة بفحص الملف تمهيدا لإنهائه، وإبان الانتخابات تلقينا وعودا موازية من القيادات الحزبية والسياسية لكن شيئا لم يتحقق إلى الآن.
أكثر من 200 شخص من المحكوم عليهم غيابيا «مظلومون»، ونحن نريد العدل فقط، كانت تلك الأمنية هي آخر عبارات «جيرمي ورفاقه»، رداً على وجود مفاوضات من جانب القضاة الشرعيين مع المسئولين في هذا الشأن، مؤكدين أن كافة المفاوضات آلت إلى الفشل، محملين النظام مسئولية غلق الأبواب أمام «المطاردين السيناويين» في إدراك أعمال شريفة، تساهم في إعادة الاستقرار لسيناء.