رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"منطقة البراد" مخبأ الجنود المخطوفين

بوابة الوفد الإلكترونية

لاتذهب إلى مدينة «الشيخ زويد» إذا رأيت الشمس تميل إلى الغروب ،هنالك تسيل الصحراء كثبانا وشياطين على جانبي الطريق ،والأكمنة الأمنية «كامنة» خلف عبوات رملية وتعرجات يصنعها تراص الألواح الأسمنتية التي يبطل مفعولها «ليلا» في إنقاذ الواقعين في مصائد «الخطف».

من العريش ذهاباً على بعد 8 كيلو مترات دقق بصرك في «براد صخري» أصفر اللون عن يمينه مساحات خضراء متدرجة على تبة رملية ،وأسفلها «أسلاك مشتعلة» و3 إطارات سيارات وبقايا قطع جلدية متناثرة لإطارات محترقة ،ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك خاسئاً وهو حسير ..عندئذ ستعلم أنك في مكان «اختطاف الجنود السبعة» أبطال «مقطع الفيديو» الذي تداولته المواقع الإلكترونية مساء أمس الأول كشاهد يضاف إلى شواهد ترهل «دولة الإخوان».
تعرف المنطقة التي تبعد عن مدينة الشيخ زويد بـ 3 كيلو مترات» بـ»البرادة» أو «البراد» حسبما يروق لك في المسمى «السيناوي» ،و»البراد الصخري» يرمز إلى البادية ،وفقاً لطبائع البدو في ترميز مواقعهم كل حسب خصوصيته، ويبلغ عدد سكانها متفرقي المساكن 200 فرد.
على يسار البراد، إذا كنت متجها إلى الشيخ زويد ،تبدو الأسلاك المحترقة والإطارات الثلاث الواقعة أسفل تبة رملية شاهد عيان على «حادث الاختطاف» ،وعلى بعد أمتار تظهر الأحجار التي استعملت –وقتئذ-في قطع الطريق واستهداف المجندين ،وتبرز إذا اتجهت إلى حيز المساحة الخضراء «فدان ونصف» «آثار سيارات الدفع الرباعي» على طريق رملي يصل بعد 30 كيلو متراً من بدايته إلى «جبل الوسط».
كانت الرحلة «شاقة» جراء غياب دليل آمن يحول بين فجأة ظهور «قطاع الطريق» من ناحية ،و صعوبة الوصول إلى شهود عيان يستطيعون فك «طلاسم» المنطقة الأكثر غموضاً والتي ترجح جميع المؤشرات احتجاز «الجنود السبعة» في محيطها.
على مرمى البصر قبيل دخول المنطقة تظهر 3 بنايات إحداها في أقصى اليمين بـ»الطوب الأحمر» يعلوها العلم المصري ، وفي المنتصف تظهر غرفة واحدة من «البوص» ،وفي أقصى اليسار يظهر عقار«أصفر اللون لايرى عليه أثر السكن.
قررنا الدخول مع يقين نستأنس به في ترك النتائج إلى «توفيق السماء» ،صعدنا تبة رملية حتى التقينا سلكاً شائكاً يحيط بمساحة تبلغ «فداناً ونصف الفدان» مقسمة إلى منطقتين ،الأولى فور عبور السلك «محصول طماطم» لم ينضج بعد ،وفي نهاية الأرض شابان يشتركان في «لحية سوداء» ،وامرأتان منتقبتان وثلاثة أطفال ،يحصدان معاً محصول «كنتالوب» منزوع الأسمدة الكيماوية.
أحدهما ترّقبنا أثناء عبور السلك حتى اقتربت منه مبادراً «سلام عليكم ياشيخ»،بابتسامة قلقة رد السلام ،تعرف إليّ ثم طرحت عليه إمكانية حديث حول القضية الأبرز إعلاميا وسيناويا» من ناحية موقع «اختطاف الجنود».
كان شقيقه يتحسس خطاه متباطئاً متظاهراً بالاطمئنان ،بينما الشقيق الأكبر «سلامة غنيم « يدفع عربة صغيرة محملة بـ»الفاكهة» الأشهر في المنطقة ،سألته «منذ متى وأنت تقيم في هذه المنطقة؟»..كان السؤال مدعاة لإجابة تقليدية جاءت في «احنا شغالين هنا من شهر 12، وأبدأ عملي في السابعة صباحاً ،وأغادر في السادسة مساء.
صمت «سلامة غنيم» منتظرا على مضض انتهاء الحديث ،أردفت بسؤال مباشر حول انطباعه ومدى معلوماته عن واقعة خطف الجنود ؟..وجاء رده «والله مش عارفين ،ومش متابع القضية «متسقا مع حالة انطواء تتملكه يمكنك قراءتها بنظرة عابرة على ملامح وجهه .
سريعا حولت الحوار إلى منطقة الاختطاف باعتبارها الهدف الأبرز ،قلت «ماهي طبيعة المنطقة الأشهر في «اختطاف السيارات والأفراد ،وإلى أي مدى كثافة سيارات الدفع الرباعي على الطريق المجاور لأرضك ذهابا وإيابا؟»،وجاء رده: إن سيارات الدفع الرباعي «رايحة-جاية» باستمرار ،لافتا إلى أن تلك المنطقة معروفة بتهريب «السولار والبنزين ..وغيرهما من السلع»،بعيدا عن شهادة أحد سائقي «الميكروباص» على خط «العريش-رفح» على واقعة خطف الجنود ،تلك التي قال فيها إن سيارات دفع رباعي استوقفت السيارة ،واطلع أصحابها على بطاقات الركاب ،وأنزلوا الجنود السبعة دون متعلقاتهم واصطحبوهم في سيارة إلى داخل هذا الطريق الرملي المؤدي لـ»جبل الوسط».
«غنيم» الذي لاتشغله قضية «خطف الجنود» قال فيما يشبه محاولة لـ»تمييع القضية» إن إطارات السيارات المشتعلة كانت وسيلة  قطع الطريق يستخدمها معتصمون ضد ارتفاع أسعار الأسمنت ،ثم أدركه الصمت لحظة مباغتة باستدراك مفاجئ «لماذا لم يعتصموا أمام المحافظة؟».
المرونة كانت صفة مميزة لـ»الشقيق الأصغر»-عايش غنيم-انطلاقا من وصفه المباشر لـ»واقعة خطف الجنود»بأنها شيء سييء ،نافيا في رده إلى طبيعة أخيه علاقته بأي مطالب خارج إطار «وظيفة» روتينية في أي مصلحة حكومية بالمحافظة.
«عايش» الحاصل على دبلوم صناعة الذي كان يحيا على أمل الاستقرار الوظيفي بوصول مرسي لـ»الحكم» يقول في رسالة لـ»الرئيس»: «اهتم بالأمن والزراعة في سيناء ،لأن كل شيء هنا يخص المرافق نقيمه على نفقاتنا الخاصة .
الشقيقان «عايش» كانا محطة لابأس بها في الوصول إلى خيط رفيع يكشف عن منطقة «تواجد الجنود «ويسرد تفاصيل منطقة «الاختطاف» ،قبيل المغادرة سألنا عن هذا المبنى الذي يعلوه العلم المصري ،قال الشقيقان إنه منزل لـ»عقيد متقاعد بالقوات المسلحة» ،صعدنا تبة رملية أخرى ،كان الرجل ذو اللحية البيضاء والثياب بدوية «الطابع» جالسا على مقعد أمام المنزل ،تحرك إلينا قبيل انتهاء الصعود إليه ،وفي منتصف المسافة التقينا ،بدا حذرا كطابع العسكريين حتى أفصحنا عن «هويتنا» .
«أنا العقيد أيمن البيك-بالقوات الخاصة سابقا،وأسكن هذه المنطقة منذ عامين ،ومقيم في منزلي

24ساعة «،هكذا عرف الرجل نفسه ،متبوعا تعريفه بعبارة مباشرة تعقيبا على الحادث «البدو شامين نفسهم شوية».
لم يؤكد «البيك» شهادة موثقة لـ»واقعة الاختطاف» وملابساتها بحكم قربه من موضع الحادث ،لكنه عرج على وقوعه قائلا»الخاطفون ناس لهم ثأر مع الشرطة ،وأهالي سيناء يشعرون بالاضطهاد من الدولة «.
واستطرد قائلا: «لا أتوقع تدخل الجيش عسكريا» ،إزاء تلك المعلومات كان ضروريا الارتداد سريعا إلى ليلة الحادث ومشاهداته بها ،قال العقيد «البيك» إن أصوات إطلاق النار هنا شيء عادي ،نافيا وقوع أحداث استثنائية في هذا اليوم.
«العقيد» الذي داهمته جرأته قال: «السيارات المارة من هذا الطريق الرملي من كل شكل ولون ،والتهريب شغال ،وسيارات الدفع الرباعي تستخدم بكثافة هنا للهرب من «الشرطة».
واختتم قائلا: «لابديل عن إسقاط الأحكام الغيابية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين للإفراج عن الجنود، متسائلاً عن أسباب صدور  الأحكام العاجل على أهل سيناء «.
في أعقاب تداول «مقطع فيديو» بات في حكم المؤكد وجود «الجنود المختطفين في منطقة تسمى «نجع شبانة» ،تلك المنطقة التي يمكن الوصول إليها بعد قطع طريق لعدة كيلومترات باتجاه «يمين «البرادة ،ثم تحويل الطريق إلى النجع فيما بعد.
و»نجع شبانة « تنتمي جغرافيا لـ»الشيخ زويد» ،ويعرفها «السيناويون»بأنها منطقة «تمركز» الجماعات الجهادية ،لكن استهدافها بعملية عسكرية لن يسفر عن حل إيجابي للأزمة.
يعرف «خاطفو الجنود» احتمالية تعرض المنطقة لـقصف عسكري،لذلك –وفقا لمصدر سيناوي –رفض ذكر اسمه- فإن الجنود السبعة متفرقون في اتجاهات متعددة ،تحسباً لنجاح عملية عسكرية قريبة.
يقول المصدر: «إن خاطفي الجنود «الرهائن» ليسوا أغبياء ليضعوا المجندين في مكان واحد ،لافتا إلى أن وجود «مجند واحد» في حوزتهم يمثل ورقة ضغط على النظام لتحقيق أهدافهم.
ويضيف: «إن منطقة الوادي الأخضر التي تنتمي لها «البرادة» تشهد تمركزاً مكثفاً لـ»عناصر» تهدد منذ مايقرب من شهرين بعمليات خطف وسرقة ،مشيرا إلى أن المجندين مراقبون منذ وصولهم للعريش ،وهاتفيا تم الإبلاغ عن جميع مواصفات السيارة وسائقها.
في تلك المنطقة وفقا لـ»رواية» شهود عيان-رفضوا ذكر أسمائهم- تزدهر ليلا ونهارا «سرقة السيارات» ،تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية والتنفيذية التي لاتستطيع تأمين «طريق دولي» من العريش لرفح هو الأكثر أهمية في منطقة سيناء.
في محيط تلك المنطقة تتواجد أقرب نقطة تفتيش على بعد 2كيلو تقريبا،4مرات ذهابا وإيابا من وإلى «رفح» ،مرورا بالشيخ زويد لم نشهد تفتيشا ولو «صوريا» للسيارات في ظرف استثنائي تهتز معه «كرامة الوطن» ،جنود «الكمين» الأقرب لـ»البراد» تبدو ملامحهم السمراء عازفة مع قسمات الأسى وانتظار المصير شاهدة على حالة توتر أمني ملحوظ في المحافظة بأسرها ،ويبلغ مداه في طريق «العريش-رفح».
«كل الخيارات مفتوحة « كان هذا رد الفعل الرسمي على «الأحداث» وفقا لتصريحات «محافظ شمال سيناء» ،لكن الشارع السيناوي لايعرف إلا رداً واحداً على النظام «المرتبك» يأتي في «أنتم ابتدعتم بدعة «التفاوض» بعد حادثة بهذا الحجم وعليكم أن تزيلوها ،ثم يبقى الاستماع لشكاوى السيناويين على اختلاف فصائلهم دون حاجة إلى خطف لـ»الجنود» أو رهائن من أي جهة أخرى .
هنا على الأرض التي غاب عنها «فيروزها» ،لايرتاح التناقض مطلقا في تصريحات الفرقاء النشطاء والمسئولين ،ويبدو «تخبط» الأداء الرسمي والأمني سمة غالبة تظهر بوضوح إذا قمت برحلة عابرة إلى رفح قادما من العريش ،لاخطة أمنية واضحة ،ولاتصريحات مقنعة ،وتبقى أزمة «الوطن» حاضرة دائمًا في شارع على وشك الانفجار ،ونظام «سياسي» غلت يداه عن تصرف يمحو «عار» إذلال جنود مصريين لاذنب لهم سوى امتثالهم لـ»واجب وطني».