رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإخوان وصلوا للسلطة فى انقلاب برعاية أمريكية

بوابة الوفد الإلكترونية

شهد عام 1989 انسحابي النهائي من الصفوف التنظيمية للحركة الشيوعية المصرية بعد أن منحني موقعي المهني فرصة رؤية الوجوه الحقيقية للرفاق الذين كانوا يقودون تلك الحركة آنذاك، وفي العام نفسه كان الإسلاميون السودانيون قد استولوا علي حكم «الخرطوم» بانقلابهم العسكري الناجح فأُضيف الملف السوداني إلي واجباتي المهنية في مجال الإعلام الخارجي

حيث استضافت محطة إذاعة «وادي النيل» المصرية برنامجاً سياسياً يومياً من إعدادي وتقديمي إلي جانب برنامجي السياسي اليومي في محطة الإذاعة المصرية الموجهة إلي «أفغانستان». وفي عام 1992 تحول التحالف الدولي المعادي للشيوعية بعد إكماله لمهامه إلي تحالف دولي معاد للعنف الإسلامي، تحت ذات الرئاسة الأمريكية وذات العضوية لدول حلف الأطلسي ومجلس تعاون الخليج العربي وباكستان، إلي جانب مصر التي أصبحت ممثلة في التحالف الجديد بفريقين متصارعين فيما بينهما وهما المؤسسات الرسمية السيادية ومكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين» حتي إن الرئاسة الأمريكية للتحالف كانت تجتمع بكل فريق منهما علي حدة تحاشياً للصدام بينهما، الأمر الذي وفر لقادة الإخوان فرصة كسب المزيد من الود الأمريكي. وأثناء تلك التطورات تم اختياري من قبل التحالف الدولي الجديد منسقاً عاماً لأحد مؤتمراتهم البحثية العلنية، وكان مخصصاً لتبادل وجهات النظر حول كيفية الحد من ظاهرة العنف السياسي الإسلامي علي مدي عدة جلسات انعقدت بالتبادل بين «القاهرة» و«روما» طوال عام 1992، بمشاركة مندوبين عن مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بمن فيهم «الإخوان المسلمين»، وفي العام نفسه أصدر «صفوت الشريف» بموافقة «حسني مبارك» قراره بتعييني كمستشار إعلامي مقيم في «السودان» وهي إحدي المهام الشاقة، حيث تطلبت التحامي الميداني المباشر مع كل المصادر البشرية المعبرة عن كافة مفردات خرائط الدولة والمجتمع هناك بما فيها الجاليات والتجمعات الأجنبية، ومن بينهم المصريون الموجودون بكثافة في «السودان» والذين يكرهون بطبيعتهم الموظفين الرسميين الممثلين للدولة المصرية مثلي، وكان التحامي بالجميع ضرورة مهنية حتي يتسني حصولي علي المعلومات السياسية ذات الصلة بمصر والمصريين هناك مع فحصها وتدقيقها لرفعها إلي جهات الاختصاص في الوقت المناسب، لاسيما وقد تزامنت تلك المهمة مع وقوع اشتباكات حدودية مباشرة بين الجيشين المصري والسوداني عام 1992 بسبب النقص المتبادل في معلومات الطرفين حول التطورات الميدانية داخل مثلث «حلايب» الحدودي، الذي كان آنذاك خاضعاً للإدارة السودانية تحت السيادة المصرية مما أسفر عن مصرع وإصابة العشرات من الأشقاء علي الجانبين لأول مرة في التاريخ المعاصر والحديث. وكالعادة فقد ضمت البعثة الدبلوماسية المصرية بالسودان بعض خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة من زملاء دراستي السابقين، والذين كان من بينهم زميلي الخجول بعد تعيينه كوزير مفوض تجاري مقيم في «الخرطوم» وبسؤاله عن خاله الشيخ الثري مالك شركة الإنتاج الإعلامي ورئيس شعبتي الإعلام والعلاقات الخارجية في جماعة «الإخوان المسلمين»، أجابني بأنه يخشي زيارته أو استقباله رغم سكنه علي مسافة أمتار منه حتي لا يتضرر مستقبله المهني، فدفعتني اعتبارات وجوب «صلة الأرحام» إلي ترتيب لقائهما بمعرفتي علي هامش ندوة رسمية مخصصة لمناقشة التبادل التجاري بين مصر والسودان في مجال الإنتاج الإعلامي، شكرني زميلي الدبلوماسي الخجول بحرارة علي ما وصفه بشهامتي الإنسانية وبكي القيادي الإخواني من فرط فرحه وهو يحمد الله علي ملامسته لابن أخته الذي رباه كأبيه لكونه يتيماً والخال عقيماً، وعاقبتني أجهزة الأمن السياسي المصرية علي عدم رفضي لمشاركة القيادي الإخواني في الندوة الرسمية وذلك عبر توصيتها النافذة بحرماني من كل أنواع الإجازات طوال مدة خدمتي في «السودان» التي بلغت خمسة أعوام، نظراً لجهل قادة تلك الأجهزة بحقيقة أن تنوع الاتصالات الميدانية بلا حدود هو وحده الكفيل بتوفير المعلومات السياسية ذات الأهمية مع منح الفرصة اللازمة لفحصها وتدقيقها قبل رفعها إلي جهات الاختصاص في الوقت المناسب، حتي أن لقاء «صلة الأرحام» المرفوض من جانب الأجهزة هو الذي قادني للتأكد من وجود قائد تنظيم القاعدة الجهادي الإسلامي «أسامة بن لادن» علي الأراضي السودانية، لتوجيه أنشطة أتباعه المعادية للتحالف الدولي الجديد والتي تستهدف بالضرورة فيما تستهدفه المصالح الداخلية والخارجية لنظام الحكم المصري بما قد يمس بعض المواطنين المصريين الأبرياء، ولتكذيب معلوماتي في هذا الشأن أنكرت أجهزة الأمن السودانية وجود «بن لادن» أصلاً هناك الأمر الذي دفعني إلي افتعال جلسة مطولة معه فوق أحد الصنادل النيلية البطيئة، مع قيام كاميرا الفيديو التابعة لوحدة الإعلام الخارجي بتصويرنا معاً عن بعد مما تسبب في عدم وضوح الصوت، فاختفي حديثنا الودي الذي دار لمدة نصف ساعة حول الشيخ الثري القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» باعتباره الصديق المشترك لكلينا، لاسيما وأنه كان قد حكي لأسامة وهو يوصيه بي خيراً عن محاولاته السابقة لتجنيدي ومن ثم تصعيدي نحو شغل أحد المواقع علي رأس تنظيم القاعدة، فسألني «بن لادن» مداعباً عما إذا كان بمقدوري تحقيق ما أسماه بالإنجازات التاريخية للقاعدة لو كان قد تم تبديل موقعي معه أو مع نائبه وخليفته «أيمن الظواهري»!!
(11)
كانت عقوبة احتجازي في «السودان» بدون إجازات لمدة خمسة أعوام هي الأخف بالمقارنة مع عقوبات خشنة أخري عديدة طالتني بمجرد عودتي النهائية إلي «القاهرة» بعد اكتمال مهمتي الدبلوماسية عام 1997، وذلك علي أيدي مجلس الدفاع الوطني الذي انتظر عودتي لتصفية حساباته القديمة معي، في مرحلة تاريخية كان عنوانها العريض هو التصفيات المتبادلة للحسابات علي امتداد العالم بين أعضاء التحالف الدولي الذي أصبح معادياً للعنف الإسلامي بعد أن كان معادياً للشيوعية، لاسيما وقد أدرك المقاتلون الحقيقيون من الاستشهاديين الإسلاميين أخيراً حقيقة أن حلفاءهم السابقين خدعوهم بإساءة استغلالهم في الحروب الأفغانية. وكانت الإدارة الأمريكية هي البادئة بتصفية حساباتها المعلقة عبر تحريضها لصديقها الرئيس العراقي «صدام حسين» علي غزو «الكويت» عام 1990، لترويع الجار السعودي ومن خلفه مجلس تعاون الخليج العربي والجار التركي ومن خلفه حلف الأطلسي مع ترويع «مصر» باعتبارها الأخ العربي الأكبر و«بريطانيا» باعتبارها دولة الاستعمار السابقة للعراق والكويت معاً، تمهيداً لانتزاع موافقة هؤلاء وأولئك علي النهب الأمريكي المنظم والشره لثروات الخليج العربي تحت سواتر متتالية بدأت بحصار العراق عام 1991 وانتهت بالاحتلال المباشر لأراضيه الذي استمر منذ عام 2003 حتي الآن، بينما كان الجهاديون في «الصومال» قد انقلبوا ضد شركائهم السياسيين السابقين ليسيطروا بمفردهم علي حكم «مقديشيو» عام 1991، فاجتاحت القوات الأمريكية أراضيهم عام 1992 لينجحوا في طردها عام 1994 ويظل الكر والفر مستمراً بينهما هناك حتي الآن، أما الجهاديون الأفغان والذين كانوا قد سيطروا بمفردهم علي حكم وأراضي دولتهم عام 1999، فقد شرعوا يذبحون كل شركائهم السياسيين السابقين بمن فيهم مندوبو الإدارات الأطلسية والخليجية والباكستانية والمصرية والإخوان المسلمين، ودفعتهم شهوة تصفية الحسابات إلي حد تفجيرهم لأبراج التجارة العالمية وغيرها من المباني الاستراتيجية الواقعة في الأراضي الأمريكية عام 2001، فردت الإدارة الأمريكية الصاع صاعين ضدهم بالتدمير الشامل لكل مقومات المجتمع والدولة في «أفغانستان» تمهيداً لاحتلالها المباشر الذي استمر منذ عام 2001 حتي الآن. وتعرض «السودان» لعشرات الضربات العسكرية والعمليات الأمنية الدموية الموجهة إلي حكامه الإسلاميين من قبل شركائهم السياسيين السابقين في التحالف الدولي، بهدف احتوائهم وإحكام الحصار عليهم منذ عام 1992 وصولاً إلي تقسيم «السودان» لدولتين متنازعتين في عام 2011.
وكان لابد أن تحصل «مصر» علي نصيبها من التصفيات الدموية المتبادلة للحسابات القديمة، لاسيما مع إنشاء برنامج الاستجواب السري المشترك للمخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات العامة المصرية عام 1995 في إطار التحالف الدولي الجديد المعادي للعنف الإسلامي، ففي عام 1997 ارتكب الجهاديون المصريون مذبحة راح ضحيتها عشرات السواح الأمريكيين والأطلسيين ذوي الطابع «الخاص» خلال رحلتهم «السرية» لمدينة «الأقصر» المصرية، وفي عام 1999 قاموا بمحو طائرة «رسمية» مصرية تقل عشرات الضباط المصريين ذوي الطابع «الخاص» خلال عودتهم من رحلتهم «السرية» إلي إحدي القواعد العسكرية الأمريكية، ليعزل الرئيس «حسني مبارك» كل قادة أجهزة الأمن السياسي المصرية الأعضاء في مجلس الدفاع الوطني باستثناء «عمر سليمان» أمين عام المجلس ورئيس المخابرات العامة الذي أعلن «مبارك» فيما بعد قرار تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، ربما لأن عضويته بالفريق المصري المشارك في التحالف الدولي قد أقنعت «مبارك» بالإبقاء عليه إلي جانب أعضاء الفريق الآخرين من العسكريين مثل «صفوت الشريف» و«زكريا عزمي» و«حسين سالم»، والذين ظلوا مرتبطين بشخص «مبارك» حتي زوال جمهورية الخوف الأولي عام 2011 علي عكس «عمر سليمان» الذي باعه لخصومه الانقلابيين، وربما لأن المعلومات المسبقة التي أفشلت محاولة اغتيال «مبارك» في «أديس أبابا» عام 1995 كانت مرفوعة إليه مني بواسطة «سليمان» و«الشريف» معاً حسب قواعد عملي المهني في السودان آنذاك، وذلك رغم وضوح المسئولية السياسية الكاملة لعمر سليمان عن حادثتي الأقصر والطائرة وتقصيره الأمني في منعهما، لاسيما وأنه كان قد تسلم مني قبل عدة أعوام المعلومات الخاصة بهاتين الحادثتين واللتين تم تدبيرهما بمعرفة المكتب الفني السري لدعم حركات الإسلام السياسي المنبثق عن هيئة الصداقة الشعبية العالمية في رئاسة الجمهورية السودانية. أما أنا فكان نصيبي من تصفية الحسابات هو تهميشي المهني ومنعي من السفر خارج البلاد بقرار الحاكم العسكري العام رغم استصداري أحكاماً قضائية بحريتي في السفر، ورفض علاج عمودي الفقري المصاب بكسور مضاعفة إثر هجوم كان قد وقع ضدي لاغتيالي بهدف الحيلولة دون وصولي إلي بعض المعلومات الهامة خلال عملي في «السودان»، إلي جانب الاستخدام المكثف والمتوازي لكافة شرور السيطرة والتقييد تجاهي بالإضافة إلي عدة محاولات لإزالتي بالأساليب النظيفة والمستترة مع ثلاث محاولات فاشلة للتصفية الجسدية الصريحة والمكشوفة!!
(12)
كان احتلال القوات العسكرية الأمريكية للأراضي العراقية في مارس 2003 عقب حوالي عام واحد من احتلالها للأراضي الأفغانية في ديسمبر 2001، قد أثار اعتراض الشعب الأمريكي ضد السياسة الخارجية لإدارة الرئيس «جورج بوش الابن»، الذي حاول الدفاع عن نفسه بادعاء أنه أرسل قواته المسلحة لإسقاط أنظمة حكم شمولية تقمع شعوبها بدرجة لا تستحق معها تعاطف الشعب الأمريكي، الرافض من جانبه أكاذيب «بوش» استناداً إلي استمرار صداقته الحميمة مع أنظمة حكم أخري في العالم أكثر شمولية من نظامي «الملا عمر» و«صدام حسين» دون أن يحاول التدخل لوقفها عن قمع شعوبها، لاسيما أنظمة حكم «مصر» و«باكستان» ومنطقة الخليج العربي أبرز أعضاء التحالف الدولي المعادي للعنف الإسلامي الذي تقوده «واشنطن» منذ كان معادياً للشيوعية في خمسينيات القرن العشرين، مما كان لابد معه أن تسعي الإدارة الأمريكية لتحسين الصورة الذهنية حول الحكام الشموليين لتلك الأنظمة بإظهارهم وكأنهم أكثر ديمقراطية حتي يتقبل الشعب الأمريكي صداقتهم مع «بوش» وذلك من خلال قيام خبراء علم النفس الاجتماعي وشركات العلاقات العامة العالمية بتأليف وإخراج بعض السيناريوهات جيدة الحبكة لوضعها موضع التنفيذ هنا وهناك، والتي كان من بينها اختيار رئيس الجمهورية للدورة الرئاسية المصرية التالية بطريقة الانتخاب المباشر بين عدة مرشحين بدلاً مما كان معمولاً به منذ قيام جمهورية الخوف عام 1952 بالاستفتاء علي المرشح الوحيد للحزب الحاكم، الأمر الذي نجحت الوساطة الأمريكية الضاغطة في إقناع الرئيس «حسني مبارك» بقبوله، ليجد نفسه مضطراً  تحت ضغط الوساطة الأمريكية ذاتها إلي الاتفاق مع الإخوان المسلمين علي صفقة مصالح سياسية متبادلة تلزمهم بتأييده المكثف في انتخابات رئاسة الجمهورية التالية لدورة 2005 - 2011، مقابل سماحه بتمثيلهم المكثف داخل مجلس الشعب المصري في دورته التالية 2005 - 2010، وكالعادة فقد شملت الصفقة بعض البنود الجانبية الأخري لصالح الطرفين مثل التزام الإخوان بالصمت تجاه خطط «مبارك» من أجل توريث موقعه لنجله «جمال» عند حلول الدورة الرئاسية التي تليها (2011 ـ 2017)، مقابل إسقاط الأحكام العسكرية السابق صدورها ضد قادة وكوادر وأعضاء الجماعة، ليعود الشيخ الثري مالك شركة الإنتاج الإعلامي ورئيس شعبتي الإعلام والعلاقات الخارجية بالجماعة من العاصمة السودانية «الخرطوم» عبر صالة كبار الزوار في مطار «القاهرة»، ورغم حصول «مبارك» علي مبتغاه بتجديد رئاسته للجمهورية للدورة الخامسة علي التوالي عقب فوزه في انتخابات عام 2005 بنسبة تقارب التسعين في المائة من أصوات الناخبين، فقد أخل جزئياً بالتزاماته تجاه الإخوان فلم يسمح لهم سوي بنسبة عشرين في المائة فقط من عضوية برلمان 2005 بدلاً مما كان قد وعدهم به وهو نسبة الثلث التي تسمح لحائزيها بتعطيل ما يرفضونه من تشريعات وقوانين وقرارات تنفيذية، مع التزامه بإفساح المجال أمام القيادي الإخواني العائد من الأراضي الأمريكية «محمد مرسي» للترشح والنجاح في إحدي دوائر محافظة «الشرقية» تمهيداً لاعتلائه رئاسة كتلة نواب الإخوان، وبالتالي رئاسة المعارضة البرلمانية، وقد أثار تراجع «مبارك» عن وعوده بتلبية كل المطالب الإخوانية غضب الإدارة الأمريكية بنفس قدر إثارته للغضب الشديد ضد شخصه من قبل الإخوان أنفسهم، بينما كان لم يزل يحتاج إلي دعمهم ولو بالصمت تجاه خططه الرامية لتوريث نجله «جمال»، بما اقتضته تلك الخطط من إجراءات استثنائية اتخذها «حسني مبارك» لإقصاء منافسي «جمال» الحقيقيين عن الترشح لرئاسة الجمهورية، والتي كان أخطرها علي الإطلاق التعديلات الدستورية لعام 2007 بهدف إقصاء قيادات المؤسسات السيادية العميقة للدولة المصرية في الجيش والمخابرات العامة والرقابة الإدارية والسلك الدبلوماسي، ولما كان بعض قادة تلك المؤسسات من ذوي العلاقات المميزة مع الإدارة الأمريكية يتطلعون إلي شغل موقع رئاسة الجمهورية في المستقبل بتشجيع أمريكي، فإن تعديل «حسني مبارك» للدستور عام 2007 قد أثار غضب الإدارة الأمريكية بنفس قدر إثارته للغضب الشديد ضد شخصه من قبل هؤلاء القادة أنفسهم الذين انضموا إلي سابقيهم في الغضب وهم الإخوان المسلمين. وهكذا وجد الغاضبون القدامي والجدد أنفسهم مضطرين إلي أن يشكلوا فيما بينهم وتحت رعاية الإدارة الأمريكية جبهة سرية معادية ساعية لإسقاط مبارك الأب والابن معاً!!
(13)
من الناحية التقنية كانت تلك الجبهة الاضطرارية التي تضم مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ومعظم قادة المؤسسات السيادية العميقة والإدارة الأمريكية قادرة علي خلع «مبارك» منذ بدايات عام 2008 بانقلاب عسكري صريح ومباشر، الأمر الذي كان سيصطدم حتماً مع كل اعتبارات القرن الواحد والعشرين الرافضة للسيناريو الانقلابي بصرف النظر عن عيوب المخلوعين، لاسيما لو كان في دولة إقليمية هامة كمصر وكان تحت رعاية الإدارة الأمريكية التي تتشدق ليل نهار بتصريحات مخادعة عن احترام الإرادة الشعبية، مما أجبر الجبهة الاضطرارية علي اللجوء إلي مناورة التفافية ماكرة لتمرير انقلابها المستهدف، حيث قامت الجبهة بتمهيد الأرض وتهيئة مسرح العمليات مع الاستمرار في التعبئة العامة السرية المعادية ليس فقط لمبارك الأب والابن وأنصارهما، ولكن أيضاً لبعض السياسيين المصريين المعارضين بطبيعتهم لأنظمة الحكم الدينية أو العسكرية أو التابعة للإدارة الأمريكية مثلي أنا، وذلك انتظاراً لنقطة الصفر التي تتوفر عندها السواتر الشعبية المناسبة لقيام الجبهة بتنفيذ انقلاب غير مباشر، وفي العاشر من أغسطس 2010 أصدر الرئيس الأمريكي الجديد «باراك أوباما» أمراً رسمياً تنفيذياً سرياً لكافة الوحدات السياسية والاستخباراتية والعسكرية العاملة في الخارج والتابعة للإدارة الأمريكية، باليقظة والاستعداد لتطورات ميدانية هامة علي وشك الحدوث في العالم العربي كما جاء في جريدة «الأهرام» المصرية يوم 3/4/2013، وهي التطورات التي حدثت بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة لعام 2010 في «تونس» ثم انتقلت إلي «مصر» يوم 25 يناير 2011، باندلاع انتفاضة «ميدان التحرير» الشعبية البطولية المعبرة عن تنامي الغضب الجماهيري الحقيقي والمشروع ضد استشراء الاستبداد والفساد والتبعية للخارج في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، سواء كانت خاضعة لآل «مبارك» أو لخصومهم الانقلابيين، الذين استغلوا أحداث «ميدان التحرير» لتطوير مناورتهم الالتفافية الماكرة عبر خطوات محسوبة بدقة نقلاً عن لعبة «الشطرنج»، تلك

اللعبة الذهنية التي سبق لأحد رموز المؤسسات السيادية العميقة وهو «محمد حسنين هيكل» أن كتب عنها مقاله المعنون «بصراحة» والمنشور في جريدة الأهرام يوم 14/7/1972، واصفاً إياها بأنها «السلف الصالح لكل علوم الحرب الحديثة والأب الشرعي لكافة الاستراتيجيات السياسية المعاصرة». ورغم أن خطط آل «مبارك» ومساعي خصومهم كانت قد تقاطعت مبكراً وبوضوح لا لبس فيه مع أنشطتي المهنية وتحركاتي الإعلامية والسياسية إلا أنه قد أُسْقِطَ في يدي، حيث رأيتُ الطرفين علي باطل بالنظر إلي محاور الاستبداد والفساد والتبعية للخارج،  فكان قراري العقلاني بالتزام الحياد الإيجابي بينهما تحاشياً للتورط في صراع الأشرار الذي قد يدفع بالوطن نحو مستقبل لا يقل ظلامه عن ظلمات الواقع المتواصل منذ عام 1952، ومع ذلك سرب قلمي المتمرد بعض التحذيرات التي أخذت طريقها إلي النشر ابتداءً بكتابي المعنون « انهيار الدولة المعاصرة في مصر» الصادر عن دار «العالم الثالث» المصرية عام 2006 بنصه علي: «إن مصر تتجه نحو مسار الانقلاب المنظم المباغت الذي يمكن تنفيذه بواسطة بعض الأجنحة العسكرية الموالية لأحد الاتجاهين الديني أو القومي، وهو مسار سيقود مصر نحو سلسلة متتالية من الانقلابات المضادة التي تدفع بالبلاد إلي أتون الحرب الأهلية، كما تتجه مصر نحو مسار السحب التدريجي للبساط والذي لا يقدر عليه سوي الاتجاه الديني باعتباره الأكثر نفوذاً داخل أوساط النخب الموزعة علي مؤسسات الدولة المختلفة بما فيها المؤسسات العسكرية والقمعية، وهو مسار يعني خروج مصر من تهلكة قائمة لتقع في تهلكة جديدة، كفانا الله وحده شر النوعين من التهلكة»، مروراً بمقالي المعنون «واحد اثنين الجيش المصري فين» والمنشور بجريدة «الحياة» البريطانية في مارس 2008 وانتهاءً بمقالي المعنون «المجد للجمعية السرية» والمنشور بجريدة «العربي» المصرية في أكتوبر 2010. ورغم أن تسريباتي المتعمدة كانت تنصح الفريقين المتصارعين بضرورة مراعاة قواعد اللعب النظيف لصالح الوطن أثناء صراعهما، فقد عرضتني للضرب غير النظيف من الفريقين معاً بشكل متداخل زمانياً ومكانياً ربما بسبب اقترابي أكثر من اللازم إلي درجة رؤية الوجوه الحقيقية لهؤلاء وأولئك، حتي إنني لم أستطع التمييز بين المصادر النيرانية المختلفة لما لحق بي من إصابات عديدة تحت الحزام، سواء قبل انتفاضة 25 يناير2011 أو بعد انقلاب 11 فبراير 2011 أو خلال الأيام الثمانية عشرة البينية التي شهدت اعتصامي في «ميدان التحرير» وسط مئات ألوف المصريين، الهاتفين ضد فريق «مبارك» رغم أن غضبهم الحقيقي كان ناتجاً عن ممارسات الفريقين معاً!!
(14)
حسب قواعد لعبة «الشطرنج» فقد قام الانقلابيون بتحريك أحجارهم علي الرقعة لإزالة مصادر التهديد المحتملة عبر عدة نقلات مبرمجة سلفاً ومحسوبة بدقة، مما أسفر عن تكسير بعض الأحجار المنافسة وشل حركة البعض الآخر مع محاصرة الملك الخصم «حسني مبارك» لإجباره علي التبييت في خانة وزيره «عمر سليمان» بحثاً عن الحماية، فإذا بوزيره الماكر الذي انفرد به قد تواطأ مع الانقلابيين لخلعه، وهكذا فإن «سليمان» القائم بأعمال رئيس الجمهورية والذي كان يدرك جيداً أن ما يحدث هو انقلاب لم يعترض علي اعتلاء الجناح العسكري للانقلابيين رأس السلطة يوم 11 فبراير 2011، عبر إعلانهم عن انعقاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة في اليوم ذاته برئاسة وزير الدفاع بدلاً من رئاسته الشرعية الممثلة في شخص رئيس الجمهورية أو القائم بأعماله، بل زاد علي ذلك بإعلانه في نفس اليوم قراراً مزدوجاً منسوباً لحسني مبارك بتخليه عن رئاسة الجمهورية وتكليفه المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أصبح تحت رئاسة وزير الدفاع بإدارة شئون البلاد، ليبدو الأمر كأن خلع «مبارك» قد تم نزولاً عند الإرادة الشعبية فقط، وفي النقلة التالية قام الانقلابيون بتسليم رئاسة الجمهورية ذاتها إلي القيادي الإخواني «محمد مرسي» في 30 يونيو2012 بعد إعلانهم عن نتيجة انتخابات مثيرة للجدل، ليبدو الأمر كأن تمكين الإخوان قد تم بدوره نزولاً عند الإرادة الشعبية فقط، في ظل دعم وتغطية الإدارة الأمريكية المؤيدة لسيناريو الانقلاب المستتر غير المباشر باعتباره قد رفع عنها الحرج أمام شعبها والرأي العام العالمي بعد فشل محاولاتها السابقة لتحسين صورة «حسني مبارك»، الذي كان في إطار سعيه لتوريث رئاسة الجمهورية المصرية إلي نجله «جمال»، قد حرم الأنصار القدامي لتلك الإدارة داخل المؤسسات السيادية العميقة عام 2007 من «جزرة» التطلع إلي شغل موقع رئاسة الجمهورية، بعد أن حرم أنصارها الجدد داخل مكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين» عام 2005 من «جزرة» الحصول علي نسبة الثلث البرلماني المعطل، لاسيما وأن «واشنطون» لم تزل تحتاج إلي مشاركة الإخوان والعسكريين معاً في أنشطة التحالف الدولي لمكافحة العنف الجهادي الإسلامي وبقايا الشيوعية، وكان جزاء «مبارك» هو حصوله عام 2011 علي «عصا» الانقلاب الثلاثي الذي نجحت مناورة «ميدان التحرير» في تمريره وكأنه ثورة شعبية خالصة، رغم مروره فوق أجساد عشرات الألوف من جماهير المصريين الشهداء والمصابين والمفقودين والمضارين، الذين راحوا ضحية النقلات الخطرة المتبادلة بين مختلف أطراف تلك المناورة الشطرنجية التي لم يكن للشعب المصري فيها ناقة ولا بعير، ابتداءً من قمع نظام «مبارك» السابق للموجة الاحتجاجية الأولي الممتدة خلال الفترة منذ 25 يناير 2011 إلي 11 فبراير 2011، مروراً بقمع المجلس الأعلي للقوات المسلحة للموجة الاحتجاجية الثانية الممتدة خلال فترة حكمه فيما بين 11 فبراير 2011، و30 يونيو 2012، وانتهاءً بقمع الحكم الإخواني الحالي للموجة الاحتجاجية الثالثة البادئة في 30 يونيو 2012 والممتدة حتي الآن. ويتصاعد العنف المتبادل بين عدة أطراف بمضي الزمن ليسقط المزيد من الضحايا سواء بسبب استمرار غضب جماهير المحتجين المصريين، وهم «الشرفاء» بحق الذين يصعب عليهم تصديق حقيقة أنهم كانوا مجرد بيادق شطرنجية تم التضحية بها لإعادة توزيع مربعات رقعة الشطرنج علي أحجار الإخوان والعسكريين والأمريكيين، أو بسبب استمرار وجود فريق من البلطجية يضم أكثر من ثلاثمائة ألف مجرم ومسجل خطر، هم الأعضاء السابقين فيما كان يسمي كذباً بلجان «الشرفاء» السرية التابعة للمخابرات العامة أثناء حكم «مبارك»، والذين لا يعلم أحد علي وجه الدقة لمن أصبحت تبعيتهم اليوم رغم استمرار تحريكهم المنظم لشن عمليات عنف مخططة سلفاً بحيث تؤدي إلي تمزيق الوطن لعدة أجزاء سهلة الابتلاع حسب مشروع «برنارد لويس» التفكيكي الشيطاني السابق الإشارة إليه، ورغم تحديد بياناتهم الصحيحة مؤخراً علي لسان «أبوالعلا ماضي» رئيس حزب «الوسط» الإسلامي نقلاً عن حديث شخصي أفضي به إليه رئيس الجمهورية «محمد مرسي»، بعد تكرار الإشارات المبهمة إليهم علي مدي عامين كاملين باعتبارهم «الطرف الثالث» أو «اللهو الخفي» أو «النخانيخ» نسبة إلي أكثر نجومهم شهرة «المعلم صبري نخنوخ»، هؤلاء الذين لم تزل بعض كوابيسهم جاثمة علي أنفاسي حتي اليوم!!
(15)
لم تخدعني مناورة الشطرنج الانقلابية رغم مشاركتي علي مدي ثمانية عشر يوماً متواصلاً في اعتصام «ميدان التحرير» ضد الاستبداد والفساد والتبعية للخارج، الأمر الذي دفعني لكشف تلك المناورة وهي في أوج ازدهارها بنفس قدر معارضتي لنظام «مبارك» وهو في أوج جبروته، ونظراً لبداية مكاشفتي المبكرة بمقالي المعنون «ربع ثورة» المنشور في فبراير 2011 بجريدتي «الأهالي» و«الوفد» المصريتين فقد عاقبني المسئولون الجدد مبكراً، بسحب رتبتي المهنية كمستشار إعلامي مع نقلي إلي ديوان رئاسة الجمهورية لشغل وظيفة تكرارية هي كبير إعلاميين، إلي جانب استمرارهم كسابقيهم في الامتناع عن علاج عمودي الفقري المكسور نتيجة لإصابة واجب وطني بل واستدراجي إلي عملية جراحية فاشلة زادت الطين بلة، مما اضطرني للإقامة داخل دار رعاية معاقي الإصابات الجسمانية والعجزة والمسنين الكائنة بضاحية «التجمع الخامس» في محافظة «القاهرة»، حيث زارني للترحيب بقدومي أكبر نزلاء الدار سناً والذي لم يكن سوي الشيخ الثري مالك شركة الإنتاج الإعلامي والقيادي الإخواني، بعد أن أقعدته الشيخوخة عن مواصلة مهامه التنظيمية علي رأس شعبتي الإعلام والعلاقات الخارجية بالجماعة، فالتقاني باكياً بحرقة لأنه علي وشك لقاء ربه وفي عنقه ذنوب المناورات الإخوانية القديمة والحديثة، قائلاً: إن أطياف عشرات الألوف من الضحايا المصريين الذين احترقوا كوقود لنجاح مناورتي «الجهاد الأفغاني» و«ميدان التحرير» يزورونه أثناء نومه ليبصقوا في وجهه حتي جعلوه لا ينام، ورافضاً مغادرة غرفتي قبل حصوله علي وعدي بمساعدته في كشف المستور لتصل هذه البصقات المشروعة إلي بقية مستحقيها من المناورين الآخرين، سواء كانوا قادة معسكر الانقلابيين القدامي الذي أدار جمهورية الخوف منذ عام 1952 حتي عام 2011 بمؤسساته العسكرية والمخابراتية وأجنحته السياسية ثلاثية المراحل الناصرية ثم الساداتية ثم المباركية، أو كانوا قادة المعسكر الإسلامي التقليدي بفروعه الصوفية والسلفية والجهادية أو كانوا قادة معسكر النخبة المدنية بفروعه الليبرالية والماركسية والقومية، وسواء كانوا قادة معسكر الانقلابيين المعاصرين بأجنحته الثلاثة المتحالفة اضطرارياً وهم الأمريكيون والعسكريون والإخوان المسلمون، الذين نجحت مناوراتهم الالتفافية أخيراً في تمكينهم من الاستحواذ علي السلطة المصرية بعد خمسة وثمانين عاماً من مغازلتها، إلا أنه مازال استحواذاً ظاهرياً فقط حيث استمر التمكين الحقيقي لمفاصل الدولة والمجتمع في أيدي الوجوه الجديدة لنفس المؤسسات العسكرية والمخابراتية القديمة تحت غطاء جديد لنفس الإدارة الأمريكية التي كانت تغطي الدولة القديمة، رغم أن «أحمد أبوالغيط» آخر وزراء خارجية جمهورية الخوف قد وصف الإدارة الأمريكية في كتابه الشهير «شهادتي» نقلاً عن الرئيس السابق «حسني مبارك» الصديق الحميم لتلك الإدارة علي مدي تجاوز الخمسة وثلاثين عاماً بأنها «من يتغطي بها عريان». ولا عزاء لعشرات الألوف من الضحايا المصريين الذين كان القادة المذكورون قد نجحوا في المناورة بهم وعليهم، ليس فقط أثناء كفاحهم الديمقراطي ضد استبداد «جمال عبدالناصر» وكفاحهم الوطني ضد تبعية «أنور السادات» للخارج وكفاحهم الاجتماعي ضد استشراء الفساد في عهد «حسني مبارك»، ولكن أيضاً أثناء جهادهم الديني لإخراج القوات السوفيتية من «أفغانستان» وقبل ذلك كله أثناء مقاومتهم القومية ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضي «فلسطين»، بما سمح لإسرائيل أن تتوسع وتفرض احتلالها كأمر واقع علي المزيد من الأراضي المصرية والعربية، ناهيك عن المناورات السياسية السامة التي أنجزها عملاء «الطابور الخامس» المحليين تنفيذاً لأوامر أسيادهم المقيمين في الخارج بإشعال الفتن بين المصريين، الذين وجدوا أنفسهم اليوم بعد كل تضحياتهم لإزاحة جمهورية الخوف الأولي يقفون علي أعتاب جمهورية خوف جديدة، فأخطاء الماضي قابلة للتكرار في الحاضر والمستقبل طالما استمرت آفة تزوير التاريخ لدي مؤرخي السلطة المغرضين وآفة التناقض بين الأفكار النظرية وتطبيقاتها العملية لدي المؤرخين الانتهازيين!