رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

20 مليون مصري محرومون من العيد (1)

بوابة الوفد الإلكترونية

اليوم يضيء هلال العيد سماء مصر، وغداً يفرح المصريون بالعيد، ولكن 20 مليون مصري لن يذوقوا طعم العيد، ولن تطرق الفرحة بابهم ولن تعرف السعادة إليهم سبيلاً والسبب أنهم غارقون في بحور الفقر.

المحرومون من العيد موزعون علي كل محافظات مصر.. منهم 58٪ من أهالي أسيوط و53٪ من أبناء بني سويف و54٪ من السوهاجية و48٪ من المنياوية و25٪ من أبناء أسوان و19٪ من أهالي قنا و21٪ من أبناء الشرقية و16٪ من أهالي الدقهلية و12٪ من سكان القاهرة و9٪ من أبناء الإسكندرية و14٪ من أبناء المنوفية و11٪ من الفيومية و29٪ من الدمايطة و12٪ من أهالي بورسعيد و10٪ من أبناء الأقصر.
كل هؤلاء محرومون من العيد فكل طرق الفرحة مقطوعة عنهم، وقاطع هذه الطرق ليس بلطجياً يحمل سلاحاً، ولا قاتلاً مأجوراً وإنما مسئولون ارتضوا بسكن القصور وبالسير وسط مواكب ضخمة وتركوا ملايين الفقراء يصارعون الجوع والمرض.

 

الجيزة: الجوع ينهش جسد 3 ملايين مواطن ثلثهم لا يملك ثمن كشف الطبيب

تحقيق ــ سامي الطراوي:
الجيزة معناها في اللغة أفضل أماكن الوادي، وهي إحدى أكبر محافظات مصر سكانها 7.3 مليون نسمة يعيشون في 9 مراكز و11 مدينة و8 أحياء و170 قرية و637 كفراً ونجعاً.
الجيزة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقابلة للاستصلاح، وتبلغ المساحة المزروعة 192 ألف فدان، و2.55٪ من إجمالي المساحة الزراعية في مصر، ورغم ما تتمتع به الجيزة من خيرات عدة فيعيش أكثر من ثلاثة ملايين مواطن من أهالي محافظة الجيزة حياة الفقر في أبشع صوره، منها ذل وهوان الحياة البدائية، وقسوة الفقر والاحتياج.. وتطحنهم الظروف القاسية التي يعيشون فيها الأمر الذي جعل أحد هؤلاء المطحونين يصرخ بأعلي صوته لماذا يكتب عينا نحن الفقراء التعاسة والشقاء دون غيرنا، ولو كان الفقر رجلاً لقتلته، وعلي الجانب الآخر تهتم الحكومات المتلاحقة بالطبقات الأكثر ثراء ولا أحد يستمع إلي أنات شكوانا، ويستمر وزراء مصر في إطلاق التصريحات التي لا تغني ولا تسمن من جوع من محاربة الفقر وفي النهاية نكتشف أنها مجرد كلام للاستهلاك المحلي.
محمد حمدي، طبيب، يقول بصوت تشقه نبرة حزن وألم، في بلدنا المنكسرون من البشر غارقون في دوامة الجوع واليأس وغياب الرجاء والأمل، ولا يشعر بهم أحد، فقدرهم أن يعيشوا حياة ذل في وطن لا يعترف إلا بالأغنياء، فيوجد في محافظة الجيزة مجتمع كامل من القري المعدمة التي يعيش أهلها عصور القرون الوسطي، الفقر يسكن كل قطرة من دمائهم، يطاردهم بؤسهم القابع في أعينهم، تجد نفسك مرغماً علي البكاء لقسوة حالهم فكل شيء من حولهم بائس، فقرية كاملة تعيش علي حنفية مياه واحدة، وقري أخري يعتمد أهلها علي مياه الترع الراكدة، وتري المرض والفقر مرسوماً علي وجوه أهلها بلا رحمة، لا مستشفيات ولا وحدات صحية ولا أطباء ولا أدوية، وأفران الطين داخل منازل البسطاء لم تمسها النار منذ سنوات، يأتي إلي مريض ويكشف عن أسنانه فأجد نفسي حائراً، أمام ما اعتراها من دمار ولكن لا أستطيع أن أوجه إليه اللوم بعدم الاعتناء بأسنانه لأنه يأتي عندما لا يستطيع أن يتحمل وجع وألم الأسنان المبرح، وأري داخل فمه أن أسنانه قد تم احتلالها من كل أنواع الميكروبات، كما تم احتلال كرامته وآدميته منذ عشرات السنين وهذا هو حال كل الفقراء في قري الجيزة الذين يعانون مر الحياة، وأسأل نفسي: كيف يعيش أولادهم في هذا الفقر الذي أكل كل شيء فيهم.
ويضيف إبراهيم رمضان، عامل مسلح باليومية، أموت كل يوم عشرات المرات، ومنذ سنوات لا أشعر بالراحة ودائماً أنام وعقلي مضطرب أفكر بالساعات كيف آتي بطعام لأولادي الخمسة يوماً بعد يوم، والمصيبة الكبري عندما يمرض أحد أبنائي فجأة فأنا رجل أعتمد في كسب رزقي يوماً بيوم وأحياناً لا أجد عملاً بالأسابيع فأضطر لأن أستلف من جيراني حتي أتي بعلاج أبنائي، ولو تطور المرض فتكون الكارثة، فالوحدة الصحية لا تقدم خدماتها للأهالي، لأن الأطباء العاملين بها لهم عيادات خارجية يشتغلون بها علي حساب عملهم بالوحدة ويعملون لساعة أو ساعتين علي الأكثر في اليوم.
ويؤكد عبدالعظيم سيد، بائع متجول، أعيش أنا وأسرتي المكونة من سبعة أفراد علي جنيهات معدودات بعد يوم طويل من التجول تحت حرارة شمس النهار المحرقة في شوارع القري والنجوع لأقوم ببيع بعض الخضر بعد شرائها بالأجل من التاجر واستأجرت عربة كارو، وفي كثير من الأحيان أرجع آخر اليوم ولا أستطيع أن أبيع ما معي من خضراوات ليذبل معظم الخضار ولا أستطيع أن أسد إيجار العربة أو الحمار ويزداد الدين علينا وأحياناً آكل من هذا الخضر الذي فشلت في بيعه، وأقوم بالشحاتة من الجيران بعضاً من الزيت لإعداد طعام أولادي، وترددت كثيراً في سؤالي له عما إذا كان سيشتري لأولاده ملابس العيد أم لا؟
فأجاب بكل بؤس وحسرة.. أرتدي هذا الثياب منذ ثلاث سنوات وكل ما أملك هما جلبابتان فقط لا غير وهذا الحذاء اشتريته من سوق الثلاثاء الموجود في المنيب منذ عامين بسبعة جنيهات، ثم سكت وتابع حديثه بعد صمت عميق وقال إن شاء الله سوف أذهب إلي سوق الثلاثاء وأقوم بشراء ملابس مستعملة لأولادي، وسأبيع كل ما في منزلي لشراء ملابس العيد لأولادي.
ويقول أحمد عبدالحميد: اللافت للنظر أن معظم القري البائسة في الجيزة تعيش علي الترع والمصارف التي تحمل بين ضفتيها المخلفات القاتلة حتي تصل إلي مدخل القرية والتي يصب فيها مخلفات الصرف الصحي وتكون سبباً في استعمار الأمراض لأجساد أهالي القرية، وقتلهم وهم شباب يستخدمون الجمال والحمير في تنقلاتهم بين جميع قري ومراكز المحافظة، ومازال الفلاحون يستخدمون الجمال والحمير في تنقلاتهم ويروون أرضهم بالساقية، وبمجرد أن تدخل القرية تجد كل شيء فيها ينطق بحياة أهل هذه القري البائسة بدءاً من محل البقالة الذي يتكالب عليها المئات من أهالي القرية التي تشتري منه كل ما هو سيئ ردىء هو أنهم يشترون تلك السلع علي النوتة، ومحل الجزارة الوحيد بالقرية يعكس فصلاً كاملاً من البؤس والإهمال، فصاحبه يتخذ من المدخل أمام منزله مكاناً لبيع ما قام بذبحه علي أرضية منبسطة من طبقة أسمنتية مبنية في عرض الشارع دون حماية، ويعلق كتل اللحم علي أسياخ من الحديد، الذي تأكله الصدأ، وعليها جيوش من الذباب، ورغم كل هذا يتكالب عليه أهالي القرية ولكن بالسلف والدين حتي يذوق أطفالهم الصغار طعم اللحم من العيد للعيد، والغريب أن أمعاء فضلات المواشي التي تخرج من بين لحمها روائح كريهة يتهافت عليها فقراء القري ويقومون بشرائها، حتي تسد رمق الجوع والحاجة عند أطفالهم في أيام العيد ويشعرون بأنهم مثل الأغنياء والشيء اللافت أن أسعار تلك اللحوم لا تتجاوز الخمسة والعشرين جنيهاً وجميعها غير مختومة بخاتم وزارة الصحة!

 

الغربية: العيد بلا ملابس جديدة.. ولا كعك.. والفسحة الوحيدة زيارة المقابر!

الفقراء هم الفئة الأكثر عدداً في مدن محافظة الغربية، وإذا سألت هؤلاء عن العيد قالوا: العيد مش لينا، لأنهم يستقبلون عيد الفطر المبارك وجيوبهم خاوية إلا من جنيهات قليلة لا تغني ولا تسمن من جوع، حتي الحدائق العامة والمتنزهات لا يذهبون إليها لأنهم فقراء وتفتقر للأمن.
ويقول فتحي محمد، بقال بطنطا، إن العيد جاء في وقت صعب لأن الناس مخنوقة من قلة الرزق وعدم الأمان في الشوارع وتعطل معظم المصانع التي أغلقت أبوابها بسبب أزمات عديدة مها الأزمة الاقتصادية والمظاهرات الفئوية وركود الأسواق.
ويقول أشرف الليثي، موظف بديوان المحافظة، إن العيد جاء في غير وقته لأن الحكومة لم تحقق أبسط الآمال التي كنا نحلم بها بعد قيام الثورة التي لم يستفد منها سوي البلطجية وبعض المراهقين السياسيين.
وقال إبراهيم الجمال، عامل، كنا في مثل هذه الأيام أسعد حالاً لأن جيوبنا كانت فيها بعض الجنيهات التي كانت تكفي لشراء القليل من الكحك والحلويات وملابس العيد للأطفال، أما العيد هذا العام فقد جاء فقيراً فلا نقود في الجيوب ونضطر للاحتيال علي المعايش لنعبر بهذه الأيام السوداء بسلام!
وقال صبري محمد، عامل وأب لثلاثة أطفال، إنه لم يشتر لهم ملابس العيد لأن الحكومة لم تصرف أية حوافز تساعد علي تلبية احتياجاته الأساسية في

الوقت التي ترتفع فيه الأسعار بطريقة غير منطقية وأنا لا أفهم كيف لا يوجد إقبال من الناس علي الشراء، وفي الوقت نفسه تزيد الأسعار، وقال محمود علي، كهربائي: إن هذا العيد غير سعيد علي رب الأسرة فلا شراء للملابس الجديدة ولا شراء للكحك وسوف يقتصر العيد علي زيارة الأموات في المقابر لأنها أبسط خروجه ولن يخرج مع أسرته للحدائق كالمعتاد لأن التكلفة هذه المرة ستكون عالية وأكبر من قدرته.
وقالت أمينة السيد، ربة منزل، أرملة: إن العيد هذا العام شكل أيامه سواد وخوف وبلطجة، وأنها لن تخرج مع أطفالها ككل الأعياد السابقة خوفاً عليهم وتوفيراً للنفقات لأن الحال مش ولابد!! ولكنها ستخرج في اليوم الأول للمقابر للترحم علي الأموات وقراءة الفاتحة علي أيامهم الحلوة!
وقال عبدالحميد فوزي، ميكانيكي سيارات بطنطا إنه حاول توفير احتياجات أسرته بالعافية.
وقالت سيدة حسين، ربة منزل، لم نشتر لا كحك ولا ملابس للأولاد لأن الحالة مش ولابد وكنا نتصور أن الرئيس سيوسع علينا في أول عيد في عهده السعيد ولكننا فوجئنا بأن الحال علي ما هو عليه فلا الأسعار انخفضت ولا الرواتب زادت حتي المعاشات التي تحركت بنسبة بسيطة لم تتمكن من مواجهة الزيادة في أسعار السكر والزيت وحتي رغيف العيش مازال علي حاله.
وقال محمود خالد، موظف بطنطا: إن الفقراء ليس لهم عيد، والكبير منهم والمبسوط شوية يذهب لحديقة الأطفال أو ساحة السيد البدوي للضحك علي الأطفال وكأنهم فسحة!

 


قنا: الحياة بـ17 قرشاً يومياً!

قنا ــ أمير الصراف:
قنا هي مركز الفقر في الصعيد ولكنه فقر مستتر علي خلفية العادات والتقاليد التي تجعل من إعلان شظف المعيشة أمراً محرجاً، ولهذا يفصل الفقير يظل مكبوتاً بحسب تركيبة المجتمع المتحفظة.
ولا توجد إحصائية معلنة عن نسبة الفقر في محافظة قنا ولكن المتداول هو وجود مناطق بعينها معروفة بتدن الحالة المعيشية لسكانها ومعاناتهم من الفقر المدقع ومنها مناطق حظيت باهتمام إعلامي كبير مثل قرية «حاجر جبل الدهسة» بشقيها القبلي والبحري التابعة لمركز فرشوط بشمال قنا، وهي قرية نائية تقع غرب فرشوط بكيلومترات، ويعاني سكانها من نقص حاد بالخدمات الرئيسية حتي إن المدارس مقامة في منازل أو أحواش تابعة للأهالي!
في منطقة «عزبة آدم» تجمع سكني يقع علي بعد 3 كيلومترات غرب مدينة نجع حمادي، يخلو تقريباً من كل الخدمات فلا مياه للشرب ولا كهرباء وتعيش فيه نحو 18 أسرة أغلبهم يعانون من اليتم أو الترمل وتلك ظاهرة لافتة هناك، والرجال في عزبة آدم يمتهنون مهنة «العامل الأجري» ومنهم من يعمل في صناعة الطوب الأحمر، ومجمل السكان من النازحين من مناطق متفرقة في مركز نجع حمادي أو خارجه نزحوا لأسباب مختلفة إما بحثاً عن لقمة العيش أو لإيجاد سكن.
«مش بناكل اللحمة غير كل شهر مرة» هكذا قالت رضا صديق عبدالرحمن، عاملة بمدرسة، تعليقاً علي الفقر وضيق الرزق الذي يحاصر أهل القرية وأضافت أن الأطفال لا يذهبون كثيراً إلي المدارس بسبب خوفنا الشديد عليهم من المخاطر التي يتعرضن لها فالطريق الوحيد المؤدي إلي مدارسهن هو السير علي قضبان السكك الحديدية كما أنهن في حالة ذهابهن إلي المدارس وتفاديهن خطر القطارات فإنهن ينتظرن خطراً آخر وهو عدم وجود إنارة تساعدهن علي مذاكرة دروسهم وبالتالي فإن أغلب أهالي القرية لا يجيدون القراءة والكتابة، وعن الاحتفال بعيد الفطر تابعت رضا صديق العيد بالنسبة لنا أيام عادية تنقضي دون فرحة، ومظاهر العيد مثل شراء «الهدوم» الجديدة لن نستطيع أن نأتي بها لأولادنا، وأقصي ما يمكن شراؤه كيلو لحمة أو سمك في صباح العيد.
وأضافت أن وضع القرية المعيشي بأمله يكاد يكون معدماً فزوجي كان يعمل «فاعل» وفي أحد الأيام تعرض لإصابة في قدمه عندما كان يقوم بهدم أحد الحوائط التي وقعت علي رجله حتي إنه أصبح لا يستطيع العمل إلي أن قام أهل الخير بالمدرسة التي أعمل بها «عاملة» بالموافقة علي عمله «عامل» إلا أن المدرسين يقومون بجمع رواتبنا شهرياً من مالهم الخاص التي لا تتعدي 120 جنيهاً شهرياً لا تسد احتياجاتنا الضرورية.
وإلي الجوار من رضا صديق تقطن «أم عاطف» عمرها «60 عاماً» أرملة لديها أربع بنات وولدان، ولديها من الأحفاد 8 كل هؤلاء يعيشون في منزل لا يتعدي 30 متراً بلا إنارة بلا مياه بلا طعم بلا أي وسيلة للعيش.
يعمل أبناؤها «أرزقية» في المزارع فهم يعملون يوماً وعشرة أيام لا يعملون، علي حد قولها، وأم عاطف تعمل كمربية للأطفال في إحدي الحضانات يتم جمعه من المدرسين داخل المدرسة، ولا يتعدي الـ60 جنيهاً شهرياً تصرف بها علي 12 فرداً، أي أن نصيب كل منهم 17 قرشاً يومياً.
ورغم أن «بخيتة. م» عمرها لم يتجاوز العشرين غير أن الفقر أزاح شبابها، أهلها قاموا بتزويجها وهي صغيرة في السن حتي يرتاحوا من هم تربيتها وإعالتها فتزوجت من شاب من نفس أهل القرية يعمل أرزقي، بنوا لها غرفة لا تتعدي 5 أمتار من الطوب اللبن، وسقفها من الجريد وبها بعض المستلزمات البسيطة، وأنجبت طفلين، وهجرها زوجها من ضيق الرزق، فبدأت بخيتة في البحث عن عمل يساعدها علي مصاريف الحياة الشاقة ولكنها لم تجدإلا العمل، كخادمة في أحد البيوت، ولكنها لا تعمل في كل الأيام وضيق الرزق يحاصرها من كل اتجاه وأطفالها يكبرون يوماً بعد يوم، وعن العيد قالت: «أولاد الحلال.. اشتروا لي حاجة العيد.. وربنا مش بيسيب حد».