رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار خفاجي: يجب إعلاء ساحة الحوار بين السلطات بدلاً من مستنقع الاحتراب

المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدول

وسط احتدام الصدام بين السلطتين التشريعية والقضائية حول مشروع قانون رؤساء الجهات والهيئات القضائية واحتدام الجدل بين الجانبين انطلق شعاع العلم والفقه لينير الطريق نحو ارساء رسالة عدالة القضية بناء على قاعدة سليمة للحوار حول أهم قضية فى المجتمع، فجر الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة الحاصل على الدكتوراه منذ 20 عاما عن مبدأ الفصل بين السلطات عدة محاور فى أقوى بحث علمى قدمه اليوم السبت إلى قيادات مجلس الدولة يضمن القول الفصل فى قضية القضايا ,وجاء فى افتتاحية البحث أنه اتسم بالموضوعية والتجرد والحياد التزاماً بالأصول والمعايير الدستورية العالمية حفاظاً لسمة القضاء المصرى في ارساء العدل من ناحية , وصوناً لتشريع عصرى جديد من ناحية أخرى , ايماناً من الفقيه خفاجى " بإعلاء ساحة الحوار بين السلطتين , بدلاً من مستنقع الاحتراب بين السلطات ". وهو ما نحاول ابرازه في الحوار التالى من خلال هذا البحث القيم الذى يجب أن يطلع عليه السلطتان.

 وإلى نص الحوار من خلال هذا البحث القيم

في البداية ما هو مفهوم استقلال السلطة القضائية وهل هو مستمد من الدستور أم من التشريع ؟

استقلال السلطة القضائية له مفهوم وثيق الصلة  بأحد الضمانات الأساسية في المجتمع المتمثلة في حماية حقوق المواطنين وحرياتهم, و أن استقلال السلطة القضائية ليس تمييزاً لها , فهي سلطة أصيلة تقف علي قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية‏,‏ وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع‏,‏ وقد أناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي السلطات‏,‏ ومن ثم فلا يجوز - عن طريق التشريع - إهدار ولاية تلك السلطة كليا أو جزئيا‏ًً‏ أو المساس باستقلالها أو الانتقاص منه ولئن كان الدستور قد نص في المادة‏(184)‏ منه علي أن يبين القانون صلاحيتها فإن المقصود بذلك أن يتولي الشارع توزيع ولاية القضاء كاملة علي السلطة القضائية علي نحو يكفل استقلالها ‏,‏ فإن تجاوز القانون هذا القيد الدستوري وانتقص من استقلال القضاء ولو جزئياً كان مخالفاً للدستور‏.‏ وتعرضت تلك المادة لجريمة ذات شقين لكل منها نطاقها ومداها , الأولى جريمة التدخل في شئون العدالة , وقد حرص المشرع الدستورى أن يورد النص عاماً ليشمل كل صور التدخل – وعلى القمة منها اهدار مبدأ استقلالها – والثانية جريمة التدخل في القضايا , وهنا يلزم التدخل بصدد قضية معينة , وجعل المشرع هذه أو تلك جريمة لا تسقط بالتقادم لعظم شأن العدالة .

 

وذكر المستشار الدكتور محمد خفاجى أنالمشرع الدستورى حرص على تقرير مبدأ السلطة القضائية في عشرة  نصوص دستورية كل في موضعها وتتكامل جميعها في بوتقة مبدأ استقلال القضاء , وهى المواد (94و184و185و186و190و191و194و196و197) وأن المشرع الدستورى الزم مجلس النواب بأخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها , واستخدام المشرع للفظ " رأيها" لا يعنى اهداره والعمل على نقيضه وإلا يكون النص عليه من قبيل العبث , كما أنه قد غاب عن مجلس النواب أن النصوص التى يضعها المشرع الدستورى  تفترق عن النصوص يضعها المشرع العادى , وأخذ رأى تلك الجهات والهيئات له قيمة دستورية  تعلو على ما اهدره المشرع العادى  إذ جردها من كل قيمة .

 

وأشار الدكتور محمد خفاجى أنه ولا ريب في استخدام المشرع الدستورى للفظ استقلال القضاء في عشرة نصوص له دلالته الدستورية التى يعيها رجال الفكر والفقه الدستورى , ومن مقتضى ذلك أن  يتمتع مجلس النواب بسلطة إصدار التشريعات بما لا يمس مبدأ استقلال القضاء أو ينتقص منه ، مثل مشروع القانون الجائر المناقض لمبدأ استقلال القضاء لينال من مجلس خاص مشكل من سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية وشئون القائمين عليها وأقدر على إدارة شئونهم ، فلا يجوز المساس بأقدمياتهم    فلا يجوز المساس بهذا الاستقلال  على نحو ينال من هيبة السلطة القضائية وعلو منزلتها أو الانتقاص من ثقة المواطنين  في القائمين على شئونها ،  وهذا الاستقلال في حقيقته وجوهره  ومبناه  لتأمين العمل القضائي من محاولة التأثير فيه ضماناً لسلامته .

 

هل استقلال السلطة القضائية ضرورة دستورية أم ضرورة مجتمعية  , وهل ورد النص عليه في الدساتير السابقة وتأثيره على  دعائم الحكم ؟

 

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى أنه وإذا كان العدل أساس الملك فإن استقلال القضاء هو أساس العدل وبغير العدل تضطرب الدولة وتتنكب الحكم الرشيد الصالح وأن الدولة الحديثة تقوم علي التوازن بين السلطات المختلفة و هذا التوازن يقتضي أن تستقل كل سلطة عن الأخرى وأن تحد كل سلطة من جموح السلطات الأخرى.  و في الأنظمة الديمقراطية الحديثة التي تؤمن بالشرعية ومبدأ سيادة القانون تنص في صلب دساتيرها على أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة.فالقضاء يقوم بأداء رسالة هي بطبيعتها مستقلة عن السلطتين‏ التشريعية والتنفيذية ,‏ وقد اهتم دستور ‏1923 بإبراز هذه الحقيقة‏,‏ ‏,وقد أوجبه دستور‏ ‏1971‏ استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وأكدها دستور 2014 بعشرة نصوص دستورية .وأنه بالرجوع للجذور التاريخية أن استقلال القضاء  ورد في المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء رقم‏66‏ لسنة ‏1943‏والخلاصة إن استقلال القضاء ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم , وضرورة مجتمعية كذلك لتحقيق العدالة في المجتمع وترسيخ مفاهيمها واواصرها وضبط مسارها , والضمان الفاعل لاحترام مبدأ المشروعية وارتقاء مكانته وتحقيق سيادة القانون وعلو كلمته .

 

هل مشروع مجلس النواب  ينتقص من استقلال القضاء ؟ وما هى نواحى الانتقاص ؟

 

يقول الدكتور محمد خفاجى  أن مجلس النواب في حدود الدستور له سلطة التشريع مالم يقيده الدستور بقيود معينة  أن السلطة التشريعية  قد تستتر وراء أحد الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور لتمارس نشاطاً اَخر يمنعه الدستور صراحة أو ضمناً ومثالها أن تصدر تشريعاً كمشروع القانون – محل البحث – يستر عدواناً على مبدأ استقلال القضاء  وهو من المبادئ الدستورية , ويتعين سد هذا التحايل لأنه يفتح باباً خطيراً للمشرع للعدوان على القضاء .

 

وأضاف أن أسباب التشريع تكشف عادة عن الغاية التى قصد المشرع إلى تحقيقها ونلتمس تلك الأسباب في نصوص التشريع بذاته عندما نمحصها نصاً لنتبين من خلالها , وفى تضاعيف العبارات والأساليب الغاية من التشريع , وقلما يعلن المشرع عن نواياه الحقيقية التى غلفها بالنص القانونى الظاهر صحته , إلا أن التعمق في نص مشروع هذا القانون يلزمنا ببلوغ غاية الأمر بشأنه , إذ الفرض أن المشرع أخفى نواياه الحقيقية بشأنه والبسه غير ثوبه الدال على حقيقته ووجهته , ويجب النظر في كافة الأوضاع التى لابسته ماكان منه سابقاً عليه  أو معاصراً لخلقه , وما اتصل به من حوار داخل مجلس النواب ذاته بالرجوع إلى مضابطه , وما استقام من كافة القرائن التى تشى بنوايا مجلس النواب التى ابطنها , مما يقتضى الرجوع إلى الخلفية التاريخية لنص مشروع القانون مصحوباً بالاغراض السياسية التى دعت إليه , والعجلة المريبة في تمريره , واللهفة على سرعة إصداره , وغير ذلك من ظروف الحال التى تدل حقيقة ووجهة هذا المشروع .

 

وأوضح الدكتور محمد خفاجى بالرجوع إلى مشروع النص المعد من مجلس النواب يبين منه حثيث غاية المشرع في تتبع عدة فروض بطريقة التلاحق لا بطريقة التنظيم , ويمكن القول هنا أن المشرع خلط الأغراض المخالفة للدستور – المتمثلة في مبدأ استقلال القضاء – بأغراض ظاهرها الصحة ليحقق خفيةً بمشروع هذه النصوص ما عجز علانية عن انفاذه بما جعلها خارجة من رحمها موصومة بها في كل حلقاتها .كما تتحقق مخالفة مشروع  تلك النصوص للدستور ولو كان خطأ مجلس النواب يرجع إلى عدم فهمه لنصوص الدستور على صحيح وجهها والذى اكده المشرع الدستورى عشر مرات في الدستور بتكرار النص في أكثر من مناسبة عن استقلال القضاء  . وهذا الاستقلال لا يخل بيد سلطة المشرع بالتنظيم بتوفير مزيد من الضمانات للمبدأ ذاته لا الانتقاص منه واهداره مما تكون معه المخالفة الدستورية جسيمة لمساسها بأساس شرعية الحكم في الدولة وثيق الصلة باستقلال القضاء .

 

هل سلب القضاة إرادتهم في اختيار رؤسائهم جريمة ؟ ولو كانت كذلك ما هى أركانها ؟ وما رأيك فيما قاله مجلس النواب  بأن  مشروع القانون من اطلاقات سلطة مجلس النواب دستورياً ؟

 

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى رداً على على ذلك أن مجلس النواب أعلن أنه غير ملزم دستورياً  بما ينتهى  إليه رأى الجهات والهيئات القضائية دون الزامه بالموافقة عليها , وأن مطالبة القضاة بمعيار الأقدمية على خلاف مشروع القانون هو اهدار بمبدأ الفصل بين السلطات وتدخل في صميم عمل البرلمان وهو ما يحتاج إلى وضع هذا القول في الميزان الدستورى ؟ ليبين مدى رجحانه أو اخفاقه , وهل ثقلت موازينه فينعم رجال العدل بعيشة راضية أم خفت موازينه فيلقى بالعدالة في الهاوية , وما أدراك ما هيه في طريق الصراط نار حامية .

 

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه لكل نص تشريعى حالة  حدوثية يعالجها  لا قوام لها بغيرها مما لا حدوث لها فإذا ما انصرفت مخيلة المشرع من تنظيم قصده لمعالجة حالة حدوثية وامتدت إلى معالجة عدة حالات فرضية متلاحقة  لاصراره على حالات ليست متناهية عد مخالفاً لأصول التشريع ، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه ابتداء في قاعدة هى في الأصل تنظيمية  فيجعلها في ركاب زواجره ونواهيه ،ذلك أن جوهر ملامح أى تشريع ، هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديداً دقيقاً ومنصفاً ومنضبطاً، ويتقرر على ضوئها تحديد العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، تكون محورها الحالة  ذاتها وهى طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بالعدل والقسطاط بما يعبر عن مبدأ دستورى قوامه استقلالهم لا في نظر قضاياهم وانما في كافة مناحى شئون العدالة واقلها اعلاء ارادتهم بشأنها , لا طبقاً لما وضعه من نص اَثم يغل إرادة استقلال القضاء ، في مظاهرها الواقعية، وخصائصها الذاتية ، وهي التي تديرها إرادة القضاة أنفسهم بحكم العقل والتاريخ والتقاليد والأعراف التى لها مدلول في علم القضاء يسمو على أى تنظيم لأنه أساس نشأته ووجوده .

 

ويشير الدكتور محمد خفاجى أنه لا  يجب على السلطة التشريعية أن تعزل السلطة القضائية عن نفسها عن اختيار من يمثلها بما  تجيل بصرها فيها ، منقبة من خلال عناصرها عما يرونه القضاة عدلاً وحقاً قصدوا إليه الأقدمية معياراً مجرداً , ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً مادياً ملموساً عن إرادة واعية , وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال استقلال السلطة القضائية بوصفها  ضمانة أساسية لحقوق وحريات المواطنين من ناحية وركناً من أركان شرعية الحكم في الدولة من ناحية أخرى ، لتكون أصلا ثابتا كامناً في طبيعتها ، وليس أمراً فجاً أو دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها. ذلك أن حرية إرادة القضاة تعنى حرية الاختيار وهم الاقدر على التمييز , لا يعهد بهذا الاختيار لرئيس الجمهورية وحده وهو بحكم طبيعيته البشرية – أى رئيس بصفته – يتنازع جوانحه الخير و الشر  بحكم بشريته. ولكل رئيس  وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحل ارادته في الاختيار لرؤساء الجهات والهيئات القضائية  - في معناها - إلى علاقة تقوم على مَن مِن  بين هؤلاء جديراً بالاختيار, وغدا أمراً ثابتاً - وكأصل عام - ألا يحرم القضاة من اختيار رؤسائهم  الاختيار الحر .

 

 هل يجوز في النظام القضائى أن يتولى الأحدث مقام الأقدم  كما يريد مشروع القانون ؟

 

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى أن ما يجهله مجلس النواب  أنه فى ظل النظام القضائى لا يجوز أن يكون المرؤوس رئيساً لرئيسه , فهذه النصوص انهدام لعراقة القضاء وتجريده من أقدميته وهى عزته وشرفه وسمعته التى عاش بها جيلاً بعد جيل تحاكى بهم مصر من بين الأمم ، ومن ثم ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفاً على ماهيتها ، لازال أمراً عسراً، إلا أن معناها - وبوصفها الركن الركين لشرعية نظام الحكم يجب أن تنبع من ارادتهم المستقلة التى حرص الدستور على حمايتها والتصون لها , ويكون مشروع القانون في هذا الصدد إذ يسلب القضاة إرادتهم في الاختيار  جريمة قوامها التدخل في شئون العدالة للانتقاص من إرادتهم يدور رحاها وفقاً لتلك النصوص  حول النوازع المدبرةmalice aforethought أو تلك التي يكون الخداع قوامها fraudulent intent  أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم في صيغة التنظيم ،- بالنظر إلى أن التدخل في شئون العدالة جريمة - مقترناً بقصد اقتحام حدود إرادة القضاة ، لتدل جميعها علي إرادة إتيان فعل بغياً ولا يتصور بالتالي وفقاً لأحكام الدستور انتزاع استقلالهم عدواناً .

 

ويضيف أن مشروع القانون المتقدم سيثير فتنة داخل الأسرة القضائية الواحدة , إذ ما هو المعيار المنضبط لهذا الاختيار إلا للولاء لإرادة من اختاره لأن القضاة هم أيضاً ينتمون للطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها عن طريق قضاتها في جمعياتهم العمومية ، وبدون ذلك  تفرض على هذه الحرية - بطريق مباشر أو غير مباشر - أخطر القيود وأبلغها أثراً رهناً بمشروعيتها الدستورية. وهو ما يقتضى أن تكون طريقة اختيار رؤساء تلك الجهات والهيئات القضائية محددة بصورة يقينية لا التباس فيها. ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها كي يدفعوا عن حقهم في خبرة السنين التى تراكمت خلف ظهورهم فانحنت تقديساً لتراب هذا الوطن وتلك الهامات والقامات قد عملت في محراب عدالته سنين عدداً فحق ألا يرى مرؤسيهم  بهم شيئاً نكراً ، ذلك  إنه من المقرر أن مبدأ استقلال القضاء  بات من أعز حقوق الإنسان واعلاها لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها , ومن ثم كان أمراً مقضياً، أن تصاغ النصوص التشريعية المنظمة للسلطة القضائية  بما يحول دون المساس بها  أو تباين الآراء حول الانتقاص منها .

 

هل ترى أن رئيس الجمهورية في الدستور الجديد مازال حكماً بين السلطات كدستور 71 ؟ وهل مازال يرأس مجلس القضاء ؟ 

 

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى أن رئيس الجمهورية في الدستور الجديد لم يعد حكماً بين السلطات ولم يعد يرأس المجلس الأعلى للقضاء وذلك له دلالته الدستورية فكيف يختار رؤسائه ؟ وأن تضمن دستور 1971 نصاً في المادة (73) منه بأن رئيس الجمهورية  يرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها  في العمل الوطنى , ولم يعد ذلك النص قائماً في دستور 2014 أى لم يعد رئيس الجمهورية الحكم بين السلطات الثلاث بعد أن حدد لكل سلطة حدودها وأُطرها واختصاصاتها , وبذلك لم يعد هناك فى مصر دستورياً من له سلطة حل الخلافات التى قد تنشب بين " سلطات الدولة " سوى القضاء ذاته الضمان الوحيد للعدل والانصاف بالقسط  , كما أن دستور 1971 قد نص في مادته (173) على أن تقوم كل هيئة قضائية على شئونها ويشكل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية ويرعى شئونها المشتركة , ويبين القانون تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل به , وهذا النص بدوره الغاه  دستور 2014 إذ جاءت المادة (188) منه خالية من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من رئيس الجمهورية  وهذا أمر له دلالته الدستورية في عميق الفكر الدستورى  بغل يد الرئيس عن التدخل في شئون العدالة بمعناها الواسع وليس بصدد قضايا معينة  وكلتاهما باتت جريمة بنص المادة (184) من الدستور الحالى  لا تسقط بالتقادم وما يسرى على الرئيس كسلطة تنفيذية بشأن هذين الجريمتين يسرى من باب أولى على السلطة التشريعية حينما تقدم على تشريع ينال أو ينتقص من شئون العدالة .

 

 وأضاف المستشار الدكتور محمد خفاجى أن إلغاء دور رئيس الجمهورية في هذين النصين الدستوريين وعدم اعتراف المشرع الدستورى بهما بخلو الدستور القائم  منهما , لم تكن سدى , وانما جاءت تعبيراً عن إرادة الشعب المصرى بعد ثورتيه  في 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013 عانى منها الشعب من اعتداء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في عهود زمنية مضت , فجاء الدستور الجديد ليضع حداً لتغول السلطتين التنفيذية والتشريعية على مبدأ استقلال القضاء التى أرستها كافة الدساتير ومنها الدستور الحالى  , فإذا ما أُضيف إلى ذلك أن المشرع الدستورى الحالى استخدم كلمة استقلال بشأن السلطة القضائية بجهاتها وهيئاتها المتباينة  عشر مرات فقد دل ذلك عن هاجس دستورى حرص المشرع على تكراره للسلطة القضائية ككل ولكل جهة وهيئة تتبعها لحرصه الشديد على مفهوم استقلال القضاء , ولا يستقيم مع هذا التكوين الدستورى الجديد أن تتدخل إرادة رئيس الجمهورية  في اختيار رؤسائها , ولا يستقيم

لنواب الشعب - باعتبارهم وكلاء عنه لما عهده  إليهم صاحب السلطة الاصيل وهو الشعب  الذين يمارسون السلطة نيابة عنه – أن يصدر منهم تشريع يمثل انتقاصاً من تلك  المقاصد الدستورية  وإلا عد منهم ذلك مخالفاً للدستور مخالفة جسيمة في الدرك الأسفل منه , لمساسه بأصل شرعية الحكم في الدولة .

 

هل تعتقد أن مجلس النواب يطبق الدستور بمعيارين ؟ وما هو الفرق بين طريقة اختيار رئيس مجلس النواب وطريقة اختيار رؤساء السلطة القضائية ؟ وما هو دور رئيس الجمهورية في الحالتين ؟

يقول المستشار الفقيه المستشار الدكتور محمد خفاجى أن مجلس النواب مجلس النواب يطبق الدستور بمعيارين , الأول فيما يخصه باختيار رئيسه والثانى اهداره عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء فى اختيار رؤسائه وأن  ما اعلنه مجلس النواب بانه مطلق السلطة دستوريا في مشروع القانون هو الذى ينال من مبدأ الفصل بين السلطات ويخل بالتوازن والتعادل بينها , ويقوض دعائم شرعية الحكم في البلاد , فمن بين مفاهيم مبدأ الفصل بين السلطات حقيقة لا شعاراً ألا تطغى سلطة على أخرى أثناء ممارسة اختصاصاتها الدستورية , كما أن العصر الحديث انتهى إلى أن الفصل بين السلطات يجب أن يكون فصلاً مرناً بالتعاون فيما بينها وليس فصلاً جامداً , وهذا التعاون يكون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية , لأن السلطة القضائية  بطبيعتها مستقلة , ويجب ألا تكون في ميدان التعاون بحكم ولايتها وإنما تكون على القمة في التوازن مع باقى السلطات , فكيف يشرع مجلس النواب لاستقلاله هو ثم يمس استقلال السلطة القضائية!

ويشير الدكتور محمد خفاجى إن مبدأ الفصل بين السلطات برئ مما يسنون غدراً في سحب استقلال القضاء الذى هو عماده وكرامته , ومبدأ الفصل بين السلطات قد خجل مما يقولون , وفى الميزان الدستورى هم الخاسرون , وتفسير ذلك واَيته , إنه وفقاً لنص المادة (12) من القانون رقم (1) لسنة 2016 بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس النواب ينتخب المجلس من بين أعضائه في أول اجتماع لدور الانعقاد السنوي العادي الأول الرئيس والوكيلين لمدة الفصل التشريعي، وأن مجلس النواب قنن لنفسه اختيار رئيسه دون تدخل من رئيس الجمهورية , ويريد تشريعاً يتدخل فيه رئيس الجمهورية فى اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بما يمس استقلالهم , فإذا قيل أن هذا التقنين جاء تطبيقاً لنص المادة (117) من الدستور الحالى الذى نص أن ينتخب مجلس النواب رئيسه ,فلماذا يطبق مجلس النواب النص الدستورى الخاص بانتخاب رئيسهم ثم يهدرون الدستور فى عشرة نصوص دستورية تتعلق باستقلال القضاء المواد(197,196,194,193,191,190,186,185,184,94) فهل تجدون الفكر الدستورى مما يجيز لكم التشريع خارج حدود الدستور, ففى علم القانون أفلا تستحون ولا تخشون !

كما يضيف الفقيه الدكتور محمد خفاجى أن الأسوأ مما تقدم , أن مجلس النواب قنن لنفسه أيضاً أنه يحقق علم رئيس الجمهورية  باختيار رئيسه بمجرد الاخطار وفقاً (13) من قانونه ,فأين أنتم من توازن السلطات ؟ وأين لديكم تعادل السلطات , وقد أهدرتم مبدأ الفصل بين السلطات في معاناه  وأدميتموه في فحواه بمشروع ينزف دماً  في مغزاه , وخالفتم ما هو مستقر عليه في كافة دساتير العالم ,وتجاهلتم عشرة نصوص دستورية مصرية , وغم عليكم ادراك الفقه والفكر الدستورى  المقارن في أقل الدول ديمقراطية وفهماً للفصل بين السلطات .

 

هل طريقة وضع مشروع رؤساء الهيئات القضائية مطابقة لأصول علم التشريع؟

يقول الفقيه الدكتور محمد خفاجى أن طريقة وضع مشروع اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية ترجع إلى سنة  1728 قبل الميلاد على غرار قانون حمورابى لأنه قام على الأسلوب الافتراضى المتلاحق  ونسى فرضاً ومجلس النواب استعان بهواة من المبتدئين لا يملكون حرفة وصناعة التشريع وبالرجوع إلى النصوص المعدلة لطريقة اختيار الجهات والهيئات القضائية تبين الاَتى : بإمعان النظر في وضع النصوص لمشروع يبين بجلاء أنه وضع بطريقة الأسلوب الافتراضى المتلاحق المتمثل فى أربع حالات ونسى الخامسة !هى يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 من نوابه، ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة، من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس، ثم عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور ،ثم  ترشيح عدد يقل عن ثلاثة , ثم  ترشح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة يعين رئيس الجمهورية من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الجمهورية، وهذا الأسلوب الافتراضى في صياغة القاعدة القانونية وهو ما يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ  وتحديداً في زمن حمورابى سادس ملوك الأسرة البابلية القديمة واستمر حكمه منذ 1728 حتى 1686 قبل الميلاد , المعروف بتقنين حمورابى الذى كانت كل مادة من مواده تبدأ باصطلاح  " شوما " أى " لو فرض أن " يتناول عدة مسائل بوضع عدة فروض التى قدر أنها قادرة على التغيير  أو التأكيد التشريعى  وذلك هو سبب المظهر الافتراضى  لتقنين حمورابى  , وهذا مما يفقد التشريع في العصر الحديث سمة التشريع القائم على تنظيم حالة ما منضبطة ومحددة دون تلاحق لعناصر مكوناتها , دون تتبع من المشرع للحالات الافتراضية  بحدوثها تارة وعدم حدوثها تارة أخرى ليضع حلولاً للحالات الحادثة وتلك التى لم تحدث  ,بل نسى واضعوا هذا المشروع حالة خامسة أخرى وهى الحالة التى يكون فيها أقدم سبعة قد اُحيلوا للمعاش في وقت واحد , وهو ما حدث فعلاً في سنوات سابقة , فضلاً عن ذلك يبين أيضاً أن واضعى النص قد جعلوا منه نصاً عقابياً وليس نصاً تنظيمياً فجهروا بمشروعهم  بالتسلسل الافتراضى المتلاحق وهو ما لايجوز في فن وحرفة وصياغة القاعدة القانونية , وعلى الرغم أن الأصل الثابت في مبادئ القانون أنه لا يعذر أحد بجهله بالقانون , فإنه للمشرعين   لا يعذر أحد منهم بجهله بعلم القانون  .

 

ما هو طوق النجاة ؟ والحل من وجهة نظرك لانهاء تلك الأزمة بين القضاء والبرلمان ؟ وهل ترى طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية في  مشروع القانون تتفق مع  طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا ؟

يقول الفقيه المستشار الدكتور محمد خفاجى أن التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية تستوجب وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظم سائر رؤساء الجهات والهيئات القضائية  وقدتضمنت المادة (193) من الدستور الحالى – خلافاً للدساتير المصرية السابقة -  طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا بأن تختار الجمعية العامة رئيس المحكمة من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة كما تختار نواب الرئيس , وكان هذا النص لسببين: الأول يرجع إلى حكم ما قبل ثورة 25 يناير من سد الطريق على اختيار رئيس لها من خارج قضاتها , والثانى يرجع إلى ما قبل ثورة 30 يونيه 2013 مما تعرضت له تلك المحكمة من تهديد وعدوان غاشم من الفاشية الدينية , فأراد المشرع الدستورى أن يضمن طريقة اختيار رئيسها , ولا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستورى ذاته من تحديد طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية أن يتضمن تمييزاً لها عن جهات القضاء وهيئاته , وإذ جاز القول بذلك التمييز المنهى عنه دستورياً بإجماع دساتير العالم لتناقض المشرع الدستورى مع نفسه وخالف هو ما يسنه للمشرع العادى من إعمال مبدأ المساواة للأقران , وذوى المراكز المتماثلة .

وأوضح الدكتور محمد خفاجى  أنه لا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستورى ذاته من تحديد طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية أن يتضمن تمييزاً لها عن جهات القضاء وهيئاته , وإذ جاز القول بذلك التمييز المنهى عنه دستورياً بإجماع دساتير العالم لتناقض المشرع الدستورى مع نفسه وخالف هو ما يسنه للمشرع العادى من إعمال مبدأ المساواة للأقران , وهذا ما يتنزه عنه المشرع الدستورى إذا قيل بذلك التفسير بالتمايز , أتشرعون للناس بالمساواة وتميزون الدستورية دون السلطة القضائية وتخالفون وحدة تنظيم الأقران , أفلا تقارنون !

واستطرد الدكتور محمد خفاجى يجب تقرير تلك القاعدة في اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا لرؤساء الجهات والهيئات القضائية أخذاً في الاعتبار أن أى تنظيم دستورى لا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها ؛ فهو يتضمن نسيجاً وكلاً غير منقسم , ومن ثم فإذا قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية مع سائر رؤساء الجهات والهيئات القضائية  وتساووا بالتالى فى العناصر التى تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظمهم، ومؤدى ذلك ولازمه  أن المشرع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة بين جميع الجهات والهيئات القضائية أو بالأدق لمداركة ما فات فى هذا الشأن , ومن ثم يكون مشروع قانون مجلس النواب فى هذا الصدد يمثل احداث تفرقة مخالفة للدستور بين قضاة المحكمة الدستورية وسائر الجهات القضائية التى عنونها المشرع الدستورى بالسلطة القضائية فى الفصل الثالث منه ولا يتصور أن يمايز المحكمة الدستورية عن السلطة القضائية نفسها -والدستورية من نسيجها - وعن سائر الهيئات القضائية الأخرى  .

 

هل ترون مشروع قانون مجلس النواب عن اختيار رؤساء الهيئات القضائية يخالف المعايير الدولية ؟

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى أن المواثيق والإعلانات العالمية نصت على مبدأ استقلال القضاء كدعامة أساسية لتحقيق لعدالة وحماية حقوق الإنسان ولا يتسع المجال هنا لسردها وأنه بناء على هذه المبادئ الدولية يمكن القول مشروع القانون الذى اعده مجلس النواب المصرى على صورته الراهنة يمثل مخالفة للمعايير الدولية التى اعلت من شأن استقلال القضاء فى كل دولة وانصرف الخطاب فيها للمجتمع الدولى , وكفلت عدم اعتداء السلطتين التشريعية والتنفيذية عليه , فضلاً عما فى هذا المشروع من امتهان للسلطة القضائية وامعان فى تحقيرها وتدخلاً فى شئونها بتغيير اَلية اختيار رؤسائها على خلاف المعيار المنضبط منذ انشائها المتمثل فى الأقدمية .والخلاصة أنه وفقاً للمعايير الدولية لا يجوز أن تدخل السلطة التشريعية في تنظيم القضاء أو اعادة تنظيمهبما يمس استقلاله أو ينتقص منه على أى وجه من الوجوه   وإلا عد ذلك عدواناً غير مبرر على استقلال القضاء, وبهذه المثابة يكون مشروع قانونه في هذا الصدد مخالفاً للمعايير الدولية  .

 

نريد أن نعرف مدى مشروعية مجلس النواب في تعديل استقلال القضاء ؟

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى أن استقلال السلطة القضائية أصبح جزءًا من الضمير العالمي والوجدان الإنساني عصية على التعديل أبية على التبديل إن الأسس الجوهرية لاستقلال السلطة القضائية تعني التزام المشرع العادى بصياغة مبدأ استقلال السلطة القضائية في نصوص تحميها من الاعتداء والإنكار,وينبغى أن يعى مجلس النواب المصرى أن  مبدأ استقلال السلطة القضائية لم تكن فكرة وليدة اليوم , أو تقررت في عمر وجيز , بل جاء هذا المبدأ  نتاجاً لتجارب واقعية  عاشتها الشعوب وتبلورت عبر التاريخ , ثم توصل – من بعدها - الفكر القانوني إلى انه لا يمكن حماية حقوق المواطنين وحرياتهم  إلا من خلال قضاء مستقل في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية , إن أهم غاية لاستقلال السلطة القضائية حمايتها من الاعتداء الذي قد يقع من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية, فلا يجوز لمجلس النواب أن يأتى اليوم ليقرر اهداره بين عشية وضحاها,واستقلال السلطة القضائية لم يعد من الجائز إنكاره في أية دولة تؤمن بالديمقراطية واحترام حريات وحقوق الانسان.