رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نتنياهو ينتقم من أردوغان فى هكارى

يبدو أن الهجمات المتزامنة التي شنها حزب العمال الكردستاني في 18 أكتوبر على ثمانية مواقع للجيش التركي في محافظة هكاري القريبة من الحدود العراقية غير بعيدة عن المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي تحاك سرا ضد أردوغان وتستهدف الإطاحة به بعد أن رفع راية العصيان في وجه كل من أوباما ونتنياهو .

صحيح أن واشنطن سارعت لإدانة تلك الهجمات التي أسفرت عن مقتل 24 جنديا تركيا وإصابة حوالي 20 آخرين وأعلنت أنها تدعم أنقرة في مواجهة الهجمات المتزايدة لحزب العمال الكردستاني التركي المحظور, إلا أن بعض وسائل الإعلام التركية لم تستبعد تورطها هي وتل أبيب في دعم تلك الهجمات للانتقام من مواقف حكومة أردوغان الداعمة للفلسطينيين والرافضة لعربدة الكيان الصهيوني في المنطقة .

بل إن تصريحات الرئيس التركي عبد الله جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لم تستبعد هي الأخرى مثل هذا الاحتمال, حيث أعلن جول أن الحزبين الكرديين في شمالي العراق وأوروبا والولايات المتحدة مسئولين عن دعم "الكردستاني" بشكل أو بآخر, كما أكد أردوغان أن هناك مؤامرة خارجية تستهدف أمن واستقرار تركيا .
ولعل إلقاء نظرة على تفاصيل هجمات 18 أكتوبر وما أعقبها من ردود أفعال داخلية يدعم أيضا فرضية وجود مؤامرة للإطاحة بحكومة أردوغان, حيث تسلل نحو 250 من عناصر "الكردستاني" من جبال قنديل في شمالي العراق إلى محافظة هكاري في جنوب شرقي تركيا ونفذوا سلسلة الهجمات على مواقع عسكرية هناك دون أن يتم رصد تحركاتهم, وهو ما زاد الشكوك بأنهم يتمتعون بدعم استخباراتي قوي جدا .
هذا بالإضافة إلى أن تلك الهجمات تعتبر رابع أكبر الضربات قسوة التي يتلقاها الجيش التركي منذ انطلاق تمرد المنظمة الكردية المحظورة في عام 1984 والأكثر دموية منذ عشرين عاما تقريبا .
ويبدو أن ردود أفعال المعسكر العلماني على الهجمات تكشف أيضا البعد الداخلي للمؤامرة التي تستهدف حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية, فقد دعا زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليشدارأوجلو الحكومة برئاسة رجب طيب أردوغان إلى الاستقالة وحملها مسئولية تصاعد وتيرة الهجمات "الإرهابية" في تركيا مؤخرا .
هذا فيما ذهب زعيم حزب الحركة القومية دولت باهجلي إلى أبعد من ذلك بدعوته الحكومة إلى فرض حالة الطوارئ مجددا في جنوبي شرقي تركيا, وبالتالي عرقلة عملية الإصلاح التي قادت إلى نتائج إيجابية في الشارع التركي عموماً والكردي خصوصاً طيلة السنوات التسع الماضية بعد أن قام حزب العدالة فور وصوله للسلطة في 2002 بإلغاء حالة الطوارئ التي كانت فرضت في المناطق ذات الأغلبية الكردية عام 1987.
بل نقلت قناة "الجزيرة" عن خبير أمني تركي - لم يذكر اسمه - القول في 20 أكتوبر إن المشكلة الكردية ظهرت وتصاعدت حدتها في عهد الحكومات العلمانية المتعاقبة وإن حزب العدالة والتنمية الحاكم ليس مسئولا عن الموضوع نظرا لوجود مخلفات سابقة، فالجيش, الذي يعتبر أكبر رموز المعسكر العلماني, لم يكن يسمح بتدخل الجهات المدنية ولو سمح بذلك, لما استمرت المشكلة دون حل .
وكشف في هذا الصدد أن بعض القادة العسكريين وخاصة في المناطق الساخنة لديهم مصالح شخصية في استمرار العمليات العسكرية بما يؤدي إلى تعزيز موقع الجيش في مواجهة المؤسسة المدنية الحاكمة والمحافظة على المكاسب التي يحصلون عليها جراء خدمتهم في تلك المناطق سواء على شكل رواتب ومكافآت أو بالتنسيق مع عصابات التهريب الموجودة هناك، ذلك أن "الكردستاني يعتمد على عصابات تهريب المخدرات الناشطة بين إيران وتركيا إلى أوروبا في التمويل"، حسب وصفه.
كما نقلت "الجزيرة" عن مصادر تركية القول أيضا إن حزب العمال الكردستاني، في سعيه للبقاء بعد الضربات السياسية والعسكرية التي تلقاها، تحول إلى أداة بيد قوى مختلفة ضد تركيا لفرض حلول غير مقبولة تركياً والتلاعب بملفات حساسة.

وبجانب ما سبق, فإن هناك عدة أمور أخرى تدعم تورط إسرائيل في هجمات هكاري, من أبرزها أن الهجمات جاءت متزامنة مع أحداث ماسبيرو المأساوية في مصر وبعد أسابيع قليلة من زيارة أردوغان للقاهرة وإعلان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوجلو عن خطط لإقامة تحالف استراتيجي بين بلاده ومصر, ولذا لم يستبعد كثيرون مسارعة تل أبيب للانتقام من البلدين بعد أن تسببا في زيادة عزلتها في المنطقة .
أيضا, فإنه رغم أن النزاع المسلح مستمر في جنوب شرقي تركيا منذ أكثر من ربع قرن وأودى بحياة أكثر من أربعين ألف شخص وكلف أنقرة حوالي ثلاثمائة مليار دولار, إلا أن آخر عملية عسكرية تركية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق تعود إلى فبراير/شباط 2008 , كما أعلن الحزب المحظور منذ ذلك الحين هدنة من جانب واحد ولم يستأنف هجماته إلا بعد تحدي أردوغان لإسرائيل .
مجزرة "الحرية"
ولعل الأحداث التي استبقت وتلت مجزرة أسطول الحرية تدعم صحة ما سبق، فما أن أعلن عن بدء انطلاق سفن الأسطول من قبرص باتجاه غزة، إلا وفوجئ الجميع في 30 مايو 2010 بهجوم صاروخي على قاعدة بحرية تركية في ميناء مدينة الإسكندرونة المطلة على البحر المتوسط, مما أسفر عن مقتل ستة جنود أتراك وجرح سبعة آخرين .
وبالنظر إلى أن الهجوم كان على مستوى عال من الدقة ووقع قبل يوم من مجزرة أسطول الحرية، فقد اعتبر كثيرون أنه كان بمثابة رسالة تحذير مبكرة من قبل إسرائيل، كما ألمح وزير داخلية تركيا إلى احتمال تورط الموساد، وفي 3 يونيو، كرر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الإشارة الضمنية لاحتمال تورط الموساد عبر التأكيد أن الجهة المنفذة للهجوم تلقت مساعدات من جهاز استخبارات خارجي .
وبعد مجزرة أسطول الحرية وما أعقبها من تهديدات تركية لإسرائيل، تصاعدت الهجمات داخل تركيا وتحديدا في مدينة إسطنبول، حيث عثرت الشرطة التركية على سيارة مفخخة كانت موجودة بالقرب من مؤتمر التعاون وتعزيز بناء الثقة في آسيا "سيكا" الذي عقد بمدينة اسطنبول التركية في 9 يونيو وأدان بشدة الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية .
وفي 19 يونيو 2010، شن حزب العمال الكردستاني هجوما بإقليم هكاري أيضا أسفر عن مقتل 11 جنديا تركيا, فيما اعتبر حينها أكبر هجوم يوقع قتلى في صفوف الجيش التركي في السنوات الأخيرة من الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ بدأ حزب العمال الكردستاني حملته عام 1984 بهدف إقامة دولة للأكراد في جنوب شرقي تركيا .
وبعد ثلاثة أيام من الهجوم السابق وتحديدا في 22 يونيو، أعلنت جماعة كردية مجهولة تطلق على نفسها "صقور الحرية الكردية" مسئوليتها عن تفجير حافلة عسكرية في مدينة إسطنبول أسفر عن مصرع خمسة أشخاص وإصابة 11 آخرين.
وكان الانفجار وقع قرب مجمع سكني عسكري واستهدف إحدى ثلاث حافلات تقل عسكريين وذويهم في ضواحي إسطنبول، مما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد الشرطة العسكرية، أما القتيل الخامس فهي فتاة "16 عاما"

ابنة عسكري في الجيش كانت ترافق والدها.
وأفادت مصادر أمنية تركية حينها بأن الانفجار نتج عن تفجير قنبلة عن بعد وأن منفذي العملية تمكنوا من الفرار، قائلة: "الانفجار وقع في منطقة هالكالي التي تبعد عدة كيلو مترات من مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول ".
بل جاء إعلان "الكردستاني" في أوائل يونيو 2010 عن انتهاء الهدنة الأحادية التي بدأها في إبريل 2009 والذي تزامن مع مجزرة أسطول الحرية ليدعم أيضا الشكوك بأن إسرائيل تستخدم بعض الجماعات الكردية للانتقام من حكومة أردوغان ودفعها للتركيز على أزماتها الداخلية بعيدا عن الصراع العربي - الإسرائيلي والقضايا الإسلامية بل قد يكون الهدف الأساسي هو إضعاف شعبية أردوغان للإسراع بالإطاحة به .
فوسائل الإعلام الأمريكية كشفت أن استراتيجية إسرائيل في الانتقام من حكومة أردوغان تقوم على ممارسة الضغوط الأمريكية من ناحية وإثارة الاضطرابات داخل تركيا من ناحية أخرى، وأخيرا التلويح بموضوع "مذابح الأرمن"، حيث قررت لجنة العلاقات الخارجية في الكنيست الإسرائيلي العالم الماضي عقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفوه بـ "مذبحة الأرمن" كيدا في تركيا وتشهيرا بها .
كما سعت واشنطن لترويج دعاية مفادها أن تركيا تعبث بأرجاء المنطقة وتقدم على أفعال تتعارض مع ما ترغب فيه القوى العظمى، بل قام بعض النواب الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي بتحذير تركيا صراحة في 17 يونيو 2010 من عواقب استمرارها فيما اعتبروه عداء لإسرائيل .
وقال النائب الجمهوري الأمريكي مايك بنس في هذا الصدد: " إن تركيا ستدفع الثمن إذا استمرت على موقفها الحالي من التقارب مع إيران وزيادة العداء لإسرائيل"، كما وصف النائب الديمقراطي إليوت أنجيل أفعال تركيا بأنها "مخزية"، هذا فيما وقع 126 عضوا في مجلس النواب الأمريكي رسالة طلبت من الرئيس أوباما معارضة أي إدانة دولية لإسرائيل بسبب عدوانها على أسطول الحرية.
ولم يقف الأمر عند ما سبق، حيث نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" أيضا تقريرا العام الماضي أوضح أن تركيا أثارت غضب واشنطن التي اعتبرتها تحديا لسياستها لأهم قضيتين إقليميتين إلحاحا، هما: البرنامج النووي الإيراني حين اتفقت مع البرازيل لحل تلك الأزمة بعيدا عن الوصاية الأمريكية وعملية السلام في المنطقة بعد أن رفض أردوغان اعتبار حماس "منظمة إرهابية".
ونقل التقرير عن الخبير بمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن ستيفن كوك القول إن السؤال الذي أصبح مطروحا في واشنطن حاليا هو: كيف يمكن الإبقاء على تركيا في حدود حارة الطريق المخصصة لها؟.
اعتقال أوجلان
وأمام ما سبق، فإنه من غير المستبعد أن تتصاعد الهجمات داخل تركيا خلال الفترة المقبلة ، ويبدو أن الجماعات الكردية التي وقعت في فخ المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية لم تستفد من دروس التاريخ، فمعروف أن القوى الكبرى طالما وعدت بمساعدة الأكراد بإقامة دولة مستقلة لهم إلا أنها سرعان ما تراجعت عن تلك الوعود بعد تحقيق مآربها في المنطقة .
وما يثير الحزن أكثر وأكثر أنه بدلا من تعاون حزب العمال الكردستاني مع أردوغان لحل المشكلة الكردية، انساقت بعض الجماعات الكردية وراء المؤامرة الصهيونية, متناسية تماما أن الموساد هو من يقف وراء اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، بالإضافة إلى تجاهل حقيقة أن أردوغان منذ وصوله للسلطة وهو يحاول إيجاد حل يقبل به الأكراد الذين يشكلون 18 في المائة من سكان تركيا .
ولم يقف الأمر عند التصريحات، بل إنه قام بخطوات عملية على طريق الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للأكراد بعد أن كانت محظورة تماما إبان الحكومات السابقة التي سيطر عليها المعسكر العلماني ومن أبرز تلك الخطوات السماح بإطلاق قناة باللغة الكردية .
ورغم أن حزب العمال الكردستاني وصف الخطوة السابقة بالخديعة، إلا أن الانتقادات التي وجهها المعسكر العلماني لأردوغان تؤكد أن الأخير يسعى بجدية لحل المشكلة الكردية .
وكانت المعارضة التركية وجهت أكثر من مرة انتقادات إلى حكومة أردوغان واتهمتها بتهديد الوحدة الوطنية من خلال نهجها بإجراء إصلاحات لصالح الأكراد المقدر عددهم في تركيا بما بين 12 و15 مليونا.
وطالب زعيم القوميين الأتراك دولت بهجلي في هذا الصدد بفرض حالة الطوارئ في جنوب شرقي تركيا التي رفعها حزب أردوغان في 2002، كما طالب بفرض منطقة عازلة في شمالي العراق .
والخلاصة أن الإطاحة بأردوغان لن تخدم الأكراد في شيء لأنها تعني ببساطة عودة المعسكر العلماني الذي لا يعترف بحقوقهم السياسية والثقافية، ولذا لا بديل عن الحوار بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية الحالية لوقف سفك الدماء وإجهاض المؤامرة الإسرائيلية - الأمريكية التي تستهدف مسلمي تركيا من الأتراك والأكراد على حد سواء.