رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لماذا نجحت الثورة في مصر وفشلت في دول الربيع العربي؟

ثورة 25 يناير
ثورة 25 يناير

 بعد 8 أعوام من اندلاع ثورات "الربيع العربي"، ومع حلول شهر يناير من كل عام، نستحضر ذكرى الثورات التي غيّرت مجرى المنطقة العربية بأكملها، وأسقطت أنظمة وجيوشّا، بل ودولًا طالما عاشت عهوداً من الاستقرار والأمن والسلام الاجتماعي منذ التحرر والاستقلال.

 تشابهت بدايات الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ولكن كان للنهايات قول آخر، فسقوط الأنظمة ورحيلها لم يكن معياراً لنجاح الثورة، أو فشلها، بل كانت مرحلة ما بعد إسقاط الأنظمة وإعادة ترتيب الصفوف والمؤسسات وهيكلتها من جديد، هي المعيار الأوحد الذي يمكن الحكم على الثورة من خلاله.. هل نجحت أم فشلت؟

 على الرغم بأن الثورة التونسية "ثورة الياسمين"، كانت شرارة انطلاق الربيع العربي، التي نجحت في إسقاط نظام زين العابدين بن على في أيام معدودة، ومكنت حركة النهضة التونسية، الكيان المعبر عن تنظيم الإخوان في القطر، من حكم البلاد خلال الـ4 سنوات التي تلت الثورة، وتخلت عن السلطة عام 2014، بسبب مخاوف الحرب الأهلية التي كانت تلوح في الأفق، وخشية خسارة ما تحقق من مكاسب للتنظيم، لتشارك في الحكومة ضمن تحالف حاكم، فلم تشهد البلاد خلال الـ8 سنوات الماضية أي استقرار سياسي، أو اقتصادي، ولم يغب عن الشارع التونسي التوترات والتظاهرات التي حمل بعضها طابًعا سياسيًا والآخر اقتصاديًا، بسبب التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة منذ سقوط نظام بن على، وتآكل الدخل القومي والفردي، ولم تنجح المليارات القطرية التي قدمت للنهضة إبان فترة حكمها في إنقاذه، ولم تنجح الـ8 سنوات الماضية في تحقيق أي استقرار اقتصادي، في ظل انهيار القدرة الشرائية للمواطن التونسي، وسط أجواء انقسامات سياسية وصراعات حزبية طالت الأحزاب كافة.

 ومع دخول الثورة عامها الثامن لم يجنِ الشعب التونسي ثمار ثورته بعد، فلا استقرار سياسي ولا اقتصادي يكفل له حياة كريمة، وتقف الثورة التونسية حائرة، فمصيرها مجهول حتى الآن، وسط مخاوف من موجة ثورية جديدة تمضي بالدولة لطريق مجهول وفوضى، في ظل تزايد الغضب الشعبي، وانشغال الأحزاب بالمكاسب والصراعات السياسية والمناصب.

 وها هي مصر تقف شامخة وصامدة وأبية ومستقرة بعد 8 سنوات من ثورة 25 يناير2011، وإسقاط نظام الرئيس الأسبق مبارك، التي حاول تنظيم الإخوان القفز عليها، واعتلاء السلطة في 2012، وصبغ الدولة بالصبغة الدينية، ومع سياسات الإقصاء للأحزاب السياسية، والفشل الإداري والاقتصادي، وانهيار الخدمات، ومحاولات توريط الجيش المصري في معارك خارجية لنصرة أفرع تنظيم الإخوان في المنطقة، ومع تصاعد وتيرة الغضب في الشارع المصري وفقدان الأمن وشيوع الفوضى، خرج الشعب المصري ليصحح مسار ثورته وليسقط حكم تنظيم الإخوان الإرهابي، في 30 يونيو 2013.

 وليعيد من جديد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي نصبه الشعب عام 2014، في أول انتخابات تجرى بعد ثورة 30 يونيو، ترتيب دواليب الدولة، ووضع خطة الإنقاذ الاقتصادي، ومحاربة الإرهاب، وإعادة مصر لمحيطيها الإقليمي والدولي، لتتبوأ المكانة اللائقة بتاريخها وعظمة شعبها، الذي ألهم العالم أجمع في 30 يونيو، وصحح مسار ثورته، وأحبط مخطط تحويل مصر لمقر لحكم تنظيم الإخوان الإرهابي، في مشهد أدهش العالم أجمع، وليضع مصر على قاطرة التنمية، والعودة للريادة من جديد.

 كانت كلمة السر في نجاح الثورة المصرية في تحقيق أهدافها، بعد الشعب المصري، صاحب القرار في التحرك، عقيدة الجيش، الذي وقف متماسكًا وحمى الإرادة الشعبية، التي قالت لا لحكم مبارك، ولا لحكم الإخوان، وارتضت طريقًا ثالثًا للبناء والنهضة والاستقرار، في ظل انشقاقات طالت جيوش المنطقة، وأودت بالدول لمصير مجهول.

 خاضت مصر، على مدار الـ8 سنوات الماضية، حربًا على الإرهاب، وتصدت لموجة إرهابية عاتية مدعومة دوليًا في محاولة لتغير مسار ثورة 30 يونيو، وإعادة حكم الإخوان مرة أخرى، ولكن نجاح الجيش والشرطة المصرية في إحباط المخطط واستراتيجية المواجهة المتواصلة، أحبطت تلك المؤامرات، وحمت مسيرة التنمية والإصلاح، وإعادة بناء الدولة، وتعزيز مواردها، ورغبتها في أن تتبوأ المكانة المستحقة في محيطها العربي والإقليمي والدولي.

 وبعد 8 سنوت لا تزال الدول التي طالتها ثورات الربيع العربي تعاني من التفكك والفوضى والاقتتال الأهلي والتدخلات الدولية، التي تسببت في انهيار

الجيوش الوطنية، وتحويل الدول لساحات للحرب، وبؤر للكيانات الإرهابية والمليشيات المسلحة والمرتزقة، التي اتجهت صوب تلك الدولة للحرب بالوكالة، وتنفيذ أجندات بعضها يخدم تنظيمات وكيانات داخلية، والبعض الآخر يحمل أجندات دولية وإقليمية في إطار صراع النفوذ بين القوى الدولية على الأرض.

 فليبيا واليمن وسوريا بعد 8 سنوات من الثورة لا تزال تبحث عن بارقة أمل للسلام والاستقرار والأمان، فسنوات الحرب والقتال والفوضى والانهيار الاقتصادي تسببت في نزوح ملايين الليبيين والسوريين واليمنيين، وهروبهم من وطأة القتال المتواصل وانعدام الأمن، وسيطرة الميليشيات على المدن، بعدما تم تدمير عشرات المدن والمناطق وانهيار كامل للبنية التحتية والخدمات، وعجز الدول عن توفير أدنى متطلبات الحياة، مما تسبب في أزمات ومجاعات وانتشار أوبئة وأمراض فتاكة، استدعت منظمات الإغاثة لمحاولة إنقاذ الشعوب المشردة التي تعاني من ويلات الحروب والحصار تحت وطأة الصراع على النفوذ والغنائم ودعم مبيعات السلاح.

 لا شك أن ظاهرة الانشقاق التي طالت الجيوش الوطنية في ليبيا واليمن وسوريا منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورات، كانت أحد العوامل الرئيسية، في مضي تلك البلدان صوب الحرب الأهلية والفوضى، وفشل إعادة ترميم الدول وبنائها من جديد، فعقيدة الجيش المصري وتماسكه في الدفاع عن الوطن، ودعم الإرادة الشعبية، في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، كانت كلمة السر في تماسك الدولة المصرية التي تعرضت لظروف حالكة في أعقاب الثورتين، ما بين أطماع دولية لدعم أطراف وتمكينها من الوصول للحكم، وما بين قوى أخرى رغبت في إسقاط الدولة وتقسيمها وشيوع الفوضى والانهيار، كجزء من مخطط التقسيم في المنطقة، فصمود مصر كان العقبة الوحيدة أمام تنفيذ ذلك المخطط الغربي.

 وهنا وبعد 8 سنوات على ثورة 25 يناير تمضي مصر بخطى ثابتة صوب إعادة بناء الدولة وتعزيز مواردها، وتدعيم مؤسساتها، وعلاج اقتصادها مما شابه من اختلالات خلال السنوات الماضية، وتسليح جيشها بأحدث منظومات الأسلحة، في ظل إيمان القيادة السياسية بأن التنمية من دون قوة تحميها، في ظل مهددات محيطة بالمنطقة بأكمها، لن تجدى نفعًا ولم تصمد، وخلال تلك السنوات نجحت الدبلوماسية المصرية في إعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية، لتعيد من جديد فرض نفسها على الواقع بما تمتلكة من قوة وتماسك وإرادة شعبية قوية، وجيش متماسك، أبلى بلاءً حسنًا في الحرب على الإرهاب، وأحبط مخططات كادت تهوي بالدولة للخراب والدمار.

 في الجانب المقابل تقف سوريا واليمن وليبيا باحثة عن بارقة أمل لوقف الحرب والاقتتال، وعودة ملايين الأسر التواقة لأوطانها بعدما تقطعت بها السبل في البلدان، ما بين لاجئين ونازحين، تتخطفهم البلدان ليكون مصيرهم مراكب غارقة في المحيطات والبحار، وخيامًا تلملم كرامة شعوب كانت ضحية للصراعات والنفوذ، حلمت ذات يوم بحياة كريمة وعدالة.