عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"ملك" تنتظر والدها "الشهيد"

الشهيد النقيب محمد
الشهيد النقيب محمد أحمد

«ملك» طفلة جميلة رزق بها النقيب محمد أحمد عبدالمنعم خلاف، معاون مباحث دشنا وابن قرية ميت حبيش البحرية بمحافظة الغربية, من زوجته الجميلة «هبة» المدرسة بإحدى مدارس السنطة قبل عامين,

والطفلة البريئة والزهرة التى لم تتفتح بعد فى انتظار أعياد ربيع متتالية لتضيف إلى بستان عمرها وردة جديدة تجعلها أكثر قدرة على قراءة الواقع القاسى, وتعرف أن والدها الضابط الشاب لن يستطيع توصيلها للمدرسة فى أول يوم دراسى فى مرحلة التعليم الأساسى ولن يقدم لها الحماية المنتظرة من ملاحقة عيون طلاب الثانوية الزائغة وهى تحتضن حقيبة «لاب توب» المدرسة, ولا حضور حفل تخرجها في الجامعة بعد عدة سنوات هى قصيرة فى عمر الزمن!
والطفلة «ملك» مازالت عيونها شاخصة إلى باب شقتها تترقب بشغف وتنتظر بحب عودة والدها الضابط الشاب وهو يدخل عليها كعادته سعيداً ومبتسماً، وهو ينادى بصوت عال «حبيبتى ملوكتى.. عروسة بابا»، حاملاً فى يده حقيبة ملابسه وفى يده الأخرى كيس «الشيكولاته والبونبونى» التى تحبه الذى تعود إحضاره لها ثم يجثو على ركبتيه ليتلقفها فى حضنه وهى تقفز عليه بسعادة وتضمه بيديها الصغيرتين وتطبع قبلة جميلة على فمه وجبينه، وهو يبادلها القبلات على وجهها وشعرها ويتحسس جسدها ليتأكد من معلومة أخبرته بها زوجته بأن «ملك» كبرت - شوية وطولت شويتين – وبسرعة يفتح غلاف قطعة الشيكولاته الكبيرة ويضعها برفق وحنية فى فمها الصغير, قطعة تلو الأخرى كالعصفورة التى تضع حبات الطعام فى فم صغارها على النافذة المقابلة, والزوجة الجميلة والأم الصغيرة التى أصبحت بحكم الأمر الواقع وقدرة الله والقسمة والنصيب «أرملة» فى عمر الزهور تنظر له بحب وشوق ولسان حالها يهمس بحب «الحمد لله على سلامتك يا حبيبى» وهو ينظر لها بعين المشتاق وبلهفة المحبوب الظمأن لجرعة حنان ورشفة عسل, وبلهفة احتواء وحنان تلمس صدره ببطء, وهى تسأله عن خطته التى أعدها لها و«ملك» لقضاء الإجازة السعيدة, وزيارة الأسرتين, وتنسى فى لحظات هموم وسهر أيام قضتها فى انتظار عودته سالماً من عمله الشاق فى جنوب الوطن وصعيده  الشقى الذى يعانى من سطوة الإرهاب الأسود والتعصب الأعمى والبلطجة العتيدة والسلاح الذى يحمله الأطفال قبل الكبار عزوة وعنترية ونفوذ وسيطرة!.. رغم أنه لم يشك أبداً من قسوة العمل وظروف العمليات ومطاردة الأفاعى فى الأحراش حتى لدغه ثعبان مجرم برصاصة غدر فى الصدر!
قد تستطيع «ملك» بعد سنة أو سنتين أو ثلاث أن تدرك ما حدث, وأن والدها الشاب ابن السبعة وعشرين ربيعاً, التى سيطول انتظارها لعودته, لن يعود, لأنه ببساطة قد انتقل إلى الرفيق الأعلى, شهيداً للواجب, بعد أن تلقى رصاصات الغدر من سلاح أحد البلطجية, فى مطاردة دامية.
وقد تحمل بين جنبات صدرها صور الجنازة العسكرية المهيبة التى تقدمها اللواء أسامة بدير مدير أمن الغربية واللواء عبدالرحمن شرف نائب مدير الأمن واللواء علاء السباعى مدير المباحث والعميد أسعد الذكير رئيس المباحث, والآلاف من زملاء والدها الشهيد, أشاوس الداخلية من ضباط وأمناء وأفراد وأهالى قريته التى حضنت جثمانه بدفء الأم الحنون.
وقد تستطيع والدتها المدرسة «هبة» أن تشرح لها درس الشجاعة والفداء والوطنية الذى دفع والدها حياته ثمناً لها, لتعيش هى وبنات عمرها مستقبلاً آمناً لا مكان فيه للبلطجة وقطع الطرق والسطو المسلح, وهى الرسالة التى يسعى كل أفراد الداخلية لتحقيقها بالفعل فى مواجهة أبدية مع الخير والشر والقبح والجمال.
وقد تلتمس الأم وهى تحكى لفلذة كبدها أسباب غياب الأب بجسده وتركها وحيدة فى هذا العالم المجنون, رغما عنه وهى مازالت تحبو فى سنوات عمرها الأولى, دون أن يأخذ بيدها وهى تتخبط فى قدميها لتسير

أولى خطواتها فى الحياة القاسية على قدميها, وقبل أن يلقنها درس «الحبو»  والسير داخل «المشاية» حتى لا تسقط فتجرح يدها وشفتيها! ثم يحذرها من رفقاء السوء فى الجامعة, ويجلس مع عروسها للاتفاق على تفاصيل حفل ليلة العمر التى سيغيب عنها, والتوقيع بخط يده على قسيمة الزواج!.. قد تستطيع الأم أن تقنع فلذة كبدها بحجم التقدير التى قدمته الدولة لوالها الشهيد وطلقات الرصاص التى أطلقت فى سماء القرية لحظة تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير وتكريم المحافظة له, بقرار لم يصدر بعد ومازال أهل القرية وأسرة الشهيد ووالده الموجه السابق فى التربية والتعليم, ينتظرون صدوره من اللواء دكتور محمد نعيم محافظ الغربية بإطلاق اسم «الشهيد محمد خلاف» على مؤسسة ميت حبيش التعليمية.
وقتها تستطيع الطفلة «ملك» أن تقتنع بأن والدها الشاب والنقيب الذى كان يحلم بحضور زفافها ويختلف مع عريسها على تفاصيل العرس, ثم يوافق بعد أن خطفته بنظرة «عين» وهى تراقب من خلف الستارة التفاصيل وتشير لوالدها بالتيسير لا التعسير.. «علشان ربنا يكرمها وتسعد بحبيب القلب», تركها أمانة فى قلب الوطن وأن استشهاد والدها سجل بحروف من نور فى عالم البطولة والفداء، وأنها تستطيع أن تفتخر أنها بنت غير كل البنات فوالدها «شهيد فى الجنة», وهو البطل التى خلد الوطن شجاعته, بإطلاق اسمه على مدرسته, وتتباهى وهى تعطى عنوانها لعريسها, بأن منزلها بجوار «مؤسسة الشهيد محمد خلاف»، وتبتسم وهى تهمس له: «ما أنت عارف إن أنا بنت البطل»!
والشهيد النقيب محمد خلاف معاون مباحث دشنا, الذى دفع حياته راضياً مرضياً, بعد أن تزوج قبل 3 سنوات من عروسه «هبة», كان يعرف أنه وزملاءه الأبطال «مشاريع شهداء» وكان يحلم بغد أفضل لوطنه, وبمستقبل أفضل لطفلته الجميلة «ملك»، والشهيد وزملاؤه واثقون بأن دم كل شهيد سقط على تراب هذا الوطن لن يضيع هدراً.
صحيح أن اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية صدَّق على ترقية الشهيد إلى رتبة «الرائد», ولكن قرار إطلاق اسمه على مدرسة قريته مازال مجرد «طلب لم ينفذ», ولن تهدأ روح الشهيد «خلاف» فيما أعتقد قبل أن يشاهد بروحه الطاهرة اسمه على المدرسة أو على شارع فى مدينة طنطا التى قدم لها شبابه وحياته!
القيمة والتكريم ليس هو تخليداً لذكرى شهيد سقط فى حضن الواجب بقدر ما هو إحياء لكل البطولات فى نفوس من ينتظرون الشهادة فى سبيل الواجب!.. وتلك هى المسألة!