رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حب.. وموت

العروسة الضحية
العروسة الضحية

فى غمضة عين بين عشية وضحاها، فقدت فلذة كبدى. ابنتى ماتت أمام عينى دون أن أستطيع إنقاذ حياتها سقطت أمام عينى من أعلى العقار تحت قدمى.

تغيرت الأحوال، كنت أجهز لها شقة الزوجية وفستان الزفاف ولكنى قمت بتجهيز الكفن لها ودسها أسفل التراب الأسود بتغيب عنى طفلتى الى الأبد دون ذنب جنته. ذهبت الى السماء بدلاً من منزل الزوجية. اختطفها الموت من حضنى.

بهذه الكلمات، بدأت الأم المكلومة تبكى وتقول فى لحظة تبدلت الفرحة لحزن دائم وآثار لن يقوى الزمن على محوها، هذا ملخص لقصة مأساوية فقدت فيها أم ابنتها، وذلك لأنها أحبت الحياة واختارت شريك حياتها الذى كانت تأمل أن تكمل معه حياتها ولكن حياتها كانت أقصر من أن تشارك حبيبها الحياة، كما كانا يحلمان ويخططان.

كل ذنبها أن شخصاً تجرد من كل معانى الانسانية والضمير أصر على الارتباط بها ولم يعترف برغبتها وحريتها فى الاختيار وفى النهاية تسبب فى موتها بطريقة بشعة. ماتت رعباً وخوفاً منه. ماتت وهى تصرخ خوفاً ورعباً منه، رغم أنها كانت فى شرفة منزلها الكائن فى الدور الثالث. سقطت وهى ترتعش من خوفها وماتت كمداً.

قالت الأم الحزينة ودموعها تأبى أن تتوقف: نقيم بمنطقة الهانوفيل أنا وأولادى و«هاجر» الضحية هى أصغرهم، إنها تحبو نحو عامها السادس عشر وكانت على قدر كبير من الجمال، ملامحها تملؤها البراءة والطيبة، يشهد الجميع بأخلاقها الحميدة، منذ عام تقدم شاب لخطبتها، ومنذ الوهلة الأولى التى رأته فيها شعرت بأنه هو فتى أحلامها، وهو من سيسعد أيامها القادمة، فوافقت على الخطبة، كانت تعد الأيام والليالى حتى يجمعها بيت واحد مع من اختاره قلبها، لكن رغم خطبتها ولكن لم ترض لها الدنيا الغادرة السعادة واتفق على ذلك. جارهم الذى كان يرغب فى الزواج منها، وتقدم لخطبتها، من قبل ولكنها رفضته الأسرة، تصوروا أن الأمر انتهى واختارت «هاجر» حياتها. ورغم صغر سنها كانت تسبق عمرها فأصرت على عدم الارتباط به واختارت خطيبها.

لم يتقبل الشاب فكرة أن الضحية التى يحبها كسرت قلبه، وستكون لشخص آخر، فملأ الحقد قلبه، وسيطرت على عقله فكرة الانتقام منها شر انتقام ومنذ خطبتها بقى يطاردها أينما تذهب ولكنها لم تهتم وكانت تتجاهل ما يفعل، لم تتوقع تلك الفتاة المسكينة أن رفضها له سيكون سببًا فى موتها ولم تتوقع الأسرة أن حياتهم ستنقلب رأساً على عقب، وتتحول من الهدوء للصخب، وتختفى الابتسامة ويبقى الحزن فقط ليعيش فى منزلهم.

فى يوم الحادث كما تروى الأم مأساتها. وتقول إنها هاجر فى شقتها مع شقيقتها الكبرى، بينما خرجت الأم ونجلها لقضاء بعض الأعمال، كان جارهم ينتظر أسفل العقار، وبمجرد رؤيته للأم وابنها يخرجان من المنزل، اعتقد أن هاجر بمفردها داخل الشقة، فصعد إليها وبدأ يطرق الباب بعنف، أصيبت الفتاة بحالة من الذعر عندما رأته خارج بابها.

فاتصلت «هاجر» على الفور بخطيبها والذى يسكن معهم فى نفس العقار، كى يأتى لينقذها من المتهم، وعندما وصل خطيبها حدثت مشادة بينهما، فذهب المتهم وأحضر مجموعة من البلطجية ويحملون معهم أسلحة بيضاء ويصطحبون كلاباً ضخمة الحجم لبث الرعب فى قلب خطيبها وعندما شاهدت هاجر ما يحدث أسفل العقار بين خطيبها

وجاره المتهم وخشيت عليه أن يقتله زاد رعبها وبدأت تصرخ وتبكى بطريقة هستيرية فاتصلت شقيقة هاجر بوالدتها وأخبرتها بما يحدث، فأتت الأم مسرعة، توجه كلامًا لاذعًا للشاب المتهم وأن يترك ابنتها وخطيبها يعيشان حياتهما وأن الفتاة تكرهه ولا ترغب فيه.

كل هذا يحدث أسفل العقار، فى هذا الوقت كانت «هاجر» الضحية تقف فى شرفة شقتهم وتصرخ بأعلى صوتها وتستنجد بأمها بخوف شديد وصل لدرجة الفزع، وفجأة فقدت السيطرة على نفسها وسيطر عليها الرعب. اختل توازنها فجأة وسقطت من الطابق السادس لتسقط تحت قدم والدتها فى مشهد مأساوى، وكأنها تلقى عليها وعلى شقيقها نظرة الوداع ثم صعدت روحها للسماء، انهارت الأم وهى تكمل حكايتها. صاعقة نزلت على الأم أفقدتها النطق لدقائق معدودة ثم انهالت فوق جسد ابنتها، وظلت تصرخ: «ما تسبينيش.. أبوس رجلك فوقى»، كلمات تصرخ بها الأم ربما تسمعها فلذة كبدها وتعود الى حضنها لكن بلا فائدة، حاول خطيبها وشقيقها نقلها سريعًا للمستشفى فى محاولة لإنقاذها ولكن باءت المحاولات بالفشل، لتموت هاجر بلا أى ذنب، ماتت وتركت والدتها تتألم حزنًا ووجعًا على فراقها، فما زال مشهد سقوطها محفورًا فى ذاكرة الأم المكلومة، التى بدلاً من أن ترى ابنتها بالفستان الأبيض، ألبستها الكفن الأبيض وودعتها لمثواها الأخير.

وجاءت الشرطة، وألقت القبض على جارها البلطجى وكلابه وأصدقائه المحملين بالأسلحة البيضاء ولكن موت «هاجر» هو المأساة. استمعت النيابة إلى أقوال الجميع. والمتسبب الوحيد فى موت هاجر هو جارها الذى نسى العرف والقانون والضمير وبسبب رغبته فى الزواج منها بالإكراه تسبب فى موتها رعبا.

كل يوم تدخل الأم غرفتها، تحتضن ملابسها لعلها تشتم فيها رائحتها، تسرح بخيالها أن ابنتها ستطرق بابها فى أى لحظة وترتمى بين أحضانها، لكن سرعان ما تفوق من شرودها، والدموع تنهال على خديها تدرك أن ابنتها لن تعود إليها مرة أخرى، أصبحت رغبة الأم الوحيدة فى الحياة وقبل أن يقتلها الحزن على فلذة كبدها هى القصاص العادل، فقط تطلب أن يعود حق ابنتها. ممن تسبب فى موتها بهذا الشكل المفجع، وكانت «عاوزه حق بنتى» آخر كلماتها.