رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..عذرا أبنتى ٣..

بوابة الوفد الإلكترونية

أبدأ لك به هذا الخطاب، وهو خطاب مغاير لما اعتاد عليه بابك بريد الوفد، فخطابى مجموعة من رسالات صوتية مسجلة، بدأتها لك بجملة أنا معاقب، كى تتلمس لى العذر ولتتحمل معى قدر ما وددت أن أشركك فيه وأقصه لك،  ففى عالمنا، نحن المعاقين، نملك من الخصوصية التى لا يعرفها الكثير، حتى إن أوهموك أن الجميع يعلم عنا كل شيء فهم مخطئون، ولعلك تسألنى الآن لما ابتدأت معك رسالتى بجملتى الصادمة اأنا معاقب لأننى لا أملك القدرة على تحريك يدى أو قدمى، فإعاقتى قد شملت يدى وقدمى، ولدت بهذا الأمر، إذا تعرفت على أو سألت عنى سيخبرونك مَن هم فى محيط عائلتى أننى وجه ضاحك فقط، سيخبرونك بأننى أحمد السباعى صاحب الضحكة والدم الخفيف، هم للحق محقون فى هذا، لأنى أخفى عنهم ما يتبدى بداخلى من ألم.

 

كانت هذه هى ليلتى الثالثة وأنا أعيد قراءة الخطاب الذى أرسله لى ذلك الأب الحزين والوحيد والمتألم، وهو ما عرضناه على حضراتكم أعزائى قراء بريد الوفد، وفى وسط هذا الاسبوع كان هاتفى الذى لم أسمع رنينه، ينير معلنا عن رقم غير محفوظ فى ذاكرته الرقمية، فى العادة أبادر بالرد على المتصل خشية أن يكون أحد الأصدقاء القدامى ربما تذكرنى فجأة، نوع من الحنين للبحث عن خيط يربطنى بالماضى، جاء الصوت المقابل لى عبر هاتفى يحمل ملامح فتاة خمنت أنها فى نهاية العشرينيات من عمرها.

- ألو.. مساء الخير

- مساء النور

- حضرتك دكتور رامى مقدم بريد الوفد

- أيوه مين حضرتك.

- أنا «شذى» بطلة العدد الماضى والعدد الذى يسبقه، ولكن دعنى أسألك لما أسميتنى شذى رغم أن اسمى الحقيقى هو «.....»

كنت بحاجة إلى تنسم بعض اللحظات معاودا تذكر خطاب والدك الذى أرسله لى على مرتين، وفى كل مرة كنت أدقق النظر فى أحرفه ودا مخاطبته، والحق أننى كنت حزينا لألمه الذى تسببتى فيه أيتها المشاكسة العنيدة.

غبت فترة من الوقت، لمدة تزيد عن دقيقة.

- ألو دكتور.. حضرتك معايا.

- أيوه شذى معاك.

- أخبرت حضرتك أن اسمى ليس «شذى»

- دعينى أناديك باسمك الذى أطلقته عليك فى المقال الماضى والذى قبله، شذى، رائحة العطر الذى يتبدد، أنت كذلك كنت لأبيك رحيق عطر تبدد بإرادته، تبدد بعنفوان الأنانية المفرطة، تبدد دون أن يؤذن له بالتبدد والرحيل، تركتى والدك فارة إلى مدينة الإسكندرية، هاربة من مواجهته، واستحضار صورة الهزيمة التى ألمت بك، ولم تدر أنت أيتها الفتاة العنيدة ما فعلتيه برحيلك وأثر هذا الرحيل على هذا الوالد المتفرد والوحيد.

- بابا تجسس على وقام بمواجهة ذلك الوافد الغريب... وضعنى فى موقف أشعرنى بالضآلة أمامه وأمامى وأمام هذا الوافد.

- هل عندك شيء آخر تودين أن تخبرينى به؟

- أريد أن أعرف رأيك فيما حكاه أبى، هو لم يحك سوى الحقيقة، وأنا أوافقه فى كل ما قاله وأشهد بصدقه، بل إنه أخفى عليك وعلى قرائك بعضا من زلاتى وعثراتى فى رحلة حياتى معه.

- ستعرفى رأيى من خلال مقال هذا العدد...لعلك تقرأينه بقلبك ثم عقلك وعندما تنتهى من قراءته، أعيدى مرة أخرى فعل القراءة ولكن هذه المرة اقرئيه بروحك، لربما يصلك ما وددت أن أخبرك به.

 

العزيزة صاحبة الاتصال شذى.....

ما الجريمة التى اقترفها أبوك فى حقك حين قام بمواجهة ذلك الشخص الذى ظل يتلاعب بك طيلة هذه السنوات، ومن ثم اكتشف والدك عبر رسالة نصية من قبيل المصادفة أنك تبتذلين نفسك، وأن ذلك الوافد الذى تفرضين نفسك عليه يطلب منك مرارًا أن ترتحلى من حياته؟أخبرينى أيتها الفتاة أى جريمة أرتكبها ذلك الرجل.... فى حين كان كل همه الأكبر والشاغل هو نجدة ابنته من حالة الحزن الذى تعتريها ويؤلم قلبها، وكيف كان رد فعلك؟ وما المقابل الذى كان منك؟

لقد نصبتى من نفسك قاضية، ومن ثم تحركت من مقعد القاضى لتحتلى مقعد الجلاد وتمارسى فعل تنفيذ الحكم، وفى كل هذا الحراك كان أبوك هو المتهم، المتهم أمامك فقط، حتى لو لم تقتف عدالة محكمتك أدلة إثبات الفعل والجريمة، بل الجريمة من وجهة نظرك أنه وقع بالصدفة المطلقة والبحتة أمام عينه، رسالة نصية من رجل يرفض أن تتواجدى بحياته، وأمام حزنك الملازم لك، قرر الأب أن يواجه ذلك الرجل ويسأله ماذا يود من ابنته؟... وقتها أعلنت أنت تنصيب وتدشين محكمة قاضيها كان أنت وجلادها كان أنت، بدافع من الأنانية المطلقة لا بدافع من بحثك عن العدالة، ثم قررت محكمتك إطلاق الحكم، الارتحال من حياة أبيك الذى تبتل فى تربيتك طيلة عقد ونصف من الزمن عقب وفاة أمك رحمها الله، معلنة أنك تودين استكمال حياتك بمدينة الإسكندرية مع خالتك التى تعيش مع بناتها فقط.

قررتى أن تطلقى رصاصة من نوع فيه من الجفاء والعقوق دون أن تعلمى مداها، أهملتى والدك ولا أعلم

من علمك هذه القسوة؟، ثم أى منطق للحب؟، كان مبررك فى الدفاع هو مشاعرك الخاصة، لكن أى حب هذا الذى تتحدثين عنه فى حين أن طرفا من طرفى المعادلة طلب منك صراحة أن ترتحلى عن حياته وتنتبهى لحياتك الأخرى.

ربما ستمزقين أوراق الجريدة الآن، وربما تلقيها حانقة من يدك وربما تلعنى كاتب هذه السطور جهرة أو فى سرك، لكنك بحاجة إلى مرآة غير مكسورة أو مخدوشة أو مشطورة لترى حقيقة غابت عنك، حقيقة أوجزها الإمام على كرم الله وجهه فى جملة غاية فى البساطة والسلاسة فى معرض قوله «رغبتك فيمن زهدك كسرة نفس، وزهدك فيمن رغبك قلة حظ».

كتب لى والدك أنك ألقيتى خاتم الخطوبة فى وجه الفتى الذى أحبك أكثر من مرة، وأخبرتينى أنت أن ذلك الفتى المعذب علم بقصة تعلقك بهذا الرجل ورغم ذلك قد غفر لك، والآن أديرى المرآة أمام وجهك ودعينى أطرح التساؤل «أين الخلل»؟، ربما تخبريننى بأنك لا ترغبين فى هذا الفتى، لكن دعينى أعيد التساؤل ولما أخبرتى أباك أنك كنت متيمة به وماذا بدل هذا التتيم؟ أم أن ظهور وافد الزمن الماضى قد حرك بداخلك تلك المشاعر المبتورة من محاجرها ومقبرتها؟...أم أن هناك حقيقة غير ذلك وتلك؟

ربما كانت هناك حقيقة أخرى، مفادها، مرحلة فقدان المعيارية التى تعيشين فيها الآن، حيث تساوى عندك كل الأشياء وفقدتى قيمة الإحساس بأشياء، حتى عاطفة البنوة تجاه والدك، أطلقتى عليها رصاصة، صدر قرارها من محكمة نصبتيها أنت. وكان والدك هو المتهم بلا أدلة ولا شهود ولا هيئة دفاع سمحت أنت بها.

بما تريدننى أن أخبرك الآن؟..وكيف يمكن لقارب صغير أن يستقر بالماء أو على شاطئ بحيرة بينما رياح متوالية ومختلفة الاتجاهات تداوم تحريكه؟... حتى رباط الأمان بالشاطئ أنت من قطعه برحيلك عن أبيك. وكان من الممكن البقاء مع أبيك ومحاولة فهم الأمر ومن ثم البحث عن حلول للمشكلة والتى لا أراها فى الحقيقة تمثل مشكلة. ولنعد مرة أخرى بطعن فى الحكم الذى صدر من محكمتك عزيزتى شذى وكانت تفاصيله هى رحيلك عن والدك تاركة ذلك الرجل وحيدا ببلدتك الصغيرة بمدينة الزقازيق.

هل أخطأ والدك عندما ذهب للرجل الذى أتلف روحك ليبحث معه عن إجابة وحيدة «ماذا تريد من ابنتى؟»... الحق أنه لم يرتكب خطأ ولو بسيطًا لأنك وما ملكك ملك لأبيك طالما كنت فى عهدة ذلك الأب ولم يكتب عقدك على رجل آخر يتحمل المسئولية عن ذلك الوالد الذى أنهكته أفعالك وأنانيتك.

ما فعله والدك هو إلقاء حجر فى بحيرة راكدة فحرك ماءها، ونتج عن ذلك الحراك مواجهة فعلية أوضحت لك الحقيقة التى كنت تتوارين وتختفين من مواجهتها. أنك كسرتى نفسك... هناك معادلة ربما تصلين بها إلى سلامك الذاتى، معادلة العودة فورا ودون مواربة، لمدينتك المصغرة، لازال والدك ينتظرك هناك.. وحتى كتابة هذه السطور لازال ينتظرك... ربما تتخذى قرارًا بعد فترة فتتكشفى أن أحدا لم يعد ينتظرك، وأن مرساك الوحيد فى هذه الدنيا قد ارتحل عنك حزينًا وحيدًا، ارتحل إلى عالم آخر، ربما قبلها نادى بصوت مرتفع عليك لعلك تقدمى له نجدة أو كوب ماء، لكن أحدا فى البيت لم ليكن معه.