رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..حلم السباعي

بوابة الوفد الإلكترونية

أنا معاق، هذا هو مفتتحى لك الذى أبدأ لك به هذا الخطاب، وهو خطاب مغاير لما اعتاد عليه بابك «بريد الوفد»، فخطابى مجموعة من رسالات صوتية مسجلة، بدأتها لك بجملة «أنا معاق»، كى تتلمس لى العذر ولتتحمل معى قدر ما وددت أن أشركك فيه وأقصه لك،  ففى عالمنا، نحن المعاقين، نملك من الخصوصية التى لا يعرفها الكثير، حتى إن أوهموك أن الجميع يعلم عنا كل شيء فهم مخطئون، ولعلك تسألنى الآن لما ابتدأت معك رسالتى بجملتى الصادمة «أنا معاق» لأننى لا أملك القدرة على تحريك يدى أو قدمى، فإعاقتى قد شملت يدى وقدمى، ولدت بهذا الأمر، إذا تعرفت على أو سألت عنى سيخبرونك مَن هم فى محيط عائلتى أننى وجه ضاحك فقط، سيخبرونك بأننى أحمد السباعى صاحب الضحكة والدم الخفيف، هم للحق محقون فى هذا، لأنى أخفى عنهم ما يتبدى بداخلى من ألم.

برأيك من أين تكون البداية؟ ولما اخترت أن أسجل بصوتى العديد من الرسائل لك؟.. الحقيقة أنا لا أعرف لما اخترت أن أتحدث معك رغم أننى لا أعرفك تمام المعرفة، أنا فقط أقرأ لك عبر صديق يخبرنى بكتاباتك ويقرأ لى،  قرأت لك عن مفهومك للحب، حتى صرت متيماً بهذه الفلسفة العميقة لهذا الحب، لكننى كلما قرأت لك انتابنى الحزن وكأنك ترسل رسائلك لى، ستكون البداية معك حيث مفهوم الحب...

هل، عزيزى المحرر، لا يملك إنسان مثلى قلباً ليحب؟، تخيل أن كل من أحببتهم صدمونى بجملة وحيدة يتيمة بائسة «أنت مثل أخى يا أحمد» حتى ظننت ان والدى تزوج من نصف سكان مدينتى طالما كل هؤلاء الفتيات إخوتى!!،  حب من طرف واحد فقط، هو بالطبع من طرفى أنا، والحق أننى التمست لبنات حواء ذلك العذر، وفى كل قصة حب أمر بها، تلتهب العذابات بداخلى وحدى، حين يرحل المساعد الشخصى الذى يتقاضى أجره من أبى مقابل دفع الكرسى المتحرك الخاص بى،  حتى حبى للمساعد الذى يجر الكرسى الذى يحملنى،  صحبة مبتورة لا تكتمل، فى الغالب لا يمر ثلاثة أشهر إلا ويتم تغيير المساعد الخاص بى، هناك حقيقة يجب أن تعلمها عزيزى المحرر أن الإنسان بطبعه ثقيل، رغم أن المساعد يتقاضى أجره لقاء ما يقدمه لى، لكنى على يقين أنه كان يضجر هارباً حتى لو كان المبلغ المتفق عليه يروق له فى بادئ الأمر. فلم تفلح خطة أبى لأن يكون بينى وبين هذا المساعد الذى تغير مسماه وهيئته مراراً أية علاقة إنسانية، ولنعود مرة أخرى إلى الحب، باقى من السنوات القليل حتى يتوسط عمرى الثلاثينات، تخيل، يعنى أننى مكثت كل هذا العمر الزمنى على هذا الكرسى الذى لا يضجر منى، ربما لا يفهم البعض سر العلاقة والونس مع هذا المقعد الذى يتحملنى، ومع كل قصة حب أمر بها، يكون الليل هو الباعث لكل ألم، ولأننى لا أستطيع القبض بأصابعى على السيجارة كى أدخنها فإن عذاباتى تمتد للصباح حتى يأتى المساعد فيساعدنى حتى فى تدخين سيجارة أنفث فيها بعض الألم الذى لا يمكن الإفصاح عنه. ولا قدرة ليدى على القبض عليها.

الحب الأوحد والمتبقى والدائم هو حب أمى، لا أدرى كيف يمكن أن تكون الحياة بغير هذه السيدة، وكم من الاختبار الشديد الصعوبة أن ترزق أم بفتى بمثل حالى، إذ كنت أرقبها صغيراً وهى تبكى، وكنت عاجزاً عن فعل أى شيء، هى أمى عزيزى المحرر، أمى يدى وقدمى التى أنبتها الله من أجلى، ولا أعلم كيف يمكن أن تكون الحياة حياة بغير تواجد لهذه السيدة، أنا أسرتى بسيطة،  ننتمى لشريحة اجتماعية يلقبونها فى المجتمع بالراقية، مشتركون فى أرقى الأندية بمدينتى، لى أخت هى بسمة حياتنا، تزوجت الآن ولها بيتها وزوجها، وبقى البيت على أبى الذى بلغ سن المعاش، وأمى التى كتب الله عليها صفة الصبر فى الدنيا برزقها بشاب مثلى لتكون من الفائزات بالبشرى، أخشى ما أخشاه عزيزى المحرر أن أكون وحيدا عبئا على أحد، إننى أحمد الله وبينى وبين الله عمار وحوار متجدد، فعلى الرغم من لعثمتى فى إخراج الكلمات من فمى، إلا أن لغة القلب ميسرة وبسيطة، أنا أخاف الله، لا أقرب أمرا فيه ظلما لنفسى، لكنى بعد فترة أدركت ان سعادة الإنسان الحقيقية هى الرضا، هل تتخيل أننى أقول لك هذا معترضاً على خلق الله أو مشيئته، أبدا عزيزى المحرر، أنا محب لهذا الرب الذى خلقنى رغم نفور البعض منى، رغم تخيلهم أننى أحمق أو قليل الفهم، مؤلم يا عزيزى أن تجلس وسط أفراد فيعتقدون فيك الغباء والحمق أو التخلف، أو أن يتعاملوا معك كونك معاقا فلا حق لك أن تحب أو تختار أو تفكر.. فكرت مرة أن أكتب خطابا لرئيس البلاد أطلب منه أن ألتقيه،

أخبره عن مطالب فئتى من أصحاب الإعاقة، فكرت مرة أن أخوض غمار العمل السياسى واشتركت فى حزب سياسى طامحا أن أعبر عن أحلام أبناء ألمى وإعاقتى.... فكرت فى أشياء كثيرة، فكرت أن افتتح مقهى لأجلس وسط الناس وأستشعر أننى فرد منهم... لكن دائماً قلبى حزين عزيزى المحرر.. برأيك متى سأجد الحب ومن يرتضى بى محباً؟

 

العزيز أحمد السباعى..

عظيمة هذه السيدة التى أنجبتك، وصابرة وطيبة، وقد حاولت رسم ملامح هذه السيدة الأم، منبت الرحمة ومستودعها لك ولأختك ولوالدك أيضاً، حتى إننى إذا شرفت بلقائها، وددت أن أقبل يدها امتناناً وتقديراً كونها أخرجتك بهذا المفهوم التربوى الفعلى، وهذا الاتساق مع الذات، ولعلك لا تعلم أننى تعلمت منك عبر رسالاتك الكثير، أهمها الرضا الذى نفتقده جميعاً، حيث نتصارع من أجل الأمنيات والطموح، ونتناسى أفضالاً كثيرة رزقنا بها من قبل هذا الإله العظيم والرحيم، تعلمت منك أيضاً الخجل، كثيرون يجب أن يتعلموا كيفية الخجل من هيبة الذات الإلهية. وحفظ الله لك والدك، أنت لم تحدثنى عن طبيعة عمل هذا الوالد، الذى هو أيضا بحاجة إلى نوط تقدير من نوع خاص، ويبدو من رسالتك أن والدك كان عمله يجعل العديد من الناس تتحلق حوله، ويحاولون استرضاءه، لكنك أيضاً عزيزى أحمد اكتشفت أنه لا يبقى سوى الكلمة الطيبة وأن كل المناصب إلى زوال، ثم إلى بسمة عائلتك المصغرة، أختك التى يبدو أنك تتعامل معها أنها ابنتك، وهى الأخرى تتعامل معك بمفهوم الأبن الشقيق.

ولنعد يا عزيزى إلى بيت القصيد ومنبت الوجع، وهو الحب، أو البحث عن الحب، ولتعلم أيها الفتى الذى فى أواسط الثلاثين، أن الحب يجب أن يكون مشتركاً فى الهوية والتبادل وإلا صار عذاباً وألماً لذلك المحب من طرف واحد، وأنصحك أن تقرأ رواية سارة للعقاد، لتعرف قدر الألم الذى مر به كاتبنا الراحل جراء هذا الحب. دعنا نتفق أن لهذا الكون ملكاً كبيراً يديره، نحن لا نرى كل القوانين ولا كل المعطيات، لأن هناك أموراً تعجز حواسنا عن إدراكها، لكن دعنى أشبه لك الأمر بحبة الفول التى لها نصفان، كل نصف متطابق ومتوافق لنصفه، هناك نصف لك لم تلتقه إلى الآن، لكن الرحمة الإلهية كفيلة بأن تجمعك بهذا النصف، ستكون حبيبة شفوقة لك قادرة على احتوائك. الأمر فى الحب ليس شبيهاً فى اختياراتنا لأصناف الطعام داخل قائمة المطعم الذى ترتاده، هناك نصف مشابه لك ينتظرك مثلما تنتظره، لكن كل شىء بقدر عزيزى أحمد.

أما طموحك السياسى وانضمامك لأحد الأحزاب فهو أمر ستجربه، وستخرج منه بمجموعة من النتائج التى ستطرحها على عقلك وروحك ومن ثم سيتم تقييم التجربة وفق مفهومك، ولا ضير أن تطمح لأن تكون نائباً يعبر عن آمال وآلام من تستشعر بهم، لكن عليك أن تعى أن هذا الطموح بحاجة إلى إعداد فكرى، تقرأ كثيراً، وتحاول الاستماع أكثر، ومن هنا، من باب بريد الوفد نتوجه إلى أصحاب القرار فى الوطن، إلى رئيس البلاد نتوجه له راجين أن تتاح لك عزيزى أحمد الفرصة ربما تقول وقتها ما ود أبناء جيلك أن يقولوه ربما توضح أنت طبيعة ما يمر به صاحب المحنة والاختبار.