رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد.. طبيبة عيون

بوابة الوفد الإلكترونية

واعلم أعزك الله أن لكل ولى مقامًا عند ربه لم ندرك نحن منه أهل هذه الدنيا إلا القدر الذى تسمح به أرواحنا لتلقيه، فالأراوح آنية، وكل إناء له حجم وقدر ومقدار لحفظ ما يصب فيه، ولما قال الله فى كتابه العزيز يخبرنا بالعثور على أهل الكهف، جاءت الآية القرآنية «وكذلك أعثرنا عليهم» أى أن الله هدى وأرشد رجال البلدة فى العثور عليهم ثم جاء السبب والتعليل لهذا العثور والاكتشاف فى سببين عليك أن تفطن إليهما، «لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا»، فكان الهدف من اكتشاف هؤلاء الفتية هو إثبات أن وعد الله حق بقدرته على إحياء الموتى وتكريم من نزهوه ووحدوه ولاقوا من أمرهم لأجل توحيد الواحد القهار، وكان السبب الثانى موضحًا ومؤكدًا أن الساعة والقيامة واليوم الآخر حق.

وقد ذكر الصالحون أن أولياء الله لهم قدرهم عند ربهم، هذا القدر الذى لا تدركه الأبصار ولا تعيه العقول، وعن هؤلاء الرجال أحدثك عن سلطان الأولياء، وهو ولى يستقر مقامه بمدينة طنتدا، «طنطا حاليًا» وله من الألقاب الكثير الذى تداول ويتداول بين العوام، فهو بين الفقراء «نجدة الملهوف»، وبين الفرسان فى الحروب اسمه «جياب الأسير» وبين المنكسرة قلوبهم «نجدة المنضام» وبين المكروبين اسمه «أبوفراج» وبين المرضى اسمه «منجد العيان»، واعلم يا فتى أن لهذا الولى قدره عند ربه، فإذا بلغك مخطوطى هذا عنه، فاقرأ له فاتحة الكتاب تبركًا كونه من رجال الله وأوليائه الصالحين فى أرضه، فهو السيد أحمد البدوى «باب المصطفى رضى الله تعالى عنه وأرضاه».

< فى="" أمر="" الضنى="">

اعلم أكرمك الله أن ما يؤلم الرجل ويدمى قلبه ويقصم ظهره، ليس ألم يستبد بجسده، إنما هو ألم يصيب فلذة كبده، فيتأوه الرجل مستنجدًا طلبًا من الله فاطر السماء ومالك الملك أن يزيل الألم الذى يلاقيه الطفل أو الابن، بل يتضرع الرجل إلى الله أن ينزل الألم ويبدله فى قلبه بديلًا عن ألم يستشعر به ضناه أو فتاه أو ولده فلذة كبده، وقد صدق العزيز فى قوله المبارك  خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا».

< فى="" أمر="" الطبيبة="" التى="" لها="" وجه="" مريم="">

الليل وحده هو اللوحة المرئية لوهن ابن آدم وكسر جبروته المصطنع، توقف الأب عن التفكير فى كل ما يشغله لحظة أن سمع صغيره يصرخ، استبد الصراخ بالفتى فقفز الأب من فراشه، محتضنًا الطفل الذى تعدت سنوات عمره العشر، كان الطفل يبكى مستشعرًا بوخزة فى عينه اليسرى وغير قادر على فتحها، فاعتصر البكاء قلب الأب، لكنه لم يكن بمقدوره أن يقدم له سوى هذا العناق أمام نشيج الفتى الصغير، كان البكاء بكاء من مقلة الروح لا من ظاهرها، هذا البكاء الذى أحدث شرخًا فى روح الأب، الذى أسرع ووضع كمادات الثلج على عين فتاه، لكن الألم لم يتوقف، لا كتب الله عليك عزيزى القارئ ألم الضنى وفلذة الكبد.

ثلاث ساعات مرت بين نوم متقطع للفتى ثم صراخ من ألم شبهه الفتى الصغير بوخزة إبرة شديدة الرفع والحدة تنغرس فى بؤبؤ العين وليس أمام الأب سوى ترديد اسم الله اللطيف مخافة على عين الطفل ورحمة بألمه الذى يقف أمامه عاجزًا عن فعل شيء، ثم أشرقت الأرض بنور ربها، فاحتضن الأب فتاه «وانطلقا» مكتشفًا أن اليوم هو الجمعة وأن الأطباء قد استراحوا فى هذا اليوم من عناء عمل طيلة أيام الأسبوع المنصرمة.

قادته قدماه بصحبة الفتى المنكسر قلبه والموجوعة عينه، حيث مستشفى الفقراء فى مدينته التى يسكنها «مستشفى رمد طنطا»،

إذ استقبلته ممرضة طيبة القلب، هدأت من ألم الطفل وجرت تستدعى الطبيبة المتواجدة، وما بين ألم يستبد بصغيره وترقب لظهور الطبيبة، تبدت طبيبتنا أخى قارئ تلك الرسالة، ولا أعلم أهى شخص ينتمى إلى عالمنا الإنسى أم هى مركب نورانى ما بين ملك الله وملكوته، وقد رنت فى أذنى وقع لترتيل الآية القرآنية «وكان أبوهما صالحا» ولا أعلم يا أخى أعزك الله، أكانت طلتها أشبه بمخدر قد سكن الألم والوجع عن عين فتاه الذى رآها فاستسلم لمس يدها مصطحبة إياه لغرفة الكشف والفحص، أم أن تجلى ظهورها كان رزاز غياب لحالة صاحبنا الرثة، فاختطفته بلحاظ روح شفيفة كأنما هى من تجليات مريم ابنة عمران عليها السلام، وقد استسلم صاحبنا عنوة بغير رغبة منه ولا إرادة إلى هذا الحضور الروحى الإنسانى النورانى إلى تلك الطبيبة التى عرف فيما بعد أنهم ينادونها بـ«دكتورة مى الهنداوى». وقد فحصت عين الطفل، منتقلة بخفة ملاك يزيح الألم بكرامة ولى، حتى لتحسبها أن صلاح أبيها قد بعث فيها كرامة تنسب إليها مصداقًا لقوله تعالى «وكان أبوهما صالحًا»، فى رحمة وضعت فى ابن آدم، تناولت مى الطبيبة الرقيقة قطارة وضعت فى عين الفتى منها قطرتين، وكأنما تلقى بهم فى عين فتاى مصحوبًا بسر اسم الله الذى ربما لقنه أبوها فى روحها دون أن يعلم صاحبنا الشاهد والواقف أمام ابنه وقد اندهش من توقف صراخه، حيث ثمة يد ملائكية قد مسته وسكنت ألمه، حضور لتلك الطبيبة يدفعك أن تسبح الله كونه أنبت هذه الثمرة أمامنا، حضور لا تملك أن تنظر لعينه، ولا أن تقتفى أثره فكانما هى خليط بين تركيبة ابن آدم وتركيبة ملاك رقيق يمشى بين الناس، حضور يذكرك بأن تدعو لأبيها الذى أخرجها وأنبتها نباتًا حسنًا، ترفقت مى بالطفل الذى بلغ السنوات العشر، وضعت الدواء ممزوجًا بروحها فى عين الفتى الموجوعة والمتقرحة، ربتت على روحه فسكنت الألم واستكان الفتى فى نوم هادئ بلا وخز - تركتنا مى وانصرفت، مودعة لنا بنظرة لم أملك أمامها سوى النظر فى الأرض مخافة أن تؤلم روحى نوارنية فعل النظرة، ودعتنا، وقد حمل الرجل فتاه على كتفه ينعم بنوم حالم على كتفه منصرفًا، ولا زال يذكر مى، طبيبة العيون، ومازال فتاه يذكر تلك الطبيبة صاحبة اللمسة النورانية وابنة الرجل الصالح الذى ود تقبيل يده.