رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..رئيسة الديوان

بوابة الوفد الإلكترونية

مسحت السيدة التى لها وجه من نور على قلب الفتى، وحين همّ برفع رأسه تردد صوت قوى من جمع من الرجال منكسى الرؤوس يسيرون بأدب خلف تلك السيدة، «تأدب فى حضرة الكريمة واخفض عينك يا فتى، فإن من باح راح»، قال الفتى للسيدة التى لها هالة من نور تزين طلتها، من أنت يا أمى؟.. قالت السيدة: أنت ذكرت يا فتى أننى أمك.

سرت فى روح الفتى طمأنينة لها ريح حلو، ريح استقرت بمكمن فؤاده فبعثت فيه الحياة، قال رجل من الرجال الذين لهم هيبة أدبها هو فى حضور السيدة الأم: «قلب الفتى عليل يا ست الرئيسة، بحاجة إلى جراحة تعيد له نبض الفؤاد، ومن ثم هو بحاجة إلى عين ترى ببصيرة موصولة بالفؤاد». ارتعد الفتى من قول ذلك الرجل صاحب اللثام والهيبة التى شذبها.

برد حلو حانٍ تسلل للفتى حين مست أنامل الست الكريمة جبهته، استشعر سكينة تملكت نفسه وتسربت إلى روحه ثم استقرت بفؤاده وقد لفت جسده بدثار من الأمن والسلم ثم سرعان ما أجهش بالبكاء، قال الرجل الذى وقف وخفض رأسه وهو يجاور الفتى المنطرح «لقد كتب الهيام على قلبه سيدتى الرئيسة، شريان قلبه جرحه الوجد»، غريب أمر هؤلاء الرجال الذين يلتمسون الحروف والكلمات فى حضرة السيدة التى لها طلة من نور وهالة من السكينة تنتشر بوجودها.

سمع الفتى صوتا من بعيد: «تأدب يا فتى فأنت فى حضرة الست رئيسة الديوان، وما تسره فى قلبك يتراءى للحضور إنا نراك ونسمعك بإذن الله وبركة جدها المصطفى شجرة الأصل ومنبت النور» حاول الفتى أن يهمس أو ينطق إلا أن ثمة بكاء حارقاً يتخلل أحشاءه فيكتم ذلك الصوت الذى يود الخروج. شعر الفتى بابتسامة حنو من الست التى تحمل الأمة. رغم أنه لم ير سوى هالة من النور تكسو حضور حضرتها.

استيقظ الفتى، استشعر فى غرفته ريحاً لم تسبق لأنفه أن استشعرتها من قبل، طاف بالغرفة محاولاً تلمس أرضيتها، وكأنما استشعر أنه لتوه عائد من رحلة بعيدة، استنشق شهيقاً فأحس برئتيه تتفتح.

كان يسير بين الجموع بعين جديدة، عين يرى بها ما لا يمكن وصفه أو التعبير عنه، عاجزة العبارة عن الإفصاح بمتن المعنى، التقاه الرجل المجذوب صاحب العصا والصفارة الذى يرتدى الخيش، دار حوله دورتين ثم أطلق صفيراً مدوياً كأنما يعطى الإذن بالبدء فى نزال، صرخ الرجل الذى توسط الطريق ملوحاً بعصاه، «يا كريمة الدارين يا رئيسة الديوان يا أم هاشم».

ترك المجذوب الفتى ومضى، وداخل رواق المسجد استقر الفتى، خفض جبينه أمام المقام مثلما رأى فى رحلته وكأنما لا يزال الصوت يتردد فى أذنه: «تأدب فى حضرة الكريمة ونكس رأسك» المقام النحاسى مزين بثياب عروس، جمع من الرجال قتلهم الوجد مثلما قتله، قال رجل بلغ من الكبر عتيا جاوره ومستنداً بظهره على حائط المسجد «دع عنك تعنيفى وذق طعم الهوى.. فإذا عشقت فبعد ذلك

عنف» التفت الفتى للرجل الذى لم يعرفه وبدأ حديثه:

< حدثنى="" عن="" السيدة="">

- رد الرجل: وهل تريد قتلى لأحدثك عن سادات القوم يا فتى؟ ألم يكفك جراحة قلبك وتصحيح بصرك؟

< رد="" الفتى="" مضطرباً:="" وكيف="" علمت="" هل="" كنت="">

- قال الرجل: لا تؤذني يا فتى فإن مقامات الرجال ثقيلة، إنما جئت مثلك مقتولاً بالوجد، مستباحاً بالحب.

< قال="" الفتى:="" ولما="" تنتابنى="" حيرة="">

- رد الرجل: إذا عرفت الله استقر بداخلك ذلك السلام الذى أرهقك البحث عنه.

< سأل="" الفتى="" ولما="" يطلقون="" على="" الست="" رئيسة="">

- أجاب الرجل: إن من ذاق عرف، ومن يحدثك عن عذوبة الماء ليس كمن ذاقه وارتوى به، وليس من يحدثك عن خمر المحبين كمن سكر به، ارتق لتلتقِ فتعرف وتفهم، هذا طريق يحتاج جلاء بقلبك وصفاء بروحك.

< لكنك="" لم="" تجبنى="" عن="" سر="" لقب="" رئيسة="">

- قال الرجل هى رئيسة ديوان المظالم، من ليس لهم سند ولا واسطة فى دنيانا، لها مقام عند مالك الملك فيقضى طلبها بإذنه وهذه كرامة خصها الله بها  لطهرها، وهى مرحمة ومحكمة، محكمة مثيلة الشكل بمحكمة الدنيا فى دار القضاء، لها مستشارون وبالمحكمة قضاة وأرشيف يوثق قضايا العباد ومظالمهم، تقضى فى الأمر بإذن الله. واعلم يا فتى أنها الكريمة عقيلة بنى هاشم، جوادة كريمة على فقراء الناس والمساكين من الخلق، راعية لليتامى والأرامل والمنكسرة قلوبهم، لها يد حانية فتطعمهم البهجة وسلامة العيش. وهى الشاهدة على المذبحة بكربلاء، احتضنت ابن أخيها على زين العابدين، لم تتبرم لقضاء الله، ولم تصرخ للسماء متساءلة عن سبب الهزيمة، تقبلت كل هذا فى رضا، وتأدبت مع قدر الله، وبادلت الكسر بالحب، وجبرت روحها بالاستسلام لقضاء الله وتدبيره. طوبى يا ولدى لمن شرب من وعائهم ومن نعم بحنانهم.

أمال الفتى رأسه على حائط المسجد، رن صوت درويش كترتيل ينساب رائقاً فى المكان والضريح ساقياً الحضور، «حبيبة الكل ياست الكل يا ماما زينب».