رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تذكرة الموت.. طارق دفع حياته ثمنًا لتذكرة قطار

بوابة الوفد الإلكترونية

 

غريب أمر هذا القطار، يجمع ويفرق فى نفس الوقت الأهل والأحباب، له مكانة خاصة لدى الجميع، منهم من ينتظر قادما من زمن بعيد، ومنهم من يودع حبيباً مفارقاً، صفارته تخلع القلوب حين الفراق، وتهفو له الأرواح حينما يكون حاملاً غائباً منذ سنوات طويلة، فهو يداعب بصفارته القلوب والوجدان، وينزل الدموع الدامية حينما ينطلق حاملاً إنساناً عزيزاً يفارق الأهل والأحباب، وبرغم قساوته سيظل القطار عنواناً للوصل والفراق، وللقطار فجعات تدمى القلوب ويشيب لها شعر الولدان الصغيرة، حينما تفترس سرعته وعجلاته الحديدية، ممزقة لأشلاء إنساناً دون رحمة، ويرحم أهله فرحة اللقاء.

تلك هى قصتنا المفجعة، حيث سارع «طارق» ليلحق بآخر عربة بقطار 974 المميز والذى انطلق من القاهرة، فى طريقه لمحافظات الصعيد، ومع السرعة الجنونية، والتى شاهدها الجميع لـ«طارق» مصراً على اللحاق بالقطار فى آخر لحظة، ليصعد بالقطار وهو يتحرك من على رصيف المحطة، ومع السرعة لا يدرك طارق أن محفظة نقوده قد سقطت منه أثناء ركوب القطار.

لهفته على ركوب القطار واللحاق به، ليصل للأهل فى مركز مغاغة أحد مراكز شمال المنيا، جعلته يسرع مثل المجنون ليلحق بالقطار، وتسقط منه حافظة نقوده، حمدالله أنه لحق بالقطار، فشوقه لأمه وأبوه وأشقائه كانت كبيرة، القطار يقطع المحطات مثل البرق محطة تلو الأخرى، وطارق يتطلع للمحطات وكل أمله أن يصل محطة مغاغة أسرع من القطار قبل أن يدركه «كمسارى» القطار، فهو لا نقود لديه، وأصبح كلما يتذكر منظر أن يمسك به الكمسارى أو مفتش القطار، دون تذكرة يتصبب عرقاً.

ولكن اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين، على حين غفلة يجد كمسارى القطار أمامه، سائلاً طارق عن تذكرته، يتلعثم طارق فى الرد قائلاك مفيش تذكرة لأن محفظتى سقطت منى أثناء ركوب القطار، ولكون الكمسارى قد تعرض للعديد من تلك الحجج، لم يصدق رواية طارق، نهره أمام زملائه، سيبك من الحركات دى، وطلع الفلوس واقطع التذكرة وإلا هسلمك للشرطة، وطارق يتوسل إليه حالفاً بالله، أن محفظة نقوده قد سقطت منه، ولكن مين يسمع ومين يصدق، لحظات وكمسارى القطار يجلب رجال الشرطة، والتى هى الأخرى لم تصدق طارق وقصة فقده محفظة نقوده.

صوت الجميع ارتفع، الشرطة تنهر طارق والكمسارى مصر على تسليمه للشرطة إذا لم يقطع التذكرة، حاول ركاب العربة التدخل إلا أن الكمسارى أمسك بذراع طارق وهو بجوار الباب، مصراً على تسليمه لرجال الشرطة، إذا لم يخرج النقود، الشرطة تنهر طارق محاولة تفتيشه، والكمسارى ممسكاً بملابسه، لم تنفع توسلاته بتركه وتصديق روايته، ويقفز فكرة النهاية لعقل طارق وهى القفز من القطار وهو

متحرك، وخاصة أنه قريب من الباب، والباب مفتوح، خايف يسلموه لقسم الشرطة وتكون فضيحة بجلاجل وسط الأهل والجيران.

القطار يسير مسرعاً والفكرة تراود طارق، خاصة بعدما رأى أن الشرطة والكمسارى مصرين على تسليمه لقسم شرطة المحطة القادمة، وفى لحمة البرق، ويفلت طارق من بين أيدى رجال الشرطة والمسارى، ويقفز من القطار وهو فى أقصى سرعته ليصطدم لسوء حظه بأحد الصنافورات المترامية على شرطة السكة الحديد، يسقط طارق بعد اصطدامه جثة ممزقة مترامية الأشلاء بين جوانب وعجلات القطار، لفظ طارق أنفاسه الأخيرة.

لحظة سقوط طارق، الأم قلبها ينقبض، لحظات ويجيئ اتصال من زميله بوالده، يخبره بسقوط طارق تحت عجلات القطار بعد محطة العياط، الأب يغشى عليه، والأم فهمت أن ابنها قد حدث له شيء ما تصرخ ليفيق الأب، طارق مات تحت عجلات القطار، لحظات والصراخ يلف عزبة الصعايدة وهى مسقط رأسه، يخرج أهالى القرية تجاه مكان سقوطه، بشاعة الأمر أبكت الجميع، بعدما جلبوا كشافات الإنارة لجمع أجزاء جسده.

مات طارق بعدما لم يجد من فى قلبه ذرة رحمة ويصدق روايته كمسارى القطار، أو يقو أحد الركاب بدفع مقابل التذكرة للكمسارى، مات طارق، مات لكونه لم يحمل ثمن التذكرة، أقدار الله ولا مفر من قدر الله عز وجل، ولكن بموت طارق، تكون قد ماتت القلوب الرحيمة، ماتت الشفقة فى قلوب البشر، ماتت الشهامة والنخوة فى أشباه الرجال، مات الكرم وأصبح كل إنسان همه فى نفسه فقط، لا يعنيه التدخل لإنهاء مشكلة قد تتفاقم، مات طارق بعدما طبق الكمسارى الروتين ولم تأخذه رحمة ولا شفقة بشاب يتوسل اليه ودموعه فى عيونه حالفاً بالله أن محفظة نقوده قد سقطت منه عندما حاول اللحاق بقطار «الموت».